مجلة الرسالة/العدد 928/إيران
→ الدين والسلوك الإنساني | مجلة الرسالة - العدد 928 إيران [[مؤلف:|]] |
(في الحديث المحمدي) ← |
بتاريخ: 16 - 04 - 1951 |
للأستاذ أبو الفتوح عطيفة
منطقة من مناطق البارود في العالم، وميدان من ميادين التنافس الدولي، وأمة قامت تحاول أن ترد إلى نفسها ما أغدقته عليها الطبيعة من موارد قيمة.
نعم! هنا في إيران منطقة من مناطق البارود وميدان من ميادين التنافس الدولي، ذلك أن روسيا وإنجلترا تقفان لبعضهما بالمرصاد في هذه المنطقة وتحاول كل منهما أن تفوز بالغنيمة. وأي احتكاك بين الدولتين قد يؤدي إلى الحرب العالمية الثالثة التي بات الناس يتوقعون نشوبها بين لحظة وأخرى.
وقد روع الناس منذ أيام بنبأ اغتيال رئيس وزراء إيران على يد أحد الإيرانيين من أعضاء جمعية فدائيان إسلام، وقد كانت التهمة التي وجهت إلى رئيس الوزراء هي تعاونه مع الأجانب وتفريطه في حقوق الوطن؛ وقد تتابعت الاغتيالات حتى توقع الناس أن يسمعوا كل يوم نبأ اغتيالات جديدة؛ الأمر الذي يؤسف له أشد الأسف، فإن الاغتيالات لا يمكن أن تنصر قضية شعب مظلوم أو ترد إلى وطن ضائع حقوقه، وإنما الطريق إلى تحقيق مطالب الوطن يكون بفهم الشعب كله لقضيته وإيمانه بها وعمل جميع أفراده على تحقيقها واتحاد كلمتهم.
وكذلك استرعى انتباه الناس أمر لا يقل خطورة عن الأمر الأول، وهو أن البرلمان الإيراني قرر تأميم البترول الإيراني. وقد ثارت إنجلترا لهذين الأمرين، ولعل الأمر الثاني كان السبب لثورتها واهتمامها. وقد أمرت ثلاث قطع من بوارجها بدخول الخليج الفارسي للمحافظة على أرواح رعاياها وأموالهم، وأنذرت حكومة إيران بالويل والثبور وعظائم الأمور إن هي سارعت إلى مشروع التأميم.
وطلعت على الناس جريدة الإيكونومست تقول: (على إنجلترا أن تأمر بوارجها بدخول الخليج الفارسي لأن الشعوب الإسلامية لا تخاف إلا بالقوة) كأن المسلمين قوم قد فرض عليهم الذل وفرضت عليهم العبودية، وكأن إنجلترا قد فرضت نفسها سيدة لهم بل وللناس جميعا، أو كأن البرلمان الإيراني قد قرر تأميم البترول في بريطانيا ذاتها!
هذا من ناحية إنجلترا؛ أما روسيا فقد حشدت قواتها على الحدود الإيرانية وبذلك أصبح الموقف حرجا للغاية. فالإمبراطور حائر لا يدري ماذا يفعل؟ ولو تقدمت إنجلترا داخل إيران أو أراضيها لتقدمت روسيا بدورها مما قد يؤدي إلى حرب عالمية.
ولعلك أيها القارئ تريد أن تسألني عن أهمية موقع إيران وكيف صارت وطنا إسلاميا، وعن مقدار ما تنتجه من البترول وغيره. وأنا بدوري أجيبك لأننا قد اتفقنا منذ حين على أنه خير للشرقيين أن يعرفوا أوطانهم وأن يعملوا على توحيد صفوفهم وجمع كلمتهم للوقوف في وجه الاستعمار.
تقع إيران في منطقة اصطلح الناس على تسميتها بالشرق الأوسط، ويحدها من الشرق باكستان وبلوخستان، ومن الغرب العراق، ومن الشمال الاتحاد السوفيتي، ومن الجنوب البحر العربي والمحيط الهندي. ولعلك تسألني ما أهمية هذا الموقع؟ إن موقع إيران مهم من عدة نواح: أولا: إن روسيا تسعى دائما للوصول إلى البحار الدافئة ولن يتحقق لها ذلك إلا إذا استولت على إيران. . وثانيا أن إنجلترا شديدة الحرص على إبقاء روسيا حبيسة في داخل القارتين أوروبا وآسيا. وثالثا لأن روسيا إذا استولت على إيران تصبح خطرا محققا على الهند، وإنجلترا كانت وما زالت حريصة على الهند وسلامتها ومنع وقوعها في يد دولة معادية لأن الهند سوق هامة للمصنوعات البريطانية، وهي كذلك مورد هام من موارد الخام اللازمة للصناعات البريطانية. من هنا نشأ حرص بريطانيا على سلامة الهند فعملت على التدخل في شؤون مصر واحتلتها علم 1882 وما تزال إلى اليوم تماطل في الجلاء عنها حتى أصبح يخيل للناس أن يوم الجلاء يوم الحشر، مجتمعان متلازمان، وحتى ضاقت بنفوس المصريين الصدور! ولسلامة الهند نرى إنجلترا كذلك تمنع روسيا من احتلال إيران وأفغانستان.
ودولة إيران تشمل الجانب الأكبر من الهضبة المعروفة بهضبة إيران وتعرف حافتها الشمالية بجبال البرز، وتمتد شرقا إلى جبال هندكوش، أما الحافة الجنوبية فسلاسل جبلية متوازية تحف بسهول العراق وتقترب من سواحل الخليج الفارسي.
والسهول الساحلية ضعيفة وأكثرها خصوبة السهول المجاورة لبحر الخزر. وتجري في إيران عدة أنهار قصيرة تنتهي إلى بحيرات داخلية ما عدا نهر قارون الذي يجري غربا حتى يصب في نهر شط العرب. وتستمد المجاري المائية مياهها من الجليد المتراكم فوق الجبال.
ومناخ إيران قارس البرد شتاءا، وتسقط بعض الأمطار شتاء بتأثير أعاصير الرياح العكسية وتشتد الحرارة صيفا وبخاصة في السهول.
ويبلغ عدد سكان إيران 5ر15مليونا وهم مسلمون. وقد دخل الفرس في الإسلام عقب الفتح العربي عام 642م ثم اعتنقوا المذهب الشيعي وكان لهم آثر كبير في تاريخ الإسلام فبتأثيرهم سقطت الدولة الأموية وعلى أكتافهم قامت الدولة العباسية.
ويشتغل الإيرانيين بالرعي والزراعة فيربون الأغنام والماعز. ومقادير الصوف الناتجة عظيمة؛ وتصنع منه السجاجيد الفاخرة والبسط والشيلان. ولسجاد إيران (العجمي) شهرة عالمية وتصدر منه ما قيمته مليونا جنيه ونصف. ويزرع الإيرانيون كميات وفيرة من القمح والشعير والأرز والخشخاش والقطن وقصب السكر، ومن الفواكه العنب والبلح، وتزرع أشجار التوت وتربى دودة القز.
البترول: وثروة إيران المعدنية عظيمة ففيها الفحم والحديد: على أن أكثر المعادن أهمية هو البترول تمتد مواطنه على حدود إيران الغربية وفي منطقة بحر الخزر وتستغل الآن المناطق القريبة من الخليج الفارسي. وتمتد أنابيب البترول مسافة 230 ك م إلى معامل تكريره في عبدان عند مصب شط العرب وفيها منشآت شركة الزيت الإنجليزية الإيرانية.
إيران مشكلة دولية
أخذت روسيا منذ عهد بطرس الأكبر تعمل على توسيع رقعتها والوصول إلى البحرين: البحر الأسود وبحر البلطيق، والاستيلاء على القسطنطينية. وقد نجحت روسيا في تحقيق بعض مطامعها فاستولت على شواطئ بحر البلطيق الشرقية وشواطئ البحر الأسود الشمالية ولكن أطماعها في تركيا وفي الاستيلاء على القسطنطينية أثارت عليها الدول وخاصة إنجلترا وفرنسا مما أدى إلى قيام الحرب المعروفة بحرب القرم 1853 - 1856 وكان السبب الرئيسي في نشوبها سعى القيصر في تقسيم تركة (الرجل المحتضر) (تركيا) وقد هزمت روسيا في هذه الحرب فولت وجهها شطر آسيا ومدت نفوذها حتى وصلت إلى ميناء فلاديفوسك 1858.
ثم تطلعت إلى إيران؛ وهنا قام نزاع خطير بينها وبين إنجلترا، ولكن الدولتين اتفقا أخيرا على أن تعملا على قض المشاكل الآسيوية بطريق المفاوضة الودية. وقد كان قيام ألمانيا الحديثة 1870 وظهور نواياها الاستعمارية الدافع الأكبر على فض النزاع القائم بين الدولتين.
وطبقا للاتفاق سالف الذكر قسمت إيران إلى ثلاث مناطق نفوذ، فأطلقت يد روسيا في الشمال، وأطلقت يد إنجلترا في الجنوب، وبقى القسم الأوسط على الحياد يحكمه الإمبراطور. وخول لأصحاب رؤوس الأموال من الروس والإنجليز حق استغلال أموالهم كما يشاءون.
وقد حاولت روسيا بعد أن عقدت الاتفاق الودي مع فرنسا1893 أن تستولي على طهران، ولكن إنجلترا عارضت ونصحت فرنسا حليفتها روسيا بالعدول عن رغبتها فعدلت.
وفي أوائل القرن العشرين تألفت شركة البترول الإيرانية الإنجليزية لاستخراج البترول وقد أصبحت هذه الشركة أعظم شركات البترول العالمية وأغناها.
وقد كان تغلغل النفوذ الإنجليزي والنفوذ الروسي في إيران سببا في ثورة الإيرانيين على ملكهم. وكان من أهم نتائج هذا الانقلاب تولى رضا بهلوي عرش إيران وهو والد الإمبراطور الحالي.
وقد هال الإمبراطور الجديد ما حصلت عليه الشركة من امتيازات، فقد كان للشركة حق استغلال آبار البترول في الجنوب. وتحصل الحكومة على 10 % من الأرباح. ومن أجل هذا تقدم الإمبراطور يطلب تعديل الامتياز وفي 1933 اتفق الطرفان على أن تكون حصة إيران 14 % من الأرباح ومد أجل الامتياز إلى 1991.
إن كل قطرة من البترول تعادل قطرة من الدم، وإنجلترا من أجل هذا حريصة على أن تبقى آبار البترول في إيران تحت يدها ويضاف إلى هذا ما تربحه بريطانيا من أموال طائلة. والإيرانيون الآن يرون أن بلادهم تفيض ذهبا ولكن هذا الذهب لا يذهب إلى جيوبهم وإنما يذهب إلى جيوب غيرهم من الأجانب، ومن ثم قاموا يطالبون حكومتهم بتصحيح الأوضاع ورد بضاعتهم إليهم، ولن يكون ذلك إلا بإلغاء امتياز شركة البترول الإيرانية الإنجليزية التي زاد إنتاجها في العام الماضي عن 20 مليون طن من البترول وتأميم البترول، أي أن تصبح آباره مرفقا عاما من مرافق الدولة الإيرانية وموردا من مواردها؟ ألست ترى معي أنهم على حق؟
وبدأت الحركة باغتيال رئيس الوزراء وقرر البرلمان الإيراني موافقته على مشروع التأميم وثارت إنجلترا وأرسلت بوارجها إلى الخليج الفارسي وحشدت روسيا قواتها على حدود إيران وما يزال الموقف مضطربا للغاية. وما يعلم إلا ربي وربك كيف تكون النهاية.
أبو الفتوح عطيفة
مدرس أول العلوم الاجتماعية بسمنود الثانوية