مجلة المقتبس/العدد 21/المرأة في الإسلام
→ المقامات اللزومية | مجلة المقتبس - العدد 21 المرأة في الإسلام [[مؤلف:|]] |
صحف منسية ← |
بتاريخ: 15 - 10 - 1907 |
ومن اوضح أوصاف النصرانية في عصورها الأولى حطها من قدر الزواج فكانت تعد هذا الارتباط من الأحوال المنحطة وتحسب البنين جناية وشراً وكأنت الأديار والصوامع حجبت عن العالم اصح العقول فكان خدمة الدين اما أن يمنعوا من الزواج بتاتاً او لم يؤذن لهم أن يتزوجوا غير مرة واحدة.
وقد نشأ بعض هذا الانحراف عن التشبه بالمعلم نفسه وبعضه عن أحوال متنوعة حملت النصارى الأول على تنظيم سلكهم.
وشدة تعلق نبي الناصرة بأهل المذهب الاسنى وانتظاره حلول الساعة في العاجل حين تنتهي جميع الارتباطات المدنية وانقضاء بعثته وهو في مقتبل العمر كلها أمور تجلو لنا أسباب حطة من قدر الزواج وكيف أنه (لم يجن على احد) واجتماعه بالتعمديين وهو اسني يرشدنا إلى طرف من حياته القصيرة التي تثير العواطف وشدة بغض بولس للنساء مع ما يعضده من كلام المعلم قوى في الكنيسة الاعتقاد الاسني بأن الارتباط الزوجي وهو اقدس العقود انما هو إثم يحب تجنبه ما امكن وكان يحسب المقصود من الزواج ايلاد الأولاد وقضاء الشهوة البهيمية ليس إلا. ولا تزالعقود الزواج في أكثر الكنائس مصبوغة بهذه الصبغةالخالية إلى يومنا هذا ولا يزال هذا التصور الدخيل على النصرانية يذهب بالناس حيث لا توجد العلوم الكونية إلى أن الرجل الذي لم يدخل دنيا قط هوأفضل كثيراً ممن تدنس بالزواج.
ويوجيس الهند المعفر بالرماد ونساك الشرق مسبلو الشعور واحبار بوذا هم من اهل التبتل وعندهم أن إدراك العلم لا يتم الا بحل الروابط الأهلية وأن الوصول إلى الازل لا يمكن الا بعيش التوحد وقد أخذت النصرانية الاعتقاد بالتبتل عن مشككي المشرق وزهاده.
ومن الناس من اتخذ عصمة المسيح من الاثم برهاناً على الوهيته ومنهم من اتخذها حجة على شدة فضله على غيره من المتشرعين وعندنا أن مقابلة فاسدة الأساس كهذه بين المسيح والنبي هي من الموهومات بتاتاً وأساسها خطاء في تقدير المقاييس الأخلاقية. وإن صح أن التبتل مما يجعل صاحبه كاملا فالمتصوفون والنساك والدراويش هم إذا الكاملون والحياة الكاملة تكون حينئذ بترك الروابط الأهلية وإن من المحقق أن نظرية مثل هذه لا تعد إلا أنحرافاً عن الفطرة وما نتيجتها الا الدمار.
إذا لم ياترى هذا الحظ من قدر النبي وهو الذي اكمل بعثه المسيح الأنه تزوج بغير واحدة وقد بينا الحكمة في زواجه المتعدد وسعينا على الأقل في بيان أن هذه الأعمال التي اتخذت للحط من قدره انما هي من باب ايثار الغير.
ولننظر الأن في أمر زواجه بالنظر المطلق ولنسأل انفسنا لم تزوج موسى بغير واحدة أكان في عمله هذا من أهل الفضيلة ام من أهل الرذيلة؟ ولم تمتع داوود بزواج لا حد له ومكانته عند الله معلومة؟ والجواب بسيط وهو أن لكل زمان مقياساً خاصاً ومعياراً مقدراً وما يوأفق زمناً وأحداً لا يوأفق غيره.
ومن الواجب أن لا يقيس الماضي بالحاضر. وإن امثلة الفضيلة من أهل الكمال لا يخسرون شيئاً من عظمتهم إذا عملوا بمقتضى زمنهم وكانوا في عملهم امناء شرفاء. أيجوز أن ندعو المسيح طامعاً خيالياً يحاول العبث اوإن ندعو موسى وداوود شهوانين يسفكان الدماء لأن عقل الأول كان مفعماً بتخيلات ملك منتظر وسلوك الاثنين الأخيرين هو مما ينتقد في القرن التاسع عشر. إننا لو فعلنا ذلك لاخطأنا في كلا الحالين لأن اماني المسيح وأعمال موسى وداوود هي من الحقائق التاريخية التي مشت على مقتضى الزمن.
ومن اوضح ميزات النبي أنه وهو في أسمى حالاته لم يتعدم عن الاحياء منتظراً جيلاً لم يولد بعد وهو يمثل في نموه نمو البشر. وأن المسيح ومحمداً لم يقدرا على تغيير الجمعية البشرية دفعة او محو كل ترتيباتها السياسةالملية. وهو كالمسيح اكتفى أن يغير المقتضات الحالية بزرع مبادئ تلاشي هذه المقتضيات متى حان الوقت المناسب ولصحت في قلوب أتباعه.
أما القول بأن النبي ميز نفسه بمنافع حرمها على أتباعه فهو من الوهم الناشئ عن الجهل لان حد تعدد الزوجات لم يوضع إلا في المدينة بعد الهجرة بسنين وما أبيح له كان عبئاً وضع قصداً على ذي وجدان يحاسب نفسه في أعمالها بدلاً من أن يكون لذة لكل متهتك.
وحدث كل زواجه قبل نزول الحد ومما نزل مع هذا الوحي التحديدي وحي آخر نزع من النبي كل امتياز فأصحابه أبيح لهم إذا راعوا حدود الشرع زواج مثنى وثلاث ورباع وكان لهم أن يكرروا زواجهم بقوة الطلاق الذي كأن يكرهه اما هو فقد حرم عليه طلاق اية من زوجاته وأن يضيف إليهن زوجة أخرى، أيعد هذا امتيازاً انتفاعياً ام عملا أنسانياً يراد به القيام باود من احتمى به وايثاره.
وسبب موضوع الطلاق في الإسلام اغاليط وجدلاً إلا أنه مما لا شك فيه أن أحكام الطلاق القرآنية هي أعدل من أحكام الطلاق في سائر الكتب. وقد حسب حق الطلاق في الأمم الخالية كافة نتيجة لأزمة لسنة الزواج إلا أن هذا الحق كان محصوراً في يد الجنس الأقوى إلا في النادر ولم تخوله الزوجة في حال من الأحوال. وأن تقدم المدينة وترقي الأفكار حسنا من حال المرأة بعض التحسين فالنسالة ايضا حصلن على نوع من هذا الحق الذي لم يقصرن في استعماله حتى صارت سهولة عقد الزواج وحله في الأمبراطورية الرومانية من باب الاكتفاء باللفظ.
وللزوج في شريعة العبرانين أن يطلق زوجته لاي سبب بقبحها في عينه. وكاد لا يوجد عندهم مايحدد سلطته هذه وهواه ولم يجوزوا للزوجة المطالبة بالطلاق بحال من الأحوال.
وعدل الشمعيون عادة الطلاق بعد ذلك نوعاً من التعديل بوضع بعض الشروط إلا أن الهلاليين حافظوا على الناموس وأبقوه على صورته الأصلية. وعند ظهور النبي كانت سنة الهلاليين هذه هي الجارية بين يهود جزيرة العرب وكان الطلاق منتشراً عندهم كما كان منتشراً عند جيرانهم الوثنين.
أما الطلاق عند الاثنيين فكان بيد الرجل كما كان عندالاسرائليين. وقد أباحت الأحكام الرومانية الطلاق منض ابتدائها وكذلك الالواح الاثنا عشر.
وإذا صح مايثقول المعجبون بالرومانين من انهم لن يتمتعوابهذه العادة الا بعد الن مضى على تأسيس رومية خمسمائة سنة فليس ذلك من دواعي فضلهم على غيرهم لأنه أبيح للزوج عنده أن يقتل زوجته لأسباب معينة كالسم والخمر الخ ولم يجز للمرأة أن تطالب بالطلاق وإذا التمست مفارقته فإن تهورها يجعلها أهلاً للقصاص.
إلا أن كثرة الطلاق في الجمهورية اللاحقة كانت علامة ظاهرة على أنحطاط الآداب وسبباً وتنجيه له في آن واحد.
ذكرنا هاتين الأمتين لإنهما أشهر الأمم الخالية ولان أفكارهما أثرت في الأفكار المعاصرة أشد التأثير.
ولا ينكر أن صيغة أحكام الطلاق عند الرومانين صبغة ارتقائية ونتيجتها رفعة المرأة ومساومتها بالرجل وهذا ناشئ عن تقدم الأفكار كما هو ناشئ عن غيره من الأسباب الخارجية.
(وكلمة المسيح التي تتضمن أمره في الطلاق مرنه تقبل أي تفسير تتطلبه حكمة المقنن)
ولنا أن نقول أن المسيح لما قال: (فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان) لم يكن في تصوره الا اقتلاع حطة الأخلاق وانه لم يفكر في نتائج كلامه ويدل الحكم الملحق القاضي يجعل الزنا السبب الوحيد لجواز الطلاق على تنبيه المسيح لمقتضى الحال إلا أن حكمة المقننين التالين لم تقف عند التمسك الأعمى بحكم وضع في الغالب بجمعية في طفولتها. ويمكن أن تحسب قاعدة المسيح مبدأ يدل على شعور سامي لا أن تحسب نموذجاً ففي حكم الطلاق هو مماترده الإصلاحات التي اضيفت إلى هذه القاعدة في الاعصر التالية في البلاد النصرانية ولم يقيد حق الطلاق في الجاهلية والجاهليون لم يراعوا في نسائهم عدل وشفقة إلا أن النبي انظر إلى هذه العادة بعين السوء وعلى استعمالها مما يهز اركان الاجتماع وكثيراً ماصرح بأن لا شيئاً يرضي الله أكثر من عتق الرقاب ولا شي يغضبه أكثر من الطلاق ولكن كان أمن المستحيل عليه اقتلاع هذه العادة بتاتاُ من بين الاعراب وهم على ما كانوا عليه. فمن ثم تحتم عليه أن يهذب جمعية ساذجة على جانب عظيم من التوحش ويعدها لحالة أسمى حتى إذا حان الوقت ونضجت الأفكار تنمو مبادئه وتزهر أخلاقه في قلوت البشر ولم تكن تلك العادة شراً محضاً لدلك أباحها للرجل على شروط معلومة فأجاز للزوجين مدداً ثلاثاً يمكن لهما في غضونها إصلاح ذاب البين فإذا لم يتم ذلك جرى الطلاق.
ووضع قاعدة التوسط فيما إذاحدث نزاع بينهما. قال المسيوسيرو وهوممن لم يفضله احد في تحليل الأحكام الإسلامية: (اجيز الطلاق ولكن وضعت له رسوم تفضل إلغاء طلاق مستعجل لم يترو فيه. ولكي يكون الطلاق مما لايقبل الرجعة تلزم ثلاث طلقات متعاقبة يفصل مأبينها شهر واحد)
ولقد احدثت إصلاحات النبي تغيراً جديداً في الشرائع المشرقية فهو وضع حداً للطلاق ومنح النساء حق الفارقة لأسباب معقولة وفي أواخر أيامه بلغ به الحال أنه حرم الطلاق إذا لم يوجد حكم (أن ابغض الحلال إلى الله الطلاق) لأنه يمنع السعادة ويضر في تربية البنين.
لذلك نرى من اللازم أن لا تفسر إباحة الطلاق في القرآن التي لهاصورت العادات الخالية الا بعبارات الشارع نفسه ومتى عرفنا امتزاج القانون والدين في الإسلام يسهل علينا فهم مقاصد الشارع في حكم الطلاق. ومن المنتظر اختلاف المذاهب في إباحة الطلاق للزوج من غير مداخلة القاضي وقسم مهم من الفقهاء عد الطلاق الصادرعن الزوج محرما الا لضرورة كالزنا وجماعة اخر وأكثرهم من المعتزلة لا يبحيون الطلاق مالم يجيزه حاكم الشرع وهم يذهبون إلى أن إباحة الطلاق تتوقف على حكم قاضي عدل لا يميل مع أحد الخصمين ويستندون في ذلك على كلام الشارع الذي ذكرناه وعلى قاعدته وفي وجوب انتخابات حكم فصل الخلاف بين الزوجين ويذهب الاحناف والشافعيون والمالكيون وأكثر الشيعة الا إباحة الطلاق لا لغير سبب وبعد أن اعترض صاحب (رد المحتار) على القائلين بتحريم الطلاق قال (وأما الطلاق فإن الأصل فيه الحظر بمعنى أنه محظور الا لعارض يبيحه وهو معنى قوله الأصل فيه الحظر ومع أن الفقهاء اتخذوا الإباحة المؤقتة قاعدة دائمة وجهلوا كثيراً من قواعد العدل الذي وضعها الشارع فإن الأحكام التي سنوها أعدل كثيراً وارحم بالنساء من اكمل الشرائع اليونانية التي نمت في حجر الكنيسة. وجوز الفقهاء للمرأة طلب الفراق لسوء الاستعمال وسوء المعيشة وغيرها من الأسباب لكنها إذا لم تأت بحجة مقبولة في طلبها هذا تخسر صداقها وعلى كل فمتى صدر الطلاق عن الزوج وجب عليه أن يعطيها صداقها الذي كانا عيناه وقت الزواج. وتكرار نصح القرآن للزوجين أن لا يفترقا وتتحريضه على حسم المنازعات بالتسوية المناسبة يدلان على احترام الشارع لعقد الزواج وفي سورة النساء (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو أعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير وأحظرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا. ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيماً) وجاء فيها أيضاً (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها أن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما أن الله كان عليماً خبيرا) والأجانب أما أنهم لم يدركوا احترام الزواج في الفقه الإسلامي أو لم يقدروه قدره. جاء في الأشباه والنظائر وهو كتاب إسلامي مشهور ما خلاصته: أن الزواج سنة وضعت لحفظ الهيئة الاجتماعية ولكي يحفظوا الناس أنفسهم من الفحش ويخلصوا أعراضهم من الدنس وهو مقدس وضعه الله بأمره لأنه عبادة تحفظ البشر من اختلاط النسل ومتى عومل معاملة الشركات والاتفاقات يكون ارتباطاً دائماً بني على اتفاق اثنين رجل وامرأة لم يكن بينهما ما يمنعهما من اتفاق مشروع وكثيراً ما قيل أن النبي أباح لأتباعه التسري فضلاً عما أباحه لهم من الزوجات الأربع الشرعيات إلا أن ذكر الحكم المختص لهذه المسألة يكفي لبيان بعد ذلك عن روح الإسلام. جاء في سورة النساء (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت إيمانكم من فتياتكم المؤمنات. . . . ذلك لمن خشي العنت منكم وإن تصبروا خيراً لكم والله غفور رحيم)
وقد بنى الفقهاء إباحة التسري بالجواري على هذا الأساس الضعيف وعلى أحوال خاصة حدثت في ابتداء ظهور الإسلام. وهذه المسألة مع مناقضتها لروح الشريعة سببت بعض الحملات الشديدة على الدين الإسلامي. والتسري هو ارتباط السيد بالأمة من غير جواز زواجي كان معروفاً عند العرب والنصارى وجميع الأمم المجاورة ولم يحرمه النبي في أول الأمر إلا أنه في أواخر أيامه منعه صراحة جاء في سورة المائدة (اليوم احل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا أتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي اخدان)
قابل القسم الأول من هذا الأمر بتعصب الكنيسة التي منعت زواج النصراني بغير النصرانية وكثيراً ما كان الحرق نصيب الكافر الذي يتزوج النصرانية ومن هنا يظهر الفرق بين هذه القاعدة والقاعدة الإسلامية التي هي ترق ظاهر في المعيشة والمدنية
أما تحريم زواج المسلمات بغير المسلمين فأسبابه مقتضيات سياسية حدثت في أول تأسيس الجمعية الإسلامية. وغير نكير أن كثيراً من العادات التي أخذها المسلمون عن الجاهليين والتي بقيت ككثير من بقايا نشوء سالف مالت الأمم الإسلامية نحو الانحطاط ومن هذه العادات عادة الحجاب فقد كانت منتشرة بين الأمم الخالية منذ أقدم العصور والجينكونيتس كانت من السنن المعروفة عند الأثينيين ونساؤهم كن محجوبات عن الأنظار العامة كالفارسيات والهنديات اليوم والجينكونو في هم مثل زملائهم من المشارقة حرس البيت يراقبون النساء بدقة شديدة. ونشأت من احتجاب المرأة بالطبع طبقة الهتري التي كان لبعض أعضائها أثر مهم في التاريخ الأثيني. لولا المظهر الخارق للعادة التي ظهرت به الدولة البيزنبية والدول الأوروبية والأمريكية لقلنا أن منشأ الطبقة البائسة التي تظهر في كل هيئة اجتماعية تقدمت ولو قليلاً في الصناعات المدنية والتي هي خطر على البشر وعار على المدينة هو انسحاب المرأة وحرمانها من حقها المشروع في تهذيب العقول وتمحيصها وترقية عواطفها. ومن خواص العقل البشري أنه متى لم يدرك النقي يسعى في إدراك المشوب. وخير مثال لقولنا هذا في الأزمنة الخالية البابليون والاترسكانيون والأثينيون والجاهليون من أهل مكة.
ومنشأ الفساد العمراني الذي ينسل إلى كل قلب ويسمم دماء الأمم المعاصرة هو انتشار عبادة المادة ومغطاة بغشاء من ن الدين سواء كان نصرانياً وإسلامياً أو غير ذلك. وقد تألم النبي منذ صباه من انتشار فساد الآداب المخيف بين أهل مكة واتخذ أقوى وسيلة موافقة لاقتلاع جرثومته قال بسورت سميث (ولقوانين النبي الشديدة في أول الأمر ثم بالتنبه الأدبي الذي حدث من هذه القوانين بعد ذلك نجح حتى يومنا هذا وكان نجاحه أشد من عيره في تخليص البلاد الإسلامية) حيث لم تطفح بالأجانب (من هؤلاء المتشردين الذين يعيشون بشقائهم وهم بجودهم طبقة معروفة يخجلون كل فردمن الهيئة التي ينتمون إليها)
ومن المحقق أن سنة الحجاب لها منافع كثيرة في الهيئات الساذجة التي لم يستتب عمرانها بل أن الحجاب لا يستقبح بتاتاً في بلاد تختلف فيها طرق التهذيب وتتباين الأخلاق تبايناً كلياً. وهي منتشرة اليوم بين اقوام يبعدون كثيراً عن التأثير الإسلامي الذي يظنه بعضهم السبب في حجاب المرأة في بلاد الهند وغيرها من البلاد الشرقية ففي بلاد كوريا بلغ حجاب المرأة درجة الهزء والسخرية وفي الصين وفي المستعمرات الاسبانية في جنوبي القارة الأفريقية لا تزال عادة الستر محافظاً عليها. ولما قام النبي كانت منتشرة بين الفرس وغيرهم من الأمم الشرقية فأدرك منافعها وربما استحب للنساء العزلة والتفرد لانتشار فساد الأخلاق بين جميع الطبقات ولكن لا يقال أنه أراد أن يكون انفرادها على هذه الصورة الجامدة المعروفة اليوم او أنه أذن بالحجاب هو جزء من هذا الدين. جاء في سورة الأحزاب (يا ايها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك ادنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً). وفي سورة النور (وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهم الا ما ظهر منها وليضربن بخمورهن على جيوبهن الآية).
إرشادات سهلة الفهم في وسط ذاك الاضطراب الذي كان النبي يسعى في اخراج الترتيب منه بهداية الله - إرشادات حكيمة يقصد منها نشر الحشمة والأدب بين النساء وتحسين لباسهن وسلوكهن ووفايتهن من الاهانة. فمن الخطأ إذا أن نعتقدن في الدين ما يثبت هذه العادة ومما يفسر استحسان النبي العزلة للنساء تفسيراً ظاهراً تمتع أفراد بيته تمتعاً لا مانع فيه ولا حجاب. وهذه عائشة أم المؤمنين وزوج النبي بعد وفاة خديجة دبرت الحملة على علي وهي قادت عساكرها في وقعة الجمل وكثيراً ما دخلت فاطمة ابنة النبي في مبحث الخلافة وإن زينب سبط النبي وأخت الحسين حمت ابن أخيها من الأمويين بعد كربلاء وصلابة أخلاقها هالت عبيد الله بن زياد القاسي ويزيد القليل الرحمة.
وكان انحطاط الأخلاق الذي اجتث أصول العمران في الجاهلية وعند الإسرائيليين والمسيحيين في أشد الحاجة للإصلاح. ومما لاشك فيه أن استحسان النبي العزلة للنساء قصد به استئصال جذور الفساد ومنع عادة تعدد الأزواج المخيفة التي كانت شائعة في الجاهلية إلى زمن البعثة.
قال فن همر (أن الحريم بيت مقدس يمنع منه الأجانب لا لأن النساء ليست حرية بالثقة بل لما ألبستهن العادات من ثياب التقديس وشدة احترام النساء في أعالي القارة الآسياوية والأوروبية (في البلاد الإسلامية مما يظهر للعيان)
واتخاذ النساء مثالاً كمالياً ميزة طبيعة تمتاز بها ارق الشعوب إلا أن العجب القومي والتعصب الديني احدثا نظريتين لرفعة المرأة بين الطبقات المهذبة في البلاد النصرانية اليوم. إحداهما ترجع هذه الرفعة لما يسمى عند النصارى بالماريولترى أو تألية العذراء وعبادتها والثانية للفروسية في القرون الوسطى المزعوم أنها من نتائج المبادئ التيوتونية أما من حيث النصرانية وعلاقتها بالنساء فكلما عضضنا الطرف وأوجزنا في المقال نحسن لها لأننا نرى الكنيسة في العصور الأولى حينما كان دين القوم من جميع الطبقات عبادة أم المسيح جردت المرأة من أوصاف الفضيلة وألبستها رداء من شتم وحرمان وكتب آباء الكنيسة الواحد تلو الآخر فصولاً طوالاً في قبح النساء وميلهن للشر وتأصلهن في الخبث. وقد مثل ترتليان أفكار معاصريه في المرأة في كتاب يقول فيه (أنها باب الشيطان وفاتحة الشجرة المعلقة تاركة الأوامر الإلهية مهلكة الصورة الرحمانية وهي الإنسان). وذكر كاتب آخر باستخفاف أنه فتش عن العفة في النساء فلم يجد لها أثراً. ومثل كريزستوم وهو من كبار القديسين رأي الكنيسة في المرأة بقوله أنها شر ضروري ومحنة طبيعية ومصيبة ملأزمة وخطر مبين وسحر مميت وضرر مزين وقد حرمت الكنيسة على النساء القيام بالوظائف الدينية كلها إلا ما كان منها وضيعاً ومنعتهن من حضور الجمعيات الخاصة والعامة ومن الذهاب إلى الحفلات والأعياد وأمرتهن أن يعتزلن الناس أن يصمتن ويطعن رجالهن وينصرفن إلى النسيج والغزل والطبخ وأن يحتجبن من فروقهن إلى أقدامهن إن خرجن من بيوتهن - هكذا كان حال المرأة أيام كأنت الماريولتري سائدة بين الناس. وفي الأيام التالية وفي المدة التي انقضت بين انقراض الدولة الغربية واستتباب العمران الأوربي الحاضر وهي مدة وصفت بأنها (زمن الاغتصاب والمداهنة والاستبداد والشهوة والعنف) حسنت النصرانية من حال المرأة بعض التحسين بإدخال مسألة الأديار للرهبان والراهبات وهذا التحسين المشكوك فيه لا يصلح إلا لعصر كان اختطاف المرأة فيه من الأمور المعتادة وبلغ فساد الأخلاق فيه درجة لا توصف. ولم تكن الأديار معاهد الفضيلة أبداً وكذلك لم تكن الرهبانية أشد حفاظ لطهارة الذيل والعفاف. وفي يومية ريكو المذكور فيها زياراته الدينية ما يوضح خاصة حال الأخلاق ومقام المرأة في أبهى دور (من عصر الإيمان) ولم يؤثر قيام الإنجيليين شيئاً في أحوال المرأة أو في أفكار المشرعين المختصة بها. والخلاصة أن المسيح اكرم المرأة أما أتباعه فحرموها من العدل والإنسانية.
والنظرية الثانية التي اشرنا إليها وهي الشائعة بين طبقة كتاب الروايات في أوروبا فهم يحسبون أن كل من قام في الأعصر المتوسطة هو بيرد او كريشتن. والمظنون أن عصر الفروسية يمتد من ابتداء القرن الثامن إلى انتهاء القرن الرابع عشر (وهي المدة المعاصرة لحكم الأمويين في الأندلس). إلا أن المرأة في هذه المدة وإن أحاطت بها هالة من الشعر والروايات فكثيراً ما كانت موضع الشر والأذى وكأنت القوة والخداع أوصافاً مميزة للعصر الذهبي عصر الفروسية النصرانية. وكان أولند وآرثر حديث خرافة حتى التقى الغرب بمدينة الشرق. ولم تكن الفروسية ابنة المجاهل الأسكندناوية والحراج الجرمانية لان النبوة والفروسية كلتاهما من نتاج الصحراء.
فمن الصحراء قام موسى وعيسى ومحمد ومن الصحراء أتى عنترة وحمزة وعلي.
وكأنت المرأة عند الحضر من العرب وهم ممن انتحلوا المبادئ الشائعة بين السوريين والفرس والرومانيين على غاية من الانحطاط كما ذكرنا لكنها كان لها عند بعض الرحل حرية حسنة وتأثير قوي في أحوال القبيلة قال برون (ولم تكن كاليونانية موضع البؤس والشقاء) فكانت ترافق الرجال إلى الحرب وتبث فيهم روح الحماسة والنخوة وكان الكماة يخوضون عباب الحرب متغنين بمديح الأخت أو الزوجة أو المحبوبة وعندهم أن ما يكافئ به الحبيب هو خير مكافأة لهم عن صولتهم وبطشهم. وكأنت الشجاعة والكرم خير خصال الرجال والعفة خير خصال النساء. وربما لو أصابت امرأة في القبيلة سبة أو لحقها عار استعرت لها لظى الحرب بين قبائل الجزيرة كلها. وما أسباب حروب الفجار التي استعرت نارها أربعين سنة حتى أطفأ النبي ثائرتها إلا سبة لحقت ابنة فتية في سوق عكاظ.
وقد حول النبي عادة حسنة إلى اعتقاد ثابت فأصبح احترام المرأة باباً من أبواب الإسلام ونرى في كثير من الأحوال التي تعكس لنا صورة عصره الساذج أن سننه تبعث على الشهامة والمروءة في معاملة المرأة أكثر من سنن سائر المعلمين السابقين ويختلف الإسلام كالنصرانية باختلاف الأفراد والعصور لكن المروءة الخالصة كانت في الإجمال أكثر مصاحبة للإسلام منها لغيره.
وكما كان بطل الإسلام وابن مؤسس حلف الفضول على أهبة لمحاربة أعداء الله بسيفه ورمحه كذلك كان على أهبة للأخذ بناصر الضعيف والمظلوم ولم يعدم الداعي الملوح المستجير سواء كان في سهول العراق أو ما هو اقرب للجزيرة فارساً يأتي للأخذ بناصره وجبر كسره.
وكانت أعمال هؤلاء الفرسان تدون في الأخبار وتنتقل من الخيمة إلى القصور فتؤثر في صولة الأجيال التالية وأن الخليفة ألقى من يده يوماً قدح الشراب في دار ضيافته لما بلغه أن فتاة عربية قالت في اسر الرومانيين لم لا يأتي عبد الملك لتخليصي وعاهد نفسه على أن لا يذوق شراباً أو ماء حتى يخلص الفتاة من الأسر فسار من وقته بجيش عرم على الرومانيين الأنذال وما بر بيمنه حتى ملكت تلك الفتاة أمرها. وإن أحد الملوك المغوليين وهو الملك همايون بينا كأن يسير إلى كابل والأفغانيون يطاردونه وصله سوار ملكة مؤاخية وهو علامة على الصداقة وطلب المساعدة فترك شؤونه الخاصة وأعاد كرته وكسر أعداءها ثم عاد إلى سيره السابق.
وسمى عنترة أبا الفروسية وكان علي مثالها الكمالي جمع الشهامة والشجاعة والكرم وكان نقي القلب رقيق الخصال عالماً لا يخاف ولا يوبخ فوضع أمام الناس أشرف مثال لمتانة الأخلاق والشجاعة والمروءة وقد ظللت مبادئه - وهي صورة مبادئ معلمه - البلاد الإسلامية وكأنت الروح المحرك المحيي لكثير من الأجيال التالية. وكان من أمر الحروب الصليبية أنها جمعت الغرب البربري بمدينة الشرق الإسلامي فنبهته إلى عظمة المسلمين وترفهم. وكان تأثير مسلمي الأندلس خاصة في جيرانهم النصارى هو الباعث على إدخال الفروسية في الغرب ولم يكن التروبادور والتروفور الذين قاموا في جنوب فرنسا والمنسنجر الذين قاموا في البلاد الجزمانية والذين تغنوا في الحرب بأناشيد العشق والشهامة إلا تلاميذ رومنسور قرطبة وغرناطة ومالقة وقد استمد بتررك وبكاشيو بل تايو وتسوشر من الينبوع الإسلامي إلا أن خشونة البرابرة الغربيين في عاداتهم وتصوراتهم كست الفروسية ثوبا حشنا.
وبقيت المرأة في الأعصر الإسلامية الأولى حتى سقوط الدولة العربية في المشرق تشغل مكاناً علياً كمكان المرأة المعاصرة فزبيدة امرأة الرشيد قامت بعمل عظيم في عصرها وتركت بحكمها وأدبها اسماً يفتخر به المتأخرون. وإن حميدة امرأة الفاروق أدبت ابنها في غياب زوجها حتى صار من أشهر علماء عصره وكان اسمه ربيعة الرأي. وكانت سكينة ابنة الحسين وسبط علي أذكى أهل زمانها وأكثرهم فضيلة وتهذيباً وقد سماها برون (سيدة سيدات زمانها) ووصفها بأنها (أجملهن وارقهن وأوضحهن أخلاقاً) وجمعت إلى علمها حسن استماعها لحديث العلماء والصالحين. ولقد عرف نساء بيت النبوة بعلمهن وفضيلتهن وتصلب أخلاقهن. وكانت بوران امرأة المأمون وأخته أم الفضل امرأة الأمام الثامن العلوي وابنته ام الحبيب كلهن مشهورات بالعلم. وقامت في القرن الخامس من الهجرة السيدة سكينة الملقبة بفخر النساء وألقت دروساً عامة في مسجد بغداد الجامع موضوعها الأدب والبيان والشعر ولما في تاريخ الإسلام شأن يساوي شأن أشهر العلماء. وماذا كان يصيبها يا ترى لو انها نشأت بين اخوأن القديس سرل والجواب يظهر مما أصاب هيباتيا وكان من الممكن أن لا يمزقها أولئك المتحمسون ولكن من المحقق انها كانت تحرق كالساحرات وكانت ذات الهمة (المحرقة في اللغات الأوروبية الحأزمة) قلب الأسد وصاحبة كثير من الوقائع تحارب مع أشهر الفرسان جنباً لجنب.
وقد اعترف كل من لم يتعصب من الكتاب بإصلاح المرأة الذي أتى به النبي. على أن المتعصبين لا يزال ديدنهم القول بأن الإسلام حط من مقام المرأة - تهمة إلا اكذب منها - وان تسعة عشر قرناً من قرون النشوء والترقي عملت مع ما أورثته مدنية سابقة وأحوال مناسبة على جعل المرأة في أكثر البلاد النصرانية أعلى درجة من الرجل بالنظر الاجتماعي أي ولدت آداباً تعترف على الأقل بحق المرأة بالأفضلية الاجتماعية. ولكن ماهو حقها الشرعي ياترى حتى في أعظم البلاد النصرانية. وإن المرأة المتزوجة كانت في البلاد الإنكليزية حتى في عصر متأخر جداً لا يعترف لها وحدها بحق من الحقوق دون زوجها. والآن إذا لم تبلغ المرأة المسلمة في مئة سنة آتية مقام أتى في عصر لم تعترف فيه امة من الأمم اودين منالأديان او جمعية من الجمعيات بحق المرأة سواء كانت بكراً او متزوجة وعاش في بلاد تعد ولادة الابنة مصيبة ومع ذلك خول النساء حقوقاً لا تخولهن اياها الحكومات المتمدنة اليوم إلا كرهاً - أن معلماً كبيراً مثل هذا حري بثناء الخلق واعترافهم له بالجميل ولو لم يفعل غير هذا لصدق في دعواه أنه ارسل رحمة للعالمين. وإن حقوق المرأة المسلمة كما هي مدونة في كتب الفقهاء لا تقل عن حقوق المرأة الأوروبية اليوم واننا لا نتعرض هنا لغير الضمانات التي تضمن حقوقها في الشريعة الإسلامية وهي أن المرأة مادامت غير متزوجة تبقى في بيت أبيها ومادامت دون سن البلوغ فابوها يسوسها ومتى بلغت أشدها فإن الشريعة تمنحها بيدها ما يخصها من الحقوق من غير أن يشركها شريك في ذلك. ولها حصة معلومة في ميراث ابويها كاخواتها وإذا اختلفت النسبة فذلك لاختلاف المقام. ولا يمكن إجبار البالغة على زواج واحد حتى السلطان في حال من الأحوال ولا تخسر المتزوجة حقوقها الخاصة وللزوجة على الزوج صداق مقدم فإذا لم يدفعه تحكم الشريعه لها بصداق يناسب درجتها. والزواج الإسلامي عمل مدني لا يحتاج إلى قسيس أو رسوم معلومة وأن عقود الزواج الإسلامية لا تخول الرجل سلطة على الزوجة وراء ما عينته الشريعة له عليها ولا تعطيه حقاً من الحقوق بالتسلط على امتعتها أو ثروتها. فحقوقها من حيث انها ام لايتوقف الاعتراف بها على وساوس القضاة المختلفي المشرب والتربية. وما كسبته بيدها لا يتمكن من إتلافه زوج مبذر وإن زوجاً شرساً لا يقدر على الإساءة إلى زوجته من غير عقاب وهي تدير أمرها بيدها متى كانت بالغة من غير مداخلة زوجها او أبيها. وتداعي غرماءها في المجالس العلنية من غير أن تضطر إلى الانضمام إلى رفيق ثان أو تحت اسم زوجها وبعد ما تترك بيت أبيها بتقى لها الحقوق التي يخولها الرجل. وإن امتازاتها من حيث أنها ام وزوجة لا تضمنها المجاملات المتقلبة ولكن تضمنها الأحكام المسطرة في كتاب الشرع. ونقول إجمالاً أن حالتها لاتقل عن حالة كثير من نساء الغرب ومن المحقق أنها في كثير من الشؤون أرفع منهن مقاماً وتأخرها بالنسبة إلى الغربيات ناتج عن قلة التهذيب بين الطبقات عامة لا عن شيء خاص في أحكام الفقهاء.
بيروت
عبد الرحمن شهبندر
يوجد نقص من فقرة الأزمة المصرية صفحة 480 إلى فقرة صحف منسية صفحة 484 (مقتبس2)