→ كتاب الأقضية (مسأله 1778 - 1786) | ابن حزم - المحلى كتاب الأقضية (مسأله 1787) ابن حزم |
كتاب الأقضية (مسأله 1788) ← |
كتاب الأقضية
1787 - مسألة: فإن لم يكن للطالب بينة وأبى المطلوب من اليمين : أجبر عليها أحب أم كره بالأدب , ولا يقضى عليه بنكوله في شيء من الأشياء أصلا , ولا ترد اليمين على الطالب ألبتة. ولا ترد يمين أصلا , إلا في ثلاثة مواضع فقط : وهي القسامة : فيمن وجد مقتولا , فإنه إن لم تكن لأوليائه بينة حلف خمسون منهم , واستحقوا القصاص أو الدية , فإن أبوا حلف خمسون من المدعى عليهم وبرئوا , فإن نكلوا أجبروا على اليمين أبدا وهذا مكان يحلف فيه الطالبون , فإن نكلوا رد على المطلوبين. والموضع الثاني : الوصية في السفر , لا يشهد عليها إلا كفار , وأن الشاهدين الكافرين يحلفان مع شهادتها , فإن نكلا لم يقض بشهادتها , فإن قامت بعد ذلك بينة من المسلم حلف اثنان منهم مع شهادتهما , وحكم بها , وفسخ ما شهد به الأولان , فإن نكلا بطلت شهادتها , وبقي الحكم الأول كما حكم به فهذا مكان يحلف فيه الشهود لا الطالب ، ولا المطلوب. والموضع الثالث : من قام له بدعواه شاهد واحد عدل , أو امرأتان عدلتان , فيحلف ويقضى له , فإن نكل حلف المدعى عليه وبرئ , فإن نكل أجبر على اليمين أبدا , فهذا مكان يحلف فيه الطالب فإن نكل رد عليه المطلوب. وفي كل ما ذكرنا اختلاف : فقالت طائفة : إن نكل المدعى عليه عن اليمين قضي عليه بدعوى الطالب دون أن يحلف. وقال آخرون : لا يقضى عليه إلا حتى يحلف على صحة دعواه , فيقضى له حينئذ , فالقائلون يقضى على المطلوب بنكوله دون أن ترد اليمين. ف
كما روينا من طريق أبي عبيدة ، حدثنا يزيد ، هو ابن هارون عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن أباه عبد الله باع عبدا له بثمانمائة درهم بالبراءة , ثم إن صاحب العبد خاصم فيه ابن عمر إلى عثمان فقال عثمان لأبن عمر : احلف بالله لقد بعته وما به من داء علمته فأبى ابن عمر من أن يحلف , فرد عليه عثمان العبد.
ومن طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا حفص بن غياث ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس : أنه أمر ابن أبي مليكة أن يستحلف امرأة فأبت أن تحلف , فألزمها ذلك
وروي نحو ذلك عن أبي موسى الأشعري.
ومن طريق ابن أبي شيبة عن شريك عن مغيرة عن الحارث , قال : نكل رجل عند شريح عن اليمين , فقضى عليه فقال : أنا أحلف فقال شريح : قد مضى قضائي. وبهذا يأخذ أحمد بن حنبل , وإسحاق في أحد قوليه.
وقال أبو حنيفة : يقضى على الناكل عن اليمين في كل شيء من الأموال والفروج , والقصاص فيما دون النفس , حاشا القصاص في النفس فلا يقضى فيه بنكول المطلوب , ولا ترد اليمين على الطالب , لكن يسجن المطلوب حتى يحلف أو يقر. وقال زفر : أقضي في النكول في كل شيء , وفي القصاص في النفس وما دون النفس
وهو قول أبي يوسف , ومحمد في أحد قوليهما. وقالا مرة أخرى : يقضى بالنكول في كل شيء حاش القصاص في النفس وفيما دونها , فإنه يلزم الأرش والدية بالنكول في كل ذلك ، ولا يقص منه. وقالوا كلهم : من ادعى على آخر أنه سرق منه ما فيه القطع ، ولا بينة له : حلف المطلوب وبرئ , فإن نكل غرم المال ، ولا قطع عليه. وقالوا كلهم : لا يقضى عليه بالنكول حتى يدعوه إلى اليمين ثلاث مرات. فإن أبى وتمادى قضي عليه. وقال الحسن بن حي : إن وجد قتيل في محلة قوم فادعى أولياؤه عليهم قتله ، ولا بينة لهم : حلف خمسون منهم بالله ما قتلناه , ثم يغرمون الدية , فإن نكلوا قتلوا قصاصا.
وقال مالك : من ادعى حقا من مال على منكر وأقام شاهدا واحدا حلف مع شاهده , فإن أبى قيل للمطلوب احلف فتبرأ. فإن نكل قضي عليه بما شهد به شاهد طالبه عليه. قال : ومن قال : أنا أتهم فلانا بأنه أخذ لي مالا ذكر عدده ، ولا أحقق ذلك. قيل للمطلوب : احلف وتبرأ , فإن نكل قضي عليه بما ذكره المتهم دون رد يمين. قال : من مات وترك ورثته صغارا فأقام وصيهم شاهدا واحدا عدلا بدين لموروثهم على إنسان : قيل للمدعى عليه : احلف حتى تبلغ الصغار فيحلفوا مع شاهدهم , ويقضى لهم , فإن حلف ترك حتى يبلغوا ويحلفوا ويقضى لهم , وإن نكل غرم ما شهد به الشاهد. وقال فيمن ادعت عليه امرأته طلاقا , أو ادعت عليه أمته أو عبده عتاقا , وقام عليه بذلك , شاهد واحد عدل : إنه يقال له : احلف ما طلقت , ولا أعتقت وتبرأ. فإن نكل قضي عليه بالطلاق والعتق. وقال مرة أخرى يسجن حتى يطول أمره , وحد ذلك بسنة , ثم يطلق ومرة قال : يسجن أبدا حتى يحلف.
قال أبو محمد : أما قول مالك فظاهر الخطأ ; لأنه متناقض : مرة يقضي بالنكول كما أوردنا , وفي سائر الدعاوى لا يقضي به , وهذه فروق ما نعلم أحدا من المسلمين فرق بها قبله ، ولا دليل له على تفريقه , لا من قرآن , ولا من سنة , ولا من رواية سقيمة , ولا قول أحد سبقه إلى ذلك , ولا قياس , بل كل ذلك مبطل لفروقه فسقط هذه القول بيقين.
وأما قول أبي حنيفة , وأبي يوسف , ومحمد بن الحسن : فظاهر التناقض أيضا , وما نعلم أحدا سبقهم إلى تلك الفروق الفاسدة , ولا إلى ترديد دعائه إلى اليمين ثلاث مرات , ولا صحح ذلك قرآن , ولا سنة , ولا رواية سقيمة , ولا قول أحد قبلهم , ولا قياس , بل كل ذلك مخالف لفروقهم. ولا يخلو الحكم بالنكول من أن يكون حقا واجبا أو باطلا , فإن كان باطلا فالحكم بالباطل لا يحل , وإن كان حقا فالحكم به في كل مكان واجب : كما قال زفر , والحسن بن حي , وأبو يوسف , ومحمد في أحد قوليهما إذ لم يأت قرآن , ولا سنة بالفرق بين شيء من ذلك فسقط هذا القول أيضا جملة , وما جعل الله قط الأحتياط للدم بأولى من الأحتياط للفروج , والمال , والبشرة , بل الحرام من كل ذلك سواء في أنه حرام. قال رسول الله ﷺ : إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت اللهم اشهد. بل قد وجدنا الدم يباح بشاهدين , وجلد مائة في الزنى أو خمسين لا يباح إلا بأربعة عدول فصح أنه التسليم للنصوص فقط. ولم يبق في الحكم بالنكول إلا قول زفر الذي وافقه عليه أبو يوسف , ، ومحمد بن الحسن صاحباه , فوجدنا من حجة من ذهب إليه : أنه ذكر آية اللعان وقال : إنه لا خلاف في أن الزوج إن نكل عن الأيمان , أو نكلت هي , فإن على الناكل حكما ما يلزمه بنكول الناكل المذكور إما السجن
وأما الحد فهذا قضاء بالنكول. .
فقلنا : لا حجة لهم في هذا , لوجهين : أحدهما أن الزوج قاذف ,
فجاء النص بإزالة حد القذف عنه بأيمانه الأربع ولعنته الخامسة فلزمت الطاعة لذلك , فإن لم يحلف فالحد باق عليه بالنص
وأما المرأة فقد أوجب الله تعالى عليها العذاب , إلا أن تحلف , فإن حلفت درئ عنها العذاب بأيمانها الأربع , وغضب الله عليها في الخامسة بالنص , وإن نكلت فالعذاب عليها واجب , وليس كذلك سائر الدعاوى , بلا خلاف منا ومنكم. والوجه الثاني أنه إنما حصل لكم من هذه الآية أن حكما ما يلزمها بالنكول , وهو عندكم السجن , ونحن نقول : إن نكول الناكل عن اليمين في كل موضع وجبت عليه يوجب أيضا عليه حكما ما وهو الأدب الذي أمر به رسول الله ﷺ على كل من أتى منكرا قدرنا على تغييره باليد وهو بامتناعه مما أوجبه الله تعالى عليه قد أتى منكرا فوجب تغييره باليد فبطل تمويههم بالآية في غير موضعها. وقال أيضا : إن الأمة مجمعة على أن لنكول المدعى عليه حكما موجبا للمدعي حقا , ثم اختلفوا , فقالت طائفة : هو رد اليمين ,
وقالت طائفة : هو السجن والأدب ,
وقالت طائفة : هو إنفاذ الحكم على الناكل , فبطل رد اليمين , ولا فائدة للمدعي في سجن المطلوب الناكل وتأديبه , فلم يبق إلا إلزام المدعى عليه الحكم بنكوله. .
فقلنا : هذا القول في غاية الفساد , إذ زدتم فيه ما ليس منه , ولا حق لأحد عند أحد إلا أن يوجبه الله تعالى في القرآن أو على لسان رسوله ﷺ فقط , ولا حق للمدعي على المدعى عليه في ظاهر الأمر , والحكم , إلا الغرامة إن أقر أو ثبت عليه ببينة , أو بيقين الحاكم , أو اليمين إن أنكر فقط , فلما لم يقر , ولا قامت عليه بينة , ولا تيقن الحاكم صدق المدعي : سقطت الغرامة , ولم يبق عليه إلا اليمين التي أوجب الله تعالى , فهو حقه قبل المطلوب , فوجب أخذه به ، ولا بد , لا بما سواه مما لم يجب عليه سواء كان للطالب في ذلك فائدة أو لم يكن لأن مراعاة فائدته دعوى كاذبة دون مراعاة فائدة المطلوب. وقال : إن قطع الخصومة حق للمدعي على المدعى عليه فلو حلف المدعى عليه لانقطعت الخصومة , فإذ نكل فقد لزمه قطع الخصومة , وهي لا تنقطع بسجنه ، ولا بأدبه , فلم يبق إلا قطعها بالقضاء عليه بما يدعيه الطالب , وكان في سجنه قطع له عن التصرف , وذلك لا يجوز , فتقف الخصومة , فلم يبق إلا الحكم بالنكول. .
فقلنا : هذا كله باطل وخلاف قولكم : أما خلاف قولكم : لو حلف لانقطعت الخصومة , فأنتم تقولون : إنها لا تنقطع بذلك , بل متى أقام الطالب البينة عادت الخصومة وسائر قولكم باطل. وما عليه قطع الخصومة أصلا إلا بأحد وجهين , لا ثالث لهما : إما بالإقرار , إن كان المدعي صادقا.
وأما باليمين , إن كان المدعي كاذبا , وعلى الحاكم قطع الخصومة بالقضاء بما توجبه البينة , أو بيمين المطلوب إن لم تكن عليه بينة فقط ، ولا بد من أحد الأمرين.
وأما غرامة بأن لا يوجبها قرآن ، ولا سنة , فهي باطل بيقين. ثم العجب كله : أنكم بعد قضائكم عليه بالنكول تسجنونه حتى يؤدي , قد عدتم إلى السجن الذي أنكرتم. وهذا تلوث وسخافة ناهيك بها. وقال : هو قول روي عن عثمان , وابن عمر , وابن عباس , وأبي موسى , فلا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ . فكيف وقد روي خلاف هذا عن عمر , وعلي , والمقداد بن الأسود , وأبي بن كعب , وزيد بن ثابت ، رضي الله عنهم ، فما الذي جعل قول بعضهم أولى من قول بعض منهم. فكيف وقد خالفوا عثمان في هذه القضية نفسها ; لأنه لم يجز البيع بالبراءة إلا في عيب لم يعلمه البائع وهذا خلاف قولكم. ومن العجب أن يكون حكم عثمان بعضه حجة وبعضه ليس بحجة , هذا على أن مالك بن أنس روى هذا الخبر عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سالم عبد الله فقال فيه , عن أبيه : فأبى أن يحلف وارتجع العبد فدل هذا على أنه اختار أن يرتجع العبد , فرده إليه عثمان برضاه. فبطل بهذا أن يصح عن عثمان القضاء بالنكول.
وأما الرواية عن أبي موسى فأسقط من أن يعرف أو يدرى مخرجها.
وأما ابن عمر فليس في ذلك الخبر : أنه رأى الحكم بالنكول جائزا , وإنما فيه : أنه حكم عثمان , وأنتم مخالفون لعثمان في ذلك الحكم بعينه.
وأما الرواية ، عن ابن عباس فلا متعلق لكم بها ; لأنه ليس فيها : أن ابن عباس ألزم الغرامة بالنكول , إنما فيه : أن ابن عباس أمر أن يستحلف المدعى عليها فأبت , فألزمها ذلك وهذه إشارة إلى اليمين , إذ ليس للغرامة في الخبر ذكر أصلا , فقول ابن عباس موافق لقولنا , لا لقولكم.
فإن قيل : فإن أبا نعيم روى عن إسماعيل بن عبد الملك الأسدي ، عن ابن أبي مليكة هذا الخبر , فذكر فيه : فإن لم يحلف فضمنها. قيل له : إسماعيل بن عبد الملك الأسدي مجهول لا يدري أحد من هو وإسماعيل بن عبد الرحمن الأسدي متروك مطرح. فبطل أن يصح في هذا شيء عن الصحابة أصلا. فبطل القول بأن يقضى بالغرامة على الناكل لتعريه من الأدلة. وبالله تعالى التوفيق.
وأما من قال برد اليمين على الطالب : ف
كما روينا من طريق أبي عبيد عن عفان بن مسلم عن مسلمة بن علقمة عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال : استسلف المقداد بن الأسود من عثمان بن عفان سبعة آلاف درهم فلما قضاه أتاه بأربعة آلاف , فقال عثمان : إنها سبعة آلاف فقال المقداد : ما كانت إلا أربعة آلاف , فارتفعا إلى عمر , فقال المقداد : يا أمير المؤمنين ليحلف أنها كما يقول , ويأخذها فقال له عمر : أنصفك , احلف أنها كما تقول وخذها.
ومن طريق محمد بن الجهم أنا إسماعيل بن إسحاق أنا إسماعيل بن أبي أويس ، حدثنا حسين بن عبد الله بن ضميرة بن أبي ضميرة عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال : اليمين مع الشاهد , فإن لم تكن بينة فاليمين على المدعى عليه , إذا كان قد خالطه , فإن نكل حلف المدعي.
ومن طريق أبي عبيد ، حدثنا يزيد بن هارون عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن شريح أنه كان إذا قضى باليمين فردها على الطالب فلم يحلف لم يعطه شيئا , ولم يستحلف الآخر.
ومن طريق أبي عبيد ، حدثنا عبد بن العوام عن أشعث عن الحكم بن عتيبة عن عون بن عبد الله بن عتبة أن أباه كان إذا قضى باليمين فردها على المدعي فأبى أن يحلف لم يجعل له شيئا , وقال : لا أعطيك ما لا تحلف عليه.
ومن طريق ابن أبي شيبة عن جرير عن المغيرة : أن الشعبي لم يقض للطالب إن نكل المطلوب إلا حتى يحلف الطالب.
ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا هشيم أنا الشيباني هو أبو إسحاق عن الشعبي قال : كان شريح يرد اليمين على المدعي إذا طلب ذلك المدعى عليه وكان الشعبي يرى ذلك. وقال هشيم ، حدثنا عبيدة عن إبراهيم النخعي أنه كان لا يرد اليمين
وروي هذا أيضا ، عن ابن سيرين , وسوار بن عبد الله , وعبيد الله بن الحسن العنبريين القاضيين هو قول أبي عبيد وأحد قولي إسحاق.
وروي ، عن ابن أبي ليلى قولان : أحدهما : رد اليمين جملة على الإطلاق.
والثاني : أنه إن كان متهما رد عليه اليمين , وإن كان غير متهم لم يرد عليه والظاهر من قوله أن يلزم المطلوب اليمين أبدا , لأنه لم يرو عنه قط الحكم بالنكول.
وقال مالك : ترد اليمين في الأموال ، ولا يرى ردها في النكاح , ولا في الطلاق , ولا في العتق.
وقال الشافعي , وأبو ثور , وسائر أصحابه : ترد اليمين في كل شيء , وفي القصاص في النفس فما دونها , وفي النكاح , والطلاق , والعتاق فمن ادعت عليه امرأته الطلاق , وعبده أو أمته العتاق
ومن ادعى على امرأته النكاح أو ادعته عليه ، ولا شاهد لهما ، ولا بينة : لزمته اليمين : أنه ما طلق , ولا أعتق , ولزمته اليمين : أنه ما أنكحها , أو لزمتها اليمين كذلك , فأيهما نكل حلف المدعي وصح العتق , والنكاح , والطلاق ,
وكذلك في القصاص.
قال أبو محمد : أما قول مالك فظاهر الخطأ لتناقضه , ولئن كان رد اليمين حقا في موضع , فإنه لحق في كل موضع يجب فيه اليمين على المنكر , ولئن كان باطلا في مكان , فإنه لباطل في كل مكان , إلا أن يأتي بإيجابه في مكان دون مكان : قرآن أو سنة , فينفذ ذلك , ولا سبيل إلى وجود قرآن ، ولا سنة بذلك أصلا فبطل قول مالك , إذ لا يعضده قرآن ، ولا سنة , ولا رواية سقيمة , ولا قول صاحب قبله ، ولا قياس. فإن قال : إنما روي عن الصحابة في الأموال.
قلنا : باطل ; لأنه روي عن علي جملة ,
وروي عن عمر , والمقداد في الدراهم في الدين , فمن أين لكم أن تقيسوا على ذلك سائر الأموال , وسائر الدعاوى من الغصوب , وغير ذلك , ولم تقيسوا عليه كل دعوى , فظهر فساد هذا القول. وبالله تعالى التوفيق.
وأما قول ابن أبي ليلى في رده اليمين على المتهم , فباطل ; لأنه تقسيم لم يأت به قرآن , ولا سنة , وما جعل الله تعالى في الحكم بالبينة أو اليمين على الكافر , والكاذب على الله تعالى , وعلى رسوله عليه الصلاة والسلام من اليهود , والنصارى , والمجوس , وعلى المشهورين بالكذب , والفسق , إلا الذي جعل من ذلك على أبي بكر الصديق وعمر , وعثمان , وعلي , وأمهات المؤمنين , وأبي ذر الغفاري , وخزيمة بن ثابت وسائر المهاجرين , والأنصار الذين قال الله تعالى فيهم: {أولئك هم الصادقون} وفي هذا إبطال كل رأي , وكل قياس , وكل احتياط في الدين , مما لم يأت به نص لو أنصفوا من أنفسهم.
وأما قول الشافعي فإنهم احتجوا بآية الوصية في السفر من قول الله تعالى : {تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا}. وذكروا خبر القسامة إذ قال رسول الله ﷺ لبني حارثة في دعواهم دم عبد الله بن سهل على يهود خيبر يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته , قالوا : أمر لم نشهده كيف نحلف قال : فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم. وذكروا وجوب اليمين على المدعى عليه , وأن رسول الله ﷺ حكم باليمين مع الشاهد فرد اليمين على الطالب من أجل شاهده , فكان الشاهد سببا لرد اليمين , فوجب أن يكون النكول من المطلوب أيضا سببا لرد اليمين ولم يقض له بشهادة واحد حتى يضم إليه يمينه , فيقوم مقام شاهد آخر , كذلك لم يجز أن يقضى له بالنكول حتى يضم إلى ذلك يمينه فيكون نكول المطلوب مقام شاهد , ويمين الطالب مقام شاهد آخر.
قال أبو محمد : أما آية الوصية في السفر فحجة عليهم لا لهم , وإن احتجاجهم بها لفضيحة الدهر عليهم لوجوه ثلاثة كافية : أحدها أنهم لا يأخذون بها فيما جاءت فيه , فكيف يستحلون الأحتجاج بآية هم مخالفون لها
والثاني أنه ليس فيها من تحليف المدعى عليه , ولا رد اليمين على المدعي كلمة , لا بنص ، ولا بدليل , إنما فيها تحليف الشهود أولا , وتحليف الشاهد والشاهدين , بخلاف شهادة الأول , فكيف سهل عليهم إبطال نص الآية , وأن يحكموا منها بما ليس فيها عليه , لا دليل ، ولا نص. إن هذه لمصيبة. ولو احتج بهذه الآية من يرى تحليف المشهود له مع بينته لكان أشبه في التمويه على ما روي عن شريح , والأوزاعي , وغيرهما وقد روي عن محمد بن بشير القاضي بقرطبة أنه أحلف شهودا في تزكيه : بالله إن ما شهدوا به لحق.
وروي ، عن ابن وضاح ، أنه قال : أرى لفساد الناس أن يحلف الحاكم الشهود , ذكر ذلك خالد بن سعد في كتابه في " أخبار فقهاء قرطبة " فلو احتج أهل هذا المذهب بهذه الآية لكانوا أولى بها ممن احتج في رد اليمين على الطالب , لا سيما مع ما في نصها من قول الله تعالى : {ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها} ولكن يبطل هذا أنه قياس , والقياس كله باطل , إلا أنه من أقوى قياس في الأرض.
وأما حديث القسامة فاحتجاجهم به أيضا إحدى فضائحهم ; لأن المالكيين , والشافعيين مخالفون لما فيه :
فأما المالكيون : فخالفوه جملة.
وأما الشافعيون : فخالفوا ما فيه من إيجاب القود , فكيف يستحلون الأحتجاج بحديث قد هان عليهم خلافه فيما فيه وأرادوا من ذلك تثبيت الباطل الذي ليس في الحديث منه أثر أصلا. وإنما في هذا الحديث تحليف المدعين أولا خمسين يمينا بخلاف جميع الدعاوى ثم رد اليمين على المدعى عليهم بخلاف قولهم فمن أين رأوا أن يقيسوا عليه ضده من تحليف المدعى عليه أولا. فإن نكل حلف المدعي ولم يقيسوا عليه في تبدية المدعي في سائر الدعاوى. وأن يجعلوا الأيمان في كل دعوى خمسين يمينا , فهل في التخليط , وخلاف السنن , وعكس القياس وضعف النظر : أكثر من هذا
وأما خبر اليمين مع الشاهد : فحق , ولا حجة لهم فيه ; لأن قولهم : إن النكول يقوم مقام الشاهد : باطل , لم يأت به قط قرآن , ولا سنة , ولا معقول , وقد ينكل المرء عن اليمين تصاونا وخوف الشهرة , وإلا فمن استجاز أكل المال الحرام بالباطل فلا ينكر منه أن يحلف كاذبا. وإنما البينة على المدعي , فلم يجب بعد على المنكر يمين , فلما أتى المدعي بشاهد واحد : كان بعد حكم طلبه البينة , ولم يجب بعد يمين على المطلوب , فحكم النبي ﷺ للطالب بيمينه ابتداء لا ردا لليمين عليه , فإن أبى فقد أسقط حكم شاهده , وإذا أسقط حكم شاهده فلا بينة له , وإذ لا بينة له : فالآن وجبت اليمين على المطلوب , لا أن هاهنا رد يمين أصلا فبطل تعلقهم بالنصوص المذكورة والحمد لله رب العالمين. وذكر بعضهم رواية هالكة : رويناها من طريق عبد الملك بن حبيب الأندلسي عن أصبغ بن الفرج ، عن ابن وهب عن حيوة بن شريح : أن سالم بن غيلان التجيبي أخبره أن رسول الله ﷺ قال : من كانت له طلبة عند أخيه فعليه البينة والمطلوب أولى باليمين فإن نكل حلف الطالب وأخذ.
قال أبو محمد : هذا مرسل ، ولا حجة في مرسل عندنا ، ولا عند الشافعيين ثم لو صح لكان حجة على المالكيين ; لأنهم مخالفون لما فيه من عموم رد اليمين في كل طلبة طالب ,
ولا خلاف في أن أوله في كل دعوى من دم , أو نكاح , أو طلاق , أو عتاق , أو غير ذلك , فتخصيصهم آخره في الأموال باطل وتناقض , وخلاف للخبر الذي موهوا به , وهذا قبيح جدا.
وقال مالك في " موطئه في باب اليمين مع الشاهد في كتاب الأقضية " أرأيت رجلا ادعى على رجل مالا أليس يحلف المطلوب : ما ذلك الحق عليه , فإن حلف بطل ذلك عنه وإن أبى أن يحلف ونكل عن اليمين حلف طالب الحق أن حقه لحق وثبت حقه على صاحبه فهذا ما لا اختلاف فيه عند أحد من الناس , ولا في بلد من البلدان , فبأي شيء أخذ هذا أم في أي كتاب الله وجده فإذا أقر بهذا فليقر باليمين مع الشاهد , وإن لم يكن ذلك في كتاب الله تعالى.
قال أبو محمد : وهذا احتجاج ناهيك به عجبا في الغفلة : أول ذلك قوله : إنه لا خلاف في رد اليمين بين أحد من الناس , ولا في بلد من البلدان فلئن كان خفي عليه قضاء أهل العراق بالنكول فإنه لعجب. ثم قوله : إذا أقر برد اليمين وإن لم يكن في كتاب الله تعالى فليقر باليمين على الشاهد وإن لم يكن في كتاب الله تعالى فهذا أيضا عجب آخر ; لأن اليمين مع الشاهد ثابت عن رسول الله ﷺ فهو في كتاب الله عز وجل قال الله تعالى : {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.
وأما رد اليمين على الطالب إذا نكل المطلوب فما كان قط في كتاب الله تعالى , ولا في سنة رسوله ﷺ فبين الأمرين فرق , كما بين السماء والأرض. وإذا وجب الأخذ بما جاءت به السنة , وإن لم يوجب في لفظ آيات القرآن فما وجب قط من ذلك أن يؤخذ بما لا يوجد في القرآن , ولا في سنة رسول الله ﷺ .
وأما أبو ثور فإنه قال : إذا نكل المطلوب عن اليمين وأحلف الحاكم الطالب فقد اتفقنا على وجوب القضاء له بتلك الدعوى ما لم يحلف الطالب فلم نتفق على القضاء له بتلك الدعوى فوجب القول بما أجمعنا عليه , وأن لا يقضى على أحد باختلاف لا نص معه.
قال أبو محمد : ليس قول أربعة من التابعين , وروايات ساقطة لا تصح أسانيدها , ثم بظنون غير صادقة على ستة من الصحابة مختلفين مما يقول : إنه إجماع إلا من لا يدري ما الإجماع. وليس ما اتفق عليه أبو حنيفة , ومالك , والشافعي : حجة على من لا يقلدهم
قال الله تعالى : {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} فلم يأمر عز وجل برد ما اختلف فيه إلى أحد ممن ذكرنا , فمن رد إليهم فقد خالف أمر الله تعالى فسقط هذا القول أيضا وبالله تعالى التوفيق.
وأما احتجاجهم : بعمر , والمقداد , وعثمان ، رضي الله عنهم ، فلا حجة في قول أحد دون رسول الله ﷺ لو صح ذلك عنهم فكيف وهو لا يصح لأنه من طريق الشعبي والشعبي لم يدرك عثمان ، ولا المقداد فكيف عمر.
وأما الرواية عن علي فساقطة ; لأنها عن الحسن بن ضميرة عن أبيه وهو متروك ابن متروك لا يحل الأحتجاج بروايته فلم يصح في هذا عن أحد من الصحابة كلمة.
قال أبو محمد :
وأما قولنا : فكما روينا من طريق وكيع ، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال : كان بين أبي بن كعب , وعمر بن الخطاب منازعة وخصومة في حائط فقال : بيني وبينك زيد بن ثابت فأتياه فضربا عليه الباب , فخرج فقال : يا أمير المؤمنين ألا أرسلت إلي حتى آتيك فقال له عمر : في بيته يؤتى الحكم , فأخرج زيد وسادة فألقاها , فقال له عمر : هذا أول جورك وأبى أن يجلس عليها , فتكلما فقال زيد لأبي بن كعب : بينتك وإن رأيت أن تعفي أمير المؤمنين من اليمين فأعفه فقال عمر : تقضي علي باليمين ، ولا أحلف فحلف. فهذا زيد لم يذكر رد يمين ، ولا حكما بنكول , بل أوجب اليمين على المنكر قطعا إلا أن يسقطها الطالب , وهذا عمر ينكر أن يحكم الحاكم باليمين ، ولا يحلف المنكر
وهو قولنا نصا.
ومن طريق أبي عبيد ، حدثنا كثير بن هشام عن جعفر بن برقان قال : كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري في رسالة ذكرها : البينة على من ادعى واليمين على من أنكر فلم يذكر نكولا ، ولا رد يمين.
حدثنا حمام بن أحمد ، حدثنا عباس بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ، حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، حدثنا يحيى بن أبي بكر الكرماني ، حدثنا نافع بن عمر الجمحي ، عن ابن أبي مليكة قال : كتبت إلى ابن عباس في امرأتين كانتا تحرزان حريزا في بيت , وفي الحجرة حداث , فأخرجت إحداهما يدها تشخب دما فقالت : أصابتني هذه , وأنكرت الأخرى , قال : فكتب إلي ابن عباس إن رسول الله ﷺ قضى أن اليمين على المدعى عليه , وقال : لو أن الناس أعطوا بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم , ادعها فاقرأ عليها : إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا الآية , قال ابن أبي مليكة فقرأت عليها , فاعترفت ". فهذا في غاية الصحة ، عن ابن عباس ولم يفت إلا بإيجاب اليمين فقط , وأبطل أن يعطى المدعي بدعواه ولم يستثن في ذلك نكول المطلوب ، ولا رد اليمين أصلا.
ومن طريق أبي عبيد ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق الشيباني عن الحكم بن عتيبة قال : لا أرد اليمين.
ومن طريق الكشوري عن الحذافي عن عبد الرزاق ، حدثنا سفيان الثوري قال : كان ابن أبي ليلى , والحكم بن عتيبة لا يريان اليمين يعني لا يريان ردها على الطالب إذا نكل المطلوب.
وقد ذكرنا قول أبي حنيفة : أن المدعى عليه بالدم يأبى عن اليمين أنه لا يرد اليمين على الطالب , ولا يقضى عليه بالنكول , لكن يسجن أبدا حتى يحلف.
وهو قول مالك فيمن ادعت عليه امرأته طلاقا وأمته أو عبده عتاقا وأقاموا شاهدا واحدا عدلا بذلك أنه يلزمه اليمين , وأنه لا يقضى عليه بالنكول , ولا برد اليمين , لكن يسجن أبدا حتى يحلف.
وهو قول أبي سليمان , وأصحابنا : في كل شيء.
قال أبو محمد :
فإن قيل : فإنكم رددتم الرواية في رد اليمين بأنها عن الشعبي ولم يدرك عثمان , ولا المقداد , ولا عمر ثم ذكرتم لأنفسكم رواية حكومة كانت بين عمر , وأبي.
قلنا : لم نورد شيئا من هذا كله احتجاجا لأنفسنا في تصحيح ما قلناه , ونعوذ بالله من أن نرى في قول أحد دون رسول الله ﷺ حجة في الدين , ولكن تكذيبا لمن قد سهل الشيطان له الكذب على جميع الأمة في دعوى الإجماع مجاهرة , حيث لا يجد إلا روايات كلها هالكة , بظنون كاذبة , على ثلاثة من الصحابة قد روي مثلها بخلافها عن ثلاثة آخرين منهم , فأريناهم لأنفسنا مثلها , بل أحسن منها عن ثلاثة أيضا منهم أو أربعة , إلا أن الموافقة لقولنا أصح ; لأنها عن الشعبي في ذكر قضية بين عمر وأبي قضى فيها زيد بن ثابت بينهما والشعبي : قد لقي زيد بن ثابت وصحبه وأخذ عنه كثيرا فهذه أقرب بلا شك إلى أن تكون مسندة من تلك التي لم يلق الشعبي أحدا ممن ذكر في تلك القصة ، ولا أدركه بعقله.
قال أبو محمد : من العجب أن يجوز أهل الجهل والغباوة لأبي حنيفة أن لا يقضي بالنكول , ولا برد اليمين , لكن بالأخذ باليمين ، ولا بد في بعض الدعاوى دون بعض برأيه ويجوز مثل ذلك لمالك في دعوى الطلاق والعتاق , ولا يجوز لمن اتبع رسول الله ﷺ ذلك في جميع الدعاوى , إن هذا لعجب.
قال أبو محمد : فإذ قد بطل القول بالقضاء بالنكول , والقول برد اليمين على الطالب إذا نكل المطلوب , لتعري هذين القولين عن دليل من القرآن , أو من السنة وبطل أن يصح في أحدهما قول عن أحد من الصحابة ، رضي الله عنهم ، , فالواجب أن نأتي بالبرهان على صحة قولنا. وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : قد صح ما قد أوردناه آنفا من قول النبي ﷺ بالقضاء باليمين على المدعى عليه , وأنه لو أعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم , وما قد أتينا به قبل في المسألة التي قبل هذه من قول رسول الله ﷺ : بينتك أو يمينه ليس لك إلا ذلك. فصح يقينا أنه لا يجوز أن يعطى المدعي بدعواه دون بينة , فبطل بهذا أن يعطى شيئا بنكول خصمه أو بيمينه إذا نكل خصمه ; لأنه أعطي بالدعوى. وصح أن اليمين بحكم الله تعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام على المدعى عليه , فوجب بذلك أنه لا يعطى المدعي يمينا أصلا إلا حيث جاء النص بأن يعطاها , وليس ذلك إلا في القسامة في المسلم يوجد مقتولا , وفي المدعي يقيم شاهدا عدلا فقط , وكان من أعطى المدعي بنكول خصمه فقط أو بيمينه إذا نكل خصمه قد أخطأ كثيرا , وذلك أنه أعطاه ما أخبر النبي ﷺ أنه ليس له , وأعطاه بدعواه المجردة عن البينة وأسقط اليمين عمن أوجبها الله تعالى عليه , ولم يزلها عنه إلا أن يسقطها الذي هي له وهو الطالب الذي جعل الله تعالى له البينة فيأخذ أو يمين مطلوبه , فإذ هي له فله ترك حقه إن شاء فظهر صحة قولنا يقينا.
وقال الله تعالى : {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}. فمن أطلق للمطلوب الأمتناع من اليمين ولم يأخذه بها وقد أوجبها الله تعالى عليه فقد أعانه على الإثم والعدوان , وعلى ترك ما افترض الله تعالى عليه إلزامه إياه وأخذه به.
وقد ذكرنا في كلامنا " في الإمامة " قول رسول الله ﷺ : (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده إن استطاع) فوجدنا الممتنع مما أوجب الله عز وجل أخذه به من اليمين قد أتى منكرا بيقين , فوجب تغييره باليد بأمر رسول الله ﷺ والتغيير باليد : هو الضرب فيمن لم يمتنع , أو بالسلاح في المدافع بيده , الممتنع من أخذه بالحق فوجب ضربه أبدا حتى يحييه الحق من إقراره , أو يمينه , أو يقتله الحق , من تغيير ما أعلن به من المنكر : ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ومن أطاع الله تعالى فقد أحسن.
وأما السجن : فلا يختلف اثنان في أن رسول الله ﷺ لم يكن له قط سجن وبالله تعالى التوفيق. وقد لاح بما ذكرنا أن قولنا ثابت ، عن ابن عباس كما أوردنا , ولا يصح عن أحد من الصحابة ، رضي الله عنهم ، خلافه والحمد لله رب العالمين.
محلى ابن حزم - المجلد الرابع/كتاب الأقضية |
كتاب الأقضية (مسأله 1778 - 1786) | كتاب الأقضية (مسأله 1787) | كتاب الأقضية (مسأله 1788) |