مجلة الرسالة/العدد 948/تاريخ العرب قبل الإسلام
→ الادب والفن في اسبوع | مجلة الرسالة - العدد 948 تاريخ العرب قبل الإسلام [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 03 - 09 - 1951 |
تأليف الدكتور جواد علي
للأستاذ حمد الجاسر
هذه باكورة من بواكير ثمار ((المجمع العلمي العراقي)). وخير بواكير الثمار ما سد فاقة، وجاد في إبان الحاجة إليه. ولقد كانت ((المكتبة العربية)) مفتقرة إلى كتاب شامل مفصل لتاريخ الأمة العربية، في الأحقاب التي تقدمت عهد ((الرسالة)) يجلو غامض تاريخها السياسي، والاقتصادي والاجتماعي، لأن مؤرخي هذه الأمة قد عنوا بتاريخها من ذلك العهد، وما حوله وما بعده، وتركوا الهوة السحيقة التي سبقته مجهولة المعالم، خافية الصوى، وعرة المسالك، إذا رام سالك التوغل في بيدائها وجدها كمفازة أبي الطيب:
يتلونالخريتمنخوفالتوى فيها كما تتلون الحرباء
غير أن حضرة الأستاذ العلامة الدكتور ((جواد علي)) أمين سر ((المجمع العراقي)) جاز تلك المهامة جوزة الرائد، وعاد منها عودة الفائز، فأتحف الباحثين من أبناء العروبة وغيرهم، المتطلعين إلى من يجلو لهم من خبرها اليقين، المتعطشين إلى الارتواء من مورد معرفة احوالها في تلك الغعهود القديمة، بكتاب قيم هو ((تاريخ العرب قبل الإسلام)) الذي قام ((المجمع العراقي)) بطبع الجزء الأول منه في مطبعة التفيض ببغداد سنة 1370 - 1951، فبلغ 417 صفحة، سوى الرسوم الأثرية والمصورات الجغرافية التي نافت على العشرين.
يتحدث حضرة المؤلف الفاضل في كتابه قائلا: (هذا كتاب في تاريخ العرب قبل الإسلام جمعت فيه قدر طاقتي كل ما استطعت أن اجمعه من تاريخ أهل الجاهلية، شرعت فيه سنة 1936 أيام دراستي للهجات العربية الجنوبية، وتاريخ العرب قبل الإسلام على المستشرق ((شتروتمن)) في جامعة ((هامبرك)) بألمانية، وانتهيت منه على هذه الصورة في سنة 1950، ولا أقصد أنني انتهيت من تاريخ الجاهلية، فان هذا الموضوع في رأيي بحر لا ساحل له، وأنا ما برحت واقفا عند طرفه. . وصنيعي هذا هو صنيع رجل طالب للبحث. . وهذا مما سوغ تسرعي في إخراج هذه الأوراق وإن كنت لا أبرىء نفسي من الأغلاط التي قد تكون فيها، وهي غاية جهدي ومنتهى اجتهادي، والمجتهد ان أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر. . وبعد فالكتاب يتألف من أقسام ثلاثة، تناولت في القسم الأول منه الحالة السياسية للعرب قبل الإسلام_وهو هذا القسم الذي أقدمه، ويقع في أجزاء_وتناولت في القسم الثاني الحالة الدينية، وفي القسم الثالث الحالة الثقافية، وحضارة شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام)
ويحوي هذا الجزء فصولا خمسة، الفصل الأول (من صفحة 6 إلى 85): الجاهلية ومصادر التاريخ الجاهلي. يحدد المؤلف في هذا الفصل معنى كلمة ((الجاهلية)) ثم يوضح المصادر التي يستقي منها ذلك التاريخ وهي - عند المؤلف
النقوش والكتابات القديمة
كتب اليهود كالتوراة والتلمود ونحوها
الكتب ((الكلاسيكية)) والسريانية ونحوها
المصادر العربية وهي القرآن الكريم، والتفسير، والحديث، والشعر
وفي الفصل الثاني (86 - 147) شبه جزيرة العرب، حدودها، وتكوينها الطبيعي، ومعادنها ونباتاتها وحيواناتها وأقسامها، ويتحدث المؤلف في الفصل الثالث (148 - 219) عن صلات العرب بالساميين، فيعرف الساميين، ويحدد موطنهم ويتكلم عن موجاتهم ولغتهم وعقليتهم، ثم يعود إلى تحديد كلمة ((العرب)) ويتبع ذلك بالكلام على الأقلام واللغات العربية. ثم يسهب المؤلف في الفصل الرابع (220 - 374) في الحديث عن طبقات العرب وأنسابهم، فيتحدث عن العرب البائدة، وعن القحطانيين ثم عن العرب المستعربة، ثم ينتقل إلى الكلام عن ((الدراسات الأنتروبولوجية)) ثم يتكلم عن الأنساب، فالقحطانية والعدنانية)) ثم يشير في اثناء الكلام على دراسة أسماء القبائل إلى بعض الآراء المتعلقة بهذا الموضوع ((كالطوتمية)) والأمومة ثم يلمع إلى شيء من الحياة الاجتماعية، ويختم الفصل بالكلام على طبقات القبائل. ويختم هذا الجزء بالفصل الخامس (375 - 411) تاريخ شبه جزيرة العرب، متحدثا عن الآثار، وعن الدولة المعينية، ولا يتجاوز حديثه ذلك.
هذه أهم مواضيع الجزء وهي مواضيع أوفى المؤلف جلها حقه بحثا وتفصيلا، وإيضاحا، ندر وجوده في كتاب غير هذا. ولقد حاول بعض المؤرخين المتأخرين كجرجي زيدان في كتابه ((تاريخ العرب قبل الإسلام)) أن يقوم بمثل هذا العمل إلا ان قدم كتابه، ووفرة ما عثر عليه من آثار بعده، وما قام به كثير من المستشرقين من الكتابة والتحقيق والتنقيب للوصول إلى حقائق أوفى وأصح في هذا الباب، وما امتاز به حضرة الدكتور الفاضل ((جواد علي)) من سعة اطلاع على آثار أولئك المستشرقين مع دراسة تلك الآثار على أساتذة تخصصوا في دراستها، كل ذلك من الأمور التي تحمل على القول بأن هذا المؤلف جاء فريدا في بابه. وليس معنى هذا انه بلغ الغاية، وحقق القصد في جميع النواحي، فجهد الفرد مهما بلغ من القوة ينوء عن الإضطلاع بمثل هذا العمل العظيم: كتابة تاريخ واف كامل للعرب في عهودعم القديمة التي لا تزال خافية المعالم، مجهولة المسالك. وقد أوضح المؤلف ذلك حينما قال: (وإني اعتقد أن الوقت قد حان لقيام العرب أنفسهم بالبحث عن تاريخهم القديم، وقد اصبح لديهم نفر من المتخصصين، لايريدون من حكوماتهم إلا مؤازرتهم ومعاضدتهم، في إعداد وسائل النشر والبحث، والسفر إلى مواطن الآثار، للكشف عن آثار الأجداد، وهو واجب قومي إنساني معا. ومن العار ان يوسم هذا الشعب بالجهالة والبداوة، وأن يقال عنه إنه شعب ساذج بسيط ظهرت الحضارة عنده في أواخر العصر الأموي، وأوائل العصر العباسي، مع أن له تاريخا حافلا قديما، وأن تتفضل أوربا وأمريكا عليه بإرسال بعثتها إلى شبه الجزيرة للكشف عن كنوز الأجداد، ويكون لها منة في أعناقنا وفي استطاعتنا القيام بهذا العمل القومي الخطير. . وما أحوجنا إلى يوم نسمع فيه أصوات المتخصصين من العرب ترتفع لتحكم في تاريخ شبه جزيرتنا حكما علميا منطقيا يفهم التاريخ خيرا من فهم الغرباء له)
وبعد: فلنقف من تقديم هذا الكتاب لحضرات القراء، عند هذا
الحد، مزجين لحضرة مؤلفه الأستاذ الفاضل الشكر الطيب،
على ما أسداه لأمته من يد، وما قدمه للبتحثين في تاريخها من
معونة، راجين ان نتبع هذه الكلمة بأخرى، نشير فيها إلى
بعض ملاحظات ن وليس في الإشارة إليها غضاضة على
المؤلف الكريم، ذي الصدر الرحب وليس في ذكرها ما يقلل من أهمية هذا المؤلف القيم المفيدالقاهرة
حمد الجاسر
البريد الأدبي
بين طه حسين وعبد الرحيم محمود
في شهر مارس الماضي اشتدت العلة بالأستاذ عبد الرحيم محمود ولازم الفراش رغم انفه وهو الذي كان لا يطيق الجلوس ساعة كاملة في مكان واحد ولا يدركه المرض إلا وهو سائر في الطريق أو جالس بين أصدقائه يلعب الشطرنج أو غارق بين الأسفار القديمة يحقق لفضا لغويا ويغادره المرض أو يلازمه من غير أن يعيره اهتماما أو يمنحه أنة أو شكور إلى أن تكاثرت عليه العلل وقهرته فاستسلم لها ولكن بقدر فكان إذا غربت الشمس يأخذه الحنين إلى أصدقائه فيخرج متوكئا على كتفي إلى أن نجد سيارة حتى لا يحرم نفسه لذة الجلوس بينهم والنظر إليهم حين يلعبون الشطرنج وساعتئذ ينسى أدواءه وكأنه طلقها ثلاثا ولكنه إذا رجع إلى منزله بعد منتصف الليل وجدها تحت فراشه فيستسلم لها مرة أخرى.
وقد إضطرته قسوة المرض إلى الإكتفاء من قراءة الصحف بعناوينها اللهم إلا إذا جاءته أوراق من مطبعة المعارف من أحد كتب معالي الدكتور طه حسين باشا فإن جسمه ينشط وينسى المرض حتى يأتي عليها.
وكلن حريصا على إخفاء مرضه عن صديقه الدكتور طه لئلا تنقطع عنه هذه الأوراق أو يكون سببا في إيلامه وإزعاجه، ولكن حين رأينا اشتداد العلة عليه اتصلنا في صباح يوم 8 من ابريل بمنزل معاليه على غير علم منه وأخبرناه بحالته فكان أول عمل له في هذا اليوم الاتصال بالمستشفيات والأطباء، وفي الساعة الثالثة مساء فوجئنا بهيئة مكتب معالي الوزير تقتحم منزل الأستاذ عبد الرحيم وفي مقدمتهم الأستاذ فريد شحاتة وأركبوه قهرا في سيارة خاصة ذهبت به إلى المستشفى ومكثوا معه إلى ساعة متأخرة من الليل. وفي الليلة التالية حضر معالي الدكتور لزيارته في المستشفى فعانقه وقبله، وقد اغرورقت عيناهما بالدموع وأبى معاليه إلا الجلوس على كرسي خشبي بجوار فراشه، وبعد ان هدأت نفسه أراد أن يسرى عن نفس صديقه المريض فسأله عن صحته فقال الأستاذ عبد الرحيم: إنني لا اشعر الآن بمرض بل بوافر الصحة وكيف أحس بالمرض ومعالي الدكتور وزير المعارف بجانبي؟ فقال معاليه: لا تقل هذا ولكن قل: إن الشيخ طه حسين يزور صديقه وزميله الشيخ عبد الرحيم.
ثم أخذا يتبادلان بعض الفكاهات الأدبية وكان ختامها وصية الدكتور له بعدم مغادرة المستشفى حتى تكتمل صحته فقال الأستاذ عبد الرحيم: إني لا أخرج من هنا حتى تكون صحتي مثل الحصان، فضحك معاليه وقال: بل أريد ان تكون صحة الحصان مثلك.
ولم تنقطع استفسارات معاليه عنه يوما واحدا حتى سافر إلى أوربا وكان لا يطيق غياب سكرتيره الخاص فريد شحاتة ولا يغفره له إلا إذا كان في زيارة الأستاذ عبد الرحيم ويحاسب هيئة مكتبه إذا قصر أحدهم في زيارته ويسأل كل زائر له في المكتب يكون له بالأستاذ صله عن صحته.
وقد كان عليه رحمة الله - أحب شخصية إلى قلب معاليه لا يمل مجلسه ويستزيده منه، ويخصه بالإقبال عليه مهما عظمت شخصية زائريه.
وقد ذكر لي الأستاذ يوما أنه بعد نجاح الدكتور طه في الدكتوراه حضر إليه في منزله ليقدم له الشكر على معاونته ومجهوده فقال له الأستاذ: إنني لا أريد شكرا بيننا. وبعد أكثر من ثلث قرن ذهب عبد الرحيم إلى منزل معاليه ليشكره على مجهوداته في مصلحه خاصة له فقال معاليه: لقد اتفقنا على ألا شكر بيننا فأين ذلك الشاعر الذي سمع بالوفاء منذ القدم وأتعب نفسه بالبحث عنه بين الناس فلم يجده لأدله على مكانه وموضعه وأشير له إلى معالي الدكتور طه حسين باشا حتى يريح نفسه ويريحنا من قوله:
سمعتقديمابالوفاءو ليتني علمتعلىالأيامأينوجوده
ابراهيم أحمد الوقفي
الأستاذ عبد القادر رشيد الناصري شاعر رقيق الديباجة فياض القريحة، وناثر مستيقظ الذهن سريع اللفتة، مطواع القلم لا يحب أن يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا غمزها بسنان قلمه، وطعنها بشباة رأيه وهو - في ما يبدو لنا من خلال تعليقاته المتلاحقة على كل شاردة وواردة وتصويباته المتتابعة لكل هينة وبينة - أديب مجتهد مسرف في الإطلاع مدمن على القراءة شغوف باقتفاء الآثار الأدبية. وهذا - ولاشك - حسنة من الحسنات، إلا أن تدفع بصاحبها إلى التهام القراءة التهاما خاطفا دون مضغها في ريث وتمهل، فذلك هو الجواد الجامح الذي لا تؤمن عثرته، ولا تنتفي كبوته، ولو كان فارسه المجلى الأستاذ عبد القادر رشيد الناصري.