الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 926/كوريا

مجلة الرسالة/العدد 926/كوريا

بتاريخ: 02 - 04 - 1951


للأستاذ أبو الفتوح عطية

قبلة الطامعين وموطن الصراع بين المتنازعين ومقبرة المحاربين من كلا الفريقين. معركة بدأت ولكن لا تبدو لها نهاية. كلما آذنت شمسها بالأفول عادت إلى التجدد والاشتعال، وكلما صرع قوم من البشر جئ بآخرين فأكلتهم المدافع ولم تبق منهم ولم تذر!!

هنا في كوريا التقى الدب الروسي بالحمل التركي. لقد كان الدب شديد الهجوم على الحمل في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وكان الناس ما يكادون ينتهون من سماع أنباء حرب بين الدب والحمل إلا عادوا إلى قصة أخرى وغارة أخرى فكان النزاع والصراع دائمين يتجددان في كل لحظة ويبدآن بين فترة وفترة. ثم خفت النزاع وخاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وعاد الشوق إلى الدب الروسي فأراد أن يرتشف من دم الحمل التركي وعز عليه اصطياده في الشرق الأوسط، ولكن الحمل ألقى بنفسه بين يدي الدب الروسي في كوريا فتلقاه الدب فرحا متهللا وهناك شرب الدب من دم الحمل وارتوى بعد أن طال به الظمأ!

قبلة الطامعين:

ولعلك تسألني ما قصة هذه الحرب وكيف بدأت؟ لقد تنفس الناس الصعداء منذ سنين خمس حين أفلت شمس الحرب العالمية الثانية وظنوا أنهم سينعمون بالسلام طويلا وبأن الرخاء سيعود إلى العالم من جديد بعد أن مزقته سيوف الحرب وقنابلها الذرية. ولكن هذا الحلم الجميل لم يتحقق، فما يدري الناس أهم في حرب أم في سلم أم أنهم في هدنة قد تؤدي إلى الحرب، ذلك أنه للآن لم تعقد معاهدة للصلح كما جرى العرف عقب انتهاء كل حرب، وزاد الطين بلة أن حلفاء الأمس أصبحوا اليوم أعداء بعضهم لبعض. فقد وقف الروس بجانب الإنجليز والأمريكان للقضاء على طاغية القرن العشرين هتلر، فلما فرغوا من عدوهم تنازعوا أمرهم بينهم وانقسم العالم إلى كتلتين إحداهما شرقية والأخرى غربية لكل منهم مطامعها وأمانيها، واستيقظ الناس على دوي المدافع تؤذن بحرب جديدة وكان الميدان كوريا.

أين تقع: هنالك في أقصى شرق القارة الآسيوية تقع الجزائر اليابانية أو أرض الشمس المشرقة وفي مواجهة هذه الجزائر تقع شبه جزيرة كوريا وهي مفتاح القارة الآسيوية ولا تستطيع أية حكومة يابانية أن تطمئن على نفسها إلا إذا كان هذا المفتاح في يده أو في جيبها فإن من يملك كوريا يهدد اليابان.

وفضلا عن هذا الموقع الحربي الهام فإن كوريا تتمتع بثروة اقتصادية: زراعية ومعدنية عظيمة كانت اليابان في أشد الحاجة إليها، فهي تنتج كميات وافرة من الأرز والشعير وفول الصويا والتبغ والقطن كما تزرع أشجار التوت وتربي الماشية، وثروتها المعدنية عظيمة ففيها مناجم الذهب والحديد والفحم والجرافيت.

ومن أجل هذه العوامل مجتمعة تطلعت اليابان إلى الاستيلاء عليها مما أدى إلى قيام حروب أهمها: الحرب الصينية اليابانية والحرب الروسية اليابانية.

الحرب الصينية - اليابانية 1894

ظلت اليابان دولة متأخرة حتى إذا كان منتصف القرن التاسع عشر استيقظت من نومها فزعة على أصوات المدافع الأمريكية والإنجليزية لترى مدى تأخرها وضعفها، فهبت من رقادها وقامت تعمل على إدخال المدنية الحديثة في بلادها ولم تمض سنون طويلة حتى كانت اليابان دولة متحضرة قوية تقاتل بأسلحة الغرب وتنافسهم في ميداني العلم والصناعة.

هنا وجدت اليابان نفسها في حاجة إلى توسيع تجارتها وإيجاد أسواق لها ونافست سفنها وتجارتها الأوربيين في الأصقاع المجاورة لها؛ بل إن تجارتها لاقت رواجا أكثر من التجارة الأوربية والأمريكية.

على الشاطئ الآسيوي المقابل وجدت كوريا. كانت كوريا دولة مستقلة وقد سبق أن غزتها اليابان في القرن السادس عشر ولكن تمكن الكوريون بمساعدة الصينيين من طرد اليابانيين واستردت كوريا استقلالها وقد اتفقت الدولتان على تقسيمها إلى منطقتي نفوذ فظلت موضوع تنافس بين الدولتين.

وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر احتلت التجارة اليابانية في كوريا مكانة أثارت الحقد في نفس الصين مما أدى إلى قيام الحرب بينهما 1894. وفي هذه الحرب انتصرت اليابان لأنها كانت تقاتل بالأسلحة الحديثة بينما كان الصينيون من أشد أعداء المدينة الحديثة وأدواتها وآلاتها، وطرد الصينيون من كوريا وانتقل ميدان القتال إلى منشوريا واستولت اليابان على ميناء بورت آرثر.

استنجدت الصين بالدول ولكن هذه لم تنجدها فاضطرت الصين إلى عقد معاهدة شيمونسكي وفيها اعترفت الصين باستقلال كوريا ولكن هذا كان معناه انتقال كوريا إلى اليابان وسلمت الصين ميناء بورت آرثر وجزيرة فرموزا لليابان.

على أن الدول وخاصة روسيا لم تلبث أن تدخلت لمنع اليابان من وضع قدمها في القارة الآسيوية وكانت روسيا تطمع في هذه المنطقة فأنذرت اليابان بإخلائها. ولما كانت اليابان قد أرهقتها الحرب مع الصين. فقد اضطرت إلى قبول مطالب الدول وأخلت منشوريا وميناء بورت آرثر.

وهكذا انتهت هذه الحرب وحكم على الصين بغرامة مالية تدفعها لليابان. وقد احتاجت الصين إلى المال للوفاء بدينها فلم تجده إلا لدى روسيا.

الحرب الروسية اليابانية 1904

كان من نتائج مساعدة روسيا للصين أن ارتمت الصين في أحضانها وانتهزت الفرصة روسيا فعملت على نشر نفوذها في منشوريا وكوريا، ففي 1895 أنشئ بنك روسي صيني وسمح لقيصر روسيا بمد خط حديدي عبر أراضي الصين في منشوريا إلى فيلاديفوستك وسمح له أيضا بوضع جنود في منشوريا لحماية السكة الحديدية.

وفي 1898 استأجرت روسيا ميناء بورت آرثر لمدة 25 سنة وبدأ الروس يعملون على تحصينه وأنشئوا خطا حديديا إلى حزبين ليتصل بسكة حديد سيبيريا وهكذا تحقق حلم روسيا فأصبح لها على المحيط الهادي ميناء لا تتجمد مياهها شتاءا.

استاءت اليابان من احتلال روسيا لمنشوريا وبورت آرثر وهي مناطق كانت تطمع فيها ثم زاد الطين بلة أن روسيا أخذت تعمل على نشر نفوذها في كوريا فاحتجت اليابان.

أعلنت الروسيا أكثر من مرة عزمها على إخلاء منشوريا ولكنها لم تفعل وأعلنت روسيا احترامها لاستقلال كوريا ومع ذلك بدأت تتعدى عليها.

في صيف 1903 ضاق صدر اليابان فطلبت من روسيا إيضاح نواياها في منشوريا وكوريا فلجأت هذه إلى المماطلة والتسويف فاضطرت اليابان إلى إعلان الحرب في 5 فبراير 1904.

كانت اليابان قد أعدت عدتها وهي قريبة من الميدان فحطم الأسطول الياباني الأسطول الروسي في بورت آرثر وكذلك هزم الأسطول الروسي في فلاديفوستك وأصبحت لليابان السيطرة البحرية في الشرق الأقصى.

ثم نزل اليابانيون إلى البر وتمكنوا من حصار بورت آرثر وطاردوا الروس إلى مكدن وفي أول يناير 1905 اضطرت بورت آرثر إلى التسليم.

وأقبل الشتاء فتحمل الروس خسائر فادحة، وفي 9 مارس 1905 سلمت مكدن وخسرت روسيا 40 ألف قتيل و100 ألف جريح.

وقد أبدى اليابانيون في هذه الحرب بسالة نادرة ودقة في النظام كانت مضرب الأمثال وأثارت إعجاب العالم عامة والشرقيين خاصة لأنهم كانوا يرون في انتصار اليابان انتصار لهم. وقد خلد شاعر النيل هذه الحرب في قصيدته التي مطلعها:

أساحة للحرب أن محشر؟ ... ومورد الموت أم الكوثر؟

وهذه جند أطاعوا هوى ... أربابهم أن نعم تنحر؟

قد أقسم البيض بصلباتهم ... لا يهجرون الموت أو ينصروا

وأقسم الصفر بأوثانهم ... لا يغمدون السيف أو يظفروا

فمادت الأرض بأوتادها ... حين التقى الأبيض والأصفر

وأثمنتها خمرة من دم ... يلهم بها الميكاد والقيصر

والبيض لا ترضى بخذلانها ... والصفر بعد اليوم لا تكسر

فما لتلك الحرب قد شمرت ... عن ساقها حتى قضى العسكر

ويختتمها قائلا:

تسوءنا الحرب وإن أصبحت ... تدعو رجال الشرق أن يفخروا

أتى على المشرق حين إذا ... ما ذكر الأحياء لا يذكر

ومر بالشرق زمان وما ... يمر بالبال ولا يخطر

حتى أعاد الصفر أيامه ... فانتصف الأسود والأسمر

فرحمة الله على أمة ... يروى لها التاريخ ما يؤثر وقد حاولت روسيا إنقاذ الموقف فأرسلت أسطولا من بحر البلطيق فوصل في مايو 1905 إلى مياه كوريا حيث حطمه اليابانيون بقيادة الجنرال توجو. وإلى هذا يشير حافظ بك إبراهيم بقوله

وذلك الأسطول ما خطبه ... حتى عراه الفزع الأكبر

ظن به طوجو فأهدى له ... تحية طوجو بها أخبر

تحية من واجد شيق ... أنفاسه من حرها تزفر

فهل درى القيصر في قصره ... ما تعلن الحرب وما تضمر

فكم قتيل بات فوق الثرى ... ينتابه الأظفور والمنسر

وكم جريح باسط كفه ... يدعو أخاه وهو لا يبصر

وكم أسير بات في أسره ... نفسه من حسرة تقطر

وأخيرا تدخلت الولايات المتحدة وطلبت فتح باب المفاوضة للصلح وأمضيت معاهدة بورتموث وبها:

(1) اعترفت روسيا بالنفوذ الياباني في كوريا واعترفت اليابان باستقلالها ولكن في 1907 أرغم إمبراطورها على اعتزال عرشه وضمت لليابان.

(2) قرر الفريقان إخلاء منشوريا وبورت آرثر ولكن تقرر أن تنتقل الحقوق التي نالتها روسيا إلى اليابان.

وهكذا انتهت الحرب.

الحرب الحالية:

ظلت اليابان في تقدمها وأخذ نفوذها يزداد ووقفت بجانب الحلفاء في الحرب العالمية الأولى ولكن في الحرب الثانية غيرت خطتها ودخلت الحرب بجانب ألمانيا وإيطاليا وانتهى الأمر بهزيمتها وباحتلالها إذا احتلها الأمريكان 1945.

أما كوريا فقد قسمت إلى إقليمين كوريا الشمالية وهذه تدين بالشيوعية وتعتبر منطقة نفوذ روسي، وكوريا الجنوبية وهي تعتبر منطقة نفوذ أمريكية. حاول الشيوعيون ضم كوريا الجنوبية فلم توافق أمريكا واعتبرت هذه عدوانا عليها وهكذا تجددت المأساة؛ فالأمريكان في اليابان يرون الآن ما رأته اليابان منذ نصف قرن وأكثر من أن وجود كوريا في يد دولة معادية خطر عليهم ومن هنا قامت الحرب الحالية وهي ما تزال سجالا بين الفريقين.

أبو الفتوح عطية

مدرس أول العلوم الاجتماعية بمدرسة سمنود الثانية