مجلة الرسالة/العدد 965/القوة في نظر الإسلام
→ اللغة العربية في العالم الإسلامي | مجلة الرسالة - العدد 965 القوة في نظر الإسلام [[مؤلف:|]] |
الصلبة ← |
بتاريخ: 31 - 12 - 1951 |
للأستاذ كامل السوافيري
طوى الزمن من حياة الرسول بمكة بعد الرسالة ثلاثة عشر عاما كانت صراعا دائما بين الحق والباطل وبين الإسلام والوثنية وبين محمد يظاهره القرآن وقريش تؤيدها الفرسان.
ونزلت الآيات القرآنية الكريمة تخاطب من القوم عقولهم وتزجي الحجج، وتسوق الأدلة فيصمون آذانهم عن سماع الحق ويغلقون قلوبهم من دونه، ولما أعجزهم المنطق، وغلبهم لاذوا إلى أسلحة البطش والعدوان يحاربون بها محمدا ويضيقونه منها ألوانا مختلفة. ولا يكتفون بحربه وحده بل يصبون غضبهم على المستضعفين من الموالي المسلمين، ليردوهم عن الإسلام. ويصبر الرسول على أذى قومه، ويتجلد المسلمون في سبيل دينهم حتى يأذن الله للغمة أن تنقشع، وللإسلام أن ينتشر، ولرسوله أن ينجو من المؤامرة فيأذن له بالهجرة إلى يثرب.
وتفيأ المسلمون ظلال الأمن في يثرب فأمنوا من بعد خوف، واشتدوا من بعد ضعف، وكثروا من بعد قلة، وسكنوا من بعد اضطراب. وأخذ النور الإلهي يسري في القلوب فيجذبها اليه، ويستهوي النفوس فيدفعها نحوه، وأخذت دعائم الإسلام تتوطد وأركانه تستقر، وشوكته تقوى، والمسلمون يزيد عددهم كل يوم يصبحون آلافا مؤلفة يقودهم محمد فيدخلون مكة عام الفتح، ويطهرون كعبة الله من ربقة الوثنية، ويعلن الرسول في تواضع عفوه عمن سقوه الأذى، وجرعوه العذاب؛ ويثوب الضالون إلى الرشد ويدخل الناس في دين الله أفواجا وتنضوي قريش تحت راية الإسلام.
ما أشد حاجة كل حق في هذه الدنيا إلى قوة تثبت أركانه وترفع سلطانه إذا عارضه المعارضون وتأباه المكابرون!
لم يكن الإسلام قبل الهجرة باطلا فأصبح بعدها حقا، ولم يكن محمد كاذبا حين أنذر عشيرته برسالته في مكة فغدا صادقا في يثرب، وما عهدت قريش عليه كذبا ولا خيانة حتى فبل أن يصطفيه ربه لرسالته فهو الموسوم في طفولته بالصادق الأمين الذي حفظه الله من دنس الجاهلية، وطهره من أوزارها. ولكن الإسلام في مكة كان حقا ضعيفا لا يستند إلى قوة تحميه، ومحافل تدافع عنه فأصبح في المدينة مؤيدا بالأسنة والرماح. دشتان بين الح يؤيده الفكر والبرهان، والحق يظاهره السيف والسنان.
من أجل هذا كان للقوة في نظر الإسلام الأهمية البالغة، والمكانة السامية. ومن أجل هذا فرض الله على المسلمين الجهاد إعلاء لكلمته، وتنفيذا لأحكامه وكتب عليهم القتال وهو كره لهم (ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون.) وأمرهم أن يكونوا أقوياء بأيمانهم وعقائدهم، وأجسامهم وجوارحهم، أشداء على الأعداء رحماء بينهم. غلاظا على الخصوم لينين مع إخوانهم (محمد والذين آمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) (وليجدوا فيكم غلظة).
وللقوة في كل زمان مظهر يتفق معه، ويتلاءم مع تطوره؛ فهي في فجر الإسلام رمح وسنان. وأبطال وهو الشجاعة والبطولة يرخصون نفوسهم في سبيل الله، ويجاهدون لإعلاء كلمته؛ ولكنها اليوم في القرن العشرين بندقية ومدفع ودبابات ومصفحات وطائرات وقاذفات. وغواصات وكاسحات وفرق مدربة في البر والبحر والهواء.
وقد طالب الإسلام أتباعه بأن يعتمدوا على أنفسهم بعد الله. وبع تنفيذ دستوره والعمل بأحكامه، وألا يأمنوا أعداءهم بل يحذروهم. وحتم الإسلام على أتباعه أن يكونوا دائما على استعداد لمنازلة الأعداء وأن يعدوا لهم كل ما يستطيعون من وسائل القوة ليرهبوهم (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) والاستطاعة أيضاً تتطور بتطور الزمن وتسير مع روح البصر الذي يعيش فيه المسلمون اليوم.
دعا الإسلام المسلمين للقوة، ونشأهم على العزة، ووعدهم بأن يستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وحارب الضعف والوهن (ولا تهدوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون والله معكم ولن يترككم أعمالكم) وقاوم الجمود الجسمي وحطم الإسار العقلي ليعلو سلطانه وتنتشر تعاليمه وليتم الله نوره ولو كره الكافرون
ولم يدع الإسلام المسلمين للقوة ليتخذوا منها ذريعة للبطش بالضعفاء، أو مهاجمة الشيوخ والأطفال والنساء. أو الاعتداء على المسالمين والأبرياء أو الإفساد في الأرض والتمرد على النظام بل ليفرضوا سلطان الحق على النفوس المتمردة والقلوب المتبلدة وقد علم الله - جل شأنه - أن في عباده سباعا ضارية تلبس مسوح الرهبان، ووحوشا مفترسة على شكل الإنسان، ولا سبيل إلى إذعانها للحق، وردها للنظام إلا بكلمة في الصدر، أو ضربة في الرأس، أو طعنة بالسيف. وبعد فلا أخالني بحاجة للقول بأن من أهم أسباب تأخر المسلمين اليوم ضعفهم. والضعيف دائما فريسة سهلة للقوى في دنيا تسودها شريعة الغاب، وعالم بدين بأن الحق والعدل والضمير من أساطير الأولين. وضعف المسلمين اليوم معنوي ومادي؛ فالأول واضح في انقسام الرؤساء واختلاف الأحزاب، وتخاذل الحكام، وتفرق الكلمة، والثاني ظاهر في احتياج الجيوش الإسلامية للذخيرة والعتاد، وحاجة الإفطار الإسلامية والعربية لإنشاء مصانع للأسلحة المختلفة. والاتحاد قوة، وقد دعا الإسلام إليه: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا؛ والسلاح قوه وقد أمر الله به: وأعدوا لهم ما أستطعم من قوة. وقد رأينا باطلا يعلو لأنه مؤيد بالجيوش والأساطيل، وحقا ينهار لأنه ليس وراءه جنود ولا أساطيل على مرأى ومسمع من الصفوة المختارة من دول العالم المتمدن التي اجتمعت والتقت فيما يسمونه بمنظمة الأمم المتحدة في النصف الثاني من القرن العشرين
ففرض علينا نحن المسلمين التدريب العسكري والتربية الحربية التي تجعل من كل مسلم منا جنديا يعرف مكانه إذا هتف به الدين، ودعاه الوطن.
وحرب على الإسلام من يعارض إنشاء مصانع الذخيرة والأسلحة في أي قطر إسلامي أو بلد عربي. وخائن لوطنه من يعتمد في حماية الوطن على الأجنبي الغاصب الجاثم فوق الصدور استنادا إلى معاهدات أثيمة لا تساوى المداد الذي كتبت به. لقد بلغ من ضعفنا أن أصبحت الدولة الاستعمارية تتصرف في شؤوننا، وتقضي في أمورنا بما تريد دون أن تعنى باستطلاع آرائنا وكأن الشاعر العربي كان يعنينا حين قال
ويقضي الأمر حين تغيب تيم ... ولا يستأذنون وهم شهود
فعلينا - أقطار العروبة الإسلام - أن نبني أنفسنا من جديد، وأن نستلهم روح العصر الذي نعيش فيه، وأن نغير من نظم التربية والتعليم لنجعلها اكثر ملاءمة لتطور العلم. وأن ننفض عنا غبار الحمول. ونسد نقصبنا ونستكمل أسباب قوتنا المادية ونصنع الأسلحة اللازمة لجيوشنا، أو نحصل عليها بأي طريق يمكن أن نتفاهم مع الاستعمار الذي لا يفهم غير لغة القوة، ونؤدي رسالتنا الإنسانية السامية في تحقيق الحرية لكل شعب مقيد، ورفع الظلم عن كل مظلوم، والمحافظة على الأمن والسلام العالمي المهدد دائماً بمطلع الدول القوية.
إن العزة من صفات المسلم وخلال العربي، وإن تحقيق العزة اليوم للعرب والمسلمين إلا بالطائرات المختلفة في السماء، والجواري السابحات في الماء، والجحافل المدربة على الأرض ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين
كامل السوافبري