مجلة الرسالة/العدد 948/الادب والفن في اسبوع
→ ليلة حمراء | مجلة الرسالة - العدد 948 الادب والفن في اسبوع [[مؤلف:|]] |
تاريخ العرب قبل الإسلام ← |
بتاريخ: 03 - 09 - 1951 |
للاستاذ عباس خضر
ما قولكم في (فتوى كولا)؟
قال الرواى. . . وجاء الشيخ محمد عبده من الشام الى مصر لابسا (ككولا) فهبت عليه عاصفة الازهريين وافتوا بان ارتداء هذا الملبس الذي يسمى (الككولا) حرام! ونشبت يوم ذاك معركة حامية دارت رحاها حول (الككولا) وحكم لبسها في الشرع: اهو حلال ام حرام. .
روى لنا الرواى ذلك الذي حدث في مصر منذ عشرات السنين، بمناسبة الفتوى التي اصدارها بعض كبار العلماء في شان (البيبسى كولا) مفتيا بانها من طيبات ما احل الله. . .
ولعل الذي ربط بين الحادثين، فجعل هذا يذكر بذاك ان كلا من موضع الفتوى فيهما ينتهى بلفظ (كولا)، وان كان هناك فروق بينهما، فـ (الككولا) قيل انها حرام وان صارت فيما بعد حلالا ولبسها الازهريون عامة ولبسوا اكثر منها. . . و (البيبسي كولا) هاهى ذي يقال انها حلال ولم تنته المعركة بعد، ولسنا ندري عم تتمخض؟
ولكن متحدثا اخر في المجلس يكاد ينبه الى امر اخر يربط بين الحادثتين، فيقول: اقد فرغ علماؤنا الاعلام من كل ما يرجى منهم في الامور الخطيرة بهذا البلد الحافل بالسيئات فلم يبق امامهم الا (البيبسى كولا)، ولم يكن يبقى امامهم الا لبس (الككولا)؟ الا يدل ذلك على انهم لا يتصدرون الا في (الهايفة)!
ثم لننظر في الفتوى التي اصدرها فضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف (عضو هيئة كبار العلماء ومفتى الديار المصرية سابقا) مبينا فيها حكم الشرع في شرب (البيبسى) قائلا بانه حلال، وقد نشرت صورة فضيلته مع الفتوى في مختلف الصحف.
لا اريد ان اتعرض للفتوى في ذاتها، فهى تافهة، اذ كل ما فيها من فقه ان ثلاثة من الشتغلين بالتحليل الطبي قالوا انها خالية من المواد الكحولية والمواد المخدرة ومادة (البيبسين) المستخرجة من معدة الخنزير، فهي اذن حلال. وكل مسلم يعرف انه متى ثبت ذلك فلا بد ان تكون حلالا! انما اريد ان اشير الى ملابسات في تلك الفتوى لاصل الى امر معروف بالبداهة. . وصبرا ايها القارىء الكريم، فيظهر ان بعض البدهيات يحتاج الى تبين وتدليل! وتلك الملابسات هي:
1ـ نشرت الفتوى في عدد من الصحف ومعها صورة فضيلة الشيخ الاعلانات
2ـ نشر قبلها اعلان يتضمن نفس التحليلات الي قال فضيلة الشيخ في التمهيد للفتوى انها وردت اليه
3ـ قال فضيلة الشيخ في اول فتواه: (تلقيت كثيرا من الرسائل يستفتينى اصحابها عن شراء البيبسى كولا. . الخ) فلماذا قصر الاستفتاء والافتاء على (البيبسى) ولم يشملا (الكوكا) و (الزمبا) مع ان الشبهة في الثلاثة واحدة؟
4ـ كتب تحت العنوان في وصف فضيلة الشيخ (عضو هيئة كبار العلماء) ولابد ان شركة (البيبسى كولا) لا تعلم ان كلمة (هيئة) قد استبدل بها (جماعة) من زمان
5ـ جاء في الفتوى ان تلك الشراب (مستحضرات نباتية بحتة) وهي عبارة اعلانية معروفة، وقد تكرم فضيلته بزيارتها على ما جاء في تحليلات المختصين فمم عرف ان (البيبسى كولا) مستحضرات نباتية بحتة وفضيلته ليس محللا كيميائيا وانما هو (محلل شرعي) فقط. .؟
من ذلك كله نعلم ـ وان كان هذا العلم بدهيا كما قدمت ـ ان الفتوى نشرت على انها اعلان من شركة (البيبسى كولا) دفعت الشركة ثمنه للصحف بطبيعة الحال لان اصحابها ليسوا ممن يبتغون الثواب عند الله بعمل المعروف للشركات. . ولا ادري شيئا من ذلك بالنسبة الى فضيلة الشيخ مخلوف، ولهذااوجه الى فضيلته والى غيره من اهل العلم الاستفتاء التى بهذا النص:
ما قولكم دام فضلكم فيمن يكتب فتوى دينية لتنشر اعلانا عن شىء؟
واوجه الاستفتاء بهذا النص، فلا شان لنا بمن ياخذ ثمن الفتوى.
ولمن يفتينا الاجر والثواب من الله تعالى، فسنعلم ان كان ذلك غير جائز شرعا انه كذلك، وان كان جائزا اضفناه الى بابه في الفقه باعتباره من المستحدثات العصرية البحتة. . .
الداء والدواء: كانت وزارة الشؤون الاجتماعية خصصت في ميزانيتها خمسة الاف جنيه لمكافأة احسن ثلاثة افلام في العالم، فلما عرضت هذه الميزانية على مجلس الشيوخ قرر حذف هذا المبلغ منها، ذاهبا الى ان الارشاد الاجتماعي عن طريق الشينما في صورتها الحالية غير مجداطلاقا.
وهذا صحيح لا شك فيه، بل الأمر على العكس، فالسينما كما هي الآن وسيله للإفساد الاجتماعي. . فكيف يقر البرلمان هذا الإفساد ويوافق على ان تكافئه الدولة؟
وليس بغائب عني ان وزارة الشؤون الاجتماعية إنما تريد استجابة الداعين الى هذه المكافأة بقصد ترقية الأفلام، أي أنها تثيب الإنتاج القيم وتشجعه.
ولكن مجلس الشيوخ نظر من زاوية الواقع السيئ ولعله لم يجد أمامه طريقة مرسومة تضمن صرف المكافآت المطلوبة إلى أفلام تتوافر بها صفات وعناصر معينة، من لون آخر غير هذا المتفشي.
والواقع السيىء أو الداء المتفشي، هو اللجوء الى اجتذاب الجماهير إلى الوسائل المثيرة للغرائز: من رقص خليع وأوضاع فاضحة، وغناء مريض، وكلمات نابية، وكل ما عدا ذلك إنما هو في خدمة هذه الوسائل وإظهارها، فالقصة والحوار والأغنيات وغير ذلك، تتجه إلى هذا ((الرقيق الفني))
ومفهوم طبعا ان اهداف الفن الحقيقية بعيدة عن تلك المقاصد
ولكن ما العمل؟
أقول أولا: إن نفوس الناس تشتمل على ناحيتين: أحدهما غريزية حيوانية، والأخرى إنسانية رفيعة، والناس يستجيبون لإثارة الناحيتين. فصناعة السينما عندنا الآن تثير الناحية الأولى وعندنا أشياء اخرى غير السينما تسلك هذا السبيل لجلب ((الزبائن)) منها بعض الصحف والمجلات، وكلها تعتمد على هذه الوسائل لستر الفقر الفني والموضوعي وانعدام الشعور بتبعة ((الرسالات))
وهذا العمل يطغى على كل عمل موضوعي يرضي الإنسانية الرفيعة ويراد منه إحياؤها في نفوس الناس
والدولة من واجبها تنضيم الحياة الإنسانية في أغراضها البعيدة، كما تنظمها في مظاهرها القريبة، فهي تمنع وسائل الكسب الحرام كالسرقة والغش والاحتيال وما إليها، لتمنع الإضرار بالناس وتحمل الأفراد على سلوك الطريق المستقيم في كسب العيش، فواجبها كذلك أن تضرب على أيدي العابثين بالفنون والمنحرفين في قيادة الرأي العام، وتمنع عبثهم وانحرافهم من إفساد المجتمع، وتمكن بذلك لذوي الشعور بالتبعات القادرين على الإنتاج الموضوعي الذي ينفع الناس ويغذي الناحية الرفيعة في نفوسهم.
وليس سبيل ذلك إعانات تقرر، لا ندري كيف ستوجه، وليس سبيله ان تتدخل في الإنتاج من حيث الإرشاد والتوجيه، كما نسمع من يقول بذلك أحيانا، فقد دلت التجربة على جهل الموظفين الذين يتولون ذلك.
إنما السبيل ان تمنع الحكومة وسائل الإغراء المفسدة، وهذا هو كل شيء في نظري. . فإن ذلك المنع يقطع الطريق على أولئك العابثين الفارغين، لأن انتاجهم سيخلو مما يغري الناس ولا يبقى فيه فن صحيح ولا موضوع قيم، فيضطر الجاهل منهم إلى أن يبحث له عن مرتزق آخر أو يعود إلى مرتزقه الأول قبل ان يصطنع وسائل الاتصال بالجمهور! والقادر على العمل المجدي لا يجد له إلا العمل المجدي ولو كان ربحه قليلا. وعندما يظهر الميدان ينزل إليه الشرفاء المنقبضون.
ذلك هو كل المطلوب من الحكومة لترقية الفنون في هذا البلد، على ان تكون جادة وحازمة فيه، فتشرع له وتسن القوانين الرادعة، ولا يقتصر الأمر على التصريحات التي تلقى إلى الصحف على أثر كتابات وشكايات، والتي لاتزيد دائما على ان تكون حبرا على ورق
يقرأ وهو نائم:
هو الأديب حلمي إبراهيم محمد الساوي، يقول في رسالته إلي: ((لقد بلغ بي حب الأستاذ صاحب العزة الزيات بك الى حد أني أقرأ له في المنام كما أقرأ له في اليقظة، فقد سمعني احد الأصدقاء وكان يبيت معي ـ أقرأ مقال (الإسلام دين القوة) ومقال (ثوروا على الفقر قبل ان يثور) ومقال (أدب المجنون) ومقال (تحية أبطال الفلوجة) فدهش وأخذه العجب. . . وانتظر حتى انتهيت من القراءة فأيقظني وقص علي، فقلت إنني يا صديقي عاشق من عشاق الأدب فلا غرابة في ذلك، وأنشدت الأبيات الآتية تحية للزيات الأمير
وبلى ذلك قصيدة عصماء في مدح صاحب ((الرسالة)) لا نستطيع نشرها عملا بما جرى عليه أستاذنا من الامتناع عن نشر ما يمدح به في الرسالة، وما زلت اذكر موقفه من الشاعر الراوية المرحوم أحمد الزين، إذ أنشأ الشاعر الراحل قصيدة في تحية الأستاذ الزيات بك والإشادة بأدبه لمناسبة ظهور أحد مؤلفاته، وكان الأستاذ الزين من المشغوفين بكتابة الزيات، وكان يترنم بفقراتها كما يترنم بالشعر الجيد على طريقته التي يعرفها أصدقاؤه. ومما يذكر بذلك أن الزين كان إذا أراد أن ينظم شعرا مهد للدخول في جو الشعر بترنمه ببعض الأبيات التي يستعذبها وبعد ذلك لا يشعر بما حوله حتى يفرغ مما يقول. وأذكر أيضا أن كنا في لجنة التأليف والترجمة والنشر في إحدى الندوات التي كانت تنعقد بها في أمسيات أيام الخميس، فرغب أحدهم إلى الأستاذ الزين أن ينشد مترنما على طريقته تلك، فأبى لأنه لم يكن يفعل ألا إذا انبعث من تلقاء نفسه في خلوته أو مع بعض خاصته. فأراد الأستاذ محمد عبد الواحد خلاف بك أن يداعبه فقال: إن صوت الأستاذ الزين أجمل من صوت أم كلثوم! فغضب الزين من هذا التشبيه، ولم تنبسط نفسه حتى ترضاه الأستاذ خلاف.
نعود بعد ذلك الاستطراد أو تلك (الدردشة) إلى موقف الأستاذ الزيات من قصيدة الزين، فقد أبى نشرها في الرسالة على الرغم من إلحاح الزين ومحاجته بأن ذلك من حقه، لأن الرسالة ملك أدبي عام. . وأظن أن تلك القصيدة نشرت في ((الثقافة))
رحم الله الزين، وعذرا لأديبنا ((الساوى))