مجلة الرسالة/العدد 965/الصلبة
→ القوة في نظر الإسلام | مجلة الرسالة - العدد 965 الصلبة [[مؤلف:|]] |
المستقبل وأسرار الوجود ← |
بتاريخ: 31 - 12 - 1951 |
فصل من كتاب (عرب الصحراء) لديكسون
ولد هـ. ر. ب. ديكسون الإنجليزي في بيروت سنة 1881 ونشأ في دمشق. ثم التحق بالسلك السياسي، فأصبح في الحرب العالمية الأولى ضابطاً سياسياً في جنوب العراق، ثم عين معتمدا سياسيا في البحرين ثم نقل إلى الكويت. وكتابه هذا في 684 صفحة وقد أثار ضجة في معظم البلاد العربية.
الصلبة تدل على جنس من الناس المفرد منهم صلبي؛ والجمع صليب بسكون الصاد.
ولقد طالما تناولت أقلام الكتاب بالحديث هذه القبيلة المنحطة، أو الجماعة بتعبير أدق، التي تسكن في القسم الشمالي من الصحراء العربية، في رقعة تقع على التقريب بين خطين يمتد أحدهما من الغرب إلى الشرق، ساراً بالمدينة فالرياض جنوبا والآخر من حلب إلى الموصل شمالا.
إن معاملة الناس لهم في الجنوب أكثر احتقارا، ونظرتهم لهم أشد ازدراء منها لهم في الشمال، كما أن مقتنياتهم الدنيوية في الجنوب أقل منها في الشمال.
إن كل قبيلة تسكن في المنطقة التي مر تحديدها، تضم في الواقع بينها جماعة من الصلبة تعيش بينها، وذلك لما لهؤلاء القوم من المنفعة الملموسة في إصلاح الأواني المنزلية وأدوات الطبخ، ولمهارتهم في الصيد والقيافة.
إن من أبرز خصائص الصلبة معرفتهم العجيبة؛ بمواقع الآبار الخفية في المناطق التي يسكنون فيها. ومن ثم فإنهم يتمتعون بتقدير القبائل التي تتولى حمايتهم لما لهذه المعرفة الكبرى في الحروب والمنفعة العظمى في الغزوات البعيدة المدى من أثر. ولهذا السبب فإن الغزاة يصطحبون معهم بصورة تكاد تكون مستمرة بعض الصلبة في غزواتهم.
وكذلك حاشية الشيخ لا تكاد تخلو من أحد الصيادين الصلبة , لتفوقه عادة على غيره في معرفة مرائع الغزلان والنعام.
يقال إن الصلبة مسلمون، إلا أن من يؤدي فريضة الصلاة منهم كما يجب قليل جداً. ولعلنا لا نجانب الحق إذا قلنا إنهم لا دين لهم، اللهم إلا حين تقتضيهم المصلحة السياسية أن يتظاهروا بالتدين كما هي حالهم في نجد والكويت.
والرجال منهم على وجه العموم تعساء متملقون، يصطنعون في الخطاب أساليب العرب في تصغير الأسماء للتعزيز مع ضعة في الأخلاق.
وجمال وجوههم، رجالا ونساء، فوق المتوسط، ولا سيما نساؤهم اللواتي كثيراً ما نجد بينهم بعض الصبايا رائعات الجمال، إلا أن مظاهر المسغبة المألوفة فيهم تثير الاشمئزاز، وتؤيد مزاعم العرب القائلة بأن الصلبة يأكلون الفضلات وجيف الحيوانات التي يقعون عليها.
ويبدو من هيئة تقاطيعهم وجوههم أنهم غير عرب قطعاً، وليست لهم ما لهؤلاء من الخصائص السامية الثابتة.
وفي بعض المناطق التي تكون لهم فيها أحياء دائمة خارج أسوار المدينة كما هو الحال في الكويت والزبير، يظنهم الأوربيون بدواً، وهو خطأ فاحش يؤدي في بعض الأحيان إلى مواقف مربكة.
والعربي لا يستطيع أن يتخذ له زوجة من الصلبة؛ لأن أهله يقتلونه ويقتلونها معه إذا تزوجها؛ ومع ذلك فقد سمعت أن الأمير فواز أمير الدولة لم يتورع عن اصطحاب إحدى الصلبيات إلى الصحراء وإبقائها خليلة له. ولذلك أصبح اسمه لعنة على ألسنة الطيبين من البدو.
إن لأغلب الأحياء الصلبية رؤساء، ولكن عددهم عندما يكون كبيرا بين القبائل الكبرى في الجزيرة يكون لهم من أنفسهم شيوخ، ويملك بعض هؤلاء الشيوخ قطعانا كبيرة من الإبل، ويتمتعون باحترام عظيم: مثال ذلك أن.
الشيخ حمد بن شنوط هو شيخ صلبة المطير؛ والشيخ مطلج الصافي هو شيخ صلبة شمر؛ والشيخ محمد بن جلاد هو شيخ صلبة العمارات؛ والشيخ معيئف هو شيخ صلبة الرولة.
والصلبيات لا يتحجبن، ويندر بينهن من يغطين الجزء الأسفل من وجوههن بالملفع، وبهذا تسهل معرفتهن في نجد لأول وهلة والصلبة شديدو الولع بالرقص، ولذلك فأول ما يبادرون إلى القيام به أيام الأعياد والأعراس هو إعداد حفلات الرقص التي يشترك فيها الرجال والنساء يرقصون معا (وهو أمر مهين جدا ومعيب عند العرب) حيث يقبل الرجال النساء في أفواههن ما بين حين وحين أمام المشاهدين.
وللصلبة في الأعياد والحفلات وما أشبه تقليد غريب هو نصب صليب مؤلف من قطعتي خشب مربوطتين معا على هيئة شعار المسيحيين. ويمكن اعتباره شعارهم أو لواءهم القبلي.
يقول العارفون من العرب أمثال الشيخ عبد الله السالم الصباح (حاكم الكويت)، أبن عم (المرحوم) شيخ الكويت، وهم واثقون تمام الثقة بأن الصلبة من أحفاد ذلك العدد العظيم من اتباع المعسكرات الصليبية الذين أسروا أثناء الحرب بين الصليبين والعرب. فقد زج بأعداد ضخمة من هؤلاء الأتباع في المعارك الكبرى التي دارت الدائرة فيها على الصليبين، فاسترقهم عرب الصحراء. وإن الصلبة المعاصرين هم حفدة أولئك الصليبين. ويورد الشيح عبد الله الأدلة التالية تأييدا لرأيه:
1 - كون الصليب هو شعار الصلبة
2 - أن صيغة الجمع من أسمهم هي (صليب) وهي في غاية الوضوح نقس الاسم العربي للصليب المسيحي، وكلمة (صليب) ليست سوى تصغير للصليب ليس إلا.
ولعل هناك ما يؤيد هذه النظرية، ولكن قد يكون من الخطأ تكوين رأي حاسم قبل الحصول على الحقائق اللازمة عن هؤلاء الناس الذين يثيرون اهتمام الباحثين، وخاصة قبل الحصول على مقاييسهم الجسدية بصورة واسعة.
وتتهم الصلبيات بالقدرة على الإصابة بالعين؛ وبمعرفة خاصة بتحضير السموم، وإعداد جرعات الحب (سقوة) لمن يريدها؛ وفوق ذلك كله بالمهارة في السحر.
ولعل التهمة الأولى راجعة لكون كثير من شباب البدو قد فقدوا عقولهم في سبيل الحسان الصلبيات، فاضطروا إلى الهرب من قبائلهم. أما التهمتان الثانية والثالثة فلعل لهما نصيب من الصحة؛ فمن الثابت أن الصلبيات يدعين القدرة على إيقاع الإنسان في الحب، كما يدعين الكهانة. ومن ناحية أخرى فإنهن أهداف سهلة للعامة من الناس، فإذا أصيب أحد المشهورين بمكروه (فلا بد أن تكون صلبية قد أصابته بسحرها!)
يجب التفريق بين الكواولة أو الغجر الذين يجدهم المرء في جميع أنحاء العراق وعلى حدوده، والذين هم، كما أرى دون شك، من الغجر الرومانيين في أوربا وإنجلترا. إنهم يشبهون البدو في ملابسهم، ويعيشون في خيام صغيرة سوداء، ويتنقلون هنا وهناك على ظهور الحمير التي ليس لديهم سواها كما يبدو. وكواولة العراق لصوص، أشرار، عرافون، مهرة في قراءة الكف، وأخيرا وليس أخرا، كثرة الطلب عليهم للقيام بعملية ختان الفتيات، تلك العادة الشائعة في جنوب العراق، وبين قبائل المنتفك في الفرات وقبائل بني لام.
رقص الصلبة
أقيم الاحتفال في مخيم الصلبة على مقربة من قصر نايف خارج بوابة نايف مباشرة، ابتهاجا بختان أحد الأطفال. وأستمر ثلاثة أيام، مر اليومان الأولان منهما وهذا هو الثالث، وهو أحسنها وأعظمها.
كان الصليب المألوف في مكانه فوق خيمة الفرح يتدلى من فوقه نصف ثوب نسائي، إشعارا للناس بالحفلة.
ودخل رئيس الراقصين ومدير الحفلات أيضاً - وهو رجل كبير السن كان قد ختن طفله منذ أيام قليلة - حلقة الرقص المؤلفة من الصلبة، رجالا ونساء، ومن بعض المشاهدين الآخرين، يلوح بالسيف فوق رأسه، ويدعو فتيات الصلبة وفتيانها الأشداء لمصاحبته. وبعد أن دار حول الحلقة البشرية عدة مرات، حدثت حركة في إحدى الخيام المجاورة ثم اندفعت منها إحدى الحسان، وقد ارتدت ثياب العيد (زعفرانية اللون أو بنفسجيته يغطيها ثوب من الشاش) إلى حلقة الرقص، حاسرة الرأس، سافرة الوجه، محلولة الشعر، يتلاعب النسيم بشعرها. لقد كان منظرا في الحق رائعا. فقد كان شعرها طويلا غزيرا، ووجهها جميلا، وعلى ذقنها ورقبتها أشكال جميلة من الوشم. كان ظهور الفتاة دعوة لأخيها أو زوجها بالإسراع إلى الحلقة، ليحتضنها ويقبلها بلطف على شفتيها (تشجيعا ولا ريب). ثم أعطيت الفتاة خيزرانة، وابتدأ الرجل يرقص أمامها وهو (ينتخي) مقتربا منها حيناً، مبتعدا عنها حينا آخر، ولكنه ظل يواجهها في جميع الحالات. ولما ابتدأ الرقص، ابتدأ فريق المغنيات المؤلف من اثنتي عشرة صلبية في الإنشاد بصوت متقطع حاد وهن يصفقن بأيدهن.
واستمر الرقص، وأنظم إلى الحلقة شبان وفتيات آخرون رقصوا على الصورة السالفة الذكر. وكان يحدث أحيانا أن تضم الحلقة عددا من الراقصين والراقصات، يرقصون معا في وقت واحد. لم يكن في سلوك الراقصين ما يجانب الحشمة اللهم إلا ما بدا من شيخهم حينما أخذ يرقص بالسيف خلف صاحبته بصورة مثيرة، مرة أو مرتين، كان هذا العمل منه هو المخالفة الوحيدة في الحفلة للحشمة.
كان بين الحسان الثمان أو التسع اللواتي رقصن من تميزن بالجمال، ولاسيما اثنتان منهن كان لهن شعر أحمر ذهبي، يشع في ضوء الشمس بصورة تلفت الأنظار، لطول ما عولج بالحناء. وكان رئيس الحفلة الفظ يهتف بين الراقصات قائلا: يا عوبل! يا عوبل! (تعالوا وارقصوا) ويلوح أن الفتاة كانت ترقص على المنوال التالي: كانت تتبع فتاها مواجهة له محاولة إغراءه بالاقتراب منها، فإذا استجاب لسحرها في النهاية، وانقلب من تراجعه الأول في القيام بدور المحب الخجول، إلى التقدم نحوها والتعبير عن إعجابه بجمالها في كل حركة من حركاته، بدأت في التراجع، بعد أن حققت غرضها. فإذا اقترب منها أكثر مما يجب، أو حاول مسها، ضربته بخيزرانتها بلطف، واضطرته إلى التراجع.
وكان صاحب السيف يرقص أحيانا على هذه الرجل وأحيانا على تلك، ثم يأخذ فجأة في الرقص على القدمين معا بصورة مطاطة. وكانت الفتاة ترقص كما ترقص البدويات على باطن قدميها وتنش (تقفز) ثم تعود إلى حالها الأول بأرجل قوية. وتتقدم وتتأخر أمام فتاها. وكانت تقلع (تهز رقبتها) بخفة على وقع أقدامها باتجاه رفيقها. ولكنها كانت تغير حركتها بتلويح ظفائرها حول رأسها بحركة جانبية أو مستديرة من رأسها. لم تبتسم خلال الرقص مطلقا، بل أبقت شفتيها مطبقتين تماما. وكانت تضع يدها أحيانا على فمها أو أنفها. فإذا اقترب رفيقها منها بصورة (فاضحة) كما حدث ذلك فعلا عدة مرات، ضربته بلطف بخيزرانتها كأنما تصده عن نفسها. وكانت ميزاتها الخاصة هي أنها صبغت شفتيها بالحمرة، وعلا مفرقها خط زعفراني عرضه نصف بوصة. وكان لجميع الفتيات مثل هذا الخط الذي كان يبدو كدهان من الزعفران (ولعله محلول قوى من الحناء). وقد انتهى الرقص حينما أسرع أخو الفتاة إلى الحلقة فغطى وجهها ورأسها بجزء من ثوبها الشاش ثم ذهب بها. . .
(صوت البحرين)
ع. ت