مجلة المقتبس/العدد 39/سير العلم والاجتماع
→ مطبوعات ومخطوطات | مجلة المقتبس - العدد 39 سير العلم والاجتماع [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 1 - 4 - 1909 |
أدب السعادة
كتب رئيس تحرير المجلة الباريزية مقالة في هذا الموضوع قال فيها أن السعادة مادة حياتنا وقائد لها وهي تتزيا بأشكال منوعة وإنا إذا رأينا ما يبذله أهل الأرواح الشريفة من الهمم يتراءى لنا أن رغبتهم في أن يعيشوا في شقاء ولكن إذا أمعنا في استقراء أعمالهم نراهم يرمون إلى نيل سعادة أرقى. الغاية العامة من العلم الأدب والغاية الخاصة تخليص الحقيقة من الحوادث والعواطف. المؤُ مدين بكل ما فيه للأجيال الغابرة وهذا دين عليه يجب عليه أداؤه لن يأتي بعده وعلى المرء فروض يجب عليه القيام بها نحو الأموات ونحو الأحياء وهذا واجب يتحتم عليه في أعماله وأفكاره فقد علمه الاختبار أن سعادته ليست إلا نتيجة سعادة مشتركة فهو مخلوق على مثال الأجيال السالفة وهو تابع للإنسانية التي تحيط به. إذا عاد المجتمع إلى عهد اللصوصية واختل نظامه فإن سعادة المرء الخاصة تضمحل في السعادة الاجتماعية وكل احتياط صحي يأتيه المرء يفيد المجموع كما أن صحته مناطة بما يقوم به المجموع من أساليب الصحة العامة والأمثلة كثيرة على أن التكافل مشترك والعلاقة مؤكدة بين مصالحنا الخاصة ومصالح المجموع فليس لامريءٍ حق أن يستمتع بالخيرات التي هي ثمرة عمل الآخرين دون أن يساعد بنفسه وعلى قدر طاقته على رفع منار السعادة وعلم الأمن والسلام.
ليس الأدب أو الأخلاق إلا بعض فكرنا نستطيع أن نصوره أو نقلبه على الصورة المؤلفة منها عناصره. يقول بعضهم أن الأخلاق غريزية في المرء وليست كسبية ولو صح قولهم لكانت الأديان والتربية لغواً لا فائدة منها ولكان على الناس أن يغلقوا المعابد والمدارس أيضاً. نعم إن السعادة مناطة بشعورنا الأدبي والذكاء والسعادة يسيران معاً على خط متوازٍ يتجليان أنهما متشابهان وهما متخالفان جوهراً وعرضاً فالذكاء لا يؤثر في السعادة إلا بالواسطة وذلك بتجهيز حياتنا بسلاح ماض وبالتأثير في أخلاقنا وميولنا.
قال أغوست كونت مؤسس الفلسفة الحسية أن كمالنا الأدبي يعيننا على سعادتنا الحقيقية مباشرة من دون أدنى ريب أكثر مما يعيدنا غيره. وقال الفيلسوف ديكارت صاحب الفلسفة الحديثة: كل من عاش عيشة لا يوبخه عليها وجدانه ولم يقصر في القيام بكل ما يراه أحسن (من الفضائل) ينال عن سعيه جزاءً وفاقاً وتواتيه السعادة.
قال الكاتب ومتى أدركت الإنسانية أن سعادتنا منا وأننا لسنا سعداء لأن لنا إرادة في السعادة تنهار حوالينا ألوف من الأوهام التي تعوقنا عن كمالنا الأدبي وتقف عثرة في سبيل سعادتنا. وما شقاؤنا إلا ثمرة إساءتنا فهم معنى الحياة فنضر غيرنا دون أن يخطر لنا ببال أن شقاءَ غيرنا ضار بنا فالحسد مثلاً مصدر النقائص الاجتماعية وهو ضار بنا أنفسنا. والخير والحب وهما منبع سعادة الغير ينفعان من يأتيهما قبل كل الناس. حياة العائلة المؤسسة على الحب والاحترام المتبادل تنفع أعضاءها وأي نفع. وأنا حيثما التفتنا نرى العبر قائلة بلسان حالها ومقالها بأنه من المتعذر أن نستمتع بسعادة شريفة دائمة دون أن يتمتع بها القريبون منها وكلما امتد ميدان حياتنا وشرفت مبادئها وخواتمها يزداد التكافل بالسعادة فقد قال أفلاطون أن السعادة علم فمن عمل الشر فهو ممن لا يعرف الخير وهكذا الحال في السعادة فإن الشقي هو الذي يجهل كيف يقدر أن يكون سعيداً.
التسمم بالتدخين
جرب الدكتور سرج جبرو وسكي تجارب كثيرة ليبين أن التدخين يحدث في جسم الإنسان آثاراً تسممية وذلك بأن حقن الحيوانات تحت الجلد وفي الدم بالنيكوتين وقد استعمل لذلك جهازاً تمكن بواسطته من أن يضع الأرانب ست أو ثماني ساعات في اليوم في مكان محكم السد يدخل إليه بمضخة دخان اللفافة (سيكارة) فكانت تظهر في غضون الأسبوع الأول على الحيوان آثار القلق ويزيد فيه إفراز الدمع والبصاق وبعد امتصاص الدخان كان يستولي على الحيوان الضعف والبلادة وتتثاقل مشيته وفي الأسابيع التالية تزول هذه الأمارات وتحل محلها قلة القابلية للطعام. وقد مات عند انتهاء الشهرين أرنبان ودل الفحص المجهري (الميكروسكوبي) لقلبهما على تلف الجسم من فعل الدخان على أن الاخرى قاومت خمسة أشهر وظهر فيها فساد الدم ونزل وزنها إلى النصف وبهذا أثبتت تجارب الطبيب الموما إليه أن الحيوانات تعتاد التدخين ولكن فساد نسج قلب الحيوان معادل لما يحصل في الإنسان.
الاستحمام
قال أحد الباحثين في مجلة الحياة البيتية ما تعريبه: يطالب التبرج والزينة أن تصرف العناية في الطهارة خاصة وتكون متناسبة مع السن والمزاج والجنس على حين أن حفظ الصحة يتطلب أن تختلف هذه العناية باختلاف الأمكنة والأزمنة والحرارة. والحمام ألطف جميع ما تقتضيه الزينة من أنواع العناية وأكثرها بساطة وطبيعة فهو الذي يؤثر تأثيراً سريعاً في الصحة. فبالحمام رفاهية لا تنكر مزاياها وذلك لأن المسام إذا فتحت بالحمام تسرع حركة الدم وتعمل في الحال في الجلد بأن تنزع عنه القشور التي تغطي بشرة جسمنا.
وتختلف تأثيرات الحمام بحسب درجة الحرارة أو البرودة في الجو كما تختلف الاحتياطات عند الخروج باختلاف المناخ وذلك لأن الحرارة تشد الجسم والبرودة على العكس تضيقه.
الحمامات الباردة مقوية ويجب أن يغطس الجسم كله بسرعة وقد يحدث من الدخول في حمام بارد بعض الضرر وذلك عندما ينغمس المرء في الماء بالتدريج فتدفع البرودة بالحرارة نحو الأطراف فتصل إلى الدماغ مثلاً. ويقال بوجه عام أن الحمام البارد إذا نفع الأحداث وقوى بنيتهم فلا يليق بالشيوخ ولا بأرباب الصدور النحيفة لأن رد الفعل لا يتم فلا يتأتى أن تعود الحرارة إلا بصعوبة.
إذا أريد الاستحمام بالماء البارد يجب على كل حال أن يكون الجسم مستريحاً والهضم تاماً كل التمام ورشح البدن لا يكون كثيراً من المشي. وإذا بلغت الحرارة درجة لطيفة يمكن أن يبقى فيها المرء نصف ساعة أو ثلاثة أرباع الساعة ولا يجب أن يتجاوز المستحم هذا القدر من الوقت. وعلى المستحم عندما يخرج من الحمام أن يحتاط بتنشيف بدنه ودلكه جسمه كله لينزع منه الرطوبة ويرفع عن الجلد الأجزاء الصغيرة التي تستخرج منه بفعل الماء. وإذا شعر بأنه برد ينبغي له في الحال أن يدلك جسمه بماء البيون أو ببعض الأرواح الأخرى وعليه لإعادة الرشح تماماً أن يمرن عضلاته تمريناً خفيفاً.
ومن الحكمة أن يمتنع المستحم عن تناول الطعام حال خروجه من الحمام لأن الحرارة تنتقل من وسط الجسم إلى الأطراف فتترك الحواس الهاضمة خالية من جزء من القوة اللازمة للقيام بوظائفها.
وإذا ناسبت الحمامات الباردة الدمويين أو السمان من الأشخاص فقد تضر المستعدين للهزال. وعلى الجملة فإنها قلما تنفع من عودوا الرخاء والجلوس. ومن الاحتياط أن لا يستحموا كذلك إلا بإشارة الطبيب.
الحمامات الحارة تزيد العرق وإذا قلّ تعيده كما كان وتلين الألياف. والواجب أن يستعمل الحمام بحسب الحالة الصحية وإذا أكثر منه يضعف الجسم ويتعب ويعد للنزلات.
أما الحمامات الفاترة أو الحارة فلا يقتضي لها الاحتياط بقدر الاحتياط للحمامات الباردة والاحتياط فيها مطلوب عند الخروج منها ويحسن بعد الحمام السخن أن يقعد المرء في فراشه بعد أن يكون قد نشف جسمه بمناشف غير ندية وحارة وذلك لأن ما يحدث أمراضاً كثيرة هو التعرض لفعل الهواء الخارجي.
ومن القواعد التي يجب مراعاتها أن يستريح المستحم قبل الحمام البارد وبعد الحمام السخن والواجب أن يعنى بدلك الجسم عند الخروج من الحمام حتى لا يتضرر الجلد ويتخلص من الذرات القشرية التي أبقاها الاستحمام على الجسم. وإذا لم يسع المرء أن ينام بعد الحمام فلا أقل من أن يمرن جسمه قليلاً فليشعر في الحال بتأثيرات هذا الاحتياط وينتفع الجسيم من ذلك أحسن نفع.
تنفع الحمامات البخارية في البلاد التي يشتد بردها في إهاجة الرشح البطيء النادر وضروري في الأقاليم المعتدلة الاستحمام بالماء الفاتر لينزع من البشرة الذرات التي تنبعث من الجسم. وفي الأوقات الرطبة يحسن الدلك الناشف. ولما كان الرشح في البلاد الحارة يكاد يكون متواصلاً فمن الضروري أن تكون الحمامات على درجة أقل من درجة حرارة الجو ليحدث بذلك التوازن في الأخلاط ويسكن هيجانها العادي.
وإذا لم يساعد الحال والمكان على استيفاء شروط الاستحمام فالواجب أن يستعاض عنه بغسل بعض البدن بماءٍ حار أو بارد بحسب الموسم وقد لا تستوفى من هذا الاغتسال الشروط الصحيحة الناشئة من الحمامات ولكنها تكفي في صيانة الجسم.
والأشخاص الذين يتعبون أحياناً بما ينهال من الدم على رؤوسهم يجب عليهم أن يستحموا استحماماً تاماً ويغسلوا أرجلهم ويتأتى لهم الاستعاضة عن الأول والثاني بغسل أيديهم بالماء المغلي. وهذا الدواء على سهولته نافع في أمراض الأسنان لا للطاعنين في السن بل لصغار الأولاد.
المحظورات يحظر عليك أن تضع إصبعك أو طرف مظلتك في عين جارك.
كما يحظر عليك أن تضع إصبعك في أنفك حتى ولو كان يحك.
لا تنظف أمام الناس أنفك ولا أذنك ولا أسنانك ولا أظافرك.
لا تدعس على رجل جارك ولا على ثوب جارتك.
لا تجلس على طرف كرسيك ولا تهتز عليه.
لا تعبث بهدب ثوبك ولا بأزرارك.
إذا صافحت فلا تصافح بغصبع واحد بل بجماع راحتك مفتوحة.
لا تدخل إلى قاعة الاستقبال ومعك مظلتك ولا معطفك ولا مشمعك.
غلط الشعر
تختلف ثخانة الشعر من واحد إلى عشرة من الميليمتر إلى أربعين. وقطر خيط الحرير كما تخرجه الدودة هو نحو خمسة مليم من الميليمتر ويمكن أن تحاط الكرة الأرضية بليبرة من خيط العنكبوت كما أن قمحة واحدة من المسك تعطر غرفة مدة عشرين سنة وفي جسمنا 2. 30. 4000 من المسام.
أثقل تمثال
أثقل تمثال من البرونز تجده في بطرسبرج وهو تمثال بطرس الأكبر ثقله زهاء ألف طن.
الطول البشري
تبين من التجارب التي صنعت لاختبار طول قامات الرجال والنساء أن من يولد في الربيع أو في الشتاء أكبر قامة ممن يولد في الفصلين الآخرين والبنات الطويلات القامة يلدن في آب أما البنون فأطولهم قامة من ولدوا في تموز وأصغرهم من ولدوا في تشرين الثاني.
التفنن في التعليم
ورد في قصة لديكنس أن إحدى المعلمات كانت تكرر على تلميذاتها كلمات برون بريسم بوتاتويس ليمددن شفاههن المنضمات بعضها على بعض ويبدو الظرف على أفواههن. وقد توسعت الآن إحدى العقائل فيهذه الطريقة وقامت تدعي أنها تستطيع أن تعيد القبيحة من النساء مليحة وأن تصير الملاح أعجوبة الأعاجيب فأسست لهذه الغاية في إنكلترا مدرسة أخذ الطالبات ينهلن عليها انهيالاً وقد قسمتها صفوفاً فجعلت صفاً لتعليم البنات كيف يلقين نظراتهن الفتانة ويسحرن بها الألباب وصفاً لتعليم البنات تحريك أنوفهن تحريكاً جذاباً خلاباً وصفاً لتعليم الشفاه على الحركة ومتى أتم الفتيات التعليم في هذه الصفوف ينتقلن إلى صف أرقى حيث يعدن نظرة إجمالية على كل ما تعلمن فيأتين فاتنات ساحرات.
النوم الضروري
كلما أمكن ترك الأولاد ينامون كثيراً كلما كان أنفع لصحتهم. ويؤخذ من البحث الذي تم في بلاد السويد أن الأولاد الذين لا ينامون القدر الكافي من النوم تزيد أمراضهم جزئين من خمسة أجزاء. فمعدل ما ينبغي من النوم للطفل الذي يذهب إلى المدرسة اثنتا عشر ساعة لمن كان في الرابعة من سنه وإحدى عشرة لمن كان في السابعة وتسع ساعات لمن كان بين الرابعة عشرة إلى العشرين.
أرجل الصينيات
كنا نسمع بأن من جمال الفتاة الصينية أن تكون صغيرة الرجلين وأن القوم هناك يستعملون لتصغيرهما قوالب مخصوصة وقد ذكرت الصحف أن حكام ولايات كينغ سو وكينغ سي وكينغ هوي وناكان هوي من الولايات الصينية قد أصدروا بياناً يحظرون فيه على النساء أن يعصبن أرجلهن قائلين إن ذلك مما يمس حنان قلب الأم والفتيات يضعن الحياء إذا تكلفن الجمال ويصبحن ضعيفات غير قادرات على العمل ويحسبن فقيرات. وقد وعد أولئك الحكام بمكافآت للصينيات اللاتي يعدلن عن تصغير أرجلهن.
أسماء الأقمشة
سميت كثير من الأقمشة في بلاد الإفرنج بأسماء المدن التي حاكتها أول مرة فعندهم نوع من القماش اسمها دماس نسبة لدمشق حيث كان ينسج الحرير منقوشاً بنقوش بارزة. وعندهم قماش اسمه كاز نسبة لغزة في فلسطين وآخر اسمه أندرينوبل نسبة لأدرنة في الروم إيلي والموسلين وهو الشاش الرفيع صنع لأول مرة أيضاً فيمدينة الموصل فنسب إليها والكاليكو قماش صنع أول الأمر في مدينة كاليكوت من بلاد الهند فنسب إليها.
انقضاء العالم نشر أحد علماء الطبيعة مقالة في مدة بقاء الأرض أو انقضاء العالم ومتى صلحت الأرض لسكنى الحيوانات والنباتات فقال أن من الأسهل أبداً السؤال عن هذه الأسئلة ولكن الصعوبة في الإجابة عنها فقد كان النظام الشمسي في البدء عبارة عن كتلة عظيمة من الأبخرة المتأججة أو منطاداً ضخماً من الغاز حامياً يدور بحركة فوق نفسه. فجمد البرد في الفضاء الغيوم الأصلية وانفصلت السيارات من الأجرام الموجودة في الوسط وأخذت السيارات تبرد على الولاء بقدر أجرامها فيبرد الأصغر ثم الأكبر. وقد طال أمد كل سيارة ونمت على توالي الأزمان فجمدت الأرض وتماسك سطحها السائل وعلى هذه الصورة نشأت القشرة الأرضية.
ويهمنا هنا أن نعرف عمر الأرض أو عدد السنيني التي مضت على تكونها والأعوام التي تفصل العصر الحالي من العصر الذي ظهرت فيه على سطحها الأحياء الأولى ولا سبيل إلى ذلك إلا على وجه التقريب. وإذ كان عمر الأرض مرتبطاً بعمر الشمس كان من الواجب أن نعلم أولاً الحدود التي يجب أن نحصر فيها وجود الشمس فقد حسب علماء الهندسة كمية الحرارة التي ادخرها تقلص السديم الأول في السيارة الوسطى وحققوا قوة الحرارة الحالية وما يفقد منها كل سنة واستنتجوا من ذلك مقدار الزمن الذي وجدت الشمس فيه. وبحسب ما حسبوا تبين أن الشمس موجودة منذ خمسة وعشرين مليون سنة على الأقل أو منذ أربعين مليون سنة على الأكثر. ورأى الطبيعي نوكمب بحسب النور الحاضر أن الكوكب يصغر إلى نحو النصف من قطره في خمسة ملايين من السنين على أكثر التقدير وأنه بعد عشرة ملايين سنة يكاد يكون له قشرة فيحتمل إذ ذاك أن تصلح الأرض للأحياء على الوجه الذي نعرفها به.
وإذا كان جرم كرتنا الأرضية أصغر من جرم الشمس بـ3500. 000 مرة فظاهر أن الأرض بردت قبل غيرها وثبت لعالم آخر اسمه ويليام طومسون بالتحليل الرياضي أن الأرض جمد سطحها منذ عشرة ملايين من السنين أو منذ خمسة عشر مليوناً على التقدير الأكثر فيرد تاريخ أصل الأحياء على الأرض إلى اثني عشر مليون سنة.
وبالجملة فإن لنا أن نستنتج من هذا أن الأرض موجودة منذ خمسة وعشرين مليون سنة على الأقل وأن الأحياء الأولى التي عاشت على سطحها قد ظهرت منذ اثني عشر مليون سنة والغالب أن الكائنات الحية الحاضرة تنقضي أيامها بعد عشرة أو اثني عشر مليوناً من السنين وعلى هذا فآخر أيام الدنيا بعيدة وبحسب ما تقدم تكون الأرض الآن قد قضت نصف حياتها فمضى اثنا عشر مليوناً من السنين وبقي ما يقرب منها بعد وبذلك نطمئن على مستقل الجنس البشري.
جمال النساء
معيار الجمال في الأمم أذواقها ومصطلحاتها فمن الجمال في أوربا أتكون أسنان النساء بيضاء وفي اليابان يؤثرون من اصفرت أسنانهن وفي الهند يصبغنها بالحمرة وفي بوكارات بالسواد والنساء في غروانلاندا يدهن وجوههن بمادة زرقاء صفراء والتاتاريات مهما بلغن من الجمال الطبيعي يرين أنفسهن بشعات إن لم يبيضن وجوههن على مرأى من الناس على حين ترى الأوربيات إذا وضعن الحمرة على وجوههن يخفين أمره ولا يكدن يظهرنه. وفي فرنسا يفضل من النساء الممشوقات القدود وفي البلاد العثمانية يؤثرون السمينات المكتنزات كما يفضلون من استدار وجهها. أما الفرنسيس فيفضلون الوجوه المستطيلة المتناسبة. ويفضل اليونان من النساء من صغرت جبهاتهن أما الفرنسيس فيطلبون أن تكون جبهات النساء عالية مكشوفة. الناس في أوربا يفضلون الشعر الأسود أو الأشقر أو الأسفع ولكن سكان جزائر ماريانا يفضلون من ابيض شعرها من ربات الجمال. وعلى هذا فلا ييسر لامرأة أن تتفق الأمم على جمالها لأن ما يراه قوم حسنة قد يراه غيرهم سيئة فسبحان مقسم العقول والأرزاق.
الآثار العربية
أهدى المسيو كورد مانش لمكتبة الأمة في باريز مجموعة مؤلفة من 158 متاباً من المخطوطات العربية والفارسية والتركية وكان أهدى مثلها من المخطوطات والمسكوكات العربية إلى تلك المكتبة نفسها فكتبت مجلة العالم الإسلامي مقالة في هذه المناسبة قالت فيها أن هذه المخطوطات لا تروق المشتغلين بالعربية من المستشرقين ممن يرون أن المصنفات التاريخية الشائعة هي وحدها تحتوي على بعض الفوائد مدفوعين إلى ذلك بعامل فهمهم لها من دون سائر ما خطته أيدي مؤلفي العرب وزاعمين أن ما بقي من الأدبيات الإسلامية عبارة عن أحاديث ملفقة وهذيان ليست حرية بنظر رجل تمكن من الطريقة القويمة في المعارف وإن مثل هذه الكتب لا يقبل عليها ويصرف أوقاته فيها إلا من تبلد ذهنه أو اختل شعوره فإذا كان التاريخ الإسلامي هو م الفروع المهمة جداً في الآداب الشرقية فإن سائر فروع العلوم كالفقه والنحو (وأكثر مجموعة المسيو كوردمانش منها) ربما لا تقل عنها شأناً لأنها ليست وحدها التي تصور حالة العقل في الرجال الذين أتوا قبل ثلاثة عشر قرناً من الهجرة النبوية وكيف كانوا يفكرون ويذهبون في مذاهب الأمور الذهنية والروحية.
لا جرم أن المشاغل السياسية منذ بضع سنين ولاسيما منذ قتال موكدن قد قلبت الأفكار الإسلامية ظهراً لبطن وأخذ رجال الإسلام يزينون لأبناء دينهم الرجوع إلى الدروس التي انغمس فيها أجدادهم بحيث كادوا يغرقون وتعزوا عن الخيبة التي نالتهم بما قرأوا فيها من الأفكار على أن النظر الصحيح يقضي بأن المهندسين الذين مدوا في بادية بلاد العرب خطوط السكة الحديدية من دمشق إلى المدينة قد أتوا بعمل أنفع مما أتى الزمخشري وجميع شراح الكافية لابن الحاجب. إلا أن الأفكار الحديثة توشك أن تؤدي بالإسلام إلى طرق مخالفة للطرق التي سار عليها إلى أوائل القرن الرابع عشر من الهجرة ويمكن أن يكون المجتمع الإسلامي بعد مائة وخمسين سنة وأعني به الجيل المفكر المهذب من المسلمين مخالفاً للمجتمع الذي عاش على عهد عبد الحميد خان الغازي وناصر الدين شاه قاجار كما نختلف نحن معاشر الفرنسيس اليوم عن أجدادنا زمن لويس الخامس عشر وربما كان اختلاف المسلمين أكثر.
كان المسلمون الذين عاشوا في بلاد ما وراء النهر إلى أواخر القرون الوسطى على عهد أخلاف تيمورلنك قد ورثوا التمدن اليوناني وبلغوا بالعلوم إلى درجة عجيبة من الكمال ثم لم يلبثوا أن ضعف أمرهم وتخلوا عن هذا التراث العلمي وانصرفوا جملة إلى الفقه والنحو فكان ذلك مبدأ سقوط الأمم الإسلامية.
ومهما كانت الطرق التي سيجري عليها أهل الإسلام في ظل العلم والدستور اليوم فإنهم ولا جرم يخالفون المسلمين الذين عاشوا في ظل الاستبداد كل المخالفة ولا يتأتى الآن الوقوف على فكر العالم الإسلامي قبل مضي زمن وتصفح الكتب التي يستخدمونها في تعليم ناشئتهم وطريقة الرجال الذين عاشوا على عهد الخلافة الدينية أو خلافه السلاطين الذين حلوا محل خلفاء بغداد وهكذا فإن هذه الكتب التي تشهد بفضل مؤلفيها وبعنايتهم الفائقة التي بذلوها في وضعها وهي تساوي بأسلوبها وتعليمها أقل مما تساوي بدلالتها على الحركة العقلية في مدنية كانت الحاكمة المتحكمة على العالم زمناً ونعني بها مدنية الإسلام. ومكانة هذه الكتب لا تسقط أبد الدهر حتى ولو أدى الارتقاء العلمي الإسلامي إلى طرحها والاستعاضة عنها بمصنفات تؤلف على غير نسقها وعلى أسلوب يغاير أسلوبها ولا سيما متى انصرفت النفوس عن دراسة علوم اللسان والفقه إلى علوم يكون نفعها عملياً ظاهراً.
لا جرم أن علوم المسلمين ودرسها تشبه ما كان لنا منها في عهد الحكومات البائدة وأن من عانوها وأتقنوها إذا تعلموا جميع دقائق النحو العربي وتبحروا في فقه السنة والشيعة لا يتأتى لهم بذلك أن يقفوا على مطالب الحياة الاجتماعية والعالم الخارجي.
وبعد فإن كتب النحو العربي التي هي مصنفات تامة في بابها يجب الرجوع إليها إذا أريد التعمق في هذه العلوم وفهم فكر العربي وهي تشبه كتبنا التي كانت مستعملة في المدارس قبل إصلاح بور رويال. وربما زهد المسلمون في الاعتماد على الطريقة القديمة والكتب القديمة في هذه الفنون لأن بعضهم يرى أن الألفية والأجرومية قبلاً تستدعي انتباه ذهن الطلبة وذاكرة فائقة لاختيار طريقة تشبه طريقة الكتب التي نعول عليها في دراسة اللاتينية وغيرها من اللغات وربما لا يمضي وقت طويل إلا وتتحسن طريقة دراسة الآداب العربية كما تحسنت عندنا في الغرب. على أنه لا يبعد أن تقل الرغبة في هذه الدروس اللسانية كان درس الفقهية التي كانت الدروس المعول عليها فقط في العهد الماضي ولاسيما في البلاد العثمانية والفارسية ويعتبر القوم علوم الدين واللغة التي كانت موضوع اهتمام المتفقهة والمتصوفة من علوم الرجعة لأن القائمين عليها أناس كانوا في الجملة مراعاة لمصالحهم أصدق أنصار عروش السلاطين الذين يدعون الخلافة عن الله في الأرض.
وكيفما كان الحال فإنه لا يتأتى الوقوف على الفكر الإسلامي في كتب ألفت على النسق الأوربي وسارت في أسلوبها على نسق الخطط الغربية كما أنك لا تسقط على الفكر الياباني قديماً من مراجعة الترجمات الإنكليزية والفرنسوية التي تعين رعايا ميكادو واليابان من اجتياز أبواب المدراس الحربية في مملكة الشمس المشرقة.
ولا يتيسر درس الحضارة الإسلامية القديمة بغير الرجوع إلى هذه الكتب في الفقه معاملاته وعباداته والنحو ومتعلقاته. تلك الكتبالتي يهملها علماء المشرقيات لأنها على غير أسلوبهم ولأنها من بقايا القرون الوسطى على حين أن نشوء الدروس الذي وقع في الغرب منذ عهد النهضة قد صير الكتب المكتوبة باللاتينية بأقلام أساتذة علم الكلام معقدة غير مفهومة إن لم يصرف فيها المرء وقتاً طويلاً.
وفي المجموعة التي أهداها المستشرق المشار إليه عدة كتب مشهورة منها قطع من القرآن ربما كانت بخط ياقوت المستعمي الخطاط الشهير وقطعة من كشاف الزمخشري وقطعة من تفسير القرآن للبيضاوي من أوائل القرن الرابع عشر وقطعة من الحديث من القرن الثالث عشر ونسخة قديمة جداً من مقامات الحريري وكتاب في القرآات فارسي وشرح كافية ابن الجاحب بالفارسي.
وقد ظفروا بهذه المجموعة في سمرقند وهي تمثل صورة من صور علم الفقه والكلام عند السارتيين والتاجكيين في بخارى وسمرقند وكشغر وبعبارة أخرى صورة من صور علوم المسلمين في التركستان الرمسي والتركستان الصيني وبها يتمثل الناظر حالة المعارف عند كل من كانوا يعيشون في تلك الأنحاء من المسلمين لأن جزءاً كبيراً من الكتب التيتألف منها هذه المجموعة قد نسخت هناك.
وليس في هذه المجموعة إلا كتب خاصة بطائفة مهذبة من طوائف المسلمين إلى حد معلوم والنسخ الحديثة من كتب الفقه والنحو تدل على أن معرفة اللغة العربية التيهي أساس الدروس الإسلامية هي في أقصى دركات الانحطاط في تركستان على أن هذا الانحطاط يرد إلى أبعد من ذاك العهد لأنه وجد في عهد التيموريين في الكتب والمكتوبات على الأحجار من الأغلاط الفادحة ما يستدل منه أن معرفة اللغة العربية هو أحط من ذاك العهد مما هي عليه اليوم في فارس حيث أصبح طلاب الفقه دع عنك المجتهدين ولاسيما في النجف وكربلاء أساتذة في أسرار علوم الصرف والنحو.
وهذه النسخ بالإجمال استنسخها أناس لم يعنوا بها حق العناية وليس لهم فيها ذوق حتى إن بعضها لم يكتبوا عليه اسمه واسم مصنفه لجهلهم في الغالب. وهذا الجهل وهذا الإهمال يكفيان لبيان السقوط المريع الذي أصيب به ذاك الذي يسكن تلك الأقطار التي كانت فيما غبر مهد العلوم والآداب.