الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الثالث/الصفحة الحادية عشر


كتاب الأضاحي

977 - مسألة: والأضحية جائزة بكل حيوان يؤكل لحمه من ذي أربع، أو طائر، كالفرس، والإبل، وبقر الوحش، والديك، وسائر الطير والحيوان الحلال أكله، والأفضل في كل ذلك ما طاب لحمه وكثر وغلا ثمنه.

وقد ذكرنا في أول كلامنا في الأضاحي قول بلال: ما أبالي لو ضحيت بديك، وعن ابن عباس في ابتياعه لحما بدرهمين وقال: هذه أضحية ابن عباس.

وروينا أيضا من طريق وكيع عن كثير بن زيد عن عكرمة، عن ابن عباس وكثير بن زيد هذا هو الذي عولوا عليه في احتجاجهم بالأثر الذي لا يصح " المسلمون عند شروطهم " وثقوه هنالك ولم يروه غيره. والحسن بن حي يجيز الأضحية ببقرة وحشية عن سبعة، وبالظبي أو الغزال عن واحد. وأجاز أبو حنيفة وأصحابه التضحية بما حملت به البقرة الإنسية من الثور الوحشي، وبما حملت به العنز من الوعل.

وقال مالك: لا تجزي إلا من الإبل، والبقر، والغنم. ورأى مالك: النعجة، والعنز، والتيس أفضل من الإبل، والبقر: في الأضحية. وخالفه في ذلك أبو حنيفة، والشافعي فرأيا الإبل أفضل، ثم البقر، ثم الضأن، ثم الماعز وما نعلم لهذا القول حجة فنوردها أصلا، إلا أن يدعوا إجماعا في جوازها من هذه الأنعام، والخلاف في غيرها. فهذا ليس بشيء، ويعارضون بما صح في ذلك عن بلال، ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم، وهذا عندهم حجة إذا وافقهم.

وأما مراعاة الإجماع فيؤخذ به ويترك ما اختلف فيه، فهذا يهدم عليهم جميع مذاهبهم إلا يسيرا جدا منها، ويلزمهم أن لا يوجبوا في الصلاة، أو الصوم، والحج، والزكاة والبيوع، إلا ما أجمع عليه، وفي هذا هدم مذهبهم كله.

قال أبو محمد: وأما المردود إليه عند التنازع فهو ما افترض الله تعالى الرد إليه فوجدنا النصوص تشهد لقولنا، وذلك أن الأضحية قربة إلى الله تعالى، فالتقرب إلى الله تعالى بكل ما لم يمنع منه قرآن، ولا نص سنة حسن، وقال تعالى: {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} والتقرب إليه عز وجل بما لم يمنع من التقرب إليه به فعل خير. نا يونس بن عبد الله بن مغيث نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار بندار نا صفوان بن عيسى نا ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: مثل المهجر إلى الجمعة كمثل من يهدي بدنة، ثم كمن يهدي بقرة، ثم كمن يهدي بيضة.

وروينا من طريق مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة " أن رسول الله ﷺ قال: من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة. ففي هذين الخبرين هدي دجاجة، وعصفور، وتقريبهما، وتقريب بيضة ; والأضحية تقريب بلا شك، وفيهما أيضا فضل الأكبر فالأكبر جسما فيه ومنفعة للمساكين، ولا معترض على هذين النصين أصلا.

قال أبو محمد: ومن البرهان على أن الإبل والبقر أفضل من الغنم الخبر الثابت عن رسول الله ﷺ كما روينا من طريق البخاري، والخبر الذي أوردنا في المسألة التالية لهذه ففيها أمره عليه السلام في الأضاحي بالنحر. ولا يخلو هذا من أن يكون عليه السلام أمر بالنحر في الإبل والبقر، أو في الغنم، فإن كان أمر بذلك في الغنم، فهذا مبطل لقول مالك: إن النحر في الغنم لا يحل، ولا يكون ذكاة فيها، وإن كان أمر بذلك عليه السلام في الإبل والبقر والغنم لحسن المحال الباطل الممتنع بيقين لا شك فيه أن يكون عليه السلام يحض أمته وأصحابه على التضحية بالإبل والبقر مع عظيم الكلفة فيها وغلو أثمانها ويتركون الأرخص والأقل ثمنا وهو أفضل، وهذه إضاعة المال التي حرمها الله تعالى، وإنما التضحية بالغنم ضأنها وماعزها رفق بالناس لقلة أثمانها وتفاهة أمرها وتخفيف لهم بذلك عن الأفضل الذي هو أشق في النفقة لله عز وجل، وهذا مما لا شك فيه.

واحتج من رأى أن الضأن أفضل بخبر رويناه من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أن جبريل قال للنبي ﷺ يوم الأضحى: يا محمد إن الجذع من الضأن خير من السيد من المعز، وإن الجذع من الضأن خير من السيد من البقر، وإن الجذع من الضأن خير من السيد من الإبل، ولو علم الله ذبحا هو أفضل منه لفدى به إبراهيم عليه السلام. وبخبر رويناه من طريق عبد الرزاق معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال: مر النعمان بن أبي فطيمة على رسول الله ﷺ بكبش أقرن أعين فقال عليه السلام: ما أشبه هذا الكبش بالكبش الذي ذبح إبراهيم عليه السلام.

وروي نحوه من طريق زياد بن ميمون عن أنس. وبخبر رويناه من طريق وكيع عن هشام بن سعد عن حاتم بن أبي نصر عن عبادة بن نسي عن النبي ﷺ قال: خير الأضحية الكبش.

قال أبو محمد: هذه أخبار مكذوبة: أما خبر أبي هريرة، وعبادة بن نسي فعن هشام بن سعد وهو ضعيف جدا، ضعفه جدا واطرحه أحمد، وأساء القول فيه جدا ولم يجز الرواية به عنه يحيى بن سعيد وزياد بن ميمون مذكور بالكذب. وخبر عبد الرزاق عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وهو ضعيف ومرسل مع ذلك

وأيضا ففي الخبر المنسوب إلى أبي هريرة كذب ظاهر وهو قوله: إنه فدى الله به إبراهيم ولم يفد إبراهيم بلا شك وإنما فدى ابنه.

وأما الأحتجاج بأنه فدى الذبيح بكبش فباطل، ما صح ذلك قط، وقد قيل: إنه كان أروية، وهبك لو صح فليس فيه فضل سائر الكباش على سائر الحيوان، ولا كان أمر إبراهيم عليه السلام أضحية فلا مدخل للأضاحي فيه، وقد قال تعالى: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} إلى قوله تعالى: {فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته} فينبغي على هذا أن يكون البقر أفضل من الضأن بهذه الآية البينة الواضحة لا بالظن الكاذب في كبش الذبيح. وقد قال الله تعالى: {ناقة الله وسقياها} في ناقة صالح فينبغي أن تكون الإبل أفضل من الضأن بهذه الآية البينة الواضحة لا بالظن الكاذب في كبش إبراهيم عليه السلام. وموه بعضهم بذكر الأثر الذي فيه الصلاة في مبارك الغنم والنهي عن الصلاة في معاطن الإبل، لأنه جن خلقت من جن.

فقلنا: فليكن هذا عندكم دليلا في فضل الغنم عليها في الهدي، وأنتم لا تقولون بهذا.

فإن ذكروا أن رسول الله ﷺ ضحى بكبشين قلنا: نعم، وقد صح أن عائشة قالت: كان رسول الله ﷺ يترك العمل وهو يحب أن يعمل به مخافة أن يعمل به الناس فيكتب عليهم.

وأيضا: فقد أهدى غنما مقلدة كما ذكرنا في كتاب الحج فلم يكن ذلك عندكم دليلا على أن الغنم أفضل في الهدي من البقر ; فمن أين وقع لكم هذا الاستدلال في الأضاحي وأيضا: فقد ضحى عليه السلام بالبقر:

روينا من طريق البخاري عن مسدد نا سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت في حديث لما كنا بمنى أتيت بلحم بقر كثير فقلت: ما هذا قالوا: ضحى رسول الله ﷺ عن نسائه بالبقر وهذا في حجة الوداع وهو آخر عمله عليه السلام ولم يضح بعدها.

وروينا من طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن زبيد اليامي عن الشعبي عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله ﷺ: " أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر.

ومن طريق البخاري عن يحيى بن بكير نا الليث بن سعد عن كثير بن فرقد عن نافع أن ابن عمر أخبره قال: كان رسول الله ﷺ يذبح وينحر بالمصلى. والنحر عند مالك وهو الذي يخالفنا في هذه المسألة لا يجوز ألبتة في الغنم وإنما هو عنده في الإبل وعلى تكره في البقر وقد صح أنه عليه السلام كان يضحي بالإبل والبقر، أو يترك قوله فيجيز النحر في الغنم، ولا بد من أحدهما، ولا يجوز أن يحتج بفعل فعله عليه السلام مباح ذلك الفعل أو غيره بإقرار المحتج على نص قوله عليه السلام في تفضيل الإبل، ثم البقر، ثم الضأن.

روينا عن مسلم بن يسار أنه كان يضحي بجزور من الإبل. وعن سعيد بن المسيب أنه كان يضحي مرة بناقة، ومرة ببقرة، ومرة بشاة، ومرة لا يضحي.

فأما قول مالك في فضل الماعز على البقر، والإبل، وفضل البقر على الإبل: فلا نعلم له متعلقا أصلا، ولا أحدا قال به قبله وبالله تعالى التوفيق.

978- مسألة: ووقت ذبح الأضحية أو نحرها هو أن يمهل حتى تطلع الشمس من يوم النحر، ثم تبيض وترتفع، ويمهل حتى يمضي مقدار ما يصلي ركعتين يقرأ في الأولى بعد ثمان تكبيرات " أم القرآن " وسورة " ق " وفي الثانية بعد ست تكبيرات " أم القرآن " وسورة: " اقتربت الساعة وانشق القمر " بترتيل ويتم فيهما الركوع والسجود، ويجلس، ويتشهد، ويسلم. ثم يذبح أضحيته أو ينحرها البادي، والحاضر، وأهل القرى، والصحاري، والمدن سواء في كل ذلك ; فمن ذبح، أو نحر قبل ما ذكرنا ففرض عليه أن يضحي، ولا بد بعد دخول الوقت المذكور، ولا معنى لمراعاة صلاة الإمام، ولا لمراعاة تضحيته. برهان ذلك: ما ذكرنا في أول الباب الذي قبل هذا من قوله عليه السلام: " أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر.

ومن طريق شعبة عن سلمة، هو ابن كهيل عن أبي جحيفة عن البراء بن عازب قال: ذبح أبو بردة قبل الصلاة فقال له النبي ﷺ: أبدلها.

ومن طريق حماد بن زيد نا أيوب عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ صلى، ثم خطب فأمر من كان ذبح قبل الصلاة أن يعيد ذبحا.

ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن الأسود بن قيس قال: سمعت جندبا يقول: مر رسول الله ﷺ يوم النحر على قوم قد نحروا وذبحوا فقال: من نحر وذبح قبل صلاتنا فليعد، ومن لم يذبح أو ينحر فليذبح ولينحر باسم الله.

ومن طريق مسلم نا محمد بن حاتم نا محمد بن بكر نا ابن جريج أنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول أمر رسول الله ﷺ من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر، ولا ينحروا حتى ينحر النبي ﷺ. فالوقت الذي حددنا هو وقت صلاة النبي ﷺ وهو قول الشافعي، وأبي سليمان، إلا أن الشافعي لم يجز التضحية قبل تمام الخطبة، ولا معنى لهذا لأن النبي ﷺ لم يحد وقت الأضحية بذلك. وقال سفيان: إن ضحى قبل الخطبة أجزأه.

وقال أبو حنيفة: أما أهل المدن والأمصار فمن ضحى منهم قبل تمام صلاة الإمام فعليه أن يعيد ولم يضح، وأما أهل القرى والبوادي فإن ضحوا بعد طلوع الفجر من يوم الأضحى أجزأهم.

وقال مالك: من ضحى قبل أن يضحي الإمام فلم يضح ; ثم اختلف أصحابه فطائفة قالت: الإمام هو أمير المؤمنين ; وطائفة قالت: بل هو أمير البلدة، وطائفة قالت: بل هو الذي يصلي بالناس صلاة العيد.

قال أبو محمد: أما قول أبي حنيفة فخلاف مجرد لرسول الله ﷺ كما أوردنا بلا برهان.

وأما قول مالك فلا حجة له أصلا، وخلاف للخبر أيضا إذ لم يأمر النبي ﷺ قط بمراعاة تضحية غيره. ونقول للطائفتين معا: أرأيتم إن ضيع الإمام صلاة الأضحى ولم يضح أتبطل سنة الله تعالى في الأضاحي على الناس حاشا لله من هذا، بل هو الحق أن الإمام إن صلى في الوقت الذي كان يصلي فيه رسول الله ﷺ فقد أحسن وهو أحد المسلمين في وقت تضحيته، وإن أغفل ذلك فقد أخطأ وليس ذلك بكادح في عدالته، لأنه لم يعطل فرضا، وليس ذلك بمحيل شيئا من حكم الناس في أضاحيهم. ونقول للمالكيين أيضا: أرأيتم إن ضحى الإمام قبل وقت صلاة الأضحى أيكون ذلك علما لأضاحي الناس.

فإن قالوا: نعم، أتوا بعظيمة وإن قالوا: لا، صدقوا، وتركوا قولهم في مراعاة تضحية الإمام وبالله تعالى التوفيق. وقد روينا مثل قول أبي حنيفة في الفرق بين أهل القرى وأهل المدن عن عطاء، وإبراهيم، وما نعرف قول مالك في مراعاة تضحية الإمام عن أحد قبله وبالله تعالى التوفيق.

979 - مسألة: والأضحية مستحبة للحاج بمكة وللمسافر كما هي للمقيم، ولا فرق، وكذلك العبد والمرأة لقول الله تعالى: {وافعلوا الخير} والأضحية فعل خير. وكل من ذكرنا محتاج إلى فعل الخير مندوب إليه، ولما ذكرنا من قول رسول الله ﷺ في التضحية والتقريب ولم يخص عليه السلام باديا من حاضر، ولا مسافرا من مقيم، ولا ذكرا من أنثى، ولا حرا من عبد، ولا حاجا من غيره، فتخصيص شيء من ذلك باطل لا يجوز، وقد ذكرنا قبل أن النبي ﷺ ضحى بالبقر عن نسائه بمكة وهن حواج معه.

وروينا من طريق النخعي أن عمر كان يحج فلا يضحي وهذا مرسل.

ومن طريق الحارث عن علي ليس على المسافر أضحية. والحارث كذاب. وعن أصحاب ابن مسعود أنهم كانوا لا يضحون في الحج وليس في شيء من هذا كله منع للحاج، ولا للمسافر من التضحية وإنما فيه تركها فقط، ولا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ.

وروينا من طريق أبي الجهم نا أحمد بن فرج نا الهروي نا ابن فضيل عن عطاء عن إبراهيم النخعي سافر معي تميم بن سلمة فلما ذبحنا أضحيته أخذ منها بضعة فقال: آكلها ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن منصور عن إبراهيم قال: كان عمر يحج، ولا يضحي وكان أصحابنا يحجون معهم الورق والذهب فلا يضحون ما يمنعهم من ذلك إلا ليتفرغوا لنسكهم.

ومن طريق سعيد بن منصور نا مهدي بن ميمون عن واصل الأحدب عن إبراهيم قال: حججت فهلكت نفقتي فقال أصحابي: ألا نقرضك فتضحي فقلت: لا فهذا بيان أنهم لم يمنعوا منها والنهي عن فعل الخير لا يجوز إلا بنص عن رسول الله ﷺ يبين أنه ليس خيرا.

980- مسألة: ولا يلزم من نوى أن يضحي بحيوان مما ذكرنا أن يضحي به، ولا بد، بل له أن لا يضحي به إن شاء إلا أن ينذر ذلك فيه فيلزمه الوفاء به. برهان ذلك: أن الأضحية كما قدمنا ليست فرضا فإذ ليست فرضا فلا يلزمه التضحية إلا أن يوجبها نص، ولا نص إلا فيمن ضحى قبل وقت التضحية في أن يعيد ; وفيمن نذر أن يفي بالنذر.

وروينا من طريق مجاهد لا بأس بأن يبيع الرجل أضحيته ممن يضحي بها ويشتري خيرا منها وعن عطاء فيمن اشترى أضحية، ثم بدا له قال: لا بأس بأن يبيعها وروينا عن علي، والشعبي، والحسن، وعطاء، كراهة ذلك.

قال علي: ما نعلم لمن كره ذلك حجة.

981 - مسألة: لا تكون الأضحية أضحية إلا بذبحها، أو نحرها بنية التضحية لا قبل ذلك أصلا وله ما لم يذبحها، أو ينحرها كذلك أن لا يضحي بها وأن يبيعها وأن يجز صوفها ويفعل فيه ما شاء ويأكل لبنها ويبيعه، وإن ولدت فله أن يبيع ولدها أو يمسكه أو يذبحه، فإن ضلت فاشترى غيرها، ثم وجد التي ضلت لم يلزمه ذبحها، ولا ذبح واحدة منهما، فإن ضحى بهما، أو بأحدهما، أو بغيرهما فقد أحسن، وإن لم يضح أصلا فلا حرج، وإن اشتراها وبها عيب لا تجزي به في الأضاحي كعور، أو عجف: أو عرج، أو مرض، ثم ذهب العيب وصحت جاز له أن يضحي بها، ولو أنه ملكها سليمة من كل ذلك، ثم أصابها عيب لا تجزي به في الأضحية قبل تمام ذكاتها، ولو في حال التذكية لم تجزه. برهان ذلك: ما ذكرناه من أنها ليست فرضا فإذ هي كذلك فلا تكون أضحية إلا حتى يضحي بها، ولا يضحي بها إلا حتى تتم ذكاتها بنية التضحية فهي ما لم يضح بها مال من ماله يفعل فيه ما أحب كسائر ماله ومن خالف هذا فأجاز أن يضحي بالتي يصيبها عنده العيب فقد خالف نهي رسول الله ﷺ جهارا ولزمه إن اشترى أضحية معيبة فصحت عنده أن لا تجزئه أن يضحي بها، وهم لا يقولون هذا:

روينا عن علي بن أبي طالب من طريق أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم قال: قال علي: إذا اشتريت الأضحية سليمة فأصابها عندك عوار، أو عرج فبلغت المنسك فضح بها.

ومن طريق الحارث عن علي أنه سئل عن رجل اشترى أضحية سليمة فاعورت عنده قال: يضحي بها وهو قول حماد بن أبي سليمان: رويناه عنه من طريق شعبة، وهو قول الحسن، وإبراهيم: ورويناه من طريق ابن عباس فيمن اشترى أضحية فضلت قال: لا يضرك وعن الحسن، والحكم بن عتيبة فيمن ضلت أضحيته فاشترى أخرى فوجد الأولى أنه يذبحهما جميعا، قال حماد: يذبح الأولى.

وقال أبو حنيفة: إن اشتراها صحيحة، ثم عجفت عنده حتى لا تنقي أجزأته أن يضحي بها، فلو اعورت عنده لم تجزه، فلو أنه إذ ذبحها أصاب السكين عينها، أو انكسر رجلها أجزأته. وهذه أقوال فاسدة متناقضة، ولا نعلم هذه التقاسيم عن أحد قبله.

وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: لا يجز صوفها، ولا يشرب لبنها. قال الشافعي: إلا ما فضل عن ولدها.

وروينا عن عطاء فيمن اشترى أضحية أن له أن يجز صوفها وأمره الحسن إن فعل أن يتصدق به، وقال أبو حنيفة، والشافعي: إن ولدت ذبح ولدها معها وقال مالك: ليس عليه ذلك.

روينا عن علي أنه سأله رجل معه بقرة قد ولدت فقال: كنت اشتريتها لأضحي بها فقال له علي: لا تحلبها إلا فضلا عن ولدها فإذا كان يوم الأضحى فاذبحها وولدها عن سبعة.

982 - مسألة: والتضحية جائزة من الوقت الذي ذكرنا يوم النحر إلا أن يهل هلال المحرم، والتضحية ليلا ونهارا جائز. واختلف الناس في هذا فروينا من طريق ابن أبي شيبة نا أبو أسامة عن هشام، هو ابن حسان عن محمد بن سيرين قال: النحر يوم واحد إلى أن تغيب الشمس. وعن حميد بن عبد الرحمن أنه كان لا يرى الذبح إلا يوم النحر وهو قول أبي سليمان. وقول آخر: رويناه من طريق وكيع عن محمد بن عبد العزيز عن جابر بن زيد قال: النحر في الأمصار يوم، وبمنى ثلاثة أيام. وقول ثالث: أن التضحية يوم النحر ويومان بعده روينا من طريق ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن زر عن علي قال: النحر ثلاثة أيام أفضلها أولها.

ومن طريق ابن أبي شيبة نا جرير عن منصور عن مجاهد عن مالك بن ماعز، أو ماعز بن مالك الثقفي: أن أباه سمع عمر يقول: إنما النحر في هذه الثلاثة الأيام.

ومن طريق ابن أبي شيبة نا هشيم عن أبي حمزة عن حرب بن ناجية، عن ابن عباس قال: أيام النحر ثلاثة أيام.

ومن طريق وكيع، عن ابن أبي ليلى عن المنهال عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس النحر ثلاثة أيام.

ومن طريق ابن أبي شيبة عن إسماعيل بن عياش عن عبيد الله بن عمر عن نافع، عن ابن عمر قال: الأضحى يوم النحر ويومان بعده.

ومن طريق وكيع عن عبد الله بن نافع عن أبيه، عن ابن عمر قال: ما ذبحت يوم النحر، والثاني، والثالث فهي الضحايا.

ومن طريق ابن أبي شيبة نا زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح حدثني أبو مريم سمعت أبا هريرة يقول: الأضحى ثلاثة أيام.

ومن طريق وكيع عن شعبة عن قتادة عن أنس قال: الأضحى يوم النحر ويومان بعده.

وبه يقول أبو حنيفة، ومالك، ولا يصح شيء من هذا كله إلا عن أنس وحده لأنه عن عمر من طريق مجهول عن أبيه مجهول أيضا. وعن علي من طريق ابن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ عن المنهال وهو متكلم فيه; وعن ابن عباس من طريق ابن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ وأبي حمزة وهو ضعيف.

ومن طريق ابن عمر عن إسماعيل بن عياش وعبد الله بن نافع، وكلاهما ضعيف.

ومن طريق أبي هريرة عن معاوية بن صالح وليس بالقوي عن أبي مريم وهو مجهول. وقول رابع وهو أن التضحية يوم النحر وثلاثة أيام بعده:

روينا من طريق محمد بن المثنى نا عبيد الله بن موسى نا ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة عن مقسم، عن ابن عباس قال: الأيام المعلومات: يوم النحر، وثلاثة أيام بعده: هكذا في كتابي، ولا أدري لعله وهم، والله أعلم.

ومن طريق ابن أبي شيبة نا أبو أسامة عن هشام عن عطاء قال: النحر أربعة أيام إلى آخر أيام التشريق.

ومن طريق وكيع نا همام بن يحيى سمعت عطاء يقول: النحر أربعة أيام إلى آخر أيام التشريق. ومن وكيع نا همام بن يحيى سمعت عطاء يقول: النحر ما دامت الفساطيط بمنى.

ومن طريق وكيع عن شعبة عن قتادة عن الحسن قال: النحر يوم النحر وثلاثة أيام بعده.

ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري فيمن نسي أن يضحي يوم النحر قال: لا بأس أن يضحي أيام التشريق.

ومن طريق ابن أبي شيبة عن إسماعيل بن عياش عن عمر بن مهاجر عن عمر بن عبد العزيز قال: الأضحى أربعة أيام يوم النحر وثلاثة أيام بعده وهو قول الشافعي. وقول خامس:

كما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا أبو داود الطيالسي عن حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم هو التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وسليمان بن يسار، قالا جميعا: الأضحى إلى هلال المحرم لمن استأنى بذلك.

قال أبو محمد: أما من قال النحر يوم الأضحى وحده فقال: إنه مجمع عليه وما عداه فمختلف فيه ; فلا توجد شريعة باختلاف لا نص فيه.

قال علي: صدقوا، والنص يجيز قولنا على ما نأتي به بعد هذا إن شاء الله تعالى.

وأما من قال بقول أبي حنيفة، ومالك، فإنهم احتجوا بأنه قول روي عن عمر، وعلي، وابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وأنس، ولا يعرف لهم من الصحابة رضي الله عنهم مخالف، ومثل هذا لا يقال بالرأي.

قال علي: قد ذكرنا قضايا عظيمة خالفوا فيها جماعة من الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف لهم منهم مخالف، فكيف، ولا يصح شيء مما ذكرنا إلا عن أنس وحده على ما بينا قبل وإن كان هذا إجماعا فقد خالف عطاء، وعمر بن عبد العزيز، والحسن، والزهري، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار: الإجماع، وأف لكل إجماع يخرج عنه هؤلاء. وقد روينا، عن ابن عباس ما يدل على خلافه لهذا القول، ولا نعلم لمن قال: أربعة أيام حجة أيضا، إلا أن أيام منى ثلاثة أيام يوم النحر فقط وليس هذا حجة.

قال أبو محمد: الأضحية فعل خير وقربة إلى الله تعالى: وفعل الخير حسن في كل وقت، قال الله تعالى: {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير} فلم يخص تعالى وقتا من وقت، ولا رسوله عليه السلام، فلا يجوز تخصيص وقت بغير نص، فالتقريب إلى الله تعالى بالتضحية حسن ما لم يمنع منه نص أو إجماع، ولا نص في ذلك، ولا إجماع إلى آخر ذي الحجة. وقد روينا خبرا يلزمهم الأخذ به وأما نحن فلا نحتج به ويعيذنا الله تعالى من أن نحتج بمرسل، وهو ما حدثناه أحمد بن عمر بن أنس نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا إبراهيم بن محمد الدينوري نا محمد بن أحمد بن الجهم نا أحمد بن الهيثم نا مسلم نا يحيى، هو ابن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وسليمان بن يسار، قالا جميعا " بلغنا: أن رسول الله ﷺ قال: الأضحى إلى هلال المحرم لمن أراد أن يستأني بذلك وهذا من أحسن المراسيل وأصحها فيلزم الحنفيين والمالكيين القول به وإلا فقد تناقضوا.

قال علي: وأجاز أبو حنيفة، والشافعي: أن يضحى بالليل وهو قول عطاء.

وقال مالك: لا يجوز أن يضحى ليلا وما نعلم لهذا القول حجة أصلا إلا أنهم قال قائلهم: قال الله تعالى: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} قالوا: فلم يذكر الليل.

قال علي: وهذا منهم إيهام يمقت الله تعالى عليه، لأن الله تعالى لم يذكر في هذه الآية ذبحا، ولا تضحية، ولا نحرا لا في نهار، ولا في ليل، وإنما أمر الله تعالى بذكره في تلك الأيام المعلومات أفترى يحرم ذكره في لياليهن إن هذا لعجب ومعاذ الله من هذا، وليس هذا النص بمانع من ذكره تعالى وحمده على ما رزقنا من بهيمة الأنعام في ليل أو نهار في العام كله. وهذا مما حرفوا فيه الكلم عن مواضعه، ولا يختلفون فيمن حلف أن لا يكلم زيدا ثلاثة أيام أن الليل يدخل في ذلك مع النهار. وذكروا حديثا لا يصح رويناه من طريق بقية بن الوليد عن مبشر بن عبيد الحلبي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار نهى رسول الله ﷺ عن الذبح بالليل.

قال أبو محمد: هذه فضيحة الأبد، وبقية ليس بالقوي، ومبشر بن عبيد مذكور بوضع الحديث عمدا، ثم هو مرسل، ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة لأنهم يجيزون الذبح بالليل فيخالفونه فيما فيه ويحتجون به فيما ليس فيه وهذا عظيم جدا. وقال قائل منهم: لما كانت ليلة النحر لا يجوز التضحية فيها وكان يومه تجوز التضحية فيه كانت ليالي سائر أيام التضحية كذلك.

قال علي: وهذا قياس والقياس كله باطل ; ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل، لأن يوم النحر هو مبدأ دخول وقت التضحية وما قبله ليس وقتا للتضحية، ولا يختلفون معنا في أن من طلوع الشمس إلى أن يمضي بعد ابيضاضها وارتفاعها وقت واسع من يوم النحر لا تجوز فيه التضحية فيلزمهم أن يقيسوا على ذلك اليوم ما بعده من أيام التضحية فلا يجيزوا التضحية فيها إلا بعد مضي مثل ذلك الوقت وإلا فقد تناقضوا وظهر فساد قولهم، وما نعلم أحدا من السلف قبل مالك منع من التضحية ليلا.