الرئيسيةبحث

مجلة المقتبس/العدد 52/الإبر

مجلة المقتبس/العدد 52/الإبر

بتاريخ: 1 - 6 - 1910


كثيراً ما فتشنا في كتاب دائرة المعرف العربية للبستاني عن أهم أمم الشرق وأديانهم فلم نعد بطائل. ومن جملة هذه الأجيال الأبر فلا تجد لهم ذكراً في هذا الكتاب. مع أن جغرافيي العرب ذكروهم في مؤلفاتهم وإن لم يذكروا لنا التفاصيل التي نتطال إلى معرفتها. فقد جاء في كتاب ابن الفقيه المسمى بكتاب البلدان ص83 من طبعة دي كوي ما نصه: وبرجان وبلدان الصقالب والأبر شمالي الأندلس وقد نقل هذه العبارة بعينها وحروفها ابن خرداذبة في كتابه المسالك والممالك. وقال ابن رسته في الأعلاق النفيسة ص98 عن بلاد هؤلاء القوم ما نصه: وأما ما وراء هذه الأقاليم (الأقاليم السبعة) إلى تمام الموضع المسكون الذي عرفناه فإنه يبتدئ من المشرق من بلاد ياجوج ثم يمر على بلاد التغزغز وأرض الترك ثم على بلاد اللان ثم على الأبر ثم على برجان والصقالبة وينتهي إلى بحر المغرب اهـ بحرفه وقال المسعودي في كتاب التنبيه والإشراف ص32: وحد الأقاليم الخمسة بحر الشام إلى أقصى أرض الروم مما يلي البحر إلى تراقية وبلال برجان والصقالبة والأبر إلى حد أرض ياجوج وماجوج إلى حد الإقليم الرابع مما يلي نصيبين أطول ساعات نهاره خمسة عشرة ساعة. اهـ.

وفي موضع آخر ص184 من كتاب المسعودي المذكور ذكر الأبر من سكان بلاد تجاور جبل القبق (قوقاس أو قفقاسية) قال: وقرب من هذا الجبل من الأمم كاللان والسرير والخزر. . . والأبر وبرجان والروس والبرغر. . . وذكرهم مرة ثالثة في ص191 قال: ومن جاورهم (أي الروم) من الممالك من برجان والأبر والبرغر والصقالبة والخزر وغيرهم. .

ولم نجد لهم ذكراً في سائر كتب مؤرخي العرب وواصفي البلدان فلا الطبري ذكرهم ولا ابن الأثير ولا ابن خلدون ولا غيرهم من كبار المؤلفين. ومن بعد أن بحثنا عنهم وجدناهم أنهم الذين يسميهم الإفرنج وهنا نلخص عنهم ما كتبوه تماماً للفائدة وسداً للثلمة الموجودة في كتبنا التاريخية والجغرافية.

الأبر جيل من الناس منشأوه في بلاد التتر وهم فروع من فرع قبيلة الهونة. وكانوا قد ضربوا خيامهم بعد أن هجروا بلادهم الصلية في نواحي جبل الألطائي. ثم طرأت عليهم طارئة من الصينيين سنة 552 فطردتهم من مقرهم وأفنت جماعات منهم. ومن نجا منهم فرغوا إلى جهات بلاد أوربا فقطعوا نهر الأثل والدون سنة 557 ثم خيموا بعد برهة على شطوط الطونة. وما عتموا أن ناوأوا ملوك الروم وقياصرتهم ونشلوا منهم سنة 582داقية وفنونية ومن هناك انتشروا ولا انتشار الجراد في بلاد جرمانية في شمالي الطونة حتى بلغو إيطاليا. وأول ما خضدت شوكتهم كان سنة 626 تحت أسوار القسطنطينية فإن هرقل الملك كسر شيخهم بيان وكان حليفاً لكسرى. ثم دوخهم كل التدويخ شرلمان من سنة 791 إلى سنة 799 وحينئذ دانوا بالنصرانية. وكان البر طويلي النجاد محبين للحروب وقد اشتهروا بالمكر والنكر والخدعة في الفر والكر.

وأما مساكنهم فإنهم لم يأووا إلى غير الخيم والمضارب. ولم يعرفوا من المدن إلا الأحوية جمع حواء وهي جماعة من بيوت الوبر المتدانية وكانوا يقيمون على هيئة دوائر عظيمة وتسمى عندهم رنك أي حلق جمع حلقة لاستدارتها. وكان يسمى شيخهم باسم الخان أو الخاقان.

أما حدود بلاد الأبر فقد اختلفت باختلاف العصور ففي عهد معظم انتشارها أي من سنة 590 إلى سنة 630 كانت مملكتهم تشمل فلوات شمالي الطونة من لوزاقة إلى ما وراء الدون. وعند أفول شمس القرن السابع للمسيح تقلصت حواشيها حتى كان في شمالي بلادهم وغربيها ديار اللاه والوند والجيك (أي بلاد بولونية وسيلسية وبرندبرج وبوهيمية على التسمية الحديثة في عهدنا هذا) وفي شرقيها كان الخزر وكان موطنهم يومئذ بين البوك ودنيبر.

وبعد أن خرب شرلمان ديارهم سنة 799 لم يبق منها إلا الصقع الغربي بين نهري الثيس وألان وهذا أيضاً جعله مقاطعة لدولة الإفنك باسم أبرية وأما ما بقي من تلك الربوع فقد احتلها المجر أي الهنكاريون. وفي بلاد الجركس في عهدنا هذا بقية من الأبر تقيم على منحدر كوه قاف الشمالي بين الإكسائي وشرداغ ويبلغ عدد بيوتهم اليوم 12000 وكلهم يدينون لخان كبير خاص بهم. ومعيشهم من الصيد والغزو والنهب والسلب. وهم يرجعون في الحكم إلى قيصر روسية._هذا ما أردنا إيضاحه وفوق كل ذي علم عليم.

بغداد:

تاتسنا.