الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 926/رسالة الشعر

مجلة الرسالة/العدد 926/رسالة الشعر

بتاريخ: 02 - 04 - 1951


الوطن المكبل

للأستاذ إبراهيم الوائلي

إلى الشعوب التي تتطلع إلى الحرية والاستقرار فيجرها

المستعمرون وأذنابهم إلى الهاوية وهي لا تستطيع الدفاع

تنقلي تنقلي على بساط المخمل

واستقبلي الربيع في موكبه المخضل

فنسمة عطرية من نسمات الشمأل

ونغمة حالمة من نغمات البلبل

وزهرة نافحة من زهر القرنفل

تنقلي على الربى وفي ضفاف الجدول

وانطلقي مع الصباح والضحى والطفل

في عالم مجنح يسمو على التخيل

من دوحة وارفة إلى غدير سلسل

لك الحقول فامرحي وزهرها فقبلي

وكل ينبوع جرى في السهل أوفى الجبل

لك الفضاء والمروج والجمال فاحفلي

ولى وهل في الكون شيء لا أقول: ذاك لي؟

لي الشعور ثائراً وهو سلاح الأعزل:

ولي كآبة الرجاء وانطفاء الأمل

تنقلي على (الفرات) فهو عذب المنهل

و (دجلة) اصدحي على ضفافها وهللي

لك العراق روضة يانعة لم تذبل

فحومي على (الخليج) واخفقي في (المعقل) وحلق في (بابل) إن شئت أو في (الموصل)

لك الرحيق فاشربي من صفوه المسلسل

وعللينا بالخيال من بقايا الوشل!

يا ضيفة الحقل الذي حف بمن لم يبخل

تنقلي ما شئت في أوطاننا واهتبلي. .

سوانح اللذة في مجالها المفضل

ولا تخاف حارسا فكلهم في شغل

في نهم ليس له من آخر وأول

تقاسموا بقية من فضلة لم تؤكل

مما تبقى منك يا (ضيفة) هذا المنزل

فهذه قصورهم مع الغيوم تعتلي

حافلة بكل ما نيل وما لم ينل

وهذه بطونهم تشكو من الترهل

مما ارتشوا أو نهموا من عالم (مغفل)

يا ضيفة الحقل وما سواك بالمدلل

ترنحي في وطن مشتت مضلل

وعششي وأفرخي فيه وما شئت افعلي

وسخري أذنابه لسحق رب المنجل

وغارس متشح بطمره المهلهل

وعامل كفنه نسج دخان المعمل

وخاضعين كم جثوا لصنم أو هيكل

يسوقهم سيدهم سوق النعام الهمل!

يا ضيفة الحقل اهتفي على الربى ورتلي

أغنية ساخرة بالوطن المغلل

واتخذي من جهله للنهب خير السبل فإنه في شغل عنك بداء معضل

بفرقة حزبية قامت على التكتل

و (نزعة) عابثة تسقيه مر الحنظل

ترن في أوصاله مثل رنين المعول

تثيرها سياسة مملوءة بالدغل

ويمتطيها نفر باسم الكتاب المنزل

من الألى ما احترقوا الدين لحل مشكل

كم حللت أهواؤهم ما ليس بالمحلل

وكم أذاعوا وافتروا على النبي المرسل

واتخذوا من دينه القيم شتى الحيل

لكي تعيش حفنة أكراشها لا تمتلي

من كل من لولا هوى مستعمر لم يصل

ولم ينل غير الذي ترمي ثقوب المنخل

لكنها سياسة ذات رتاج مقفل

إلا لمن يمدها منه بحبل موصل

وينحني في بابها انحناءة التسول

ليشتري منصبه بالوطن المكبل

بكل ما يملك من ماض ومن مستقبل

بالشعب. ما الشعب سوى قطيع ضأن مهمل!

ببائس بمعدم بثاكل بمعول

بساعة يصرفها في حكمه المزلزل

لله يا شعب الألى مدوا رواق الأزل

في بابل و (نينوى) وفي عهود الرسل

وفي تراث خالد كان رواء المجتلي

وأمة كم هدرت بصوتها المجلجل ما للفراتين يسيلان على تمهل؟

وفي الضفاف (شوكة) تحز كل مفصل

جاء بها في غفلة عهد الولاة الأول

فأوغلت ممتدة في القطر شر موغل

ولن تزال هكذا تصيب كل مقتل

ما بقيت (حثالة) في مأمن وموئل

تسود شعبا جائعا من الحفاة العزل!

فيالجرح ناغر في الشرق لم يندمل

وأمة حائرة من عيشها في مجهل

يحكمها من لم يكن منها ومن لم يسأل

فمن ظلام مدبر إلى ظلام مقبل

وفترة ضاق بها كل أديب أمثل

ولم تدع من أمل لشاعر مؤمل

أما لفجر باسم من رعشة في المقل؟

إبراهيم الوائلي