الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد السادس/الصفحة الثالثة والثلاثون

كتاب العواقل

2148 - مسألة: هل يعقل عن الحليف وعن المولى من أسفل أو من فوق وعن العبد أم لا وهل يعقل عمن أسلم عن يديه أم لا وهل ينتقل الولاء بالعقل أم لا ؟

قال أبو محمد رحمه الله : قال قوم : يعقل عن المولى المعتق مواليه من فوق : كما ، حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم , قال : اختصم علي , والزبير , في موال لصفية فقضى عمر بن الخطاب بأن الميراث للزبير , والعقل على علي. وعن إبراهيم النخعي في رجل أعتقه قوم , وأعتق أباه آخرون قال : يتوارثون بالأرحام , والعقل على الموالي. وعن أبي موسى أنه كتب إلى عمر بن الخطاب أن رجلا يموت قبلنا , وليس له رحم ، ولا ولي فكتب إليه عمر : إن ترك ذا رحم , فالرحم , وإلا فالولاء , وإلا فبيت المال يرثونه ويعقلون عنه. وعن مجاهد قال : إن رجلا أتى عمر بن الخطاب فقال : إن رجلا أسلم على يدي فمات وترك ألف درهم , فتحرجت منها فرفعتها إليك فقال : أرأيت لو جنى جناية على من كانت تكون قال علي قال : فميراثه لك. وعن معمر عن الزهري , قال : قال عمر بن الخطاب : إذا والى الرجل رجلا فله ميراثه , وعلى عاقلته عقله.

ومن طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أبى القوم أن يعقلوا عن مولاهم , أيكون مولى من عقل عنه فقال : قال معاوية : إما أن يعقلوا عنه ,

وأما أن نعقل عنه , وهو مولانا , قال عطاء فإن أبى أهله أن يعقلوا عنه , وأبى الناس , فهو مولى المصاب. وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري , قال : إذا أبت العاقلة أن يعقلوا عن مولاهم أجبروا على ذلك. وعن إبراهيم النخعي : إذا أسلم الرجل على يدي الرجل فله ميراثه ويعقل عنه وعن الحكم بن عتيبة في رجل تولى قوما قال : إذا عقل عنهم فهو منهم

قال أبو محمد رحمه الله : وقالت طائفة : غير هذا

كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة عن حميد أن مولى لبني جشم قتل رجلا خطأ فسأل عدي بن أرطاة الحسن البصري عن ذلك فقال : لا تعقل العرب عن الموالي.

وقال أبو حنيفة , ومالك : تعقل العاقلة عن المولى والحليف

وقال أبو حنيفة : من والى غير من أعتقه لكن من أسلم على أيديهم فله أن ينتقل عنهم ويوالي غيرهم ما لم يعقلوا عنه , فإذا عقلوا عنه فلا يمكنه الأنتقال عنهم بولاية أبدا. وقال أبو سليمان وأصحابنا : لا تعقل العاقلة عن الموالي من أسفل , ولا عن المولى من فوق , ولا عن الحليف , ولا عن العبد. فلما اختلفوا وجب أن نخلص أقوالهم ثم نذكر كل ما احتجت به كل طائفة لقولها ; ليظهر الحق من ذلك فنتبعه بعون الله تعالى ومنه : فكان الحاصل من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن الموالي من فوق يعقلون عن الموالي الذين أعتقوه , أو أعتقه من هو منهم , وأن ذوي الرحم أولى بالميراث من الموالي الذين أعتقوه , ثم المعتقون , ثم المسلمون. وظاهر هذا : أن كل من ذكرنا يعقل عنه , وأن من أسلم على يد إنسان فولاؤه له يرثه ويعقل عنه. وصح من قول معاوية أن الموالي من فوق يعقلون عمن أعتقوه , فإن أبوا عقل عنهم الإمام وزال ولاؤه عن الذين أعتقوه إلى الذي عقل عنه

وهذا صحيح عن معاوية ثابت ; لأن عطاء بن أبي رباح أدركه. وصح عن إبراهيم النخعي : أن المعتقين يعقلون عن مولاهم الذي أعتقوه , وعمن أسلم على يدي رجل منهم وصح عن الحسن : أنه لا يعقل المعتقون عمن أعتقوا

قال أبو محمد رحمه الله : فوجب أن ننظر في طلب البرهان فيما اختلفوا فيه من ذلك مما أوجب الله تعالى علينا وهو القرآن والسنة فوجدنا من يقول : إن المعتقين يعقلون عمن أعتقوه يقولون : قال رسول الله ﷺ : مولى القوم منهم.

وقال عليه السلام كل حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة.

كما روينا من طريق مسلم ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبد الله بن نمير , وأبو أسامة عن زكريا عن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله ﷺ : لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة.

ومن طريق مسلم ني زهير بن حرب ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، هو ابن علية ، حدثنا أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن الحصين قال : كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل فأسرت ثقيف رجلا من أصحاب رسول الله ﷺ وأسر أصحاب رسول الله ﷺ رجلا من بني عقيل وأصابوا معه العضباء , فأتى عليه رسول الله ﷺ وهو في الوثاق فقال : يا محمد فأتاه فقال : ما شأنك فقال : بم أخذتني وأخذت سابقة الحاج قال : إعظاما لذلك أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف , ثم انصرف , فناداه : يا محمد , يا محمد وكان رسول الله ﷺ رفيقا فرجع إليه فقال : ما شأنك فقال : إني مسلم , قال : لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح وذكر باقي الحديث قالوا : فإذا كان المولى من القوم , والحليف من القوم وهم مأخوذون بجريرته فالعقل عليه.

قال أبو محمد رحمه الله : وهذه الأخبار في غاية الصحة , إلا أنهم لا حجة لهم في شيء منها : أما قول رسول الله ﷺ : مولى القوم منهم فحق لا شك فيه , وليس كونه منهم موجبا أن يعقلوا عنه ; لأنه ﷺ قد قال أيضا ابن أخت القوم منهم ولم يكن ذلك موجبا عندهم أن يعقلوا عنه :

كما روينا من طريق مسلم ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر هو غندر ، حدثنا شعبة قال : سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك قال : جمع رسول الله ﷺ الأنصار وقال : أفيكم أحد من غيركم قالوا : لا , إلا ابن أخت لنا , فقال رسول الله ﷺ إن ابن أخت القوم منهم وذكر الحديث. فبطل أن يكون قوله ﷺ : مولى القوم منهم أن يكون موجبا لان يعقل عنهم , أو يعقلوا عنه إذ لا يقتضي قوله عليه السلام مولى القوم منهم أن يعقلوا عنه.

وأما حديث عمران بن الحصين أن رسول الله ﷺ قال للعقيلي أخذتك بجريرة حلفائك من ثقيف فلا حجة لهم فيه أصلا لوجوه : أحدها أنه ﷺ لم يأخذ منه إذ أخذه مسلما حرام أخذه لولا جريرة حلفائه , بل أخذ كافرا حلالا أخذه , ودمه , وماله على كل حال , إلا أنه تأكد أمره من أجل جريرة حلفائه فقط ولسنا في هذه المسألة إنما نحن في مسلمين حرام دماؤهم وأموالهم , هل يؤخذون بجريرة حلفائهم أم لا. وثانيها : أن مثل تلك الجريرة لا يختلف اثنان من أهل الإسلام في أنه لا يحل أن يؤخذ بها مسلم عن مسلم ولو أن حلفاء الإنسان أو إخوانه أو أباه أو ولده : يأسر رجلا من المسلمين , أو يقطع الطريق : لم يحل لأحد أن يأخذ حليفه , ولا أخاه , ولا ابنه , ولا أباه عنه. وثالثها : أن هذا قياس والقياس كله باطل ; لأنه قياس الشيء على ضده , وقياس مؤمن على كافر , وجناية قتل خطأ على أسر كفار لمؤمن وهذا تخليط ممن موه بهذا الخبر فحرفه عن موضعه.

وأما حديث جبير بن مطعم : لا حلف في الإسلام , وكل حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة فلا متعلق لهم به ; لأننا لم نخالفهم في بقاء حلف الجاهلية وإبطال الحلف في الإسلام فيحتجوا علينا بهذا الخبر , وإنما الكلام هل يعقل الحلفاء بعضهم عن بعض أم لا وليس في هذا الخبر شيء من هذا المعنى وما معنى بقاء الحلف إذا قلنا : معناه ظاهر , وهو أن يكونوا معهم كأنهم منهم , فإذا غزوا غزوا معهم , وإذا كانت لهم حاجة تكلموا فيها كما يتكلم الأهل , وما أشبه ذلك

وأما إيجاب غرامة فلا. وقد روينا من طريق مسلم ، حدثنا أبو جعفر بن محمد بن الصباح ، حدثنا حفص بن غياث ، حدثنا عاصم الأحول قال : قيل لأنس بن مالك : بلغنا أن رسول الله ﷺ حالف بين قريش والأنصار في داره. وفي حديث آخر لمسلم عن أنس : في داره بالمدينة

قال علي رحمه الله : فهذا أعظم حجة في إبطال أن يعقل الحليف عن حليفه ; لأن رسول الله ﷺ حالف بين قريش والأنصار , ولا حلف أقوى وأشد من حلف عقده رسول الله ﷺ فلو عقل الحلفاء عن الحليف لوجب أن تعقل قريش عن الأنصار , والأنصار عن قريش وهذا ما لا يقولونه

قال أبو محمد رحمه الله : فواجب أن نطلب معرفة الوقت الذي قطع فيه رسول الله ﷺ الحلف في الإسلام : فذكر عن عمر بن الخطاب من طريق عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف , قال : إن كل حلف كان قبل الحديبية فهو مشدود , وكل حلف كان بعد الحديبية فهو منقوض ; لأن رسول الله ﷺ حين وادع قريشا يوم الحديبية كتب عليه السلام حينئذ بينه وبينهم : أنه من أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدها دخل , ومن أحب أن يدخل في عهد محمد ﷺ وعقده دخل. وقضى عثمان : أن كل حلف كان قبل الهجرة فهو جاهلي ثابت , وكل حلف كان بعد الهجرة فهو في الإسلام , وهو مفسوخ , قضى بذلك في قوم من بني بهز من بني سليم. وقضى علي بن أبي طالب : أن كل حلف كان قبل نزول لأيلاف قريش فهو جاهلي ثابت وكل حلف كان بعد نزولها فهو إسلامي مفسوخ ; لأن من حالف ليدخل في قريش بعد نزول لأيلاف قريش ممن لم يكن منهم لم يكن بذلك داخلا فيهم , قضى في ذلك في حلف ربيعة العقيلي , في جعفي , وهو جد إسحاق بن مسلم العقيلي ; وقال ابن عباس : كل حلف كان قبل نزول ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون إلى قوله فآتوهم نصيبهم فهو مشدود , وكل حلف كان بعد نزولها فهو مفسوخ , فوجب أن ننظر في الصحيح من ذلك :

فأما قول عثمان رضي الله عنه إن حد انقطاع الحلف إنما هو أول وقت الهجرة , فلا يصح ; لأن أنسا روى كما ذكرنا أن رسول الله ﷺ حالف بين قريش والأنصار بالمدينة , ولا يشك أحد في أن هذا الحلف كان بعد الهجرة.

وأما قول عمر رضي الله عنه في تحديده انقطاع الحلف بيوم الحديبية فهذا أيضا متوقف ; لأن حلف النبي ﷺ بين قريش والأنصار كان بعد الهجرة , ولا ندري أقبل الحديبية أم بعدها.

فأما نزول لأيلاف قريش والآية الأخرى فما ندري متى نزلتا لأن جبير بن مطعم راوي كل حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة لم يسلم إلا يوم الفتح , فلا يحمل هذا الخبر إلا على يوم الفتح , والله أعلم فبطل تعلقهم بهذه الأخبار جملة.

قال أبو محمد رحمه الله : فوجب علينا أن نطلب حكم هذه المسائل من غير هذه الأخبار , فوجدنا رسول الله ﷺ قد قضى بالدية على العصبة هكذا جاء النص في خبر دية القاتلة , فوجب أن تكون الدية على العصبة , ومن هم العصبة فوجدنا النبي ﷺ قد حكم بميراث القاتلة لبنيها وزوجها وحكم بالدية على عصبتها فبطل أن تكون الورثة هم العصبة بخلاف ما قال الشعبي , قال : العقل على من له الميراث , فإذ ذلك كذلك فلعل محتجا يحتج بقول رسول الله ﷺ : ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر. فيقول : إن هذا حكم المولى من فوق فيقال له : نعم , هذا صحيح , وهذا حكم المواريث لا حكم العاقلة ; لأنه قد ترث بالولاء المرأة إذا أعتقت مولى لها وليست المرأة من العصبة.


2149 - مسألة: تعاقل أهل الذمة

روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة ، حدثنا حفص بن غياث ، حدثنا عمرو ، هو ابن عبيد أن الحسن كان يقول في المعاهد يقتل , قال : إن كانوا يتعاقلون فعلى العواقل , وإن كان لا , فدين عليه في ماله وذمته.

ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة أيضا ، حدثنا حفص بن غياث عن أشعث عن الشعبي في المعاهد يقتل , قال : ديته للمسلمين , وعقله عليهم.

ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة أيضا ، حدثنا محمد بن بشر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في رجل من أهل الذمة فقأ عين رجل مسلم قال : ديته على أهل طسوجه. فهذه أقوال منها : أن أهل إقليمه يعقلون عنه وهو ليس بشيء ; لأن أهل طسوجه لا يسمون عصبة له بلا خلاف. وقول آخر أن عقله على المسلمين , وهذا كذلك إذا لم تكن له عصبة فإن كان له عصبة فعقل من قتل خطأ والغرة تجب عليه وعلى عصبته كما حكم رسول الله ﷺ ولم يخص بذلك عربا من عجم بل جعل على كل بطن عقوله فعم وما ينطق عن الهوى وما كان ربك نسيا.


2150 - مسألة: حكم ما جنى العبد في ذلك : إن قتل العبد أو المدبر أو أم الولد , أو المكاتب مسلما خطأ , أو جنوا على حامل فأصيب جنينها , فقد بينا أن رسول الله ﷺ قضى في ذلك وهو الذي قضاؤه من قضاء الله تعالى أن الدية والغرة على عصبة الجاني في ذلك , وأن على كل بطن عقوله ولم يخص حرا من عبد. وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. وما كان ربك نسيا. ونحن نشهد بشهادة الله تعالى أن الله تعالى لو أراد أن يخص حرا من عبد لبينه ولما أهمله ، ولا أغفله , وقد قال تعالى {لتبين للناس ما نزل إليهم} فكل ما لم يبينه الرسول ﷺ ولا فصله فهو باطل , ما أراده الله تعالى قط وقد حكم عليه السلام على كل بطن عقوله. والبطون هي الولادات أبا بعد أب , فهي في العجم , كما هي في العرب وفي الأحرار , كما هي في العبيد , فواجب أن كل من كان من العبيد يعرف نسبه وله عصبة , كقرشي , أو عربي , أو عجمي , تزوج أمة فرق ولدها منها , فإن الدية على عصبته.

فإن قيل : إنهم لا يرثونه

قلنا : نعم , وقد بينا أن الدية على العصبة لا على الورثة بنص حكم النبي عليه الصلاة والسلام وهو الحق المقطوع به عند الله تعالى , وأنه لم يرد قط غيره مما لم يأت به قرآن , ولا سنة.


1251 - مسألة: من لا عاقلة له اختلف الناس في هذا , فقالت طائفة : على المسلمين :

كما روينا أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر بن الخطاب أن الرجل يموت بيننا ليس له رحم ، ولا مولى ، ولا عصبة فكتب إليه عمر : إن ترك رحما فرحم , وإلا فالمولى , وإلا فلبيت مال المسلمين : يرثونه , ويعقلون عنه.

وقالت طائفة : عقله على عصبة أمه :

كما روينا أن علي بن أبي طالب لما رجم المرأة قال لأوليائها : هذا ابنكم ترثونه ويرثكم , وإن جنى جناية فعليكم. وعن إبراهيم قال : إذا لاعن الرجل امرأته : فرق بينهما ، ولا يجتمعان أبدا , وألحق الولد بعصبة أمه , وترثه , ويعقلون عنه. وعن إبراهيم أيضا وهو النخعي في ولد الملاعنة قال : ميراثه كله لأمه , ويعقل عنه عصبتها , كذلك ولد الزنى , وولد النصراني وأمه مسلمة.

وقالت طائفة : على من كان مثله :

كما روينا عن ميمون بن مهران أن رجلا من أهل الجزيرة أسلم وليس له موال , فقتل رجلا خطأ فكتب عمر بن عبد العزيز : أن اجعلوها دية على نحوه ممن أسلم.

وقالت طائفة : على من كان مثله.

وقالت طائفة : لا شيء في ذلك :

كما روينا من طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج , قال : زعم عطاء أن سائبة من سيب مكة أصابت إنسانا فجاء إلى عمر بن الخطاب , فقال له عمر : ليس لك شيء , أرأيت لو شججته قال : آخذ له منك حقه , ولا تأخذ لي منه قال : لا , قال : هو إذا الأرقم أن يتركني ألقم وأن يقتلوني أنقم , قال عمر : فهو الأرقم.

قال أبو محمد رحمه الله : فنظرنا في هذا فوجدنا الله سبحانه وتعالى يقول {ومن قتل مؤمنا خطأ} الآية. ووجدنا رسول الله ﷺ قد قضى مجملا في الجنين بغرة عبد أو أمة , فكان هذان النصان عامين لكل من له عاقلة , ولكل من لا عاقلة له ، ولا عصبة ; لأن رسول الله ﷺ إذ قضى بالدية والغرة على العصبة لم يقل : إنه لا يجب من ذلك شيء على من لا عصبة له فإذ لم يقل , وقضى بالغرة جملة , وقضى الله تعالى بدية مسلمة إلى أهل المقتول خطأ عموما : كان ذلك واجبا فيمن قتله خطأ من له عصبة , ومن لا عصبة له ,

وكذلك الغرة فوجب أن لا تسقط الدية , ولا الغرة هاهنا أيضا , إذ لم يسقطها نص من الله تعالى , ولا من رسوله عليه السلام.

فنظرنا في هذه الأقوال فوجدنا من جعلها في مال الجاني , أو على عصبة أمه , أو على مثله ممن أسلم : قد خص بالغرامة قوما دون سائر الناس وهذا لا يجوز ; لأنه ﷺ قال : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام فلم يجز أن يغرم أحد غرامة لم يأت بإيجابها نص ، ولا إجماع , ولم يقل الله تعالى , ولا رسوله عليه السلام إن الدية يغرمها الأخوال , ولا الجاني , ولا من أسلم مع الجاني فلا يجوز تخصيصهم ; لأنهم وغيرهم سواء في تحريم أموالهم

قال أبو محمد رحمه الله : فلم يبق إلا قول من قال : إن الدية والغرة في سهم الغارمين من الصدقات , أو بيت مال المسلمين في كل مال موقوف لجميع مصالحهم فوجب القول بهذا ; لأن الله تعالى أوجب الدية في كل مؤمن قتل خطأ , وأوجب الغرة في كل جنين أصيب عموما , إلا ولد الزنى وحده , ومن لا يلحق بمن حملت به أمه منه فقط ; لأن الولادات متصلة من آدم عليه السلام إلينا , وإلى انقراض الدنيا أبا بعد أب فكل من على ظهر الأرض من ولد آدم فله عصبة يعلمها الله تعالى وإن بعدوا عنه ، ولا بد إلا من ذكرنا. فإن كانت العصبة مجهولة , أو كانوا فقراء , فبيقين ندري أن الله تعالى إذ أوجب عليهم الدية , والغرة وخفي أمرهم فهم عند الله تعالى من الغارمين , فحقهم في سهم الغارمين من الصدقات واجب , فتؤدى عنهم من ذلك.

وأما من لم يكن له أب كولد الزنى , وابن الملاعنة , ومن زفت إليه غير امرأته , وولد المرأة من المجنون يغتصبها , ونحو ذلك , فهذا لا عصبة له بيقين أصلا , لكن الله تعالى قد أوجب في قتل الخطأ الدية , وفي الجنين الغرة , على جميع أهل الإسلام عاما , لا بعضهم دون بعض , فلا يجوز أن يخص بعضهم دون بعض. وهكذا وجدنا رسول الله ﷺ فعل , إذ ودى عبد الله بن سهل رضي الله عنه من الصدقات مائة من الإبل ,

وقد ذكرناه بإسناده في " كتاب القسامة " إذ لم يعرف من قتله وبالله تعالى التوفيق.