الرئيسيةبحث

مجلة المقتبس/العدد 19/اليونان

مجلة المقتبس/العدد 19/اليونان

بتاريخ: 15 - 8 - 1907


أبطالهم

البطل - البطل في بلاد اليونان رجل معروف يغدو بعد موته روحاً ذات سلطان ولا تتم له الربوبية بل ينال منها نصفها فمن ثم لا يسكن الأبطال في الأولمب في سماء الأرباب ولا يدبرون شؤون العالم أجمع ولهم مع هذا أيضاً سلطة فوق كل سلطة بشرية يغيثون بها أحبابهم ويهلكون أعداءهم. ولذا عبدهم للأرباب عبادتهم للأرباب واستغاثوا بهم وتضرعوا إليهم. وما من مدينة أو قبيلة أو أسرة إلا ولها بطل خاص بها وهو عبارة عن أشباح متخيلة تحميها فتعبدها وتتقدم إليها بأنواع القربات.

ضروب الأبطأل - ومن هؤلاء الأبطال فئة اشتهرت في الأساطير وعدت من الأعيان مثل أشيل وأوليس أممنون ولا شك في أن بعضهم لا حقيقة لهم قط مثل وهيراكليس وأديب. وليس بعضهم إلا أسماء لا مسميات مثل هيلين ودور وس وعوس. غير أن عبدتهم ينظرون إليهم نظرهم إلى أشخاص قدماء وقد عاش معظم هذه الأرباب وبعضهم من الأعيان قد ذكرهم التاريخ وكانت لعم أعمالهم مثل لبون يداس وليزاندز وكانا من القواد وديمقراط وأرسطو وكانا فيلسوفين وليكورك وصولون زكانا مشرعين. وعبد أهل مدينة كروتون أحد مواطنيهم فليس لأنه أجمل أهل زمانه في بلاد اليونان. وكان الزعيم الذي يقود الطوارئ ويؤسس مدينة يعد بين السكان البطل المؤسس فيقيمون له معبداً ويتقربون إليه كل عام بأنواع النذور والقربان. وهكذا كان مليتاديس الأثيني يعبد في مدينة من أعمال تراسيا وباز يداس الإسبارطي الذي قتل في دفاعه عن امفيبوليس كما يعبد في هذه المدينة إذ اعتبره السكان مؤسساً لبلدهم.

حضور الأبطأل - يظل البطل ساكناً في البلد الذي دفن فيها جسده سواء كان في قبره أو في الجوار. وقد وصف هير ودنس هذا المعتقد فكانت مدينة سيسيون تعبد البطل ادراتس فأقامت في الساحة العامة مصلى إكراما له. ولقد ارتأى كليستين جبار سيسيون أن يتخلص من هذا البطل فراح يسأل هاتف دلفيس عما إذا كان يفلح في طرد ادراتس. فأجابه الهاتف بقوله: أن ادراتس كان ملك السيسونيين وأنه لص وقاطع طريق فلما لم يستطع كليستين أن يطرد ذاك البطل عمد إلى الحيلة فبعث إلى ثيبة يبحث عن عظام بطل آخر اسمه م نيبس كان من ألد أعداء ادراتس قتل له صهره وأخاه. ثم جعل تلك الأعياد والنذور تقدم إلى ميلا نيبس بعد أن كانت تقدم إلى ادراتس زمناً وراح يقتنع وسائر اليونانيين أن البطل المغتاط يركن إلى الفرار.

مداخلة الأبطأل - للأبطال قوة إلهية ففي وسعهم كما في وسع أرباب أن يفعلوا الخير والشر كما يشاءون. ولقد أخطأ الشاعر ستيز يشور في كلامه على هيلانة المشهورة (تلك التي جيء بها إلى طروادة على نحو ما ورد في الأساطير) فكف بصره حتى إذا رجع عن كلامه عاد بصيراً. ويزعمون أن هيلانة صارت نصف ربة بعد موتها فأرسلت للشاعر بالداء بادئ بدء ثم اتبعه بالدواء. ويدعون أن الأبطال الحامية لبلد تدفع عنها الأدواء والمجاعة وتذب عن حياضها من غارة بالدواء. وقد زعم الجند الأثيني أنهم رأوا بين صفوفهم في حرب ماراتون تيزيه بطل أثينة ومؤسسها وقد تدجج بسلاح لامع في حرب سلامي نية وظهر البطلان أجاكس وتيلا مون اللذان كانا فيما مضى ملكي جزيرة سلامينة في أعلى ذروة منها باسطين ذراعيهما نحو الأسطول اليوناني. قال تيموكلس (وما قهرنا الفرس إذ قهرنأهم ولكن الأرباب والأبطال قهروهم) وفي إحدى روايات سوفقلس (أديب إلى تولون) بينا كان أديب مشرفاً على الموت ملك أثينة وملك ثيبة وأراده كلأهما على الأرض بترك جثته تدفن في أرضهما ليكون بطلاً حامياً لها فأجاب طلبهما في أن يدفع في بلاد الأثينيين وقال لملوكهم: أني لا أكون بعد موتي خالياً من النفع في هذا القطر بل أكون ركناً ركيناً لا تقاويه ألوف الألوف من المحاربين. وكان يرى أن بطلاً وأحداً يساوي جيشاً برمته ويرهب بأس هذا الشيخ ولا رهبة الأحياء أجمعين.

العبادة

بدء عبادة الأرباب - كان الأرباب والأبطال على ما لهما من الحول والطول ينشرون في الناس جماع الخيرات والسيئات كما يشاءون فكان من الخطر أن يكونوا على المرء ومن العقل أن يكونوا وإياه يداً واحدة. ولقد ذهب القوم إلى أنهم كانوا أشبه بالبشر يسخطون إذا تركوا وشأنهم ويرضون إذا عني بهم. وعلى هذا الفكر نشأت العبادة فكانت عبارة عن إتيان صالح الأعمال مع الأرباب لنيل رضأهم. وقد صرح أفلاطون بالرأي العام كما يلي قال (أن الاضطلاع بالقول والقيام بصالح الأعمال مع الأرباب سواء كان في الصلوات أو في النذور هو من التقوى التي بها نجاح الخاصة والبلاد وعكسها هو الشقاء الذي به تثل عروش الممالك وتندك معالم العمران) يقول كسينوفإن في آخر كتابة الفروسية في بحبوبه النجاح. فالديانة كانت بادئ بدء عهداً وميثاقاً فكان اليوناني يسعى في استرضاء الأرباب وينال من لدنهم مقابلة ذلك ومنافع ومغانم قال أحد الكهنة أبولون لمعبوده أني قد أحرقت ثيراناً سمينة منذ زمن طويل بسهام غضبك أعدائي

الأعياد العظيمة - زعم اليونان أن لأربابهم إحساسا وعواطف كعواطف البشر ولذلك عنوا بالقيام بكل ما يسترضى به الإنسأن فكانوا يقدمون لهم لبناً وخمراً وحلواً وفاكهة ولحماً وينشئون لهم قصوراً ويحتفلون إكراماً لهم بأعياد إذ كانت تلك المعبودات أرباباً سعيدة تحب الفرح والمناظر الجميلة. وما كان العيد كما هو الحال عندنا اليوم عبارة عن أفراح بل كان احتفالاً دينياً يضرب في خلاله عن الأعمال وتأخذ الأمة في إبداء مظاهر المسرة على رؤوس الأشهاد أمام المعبود. فمن ثم كان اليوناني يسر بهذه الأعياد ويحتفل بها إجلالاً لأربابه ومعبوداته لا قياماً بأهوائه الخاصة وشهواته. جاء في نشيد قديم إكراماً للمعبود أبولون أن الأيونيين يدخلون السرور عليك بما يقومون به من مطاعنتهم المعهودة وغنأهم ورقصهم.

الألعاب الاحتفالية - نشأت الألعاب الاحتفالية من هذه المسليات التي كانت تقام أعظاماً للأرباب فكان لكل مدينة ضرب من ضروبها تكرم بها ومعبوداتها وما كانت في العادة تقبل لمشاركتها بها غير أبناء وطنها ومع هذا فقد بألعاب يشترك بها جماع أبناء يونان ويحضرونها وذلك في أربعة أماكن من البلاد اليونانية. وتدعى الألعاب الأربعة العظيمة وأخص تلك الألعاب ألعاب أولمبيا. يحتفل بها كل أربع سنين إكراماً للمعبود زيوس وتدوم خمسة أيام أو ستة فيأتي دهماء اليونان من أطراف البلاد تغص بهم الملاعب والمشاهد ويأخذون في تقديم الضحايا والتقرير بالصلوات إلى المعبود زيوس (الشمس) وسائر الأرباب ثم يتبأرى القوم في الأعمال الآتية: عدو على الإقدام حول الملعب. قتال يعرف عندهم بالبانتاتل لإنه كان عبارة عن خمسة ألعاب فيقفز المتبارون ويركضون من طرف الملعب إلى طرفه الآخر ويقذفون إلى بعد بطارة من المعدن ويرمون الحراب ويتقاتلون بالأيدي والأبدان. ثم ملاكمة بجمع الأكف يتقاتلون فيها وأذرعهم مستورة بسيور من جلد.

ومسابقة عجلات كانت تجري في الميدان والعجلات خفيفة يجرها أربعة جياد ويتصدر القضاة في الألعاب بألبستهم القرمزية وقد توجوا بأكاليل الغار فينادي المنادي بعد القتال باسم الظافر واسم بلده على رؤوس الأشهاد ويكافأ بتاج من الزيتون جزاء ما وفق له ويستقبله مواطنوه استقبال الظافر الفاتح وربما خرقوا خرقاً في الحائط ليمروا به منه فيقبل تقله مركبة تجرها أربعة من الجياد لابساً القرمزي والشعب كله يخفره. وكان يعد هذا النصر الذي نعده اليوم من أعمال المصارعين في المحال العامة من أحسن الأعمال وأولاها على ذاك العهد يحتفل بها أعظم الشعراء ولم يكن هم بيندار أشهر شعراء الأغاني القدماء غير نظم المقاطيع في سباق المركبات. ويروى أن أحدهم واسمه دياكوراس رأى في يوم واحد ولدين له وقد توجا فحملاه على أعين القوم حمل الظافرين فلما شاهد الشعب أن أمثال السعادة عظيمة جداً بالإضافة إلى الميت ناداه: مت بادياكوراس إذ ليس في وسعك أن تكون بعد معبوداً. فضاق ذرع دياكوراس من الاضطراب ومات بين أيدي ولديه وفي نظره ونظر أبناء يونان أن رؤية وأكفهما قوية شثنة وسوقهما سريعة كأن ذلك منتهى السعادة الأرضية. وعلى هذا يحق لليونان أن يعجبوا بالقوة الطبيعية فقد كان أقوى المصارعين من أحسن الجند في الحروب التي يتقاتلون فيها جسداً لجسد.

الفأل - كان اليونان يرجون من آلهتهم أعمالاً كبيرة تلك الواجبات والأعياد والاحتفالات فكأنت المعبودات تحمي عبدتها وتسبغ عليهم برود العافية والغنى والنصر وتقيهم المصائب والنوائب التي يتوقعون نزولها ترسل علامة من لدنها يفسرها الناس. وهذا ما كان يدعى بالفأل. قال هير ودنس كان إذا اقتضى لأحدى المدن أن تمتحن ببعض الخطوب يتقدم لها على ذلك علامة في العادة. ولقد تفاءل أهل شيو (صاقز) تفاؤلا دلهم على ما ينالهم من الهزيمة فلم يرجع من مئة فتى بعثوا بهم إلى دلفيس يترنمون وينشدون سوى فتيين وهلك سائرهم بالوباء. وعلى ذاك العهد أنفض سقف مدرسة المدينة على أطفال كانوا يتعلمون القراءة فلم ينج منهم سوى طفل واحد وكان عددهم مئة وعشرين. هذه هي الإمارات التي قدم الأرباب إرسالها على أبناء يونان تنذرهم وتبشرهم. ولقد كان اليونانيين يرون الأحلام والطيور التي ترفرف في السماء وأحشاء الحيوانات التي يتقربون بها لأربابهم بل وكل ما يقع نظرهم عليه من الزلزال والكسوف إلى عطسة يعطسها المرء - يرون كل هذه الأمور الطبيعية إمارات إلهية فيها سعادتهم وشقاؤهم ففي حملة صقلية بينما كان نيسياس القائد الأثيني يركب جيشه المنهزم في السفن أوقفه خسوف القمر فظن أن الأرباب بعثت بهذه العجيبة تنذر الأثينيين أن لا يتموا ما بدؤوا به من الأعمال الحربية فاضطر نيسياس إلى الانتظار سبعة وعشرين يوماً وهو يقدم القرأبين تسكيناً لغضب الأرباب. فسد الأعداء في هذه الفترة ميناء المدينة وحطموا أسطولها وبددوا شمل جيشها. ولم ير الأثينيون لما بلغهم النبأ سوى أمر واحد نجوا من أجله نيسياس وذلك إنه كان عليه أن يعرف أن اختفاء القمر بالنظر إلى جيش منهزم علامة حسنة. وفي غضون العودة المعروفة بعودة العشرة آلاف خطب القائد كسينوفون في جنده فلما أنتهى إلى هذه العبارة لنا الأمل الوطيد أن نرجع والمجد أليفنا بمعونة الأرباب عطس أحد الأجناد على الأثر فأخذ الجيش يهتف ويضرع إلى الرب على أن بعث لهم الفأل فهتف كسينوفون: إلا فلننذر بتقديم ضحايا لزيوس إذ بعث إلينا ما نتفاءل به بيننا نحن نتفاوض في سلامتنا.

هاتف الغيب - كان الرب في الأحايين يجيب سؤل من يدعوه ويستشيره من المؤمنين لا بإشارة صماء بل على لسان أحد الملهمين من علية الناس فيأتي القوم مزار رب ينشدون أجوبة يتلقونها ونصائح يستنصحون بها وهذا هو معنى الهاتف بالغيب. وأنك لترى في أماكن كثيرة من بلاد اليونان وآسيا جملة صالحة من الهاتفين بالغيب وأشهرهم في دودون من بلاد أبيروس ودلفيس في سفح جبل البار ناس فكان الرب زيوس في دودون يجيب دعوة المضطرين بدوي أشجار البلوط المقدسة والرب أبولون كلن المستنصح في دلفيس وكأن يسري في مغارة من معبده من شق التراب مجرى نسيم طن اليونان أن الرب بعث به لأنه ما استنشقه إنسأن الا وخرف وجن ولذا وضعوا أثفية على شق الأرض وهي عبارة امرأة فتجلس على تلك الأثفية بعد أن تستحم في حمام مقدس وتقبل الإلهام فما هو إلا أن يأخذها شيء من البحرأن العصبي حتى تبدأ تصرخ أصوات وتتفوه بكلمات متقطعة فيتلقاها منها كهنة حولها فينظمونها شعراً ويقصونها على من جاء يستنصح فكان هتاف الغيب من بيسيا هذه مشوشاً ملتبساً. ولما سألها كريز وس. ولما سألها كريز وس عما إذا كان يجب عليه أن يشهر على الفرس حرباً أجابته بقولها (إن كريز وس يدمر مملكة عظيمة) ثم أن مملكة عظيمة تقوضت أركانها ولكنها كانت مملكة كريز وس. وكان للإسبارطيين ثقة عظمى بالبيسيا ولم يكونوا يسيرون حملة لهم من دون استشارتها وقد اقتدي بهم سائر اليونانيين وهكذا أصبحت دلفيس مبعث الهاتف الوطني.

الأمفكتيونيا - ألف اثنا عشر رجلاً من أعيأن الشعوب اليونانية جمعية سموها الأمفكتيونيا حباً بحماية قبر دلفيس فكان يجتمع نواب هذه الشعوب كل سنة في دلفيس للاحتفال بعيد أبولون وللنظر فيما إذا كان المعبد يخشى عليه من مد يد الأذى لإنه كان ثروة عظيمة ربما تدعو اللصوص أن ينبهوه. وقد صادر أهل سيرا وهي المدينة القريبة من دلفيس هذه الكنوز الثمينة في القرن السادس فأعلن عليهم أولئك الأعيأن المشار إليهم حرب من استباح الأمور المحظورة وخرق سياج المقدسات فأخذت سيرا وهدمت من أساسها وبيع سكانها بيع الرقيق وأصبحت أرضها كان لم تغن بالأمس.

ومع هذا فلا ينبغي أن يذهب ذاهب إلى أن مجمع الأمفكتيون أشبه في وقت من الأوقات مجلساً يونانياً. بلى أنه لم يعن إلا بمعبد أبولون لا بالشؤون السياسية وما قط ضرب على أيدي شعوب الأمفكتيون حتى لا يثيروا بينهم دواعي الشقاق فالهاتف الغيبي الأمفكتيونيا في دلفيس كان لهما حظ أوفر من سطوة الهاتفين والأمفكتونيين ولكنه ما ضم قط أشتات اليونانيين وجعلهم أمة قائمة برأسها.

إسبارطة

شعبها

لاكونيا - لما هاجم أهل الجبال من الدوريين شبه الجزيرة المورة نزلت أعظم عصابة منهم في مقاطعة إسبارطة ولا كونيا واد ضيق يشقه نهر عظيم يعرف بالاوروتاس يحيط بهما جبلان عظيمان غطيت قممها بالثلوج وقد وصفهما أحد الشعراء بقوله أيتها الأرض الغنية التربة المخصبة الرباع المتعذر استنباتها واستثمارها أيتها البلدة الجوفاء المحصورة بين جبال قائمة الكثيبة في منظرها المنيعة على هجمات المهاجمين وقد عاش الدور يون من الإسبارطيين في هذه البلاد الحصينة بين ظهراني سكانها القدماء فأصبح بعضهم رعايا وفريق عبيدهم وموإليهم وبهذا أنقسم سكان لا كونيا إلى ثلاث طبقات وهم الهيلوتيون والبيريكيون والإسبارطيون.

الهيلوتيون - سكنت هذه الطبقة من السكان أكواخاً منتشرة في الفلاة وأقاموا على حرث الأرض وزراعتها وما ملكوا الأراضي التي يعملون فيها ولم يكونوا مطلقين في مغادرتها وما كان حالهم في ذلك إلا حال عبيد القرون الوسطى مستأجرين تابعين للأرض خلفاً عن سلف عاملين لمالكها الإسبارطي وكان يتناول منهم أفضل قسم من غلاتهم. ولطالما احتقرهم الإسبارطيون وحاذروا بأسهم وأسأوا معاملتهم واضطرارهم إلى لبس ثياب غليظة وضربوهم بلا داع ليذكروهم أتهم عبيد وأرقاء. وربما أسكروهم في الآحايين لينفروا أبنائهم من السكر. وقد شبه أحد شعراء إسبارطة الهيلويينبحمر موقورة تكبو وتنوء تحت أعباء الأحمال وإعياء الضرب

والبيريكيون - سكنت هذه الفئة مئات من القرى في الجبال أو على الساحل وألفوا الأسفار البحرية واتجروا وصنعوا المواد الضرورية للحياة فكانوا أحراراً يدبرون شؤون مزارعهم بيد أنهم كانوا يؤدون ضريبة لحكام إسبارطة ويخضعون لهم.

حالة الإسبارطيين - أبغض الهيلوتيون والبيريكيون سادتهم الإسبارطيين يقول كسينوفون لم يكن لأحدهم عند ما تكلمه في شأن الإسبارطيين أن يكتم مبلغ سروره لو تسنى له أن يأكل الإسبارطيين أحياء. زلزلت إسبارطة ذات يوم وكادت تتداعى أركانها فما كان بأسرع من البرق حتى انهال الهيلوتيون من أطراف الفلاة ليقتلوا الإسبارطيين الناجين من الهلاك. ثم انتقض والبيريكيون وأبوا الخضوع. على أن الإسبارطيين كانوا من سوء السلوك بحيث يستحقون سخطهم. ولقد أمر الإسبارطيون عقيب حرب اشترك فيها كثير من الهيلوتيين في معسكراتهم أن ينتقموا من اشتهر منهم بالشجاعة ووعدهم أن يعتقوهم وكان هذا الوعد منهم حيلة ليعرفوا بها أشجعهم نفوساً وأجرأهم على إبداء نواجذ الثورة فإنتخب ألفإن منهم طافوا بهم أرجاء المعبد متوجة رؤوسهم إشارة إلى الحرية ثم أدخلهم الإسبارطيون في خبر كان ولم يعرف أحد كيف هلكوا على حين كان المضطهدون عشرة أضعاف موإليهم وما قط ربا الإسبارطيون على تسعة آلاف رب أسرة يقابلهم مائتا ألف من الهيلوتيين ومائة وعشرون ألفاً من البيريكيين واقتضى أن يعادل واحد من الإسبارطيين عشرة من موإليهم في مسائل القتل وإذ اعتادوا المصارعة قضت الحال بأن يكون أفرادهم أقوياء أشداء فكانت إسبارطة معسكراً لا جدار له وكان شعبها جيشاً على قدم الدفاع أبداً.

التربية الأولاد - يؤخذ أطفال هذه الأمة منذ ولادتهم ليكون وأحداً منهم أجناد فكل مولود يؤتى به أمام المجلس فإذا وجد ضعيفاً أشوه يعرضونه على مجلس لأن أحوالهم أوجبت أن لا يكون جيشهم مؤلفاً إلا من أرباب القوة والجلادة فمن يستحيونهم يؤخذون من أهلهم في السابعة من عمرهم ويربون مع أقرانهم كانهم أولاد جماعة فيرحلون عارية أقدامهم وليس على أبدانهم غير رداء واحد هو وقايتهم صيفاً وشتاءً وينامون على كدس من القصب ويغتسلون في المياه الباردة من نهر الأوروتاس ويقللون من الطعام ويزدردون كثيراً وأطعمتهم غليظة ليعتادوا أن لا يملئوا معدهم. ويقسمون إلى سرايا كل سرية مئة رجل ولكل منها زعيم. وكثيراً ما يريدونهم على التطاعن بالأرجل والأكف. ويساطون في عيد أرتيمس حتى تسيل دماؤهم أمام هيكله وربما مات بعضهم متأثراً من الضرب على أنهم قلما يستغيثون فيرون الشرف أن لا يرفعوا أصواتهم يريدون بذلك تدريبهم على أن يقتتلوا ويحتملوا العذاب والألم. وكثيراً ما يمنعون عنهم الطعام بتاتاً فيسرقون ما يقتاتون به فإذا خدعوا يضربون بالسياط ضرباً مبرحاً. وكان من أحد أولاد الإسبارطيين كما قيل وقد سرق ثعلباً وخبأه تحت ثوبه أن أثر جعل بطنه فريسة للثعلب ينهشه على افتضاح أمره وإظهار فعلته. وكان يراد تدريب الأولاد على حسن التخلص في الحروب فيسيرون غاضين أبصارهم ساكتين وأيديهم تحت ثيابهم لا يلتفتون يمنة ولا يسرة كانما على رؤوسهم الطير أمام الهيكل وكان عليهم أن لا يتكلموا على الطعام ويطيعوا كل من يلقونهم وذلك لكي يخضعونهم للنظام.

البنات - أما سائر اليونانيين فيحجبن بناتهم في البيوت ويشغلنهم بحياكة الصوف. أراد الإسبارطيون أن يقووا أجسام نسائهم ويجعلنهم من المقدرة بحيث يلدن الأقوياء من الأولاد فمن ثم كانوا يربون البنيين على غرار البنات إلا قليلاً. ولقد كانوا يتمرنون في رياضتهم على الركض والقفز ورمي الأطر والطعن بالحراب وقد وصف الشاعر ألعاباً كانت فيها البنات كالمهارة مسترسلة شعورهن والغبار نأثر وراءهن وقد اشتهر من أمرهن أنهن كن أصح نساء اليونان وأشجعهن.

التهذيب - حياة الرجال منظمة أيضاً كحياة الجند إذ قضت الحال عزائمهم أمام جمهور الأعداء فيكون الإسبارطي في السابعة عشرة سنة جندياً ويظل كذلك إلى الستين. فكأنت الأزياء وساعة القيام والمقام والطعام والرياضيات محددة بنظامات كما هو الحال في ثكنة الجند اليوم. فإذا لم يحارب الإسبارطي يستعد للحرب فيمرن نفسه على العدو القفز وحمل السلاح ويروض على كل حين عامة أطراف جسمه من عنقه وذراعيه وكتفيه وساقيه. ولا يحق له أن يتجر ولا يحترف ولا أن يحرث أرضاً فهو جندي وليس عليه أن يحيد عن مهمته بمعطاة أي عمل كان. وليس له أن يعيش في أسرته على هواه فإن الإسبارطيين يتنأولون الطعام زمراً زمراً ولا يخرجون من بلادهم إلا بأذن وهذا يعد من تنظيم جيش في ديار العدو.

الإيجاز بالكلام - قاسى هؤلاء المحاربون شظف العيش فكانت سجناتهم صفيفة تقرأ فيها العجب والخيلاء وكانوا يختزلون الكلام اختزالاً. وهذا ما يسمى بالكلام الموجز وبالإفرنجية (لا كونيك نسبة لمقاطعة لا كونيا وقد بقي منها هذا التعبير). فكأنت الحكومة تبعث إلى حامية على خطر من مباغتة العدو لها برسالة لا تكتب فيها سوى كلمة (الحذر) ولقد أخطر ملك الفرس جيشاً إسبارطيا أن يطرح سلاحه فأجابه القائد تعال خذه ولما استولى لزاندار على أثينة لم يكتب سوى هذه الجملة سقطت أثينة

الموسيقى والرقص - كأنت الأشغال لإسبارطة صنائع حرية بجيش. حمل الإسبارطيون معهم ضرباً من الموسيقى خاصة بهم كانت على جانب عظيم من الوقار والحماسة والكراهة في الإسماع وهي من ضروب الموسيقى العسكرية. فيروح الإسبارطيون إلى ساحة الوغى على نغمات المزمار ويسيرون على الإيقاع. ورقصهم عبارة عن استعراض قائد لجند فيرقص الراقصون الرقص العسكري المألوف ببلاد يونأن المدعو بالبيريك مسلحين ويتابعون عامة حركات القتال ويشيرون بالضرب والكر والفر والطعن بالحراب. بأس النساء - عرف النساء بتحميس الرجال على القتال واشتهرت أثار شجاعتهن في يونأن فكتب فيها المصنفات. وقد قتلت امرأة إسبارطية ولدها لفراره من الزحف قائلة إن نهر الأوروتاس لا يجري ليشرب منه الوعول ولما علمت إحدى نساء تلك البلاد إن خمسة أولاد لها هلكوا قالت ليس هذا ما أسألكم عنه فهلا كتب النصر لإسبارطة فلما أجيب بالإيجاب قالت إذا فلنحمد الآلهة ولنشكر لهم.

التربيات

الملوك والمجلس=للإسبارطيين أولاً كما سائر أبناء يونان ملوك ومجلس شيوخ ودار ندوة حفظت كل هذه التربيات ولكن من حيث الصورة فقط. فالملوك وهم من نسل المعبود هيرا كليس يشرفون ويكرمون ولهم حق التصدر في المواضع الأولى في المأدب ويقدم لهم من الطعام ما يكفي اثنين وإذا مات أحدهم يلبس جميع الرعايا عليه الحداد. بيد أنهم لم يتركوا لهم أدنى حكم بل يراقبونهم كل المراقبة. وكان مجلس النواب مؤلفاً من ثمانية وعشرين شيخاً منتخبين من العيال الغنية القديمة يقومون بما ندبوا إليه مدى الحياة ولكنهم لا يحكمون.

المفتشون - أن المفتشين (ايفور) هم السادة الحقيقيون في إسبارطة وهم خمسة حكام يتجدد انتخابهم كل عام ويناط بهم تقرير السلم والحرب وفصل القضايا. وهم يرأفقون الملك في قيادة الجيش فيديرون حركة الأعمال الحربية وكثيراً ما يريدونه على الرجعة من الحرب وهم في العادة يستشيرون أعضاء مجلس الشيوخ ويقررون ما ينبغي باتفاق آرائهم ثم يجمعون الإسبارطيون في إحدى الساحات ويطلعونهم على ما تم من القرار ويطلبون إليهم أن يصدقوا عليه أما الأمة فإنها تستحسن ما تم بالهتاف دون أن تناقش في أقل مسألة. ولا نعلم فيما هذه الحكومة حكومة إشراف مؤلفة من عدة أسرات حاكمة. فمن ثم لم تكن إسبارطة بلاد مساواة وكان فيها أناس يدعون أهل المساواة وذلك لأنهم كانوا سواء فيما بينهم أما غيرهم فيدعون المرؤوسين ولم يكن لهم شيء من الحكم البتة.

الجيش - بفضل هذه الطريقة في الحكم احتفظ في الإسبارطيون بأخلاقهم الجبلية فلم يكن عندهم نقاشون ولا مهندسون ولا خطباء ولا فلاسفة بل أنهم انصرفوا كلهم إلى الحروب وحذقوا علم الكر الفر أيما حذق وغدوا من المقننين لغيرهم من اليونانيين وأتوا العلم بعملين عظيمين أحسن طريقة في القتال وأحسن طريقة في التدريب.

المسلحون - كان اليونان قبلهم يسيرون إلى القتال بغير أنتظام فيمتطي الزعماء صهوات الخيول أو عجلات خفيفة ويتقدمون صفوف الحملات والناس يتبعونهم مشاة وقد تسلح كل منهم كما أراد وقد تفرقوا طرائق قدداً وليس في وسعهم أن يكونوا يداً واحدة في العمل أو في المقاومة. وما هو إلا أن يستحيل القتال إلى مبارزات ثم إلى مذابح. أما في إسبارطة فللمقاتلة بأجمعهم سلاح واحد وكانت وسائل دفاعهم درعاً يغطي النصف الأعلى والخوذة تقي الرأس والمسامي (الطما قات) تقي الساق والتروس تجعل في مقدمة الجسد. أما وسائل هجومهم فسيف قصير ورمح طويل. ويسمى المسلح على هذه الطريقة باسم ايبولت. والمسلحون من الإسبارطيين مقسمون إلى كتائب وسرايا وفرق وشراذم على سبيل مثال ترتيب جيوشنا لهذا العهد إلا قليلا. فكان الضابط يقود إحدى هذه العصابات ويبلغ رجاله أوأمر الرئيس بحيث أنه يتأتى للقائد العام أن يوحد حركة الجيش كله. وهذه الطريقة التي نراها سهلة هي بالنسبة لليونان أبدع عجيب.

مصاف الجيش - متى بلغ الجند مقدمة الأعداء يأخذون مصافهم في العادة على ثمانية صفوف متقاربين بعضهم من بعض مؤلفين من جموع متكاثفة تدعى حجافل ومصافاًًً ويقدم الملك وهو قائد الجيش عنزة على سبيل النذر للأرباب وإذا تفاءلوا بأحشاء الذبيحة تفاءلاً حسناً يبدأ جماعة من الجند يرددون لحناً وعندئذ تهتز صفوفهم فيباغتون أعداءهم مسرعين على الإيقاع ونغمات المزمار والرمح يعلو والترس على الجسد فيحملون عليهم وصفوفهم متراصة فينكسون أعلامه بجموعهم ووثوبهم ويهز مونه ويقفون حالاً لئلا يقطع مصافهم وأنه ليتسنى لكل جندي أن يحمي أخاه ما دام سير الجيش كتفاً إلى كتف فيكون بذلك كالبنيأن المرصوص يتعذر على العدو أن يجد إلى حرفة خرقه سبيلا. نعم أن هذه التعبئة كثيفة في ذاتها ولكنها كانت تكفي لغلبة جيش مشوش وقلما يقاوم ناس منفردون مثل تلك الجموع ولقد فهم سائر اليونان هذا الأمر فاقتدوا جميعهم بالإسبارطيين ما ساعدتهم المكنة فكان جندهم حيثما حلوا مدججين بالسلاح وقاتلوا حجافل وكتائب متراصة.

الرياضة الجسمية=اقتضى تدريب رجال خفاف ليتسنى مهاجمة العدو مثل تلك الصفوف وتنكيس لأول وقعة فكان على جندي أن يحسن البراز والصراع فمن ثم الإسبارطيون الرياضات البدنية واقتدى بهم سائر اليونانيين فأصبحت الرياضة عملاً من أعمال الأمة كافة. وأكثر أعمالها اعتباراً ما يكلل صاحبه في الأعياد العظيمة. عرفت إحدى المدن في البلاد النائية بين بربراة الغول أو البحر الأسود وثبت أنها يونانية إذ كان لها ملعب للأعمال الرياضية. وكان هذا الملعب قطعة مربعة عظيمة تحيط بها أروقة أو دهاليز وهي على الأغلب على مقربة من نبع وله حمامات وقاعات للتمرين في هذا الملعب عامين على الأقل يختلفون إليه كل يوم يتعلمون القفز والركض ورمي الإطار وضرب الحراب ويتصارعون بوسط الجسد لتقوية العضلات والجلد وينغمسون في البارد ويطلون أبدانهم بالزيت ويتمسحون بمسحة.

المصارعون=معظم الإسبارطيين يقضون عامة حياتهم في ممارسة هذه التمرينات إباء ومروءة فلا يعتمون أن يصبحوا مصارعين وقد وفق بعضهم إلى بعضهم إلى أن تمت على أيديهم خوارق ويقال أن ميلون من مدينة كروتون في إيطاليا كان يحمل ثوراً على كتفه ويوقف عجلة وهي راكضة بأن يمسكها من خلفها. ولقد كان هؤلاء المصارعون يخدمون في الحروب خدمة الأجناد وكثيراً ما يقومون بقيادة الزحوف وبهذا صح قولنا أن الرياضات البدنية بمثابة تدريب على الحرب.

أعمال الإسبارطيين=تعلم الإسبارطيين من اليونانيين التروض والقتال وجاء منهم مصارعون أقوياء أشداء وجند منظم وعرفوا بهذه الميزة في بلاد اليونان وكانوا من أجل ذلك يحترمون في كل مكان. ولما قضي على سائر الشعوب اليونانية أن تقاتل الفرس مجتمعة تحت راية واحدة لم يستنكفوا من اتخاذ الإسبارطيين زعماءهم. قال خطيب أثيني وكان هذا الأمر بحجة صحيحة واستحقاق تام.