الرئيسيةبحث

مجلة المقتبس/العدد 39/مطبوعات ومخطوطات

مجلة المقتبس/العدد 39/مطبوعات ومخطوطات

بتاريخ: 1 - 4 - 1909


الاشتقاق والتعريب

تأليف عبد القادر أفندي المغربي

طبع بمطبعة الهلال بمصر سنة 1909 ص146

صاحب هذه الرسالة من بلغاء الكتاب ومصنفه هذا يبحث فيما يعرض اللغة العربية من تكاثر كلمتها بواسطتي الاشتقاق والتعريب وإن هذا الأخير طبيعي في لغتنا وفي غيرها من اللغات وإن استعمال المعرب لا يحط من قدر فصاحة الكلام. وقد أفاض في الاشتقاق والقلب والإبدال والنحت وشروط التعريب ومعربات السنة والكلام المولد والمحدث إفاضة أتى فيها ببعض الشواهد على مقصده. فنثني عليه الثناء الطيب لعنايته بهذا الموضوع ويا ليته رجع إلى ما قاله الباحثون في هذا الفن وأستشهد تأييداً لقوله بكلام الباحثين ولاسيما علماء المشرقيات الذين بحثوا أحسن بحث في أصول اللغات لاسيما السامية منها.

تاريخ النصيرية

للمسيو رني دوسو

هو المستشرق الفرنسوي العالم صاحب كتاب لغة الصفا وغيره من المصنفات المفيدة وله جلد على التأليف وأكثر ما يكتب يتعلق ببلاد الشام وسكانها قدمائهم ومحدثيهم. وقد كتب كتاباً في تاريخ النصيرية وديانتهم فظهر له بعد التحقيق أنهم شيعة إسلامية فساءَ قوله بعضهم فرد عليه بأن أصلهم مسيحيون وهذه كانت بين الفريقين نقطة الخلاف.

وصف دوسو بلاد النصيرية وهي جبلية يحيط بها من الجنوب نهر الكبير ومن الشرق والشمال نهر العاصي ومن الغرب الساحل وجبل النصيرية يمتد من نهر الكبير إلى حوالي صهيون والزاوية التي تهبط بين نهر الكبير من الشمال والعاصي يطلق عليها اسم جبل الأكراد والنصيرية ضاربون أيضاً في أنطاكية حيث اشتهروا بصناعاتهم وسعة عيشهم. وبين سكان الجبال والسهل من التناقض ما يدهش. ذلك أن قلة فائدة العمل في المقاطعات الجبلية أورثت النصيري الكسل والجهل فعاش من غلة وقتية ومن السلب والنهب على حين غدا في أنطاكية ملاكاً وتاجراً مستعداً لأنواع الصنائع وعلى شيءٍ من الغنى وفتح له في مرسين وطرسوس وأذنة أعمالاً رابحة ناجحة. وفي بلاد النصيرية بعض قرى للأرمن حوالي القدموس وفي جبل النصيرية أيضاً بقايا الإسماعيلية القدماء النازلين اليوم في مصيات وقدموس وماوالاهما.

وهم يكتمون نفوسهم فراراً من الجندية ولذلك لا ثقة بالإحصاء فعددهم مائة وثلاثون ألفاً في سورية ويبلغ عددهم إذا أضيف إليه النازلون في تلك المدن مائة وخمسين ألفاً وهم قلائل إذا نسبوا إلى البلاد التي يشغلونها وهي أوسع مجالاً من سائر ما يشغله الشيع والشعوب الراحلة في سورية. وفي رأي المؤلف أن عددهم أيام ارتقائهم كان عشرة أضعافه اليوم. قال وهم بادية قائمون على الفلح والحرث وقلما يسكنون المدن دع عنك أنطاكية وجسر الشغور واللاذقية.

قال وخبط الناس في أصل النصيرية حتى ادعى بعضهم أنهم أخلاط من الوطنيين اختلطوا مع الفرنجة في القرن الثاني عشر والثالث عشر فزعموا أن نصيري أصله من نصراني وهو اسم تصغير. وهذا رأي رنان وقد رده المسيو دوسو بالبرهان القاطع قائلاً أن الرأي الشائع اليوم في الأندية العلمية أن اسم النصيرية أتى من محمد بن نصير ويقول ستانيسلاس كويارد المؤلف المشهور أن الديانة النصيرية نشأت كالإسماعيلية في أواخر القرن التاسع على يد الإمام الحادي عشر من الشيعة حسن العسكري وكان مقيماً في سامراء بالقرب من بغداد. فالديانة النصيرية كان لها إذا أصل مشابه لديانة الإسماعيلية فدعا وجه الشبه بين الفرقتين إلى أن أخطأ أهل التأليف المسلمين بجزمهم أن الديانتين متحدتان جوهراً وعرضاً مع أن بينهما أحناً ومشاكسات.

وقصارى القول فقد فصل المؤلف أحوال هذه الطائفة تفصيلاً شافياً مشفوعاً بأقوال العلماء من مسلمين وإفرنج فذكر فيه اسم مائة وخمسة عشر مؤلفاً ومصدراً ذكرت النصيرية فاستقى المؤلف من مواردها ثم أتبعه بفصل في مسكنهم وأصلهم ومنشأهم منذ العهد الروماني إلى أيامنا ثم أشبع الكلام على عاداتهم وأخلاقهم. هكذا علماء الغرب يبحثون في بلادنا فأين هم منا وأين علماؤنا من علمائهم فشكراً لفضلهم وبيض أياديهم.

إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب

المعروف بمعجم الأدباء أو طبقات الأدباء لياقوت الرومي عني بنسخه وتصحيحه الأستاذ د. س. مرجليوث

طبع بمطبعة هندية بالموسكي بمصر سنة 1909 ص438

لناشر هذا الكتاب ومعلق حواشيه الأستاذ مرجليوث من علماء المشرقيات الإنكليز فضل على الآداب بإحياء هذا الكتاب النفيس بعد أن كاد يأتي عليه العفاءُ كما ثبت له الفضل بإحياء غيره من آثار العرب وقد توسع ياقوت الرومي صاحب معجم البلدان في ترجمة بعض من خدموا الأدب العربي إلى عهده وذكر من نكاتهم وأخبارهم ومنثورهم ونظامهم ما هو مرآة الحياة الاجتماعية والأدبية والعلمية في الأعصار الستة الأولى للإسلام واختصر في تراجم بعضهم على القدر الذي عرف منهم واشتهروا به بين الناس وفي هذا الجزء بقية من أول أسمائهم ألف إلى من أول أسمائهم جيم وعدد المترجمين فيه 161 ومنهم على شهرتهم وخدمتهم للآداب من لم نظفر لهم بترجمة فيما بين أيدينا من كتب الطبقات والتراجم مثل أحمد بن يوسف بن صبيح كاتب المأمون. وبطبع هذا الكتاب ونشره بين الناس تتم سلسلة مهمة من سلاسل التاريخ العربي وسيكون كله في ستة أجزاء نشر منهما الآن اثنان. وفق الله القائم بنشرهما وأعانه على خدمة الفروع التي أخذ نفسه بها لخدمة العلم والآداب.

ديوان رستم

طبع بالمطبعة الأدبية في بيروت

ص400

أسعد أفندي رستم ممن ولعوا بنظم الشعر الفكاهي العصري وقد أفرد منظوماته في ديوان خاص فجآء مجموعة أدب وظرف وفكاهة. والظاهر أن الناظم توخى في منظوماته الألفاظ العامية ليحكم إيراد النكات والفكاهات ولئلا يستعصي فهمه حتى على الطبقة المنحطة من أبناء الأمة على حين أن في صميم اللغة العربية كما علم الناظم من الألفاظ الجزلة المستملحة ما فيه الغناء دون كبير عناء.

رحلة إلى اليمن سنة 1861

نشرها بالإفرنسية الأب أنستاس ماري الكرملي طبعت أولاً في مجلة الأنتروبوس (الإنسان) في النمسا

هي رحلة رحلها الخواجة ميخا يوسف النجار البغدادي إلى اليمن ولقي فيها ما يلاقيه أرباب الرحلات في البلاد الشرقية عادة وهي لا تخلو من فوائد اجتماعية وغيرها في خصائص البلاد والشعوب.

الحرية في الإسلام

تأليف السيد محمد الخضر بن الحسين التونسي

طبعت بالمطبعة التونسية بنهج سوق البلاط بتونس سنة 1327 ـ 1909

وعدد صفحاتها 64 ص

هذا الموضوع من أجل الموضوعات المثقفة للعقول ذكر مؤلفه حقيقة الحرية والشورى والمساواة والحرية في الأموال وفي الأعراض وفي الدماء وفي الدين وفي خطاب الأمراء وأجاد في كيفية الاستخراج من الكتاب والسنة وتاريخ السلف والتطبيق على حالة العصر مما دل على عراقته في أحوال العصر وتمكنه من أحكام الشريعة وهو من المدرسين بجامع الزيتونة الأعظم له حظ وافر من الإنشاء والتاريخ.

محاضرات

أدبيات الجغرافيا والتاريخ واللغة عند العرب

باعتبار علاقتها بأوربا وخصوصاً بإيطاليا للسنيور جويدي

طبعت في مجلة الجامعة المصرية أولاً ص109

هذه الرسالة في موضوع جليل يكاد يكون بكراً بالنسبة إلينا إلقاء الأستاذ الشيخ المؤلف على طلبة الجامعة المصرية بلغة العرب وهو إيطالي الجنس والمنشأ معدود من أهل الطبقة الأولى بين المستشرقين الأوربيين. وهذه الدروس هي أربعون درساً كلها جعبة فوائد نستدل منها على خدمة العرب لهذه الفنون الجميلة فنشكر له ولأصحاب مجلة الجامعة المصرية التي تنقل إلينا زبدة دروس العلماء في كلية هي أول مفخر من مفاخر مصر.

بلاغة الغرب نحن اليوم في دور مثل صفحة البحر يريد أن لا يترك فروقاً بين أجزاء الناس ولا مميزات في منازعهم وأن لا يدع سمواً في الشعوب ولا انخفاضاً. فهو معمل عظيم الأدوات منوع الآلات يعمل ليل نهار ليبرهن للأدوار الغابرة أنه هو أول ما تغلب بالفعل على إشاعة السوآء والإخاء والتعارف وإطراح التباين والتباعد والانقسام.

فالبخار والكهرباء قد قضيا على استئثار القطر الواحد زرعه وضرعه وصنعه وأشركا أطراف الأرض كلها بالانتفاع مما يخرجه لبنيه كما خول بنيه التمتع بثمرات الطبيعة والناس في الأقطار الأخرى لسد حاجتهم.

والطباعة والصحافة كالبخار والكهربآء تنقلان ثمار العقول ونتائج التفكير من أرض إلى أرض وتشيعانه من شعب إلى شعب كما بتوصل زمننا إلى مآربه من القضاء على التخالف.

على هذه الطريقة تجري روح العصر في حضارتها ولكن كثيراً ما يكون أمام الباخرة فيما بين البحر والبحر برزخ وفي وجه القطار والقاطرة فيما بين البر والبرّ جبل ودون الطباعة والصحافة في نقل التفكير من دماغ إلى آخر عجمة فرأى القائمون بأمر هذا المعمل في القديم والحديث أن لا مندوحة لهم من حفر ترعة في البرزخ بين البحرين ونقب نفق في الجبل بين البرين وفتح منفذ الترجمة بين اللغتين.

وأن الإنسان ليذهل لكثرة ما يراه من تفكيرهم وموازناتهم وحسابهم ومقايساتهم عند اختيار البرزخ ليحفروه ترعة والجبل لينقبوه نفقاً والمصنف أو القطعة لينقلوها من لغة إلى لغة وعدَّ أصحاب الألباب الاختيار دليلاً على اللبيب وميزاناً له.

أمامي الآن كتاب (بلاغة الغرب) وهو مجموع ما اختاره محمد أفندي كامل حجاج المصري من منثور الإفرنسية ومنظومها ونقله على العربية مصدراً القطع بشيء من تاريخ حياة أصحابها وقد جاء فيه نموذج مما كتبه هيكو ولامارتين وألفرد دي موسي وأندري شينيه ودو فيني وكوبه وروستان ودوده وتيوفيل وغوتيه وكورنيل وراسين. وإني أشكر لمحمد أفندي كامل ولكل من يصرف وقتاً في نقل شيء من العلم والأدب إلى لغتنا وفتح منفذ بيننا وبين جاراتنا من الأمم ولكني أنتقد عليه تسميته الكتاب ببلاغة الغرب في حين أنه لم يرفع لنا فيه الستار إلا عن بعض أدباء الفرنسيس وأدبيات هؤلاء غير أدبيات الألمان والروس والإنكليز. كما أني أعجب كثيراً من إغفاله بالزاك وفلوبر وزلا والأخوان غونكور وغيرهم من زعماء مذهب الحقيقيين (ريالزم) وصرفه صفحات الكتاب جزافاً للأدباء الخياليين (رومانتيست) مع أننا في زمان أحوج فيه إلى الهبوط من ثريا الخيال المزوق إلى ثرى الحقيقة المريرة وأن يتعلم القصصيون عندنا من زولا والشعراء من كوبه والمؤلفون من فلوبر كيف يصرفون الأشهر الطويلة والليالي الليلاء الباردة في أعماق المناجم وزوايا القصور وأطراف المعابد وأبواب الحانات ليقفوا على سرائر طبقات الهيئة الاجتماعية ويطلعوا الأمة على ويلاتها وأدوائها وجروحها كما هي لاسيما وهم يريدون أن تكون وهم خلف منضداتهم مرتاحون يتلاعبون بالعقول كما تشاء السياسة طوراً ويغشون القراء بما توحيه أهواؤهم تارة.

وفي الكتاب غير اقتضاب تراجم المشاهير وإغفال البحث في مذاهبهم الأدبية تساهل لغوي في المفردات والتراكيب مثل استعمال مرسح والصحيح مسرح وصبحية والصواب صبيحة ومواضيع بدل موضوعات وإثباته اسم ألفرد موسي كما يستعمله الفرنج دوسوسيه وقوله مذهب المحققين وأحسن أن نقول مذهب الحقيقيين وقوله قبل قطعة الدرس الأخير لألفونس دوده وقد دعاني لكتابة هذا وكان الأولى أن يقول إلى تعريب هذا وقوله المؤلف الرئيسي وهذا تعبير لا نعرفه العرب وتأنيسه الرأس بقوله رأسه الصلعاء وقوله حارب ضد لويس بونابارت حيث كان يقال ناضل عنه وتكريره كلمة هذا في قوله يتلألأ في كبدها بنور (هذا) المولود الذي اختاره القادر ليقبض على صولجان (هذا) الملك الفخم فما كان (لهذا) الشعب الصارخ إلا أن صمت واستكان لظهور (هذا) المولود.

والكتاب جيد الطبع يقع في مائتي صفحة.

محب الدين الخطيب

كتاب خصائص اللغة العربية

في أصول العربية للإمام أبي الفتح عثمان بن جني. هذا الإمام ممن اشتهر بالإجادة بالتأليف وأشهر مؤلفاته هذا الكتاب وهو كتاب تعرض فيه لأصول العربية على نحو أصول الكلام والفقه أبان فيه ما أودعته هذه اللغة من خصائص الحكمة ونيطت به من علائم الإتقان والصنعة وقد قال في أثنائه: أن هذا الكتاب ليس مبنياً على حديث وجوب الإعراب وإنما هو مقام القول على أوائل أصول هذا الكلام وكيف بديءَ وإلى م نمي. وهو كتاب يتساهم ذوو النظر من المتكلمين والفقهاء والمتفلسفين والنحاة والكتاب والمتأدبين تأملاً له والبحث عن مستودعه فقد وجب أن يخاطب كل إنسان منهم بما يعتاده ويأنس به ليكون لهم سهم منه.

وقد ألفه بعد أن أناف عمره على الستين كما أشار إليه عند قوله: ومن ظريف حديث هذا الخاطر أنني كنت منذ زمن طويل رأيت رأياً جمعت فيه بين معنى آية ومعنى قول الشاعر:

وكنت أمشي على رجلين معتدلاً ... فصرت أمشي على أخرى من الشجر

ولم أثبت حينئذ ضشرح حال الجمع بينهما ثقة بحضوره متى استحضرته ثم إني إلى الآن وقد مضي لي ستون أعاني الخاطر وأستمده وأعانيه وأتورده على أن يسمح لي بما كان رأيته من الجمع بين معنى الآية والبيت به وهو معتاص منأب وصنين به غير معط.

والكتاب مشتمل على أبواب شتى يصعب إيرادها لكثرتها وهاك شيئاً مما اشتملت عليه بعض الأبواب مما له علاقة بأهل الآداب. ذكر في باب القول على إجماع أهل العربية حتى يكون حجة: اعلم أن إجماع أهل البلدين إنما يكون حجة إذا أعطاك خصمك يده أن لا تخالف المنصوص والمقيس على المنصوص فإما أن لم يعط يده بذلك فلا يكون إجماعهم حجة عليه ثم قال إلا أننا مع هذا الذي رأيناه وسوغنا مرتكبه لا نسمح له بالإقدام على مخالفة الجماعة التي قد طال بحثها وتقدم نظرها وتتالت أواخر على أوائل وإعجازاً على كلاكل. . . إلا بعد أن يناهضه إتقاناً ويباينه عرفاناً ولا يخلو إلى سائح خاطره ولا إلى نزوة من نزوات تفكره فإذا هو حذاها على هذا المثال وباشر بإنعام تصفحه أضاء الحال أمضى الرأي فيما يريه الله منه غير معازبه ولا غاض من السلف رحمهم الله في شيء منه فإنه إذا فعل ذلك سدد رأيه وشيع خاطره وكان الصواب مئنة ومن التوفيق مظنة وقد قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ما على الناس شيءٌ أضر من قولهم ما ترك الأول للآخر شيئاً وقال أبو عثمان وإذا قال العالم قولاً متقدماً فللمتعلم الاقتداء به والانتصار له والاحتجاج بخلافه إذا وجد إلى ذلك سبيلاً وقال الطائي الكبير:

يقول من تطرق أسماعه ... كم ترك الأول للآخر وقال في باب الرد على من ادعى على العرب عنايتها بالألفاظ وإغفالها المعاني: اعلم أن هذا الباب من أشرف فصول العربية وأكرمها وأعلاها وأنزهها وإذا تأملته عرفت منه وبه ما يونقك وتذهب في الاستحسان كل مذهب بك وذلك أن العرب كما تعنى بألفاظها وتصلحها وتهذبها وتداعيها وتلاحظ إحكامها بالشعر تارة وبالخطب أخرى وبالأسجاع التي تلزمها وتتكلف استمرارها فإن المعاني أقوى عندها وأكرم عليها وأفخم قدراً في نفوسها فأول ذلك عنايتها بلفظها فإنها لما كانت عنوان معانيها وطريقاً إلى إظهار أغراضها ومراميها أصلحوها وبالغوا في تجييدها وتحسينها ليكون ذلك أوقع لها في السمع وأذهب بها في الدلالة على القصد ألا ترى أن المثل إذا اكن مسجوعاً لذ لسامعه فحفظه فإذا هو حفظ كان جديراً باستعماله ولو لم يكن مسجوعاً لم تأنس النفس به ولا أنفت لمستعمله وإذ لم يكن كذلك لم تحفظه وإذا لم تحفظه لم تطالب أنفسها باستعمال ما وضع له وجيءَ به من أجله. وقال لنا أبو علي يوماً قال لنا أبو بكر إذا لم تفهموا كلامي فاحفظوه فإنكم إذا حفظتموه (؟) وكذلك الشعر النفس أحفظ وإليه أسرع ألا ترى أن الشاعر قد يكون راعياً جلفاً أو عبداً عسيفاً تنبو صورته وتمج جملته فيقول ما يقول من الشعر فلأجل قوله وما يورده عليه من طلاوته وعذوبة مسمعه وما تصير قوله كلما يرجع إليه ويقاس به ألا ترى إلى قول العبد الأسود:

إن كنت عبداً فنفسي حرة كرماً ... أو أسود اللون إني أبيض الخلق

وقول نصيب:

سودت ولم أملك سوادي وتحته ... قميص من القوهي بيض بنايقه

وقول لآخر:

إني وإن كنت صغيراً سني ... وكان في العين نبو عني

فإن شيطاني أمير الجن ... يذهب بي في الشعر كل فن

حتى يزيل عني التظني

فإذا رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظها وحسنوها وحموا حواشيها وهذبوها وصقلوا عزوبها وأرهفوها فلا ترين أن العناية إذ ذاك إنما هي بالألفاظ بل هي عندنا خدمة منهم للمعاني وتنويه بها وتشريف منها ونظير ذلك إصلاح الوعاء وتحصينه وتكوينه وتقديسه وإنما المبغي بذلك منه الاحتياط للموعى وعليه وجوازه بما يعطر نشره فلا يعتر جوهره كما قد عد من المعاني الفاخرة ما قد نمقوه وزخرفوه ووشوه ودبجوه ولسنا نجد مع ذلك تحته معنى شريفاً بل لا نجده قصداً ولا مقارباً ألا ترى إلى قوله رحمه الله:

ولما قضينا من منى كل حاجة ... ومسح بالأركان ما هو ماسح

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسألت بأعناق المطي الأباطح

وقد ترى إلى علو هذا اللفظ وما به وصقاله وتلامح أنحائه ومعناه مع هذا ما تحته وتراه إنما هو لما فرغنا من الحج ركبنا الطريق راجعين وتحدثنا على ظهور الإبل ولهذا نظائر كثيرة شريفة الألفاظ رفيعتها مشروفة المعاني خفيضتها قيل هذا الموضوع قد سبق إلى التعليق به من لم ينعم النظر فيه ولا رأى ما رآه القوم منه وإنما ذلك لجفاءِ طبع الناظر وخفاءِ غرض الناطق ثم أفاض في بيان معاني البيتين.

وقال في باب إرادة العرب للأغراض التي نسبها إليهم حدثني المتنبي شاعرنا وما عرفته إلا صادقاً قال كنت عند منصرفي في مصر في جماعة من العرب وأحدهم يتحدث فذكر في كلامه فلاة واسعة فقال يحير فيها الطرف قال آخر منهم بلغته سراً من الجماعة بينه وبينه فيقول يحار يحار أفلا ترى إلى هداية بعضهم إلى بعض وتنبيهه إياه على الصواب.