الرئيسيةبحث

مجلة المقتبس/العدد 19/روزفلت وحرب أمريكا

مجلة المقتبس/العدد 19/روزفلت وحرب أمريكا

مجلة المقتبس - العدد 19
روزفلت وحرب أمريكا
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 15 - 8 - 1907


الاجتماعية والاقتصادية

من راجع تاريخ الأمة الأميركية وراقب نشوءها ونموها وسيرها السريع في مضمار العمران والفلاح ووقف على خدمها للجنس البشري لا يستغرب إذا قلت أن هذه هي أرض الميعاد وأن شعبها هو شعب الله المختار - شعب الله المختار لا ليأكل العسل ويشرب اللبن ويتمتع بالطيبات ويتنعم بالخيرات فقط بل شعب الله الذي اختاره ليحمل للعالمين نبراس الحرية والإنصاف وليمد يد الإخاء للبائس في كل قطر ويغيث المحتاج في كل مصر ولتكون بلاده ملجأ للمظلوم والتعس ويجد فيها طالب الحرية والاستقلال الشخصي والتقدم والارتقاء ما يؤهله لنيل مبتغاه. وليس معنى ذلك أن البلاد بلغت حد الكمال أو إنها حلت جميع مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية أو إنها استراحت من الأتعاب فألقت رأسها على مسند الرغد والنعيم وانقطعت عن الجد والعمل والتلذذ بالخيرات لأن البلاد الحية كالفرد الحي لا تطلب الراحة ولا ترتاح إلى الهدوء والسكينة بل تقوى بركوب الأهوال ومصارعة الصعاب.

لأمريكا مشاكل عديدة تظهر عسرة الحل لمن لا يعرف نشاط هذا الشعب وإقدامه كان الله عز جلاله يبتغي بقاء هذا الشعب فيقيم له من أبنائه رجالاً يدفعون عنه الأخطار كلما تهددت البلاد المشاكل وسطت عليا الأزمات. أرسل واشنطن القائد الباسل فحل بيده رقبة الأجنبي ثم لما وشكت البلاد أن تنقسم على نفسها بعث لنكن فبدد عوامل الانقسام وربط أجزاء البلاد بعضها ببعض حتى صارت كما كانت قبل حربها الأهلية تحت علم واحد تسعى إلى غاية واحدة وتدفعها إلى السعي نفس القوى والأمال.

فاليوم إذ تفاقم شر حربها الاقتصادية وبلغ اعتساف ملوك المال الحد الذي لا يطاق أقام الله بطل الأمة (تيودور روزفلت) ليدافع عم حقوق الشعب ويؤيد سلطة القانون ويعاقب المجرمين سواء كانوا من أرباب الملايين أو من الذين دأبهم السعي لهدى أركان المجتمع الإنساني الحاملين الراية الحمراء لا يحترمون الشرائع ولا يعبئون بنظام الهيئة الاجتماعية.

إن سياسة هذا الباسل منذ ابتداء في معاركة المسائل الاجتماعية ومحاربة الاختلال والفساد في الأحكام يتضمنها قوله: (إن حريتي لا تعرف أخاً).

فهذه الحرية التي لا تعرف الصديق إذا اعتدى على الحق هي التي جمعت حوإليه قلوب الأمة وألقت الرعب في قلوب أهل البشر والفساد. روزفلت رئيس البلاد اليوم وقائد الحزب الجمهوري كان من أتباع هذا الحزب منذ أنجز دروسه في كلية هارفارد ودخل ميدان الحياة غير أن هذا لا يمنعه من رؤية العيوب التي انتطخ بها رجال حزبه.

ما تعين رئيس شرطة مدينة نيويورك حتى شهر سيف الحرب على أعداء الفضيلة والأمن والآداب ولم تعرف حريته أخاً أو صديقاً فتضايق كثيرون من أتباعه وخاف الجمهوريون عاقبة هذه الصرامة فحسبوا أن هذه التدقيق يكثر أعداء حزبهم ويقوي جيوش أضدادهم فهرعوا إليه وقالوا لقد تجاوزت حد الاعتدال والحكمة في تنفيذك القانون فبعض هذه الشرائع مضر بالمدينة إذا صار تنفيذها حسب منطوقها الحرفي. فأجابهم أنني مسئول عن تنفيذ الشرائع كما أجدها فإن تكن غير موافقة فليبادر المشرعون إلى تغييرها.

ولما أنتخبته ولاية نيويورك حاكمها كانت أشد حملاته على الفاسدين من رجال حزبه فشعر يومئذ بنفوذ أهل المال وتأثيرهم في نواب الشعب واشترائهم الأمتيازات بالأموال وإدراك أن هذا هو الخطر الذي يسرع بالحكومات النيأبية الديمقراطية إلى الفساد والانحلال فتألمت نفسه الحرة لاسيما وأن أكثر أصحاب الأعمال والأموال هم من حزبه.

لما شبت الحرب الاسبانية استقال من منصبه وكان مستشار وزارة البحرية وتطوع لمقاتلة الأسبأن فقاد فرقة من الخيالة المتطوعين وقد سطر التاريخ له البسالة والشجاعة في موقعه (سان جوان) وملكته شجاعته قلوب مواطنيه.

فلما اجتمع زعماء الحزب الجمهوري في فيلادلفيا سنة 1900 م لترشيح رجلين للرئاسة ولنيابة الرئاسة كان روزفلت يومئذ (أسد الشعب) فظن كثير من الكتاب ورجال السياسة أن مجلس الأمة سيرشح روزفلت للرئاسة ولكن رؤساء الحزب وقد عرفوا استقلال وجدانه وقوة أرادته سعوا إلى إبعاده عن الرئاسة فأشار الداهية بلات مدير الحزب الجمهوري في نيويورك أن يرشحوا روزفلت لنيابة الرئاسة أملا أن يقلدوه ذلك المنصب القليل الخطر من حيث والنفوذ فيرضون بذلك الشعب الذي يحب روزفلت ثم يضعون في هذا منصب الرئاسة رجلاً يصغي إلى أقوالهم ولا يحارب مصالحهم وكان ما كان من ترشيح مكنلي للرئاسة وروزفلت لنيابة الرئاسة وفوز الإثنيين في ذلك المعترك على زعماء الحزب الديمقراطي إلا أن الله بعث لمقاصد سامية فوضوياً أثيماً ليطعن الطيب القلب وليم مكنلي تلك الطعنة التي أرسلت روحه إلى العالم الثاني فارتقى روزفلت إلى كرسي الرئاسة فهلعت قلوب ملوك المال وقالوا في سرهم خلا الجو لروزفلت فإنه سيقيم علينا الحرب التي كنا نتحاشاها وخاف الشعب أيضاً من تغيير السياسة فجأة يضر الأحوال فيوقف حركة الأعمال وتصاب الأشغال بكساد عظيم. غير أن روزفلت أبى أن يجلب الاضطراب إلى البلاد فتعهد للشعب أنه سيسير في سياسته على الخطة التي رسمها مكنلي فهدأ روع أرباب المصانع ورؤساء الشركات الكبيرة وأصحاب السكك الحديدية وبقيت البلاد تتمتع بالنجاح الفلاح. ولما أنتهت مدة رئاسته سنة1904 م رشحه الجمهوريون ثانية للرئاسة لأن صوت الشعب لم يقبل بشخص آخر. وما خمدت نيران تلك المعركة السياسية حتى انجلت عن فوز روزفلت على خصمه باركر فوزاً باهراً لم يسبق في تاريخ الأمة.

ما استلم روزفلت أزمة الرئاسة للمرة الثانية حتى جرد سيفه لمقاتلة كل من اعتدى على شرائع البلاد لا يرهب في حربه سطوة عدو ولا يراعي حرمة صديق. أو كما قال أن حريتي لا تعرف أخاً.

ارتقت البلاد وتقدمت وزادت ثروتها في السنين الأخيرة زيادة يصعب على العقل أن يدركها فليس من دولة بين دول المتقدمين أو المتأخرين أدركت ما أدركت أمريكا من التقدم. تجارتها سبقت كل تجارة ومصانعها ومعاملها لا مثيل لها في الأرض. زراعتها تدر الخير على البلاد كالسيل الجارف. خطوطها الحديدية لو مدت في خط واحد لبلغ طول ذلك الخط أكثر من المسافة بين الأرض والقمر. صادراتها ووارداتها السنوية تزيد على الثلاثة آلاف مليون ريال وهذه ليست إلا سبعة بالمائة من تجارتها الداخلية وفيها من أصحاب المال من يزيد إيراد الواحد منهم على إيراد بعض دول الأرض. تكأثر المال فيها فزادت قوة الماديات وأصبح تأثير الريال خطراً على المطامع والغايات في بلاد الحق والحرية والمساواة أخذ الممولون يؤلفون الشركات الكبرى ولا هم لهم إلا الكسب وإن تكن طرق تأسيسها مخالفة لشرائع البلاد ونظاماتها ومغايرة للصدق والشهامة والحق.

اختلت الآداب في الأشغال الكبيرة فصار من الهين على بعض ملوك المال أن يشتروا الأمتيازات من مجالس التشريع ومنتديات سلع تجارية تباع وتشرى بالمال. ثقلت وطأة هؤلاء الملوك الذين أخذوا يحتكرون الحاجيات والكماليات فصرخ الشعب صراخ المظلوم في أرض الحرية سمع صراخه الأسد الباسل تيودور روزفلت فحمل على العدو الحملة بعد الحملة وها هو الآن لا يزال في ساحة الوغى يرميه أعداؤه وهم أعداء الشعب بسهام العدوان والبغضاء فيبيدوها ترسة المتين متحطمة مكسرة لأنه يدافع عن الحق ولأن الشعب والله يشدان أزره في حربه الشريفة.

اتفق سراً ملوك السكك الحديدية (هريمن) و (هل) و (مورغن) وغيرهم على جعل شركات الخطوط الحديدية التي تربط شيكاغو ومدن الولايات المتوسطة بالشاطئ الباسيفيكي شركة واحدة.

قصدوا من ذلك الاتفاق قتل المناظرة ليتيسر لهم الاستبداد في أجور الشحن والسفر ضموا بذلك الاتفاق شركة (الباسيفيكي الشمالية) وشركة (الباسيفيكي المتحدة) وشركات أخرى صغيرة دعوها شركة التأمين الشمالية. وما انتشر أمر هذا الاتفاق حتى شكا أهل الغرب وتذمروا من استبداد ملوك الخطوط الحديدية. ورفعوا شكوأهم إلى ستة من حكام الولايات الغربية فلم يستطع هؤلاء أن يردوا المعتدين عن سيرهم السيئ وعيشهم بالقانون فعرضوا على الرئيس الحالة فأوعز روزفلت إلى المدعي العمومي أن يستقرئ أمر الشركة الجديدة فبحث المسيو نوكس سراً فوجد أن الشركة العظمى قد تعدت حدود القانون. فلم يتأخر روزفلت يوماً وأحداً عن أقامة الدعوى على هؤلاء الملوك الماليين فحاكمتهم الحكومة أمام مجلس القضاء فوجدتهم معتدين فأجبرتهم على فض الاتفاق ولم يكن بالحسبان أن الحكومة تقدم على مقاتلة شركة أموالها تعد بمئات الملايين ولكن حكومة رئيسها روزفلت لا ترهب (مورغن) ولا تخشى (روكفار) ولا (هيل).

لما طلب روزفلت رؤساء الشركة التي أشرت إليها للمحاكمة هرع (مورغن) العظيم إلى واشنطن فدخل القصر الأبيض وهو عالم أن لخصمه حرية لا تعرف أخاً. فقال مورغن: يلزم أيها الرئيس أن نجتمع معاً ونتفق على أمر. يجب أن نحل المسألة بالمسألة.

فأجابه الرئيس أخاف يا مستر مورغن أن لا تكون حتى الآن عارفاً منصبي. أنا هنا لأنفذ شرائع الولايات المتحدة.

ولكن نحن يا مستر روزفلت لم نخالف القانون إذا لم تخاف من الأذى؟ نعم ولكن يجب أن تتسأهل أيها الرئيس.

لا تسأهل في تنفيذ القانون.

فآب مورغن ملك المال في أمريكا الذي يرعب (وال ستريت) - شارع الصيارفة في نيويورك - لأقل حركة أو لفظة منه تكسوه الخيبة ويرأفقه الفشل. وبعد أن عاد مرغن خائباً إلى نيويورك ذهب إلى واشنطن غيره من رؤساء السكك الحديدية ممن لهم علاقة بالشركة الكبرى قال أحدهم: كان من الضروري يا حضرة الرئيس قبل أن ترفع علينا الدعوى أمام المحاكم.

فأجابه روزفلت بقوله لماذا؟

- لأن أقامة الدعوى بغتة أسقطت أسهم السكك الحديدية فكان يجب أن تفيدنا عن عزمك رحمة بالأرامل والأيتام الذين يملكون أسهماً في هذه الشركات.

فأجابه المدعي العام هل أخبرتم الأرامل والأيتام لما احتكرتم أسهم الشركة الباسيفيكي الشمالية؟

وعندئذ تكلم الرئيس بلغة لم يسمعها قبلاً هؤلاء الأغنياء فقال: أن الحكومة لا تعلن عندما تعتقد أنه ارتكب جريمة بل توقفه ثم تخبره عن الجريمة التي ارتكبها. لماذا تطلبون من الحكومة أن تعلن المجرم إذا كان غنياً ولا تعلنه إذا كان فقيراً؟ وهكذا النصر لروزفلت خادم الشعب الأمريكي وخاب هريمن ملك السكك الحديدية الذي يستولي على خطوط تزيد قيمتها على ألف ومائتي مليون ريال.

والذي يسعى إليه روزفلت هو أن يضع كل شركات السكك الحديدية تحت مراقبة الحكومة في واشنطن المراقبة الرسمية ويعتقد أن هذه الشركات متى علمت أن عين الحكومة ترى كل مخبآها وتعلم بكل أفعالها فلا تجسر أحد على أحد الأعمال المخالفة للشرائع على أن بعض رجال السياسة يخشى من أن تزيد المراقبة في سلطة الحكومة الزيادة التي ربما تعود بالأخطار على المبادئ الديمقراطية وهؤلاء الساسة يطلبون هذا الحق - حق المراقبة الرسمية الفعالة على السكك الحديدية للولايات المختلفة. أما براين زعيم الحزب الديمقراطي فيرى أن اعتساف شركات الخطوط الحديدية لا تكون عاقبته السيطرة ومراقبة حكومة واشنطن على الخطوط الحديدية فقط بل الاستيلاء التام أيضاً على جميع سكك البارد. ولكن روزفلت لا يرى الآن دافعاً إلى هذا التطرف في محاربة هذه الشركات الهائلة. وآل ستريت يكره روزفلت الكره الشديد لأنه لا يستطيع أن يلين أرادته الحديدية.

اتفقت شركات اللحم تحت إدارة شركة واحدة فصارت تستري المواشي من الفلاحين بالأثمأن التي تعينها وتبيع اللحوم بالأسعار التي تلائمها وعدا ذلك فإنها تبيع اللحوم غير الصالحة للصحة فحاربها الرئيس فقهرها أمام المحاكم ثم حمل مجلسي الشيوخ والنواب على سن قانون يعين رقباء من قبل الحكومة يفحصون كل ما يذبح من المواشي وكل ما تقدده الشركات من اللحوم فمن يخالف القانون يعاقب حتى أن الحكومة صارت تجبر هذه الشركات على وضع ختم المراقبة على كل ما تبيعه.

اختلت نظامات السكك الحديدية وفسدت مديريها فصاروا يحابون بالأمتيازات التي يعطونها لأرباب المتاجر والمصانع يطلبون من زيد التاجر الغني رسوماً أقل من عمرو المتوسط الحال فإذا كان عمرو الفقير الحال أو المتوسط الحال مناظراً لزيد الغني في بلد واحد يعجز عن مناظرته لأنه يدفع رسوماً باهظة لاستجلاب بضائعه من مصادرها على حين يستجلبها زيد بأجور زهيدة فسنت الحكومة قانوناً يقتضي بموجبه أن تكون الأجور واحدة للغني الكبير والتاجر الفقير. ولكن التجار الكبار وأصحاب السكك الحديدية لجئوا إلى حيلة يدرسون بها القانون ولا يكونون بها تحت سلطته وبذلك أعني نظام الترجيع أي أن شركة الخط الحديدي تأخذ نفس الأجور من كل التجار الذين يشحنون بضائعهم على خطوطها ولكنها ترجع سراً إلى من تشاء مبالغ يتفقون عليها قبل الشحن. فالفقير والمتوسط الحال شكيا أمرهما إلى الحكومة فسنت النظام ضد الإرجاع ولكن الشركات الكبرى استمرت على مخالفة القانون فأقام عليها روزفلت حرباً عواناً. ومن هذه الشركات شركة الزيت العظيمة التي يرأسها كفار أغنى أغنياء العالم وشركة السكر وغيرها. والحرب اليوم قائمة في المحاكم بين الحكومة وبين شركة الزيت الشهيرة وقد أقامت الحكومة الأدلة الراسخة علة ذنوب هذه الشركة ولا شك أنها ستلقي جزاء آثامها العديدة ويقال أنها ستدفع من الغرامات لا أقل نمن ثلاثين مليون ريال فتأمل.

حمل الطمع بعض الشركات التي تجيز الأطعمة المقددة على الالتجاء إلى الغش والفساد فتكأثرت أضرار هذه الأطعمة حتى لم يعد يثق الإنسان بسلامة نوع الأنواع استخدموا الكيمياء فصاروا يخلطون المركبات الكيميائية بالأطعمة لكي يطول حفظها في علب الصفيح التنكأو الزجاج بل تعدوا هذا فصاروا يركبون المواد المختلفة ويقلدون الأطعمة الطبيعية كالعسل والدبس والقهوة وما شاكل ذلك حتى لم يعد يعرف الناس بعض الأحيان هل هم يأكلون أطعمة مركبة في معامل كيماوية أم مستخرجة من خيرات الأرض. عقد النية روزفلت أن يضع لهذا الغش والفساد فسعى بكل قواه حتى حمل مجلسي الشيوخ والنواب على سن قانون (الطعام التقي) وفاز بسعيه على الرغم مما أنفقته هذه الشركات من الأموال وما بذلته من المساعي. ومن يغش الطعام الآن يعاقب أشد المعاقبة.

ومما يزيد جهاد روزفلت شرفاً في محاربة ملوك المال المفسدين أن هذا المحارب ابن عائلة غنية وصاحب ثروة طائلة فحربه ليست حرب رجل اشتراكي المبادئ أو حرب رجل يروم نقض بنيأن الهيئة الاجتماعية إنما هي حرب رجل تتألم نفسه من الاعتساف والرشوة والفساد والاختلال سواء صدرت هذه المساوئ من هريمن ملك السكك الحديدية أو من أصغر عامل في أحقر معمل في البلاد.

فالكل في اعتقاده متساوون أمام القانون من يعصي الشريعة أو يدوس النظام يجب أن يلقى العقاب سواء كان من أصحاب المعامل أو من العمال. فرو كفار يعرف أنه يلقى روزفلت إذا زار القصر الأبيض الأكرام والرقة ولكنه يعرف أيضاً أن جون متشل رئيس جمعيات الفعلة في المناجم يلقي نفس المعاملة وقد سأله مرة أحد أصدقائه وهو على القطار في كاليفورنياأي رسالة تحب أن أحمل منك إلى جمعيات العمال المتحدين فأجابه روزفلت قل لهم أني سأعامل بالعدل والإنصاف الفعلة المتحدين في جمعيات منظمة وسأعامل بنفس العدل والإنصاف الفعلة الذين لا ينتسبون إلى جمعيات منظمة وسأعامل بنفس العدل والإنصاف أرباب المال والأملاك. الجميع سواء أمام الشريعة.

لما احتفل نادي كرد ايرن في واشنطن في العام العابر احتفاله السنوي وكان من المدعوين روزفلت وسفراء الدول وأكبر رجال الأعمال والأشغال في البلاد خطب روزفلت خطاباً صريحاً لا يزال صداه يرن في إذان من سمعه. ومن جملة ما قال وقد وجه مقاله وقتئذ إلى كبار الممولين الحاضرين ما معناه أ، الست عدو المال والممولين. أنا لست عدو الأرزاق. أنا أعظم صديق للمال المجموع طبقاً للشريعة والنظام. أنا أخلص صديق ومدافع عن الأملاك. إذا أردتم أن تحرس أملاككم من الرعاع الذين يعتدون على القانون فعلموهم أنتم كيف تكون المحافظة على القانون.

الغني المعتدي على القانون أكثر مسئولية من المعتدي الفقير. إذا رمتم سلامة الأملاك والأمان على الأرزاق فحافظوا أنتم على النظام واحترموا الشريعة وإلا فإني أحذركم من الرعاع. الرعاع. الرعاع.

صيارفة وال ستريت يسمونه (روزفلت الفضولي) ويوجين دس الفوضوي يدعوه (روزفلت المجرم) والدكتور داي رئيس كلية سيد كيوز الجامعة يسميه (الفوضوي) وبعض أعدائه يدعونه (المحارب). (المهيج). (الساعي إلى القلأقل الاقتصادية). (لذلك لا يجد لذة بغير الحرب والخصام) ولكن الشعب الذي يتكون منه الرأي العام - تلك القوة الفعالة في البلاد الديمقراطية يحبه ويبجله ويثق به. أعداؤه يرون في سياسته خطرا على البلاد أما الشغب فإنه يحثه على القبول أن يرضى بترشيحه للرئاسة سنة 1908 لكن روزفلت يرفض الرفض الصريح لأنه لا يحب أن يخالف النظام غير المكتوب الذي لا يستصوب انتخاب رجل لرئاسة البلاد للمرة ثلاث مرات. جورج واشنطن محرر أمريكا هو أول من رفض الانتخاب المرة الثالثة وقد مشى الرؤساء بعده على هذه الخطة الحميدة والمقصود منها أن تبقى القوة قي قبضة رجل واحد لئلا يميل إلى حب الاستبداد والاستئثار بالأحكام.

لم يقم رئيس واشنطن أحبه الشعب في حياته كما يحب تيودور روزفلت ففيه تتمثل أسمى آمال الشعب الأمريكي وأرقى عواطفه. فمن أخلاقه الشجاعة وحرية الوجدان ومحبة الإنصاف والعدل والميل إلى مساعدة المظلوم البائس وحب الجد والهمة والإقدام على عظائم الأمور بصبر وثبات فهو أشرف ممثل لصفات الأمة فلذلك هامت به القلوب وتعلقت به الأفئدة. يتهمه أعداؤه بمحبة الحرب والقتال والميل إلى سفك الدماء. ولكن الشعب يعلم أنه هو الوحيد بين عظماء الأرض وملوكها الذي أوقف أفظع حروب الأعصر الحديثة - الحرب الروسية اليابانية - وحقن دماء بني البشر التي كانت تجري كالأنهر في أودية مانش وريا ولذلك يدعونه واضع السلام ولا يستغربون أن وهبته دولة نروج مدالية نوبل التي لا تهبها إلا لمن يخدم السلام أكبر الخدم.

ينسب إليه أعداؤه الكبرياء وحب السلطة ولكن الشعب يعلم أنه يرى الفضيلة ويكرمها أينما وجدها فلذلك أضاف في القصر الأبيض الزنجي الأسود بوكر واشنطن لأنه يعلم أن بوكر واشنطن الزنجي رجل فاضل يخدم شعبه ويرقي حالتهم ويساعد بذلك أمريكا على حل أكبر مشاكلها الزنوج.

أعداء روزفلت يتهمونه بتحريك الاضطرابات الاقتصادية ولكن الشعب لا ينسى أن روزفلت هو الذي أطفأ نار تلك الحرب الاقتصادية التي قامت بين أصحاب مناجم الفحم والعمال المعتصمين وأنقذ البلاد من أخطار ثورة عظيمة عندما تعاظم الخلاف بين أرباب المال والعمال في المناجم وتوقف عن العمل لا أقل من نصف مليون عامل. ولقد ارتفعت أثمأن الفحم بأبهظ الأثمأن لعدم وجوده عندما دخل الشتاء ببرده وثلجه والخلاف لم يزل مستحكماً فضاقت النفوس وتهيجت الخواطر وخاف العقلاء من شر ما يحدث وسعى كثيرون أن يرجعوا الحالة إلى سابق عهدها ولكن أصحاب المناجم أبوا أن يسلموا بواحد من مطالب المعتصمين. عندئذ عزم روزفلت على حسم الخلاف فاستل سيف الغيرة متخذاً من قوة الرأي ترساً يرد به كيد أصحاب المناجم الذين جاهروا في أول الأمر ليس لروزفلت حق بالمداخلة. فتدخل روزفلت على الرغم من اعتراضاتهم وأجبرهم أن يعرضوا المشكل على مجلس تحكيم يتألف أعضاؤه من رجال اشتهروا بالنزاهة والعدالة والمعرفة.

تألف مجلس التحكيم ونظر في الخلاف فوجد أن الحق مع العمال فأبدى حكمه فخضع الفريقان وانتهى ذلك الخلاف العظيم ونجت من شرور ذلك الاغتصاب.

ولا يسمح المقام أن أذكر أكثر مما ذكرت من حسنات هذا الرجل العظيم وخدمه للشعب الأمريكي خصوصاً وللعالم عموماً. ولاسيما في هذه الحرب الاقتصادية التي يسعر نارها ويكفيه فخراً أنه بث في الناشئة الأمريكية روحاً ظهر تأثيرها في كل ولاية ومدينة في أمريكا - روح القانون وكره الاختلال والفساد فهو الذي في جهاده وحياته وأقواله وكتاباته يفسر لتبيان كلمة نجاح بمعنى جديد أو قديم ولكن كاد ينزع من الأذهأن فالنجاح الذي يبشر به روزفلت هو النجاح الحقيقي الذي لا يشتريه المرء بالمفاداة بمبادئه وفضائله بل الذي يقوي المبادئ السامية ويكثر الفضائل. المال خير إلا إذا كان الحصول عليه لا يتيسر بغير العبث بالشرائع وقتل الوجدان فإذا ذاك يصير شر ما يتهدد الفرد والأمة.

وخلاصة القول أن الخوف على فناء البلدان والممالك واضمحلال الشعوب وتأخرها لا يجب أن يكون من حدوث الاختلال والشرور فهذه ملأزمة للعمران حتى يبلغ درجة الكمال إنما الخوف كل الخوف متى استحكم الفساد ولا من يستأصله متى ضرب الشر أطنابه وليس من يجرد عليه سلاح الحرب والمقاومة فكيف نخاف على حياة أمة لا يظهر فيها فساد حتى تجد من يقاتله بغيره وثبات كيف نخاف على مستقبل هذا الشعب الأمريكي وممثل أسمى صفاته هو تيودور روزفلت الذي إذا نادى ودعا الشعب الأمريكي لمساعدته في خدمة الحق ومحاربة الإثم. سمع الناس نداءه لأنهم أحياء فقاموا يعضدونه في جهاده. وعلى الجملة فإن الحرب قائمة بين الحق والباطل وأن الأمال عظيمة بفوز الحق والعدالة إذ لم ير إلى الآن أن قائد لحق روزفلت خاب في موقعه منذ بدأ في حربه الشريفة لتأييد النظام والعدل.

ولله در جون مورلي السياسي الأمريكي الشهير الذي قال بعد أن زالت الولايات المتحدة منذ عهد قريب رأيت في أمريكا مظهرين عظيمين للطبيعة شلالات نياغرا وتيودور وروزفلت برو فيدنس (الولايات المتحدة).

الولايلت المتحدة شحادة شحادة