مجلة الرسالة/العدد 926/الأدب والفن في أسبوع
→ رسالة الشعر | مجلة الرسالة - العدد 926 الأدب والفن في أسبوع [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 02 - 04 - 1951 |
للأستاذ عباس خضر
الأستاذ توفيق الحكيم:
صدر مرسوم ملكي بتعيين الأستاذ توفيق الحكيم مديرا لدار الكتب المصرية، وقد سرني ذلك، لأمرين:
الأول ما يدل عليه هذا الاختيار من حسن التفات الدولة إلى الكفايات الممتازة والانتفاع بها فيما يناسبها من الأعمال، فهو اختيار خالص ممحض لوجهته، وشخصية توفيق الحكيم إنما تقوم على ساقين متينتين من الأدب والفن، لم يستند إلى من يقدم، ولم يسر في ركابه، ولم يصطنع غير إنتاجه، فامتداد وعي الدولة إلى خلوته يدعو إلى الارتياح الذي شعر به الجميع إزاء هذا التعيين.
الأمر الثاني ما يرجى على يده في دار الكتب، وسيرى الأستاذ الحكيم في الدار نوعين من موظفيها جديرين بالالتفات، النوع الأول جماعة من (الأفندية) يحسنون (الهنكرة) ينقلون الكلام ويلفقونه ويوقعون بين الناس، ويتقربون بذلك إلى من بيده الأمر، متخذين وسائل الملق وحسن السمت وفرط الأدب. . . حتى لا ينقض أحدهم إلا الفرجون يمسح به. . . وهذه الفئة تسد الطريق في وجه النوع الثاني. لأنها تستقبل الفوائد فتلقفها، ولا يكاد يصل شيء إلى القابعين في محاريب العلم والعمل. . . وأقصد بهؤلاء - وهم النوع الثاني - أولئك العاملين في خدمة العلم والأدب في دار الكتب، وخاصة بالقسم الأدبي، وكثير منه مضت عليه عشرات السنين هناك وخرجت على يده نفائس الكتب وذخائر الأدب محققة منسقة أدق تحقيق وأجمل تنسيق، وهم مع ذلك مرزوءون في أرزاقهم، حتى انسدت نفوسهم من الإهمال وسوء التقدير.
وليست المسألة كلها متعلقة بأشخاص أولئك العاملين في خدمة العلم والأدب في دار الكتب، وبمن يعولون، إنما هي - إلى ذلك - مسألة العلم والأدب، مسألة العمل في إخراج الكتب، فقد كاد هذا الجهاز النافع الذي كان ناشطا في ذلك المضمار جادا في تنقية موارد الفكر - كاد هذا الجهاز يشل، لعدم إيلائه ما يستحق من عناية ورعاية. وقد جعل الناس منذ سنين يتساءلون عما جرى لدار الكتب. فأقعدها عن مواصلة إخراج أمهات الكتب ومراج الأدب. وتبلغ الآذان بعض المعاذير من ظروف الحرب وغلاء الورق. . . ولكن ذلك قد طال حتى فقد ما يحمل على تصديقه. . . والداء كله في (سد النفس) وها قد صار الأمل كله مناطا بالحكيم. . .
الشعر في مجلة المصور:
في عدد الأسبوع الماضي من مجلة (المصور) جاء ذكر قصيدة (عندما يأتي المساء) في موضوع من موضوعاتها، فنسب المحرر هذه القصيدة إلى الأستاذ أحمد رامي، وهي من شعر الأستاذ محمود أبو الوفا، ومن أغاني فلم (يحيا الحب) للأستاذ محمد عبد الوهاب، وقد قالها أبو الوفا وغناها عبد الوهاب منذ أكثر من خمسة عشر عاما، وسجلت في (أسطوانة) وكثيرا ما تذاع، ولم تتكرم الإذاعة مرة واحدة فتذكر اسم قائلها ولو على أسلوبها المعروف بمثل قولها (من كلمات فلان!) ثم جاء محرر المصور فرمى الرمية إلى رامي!
وفي عدد هذا الأسبوع من مجلة المصور أيضا (23 مارس سنة 1951) نشرت كلمة لسعادة عبد الرحمن حقي باشا وكيل وزارة الخارجية إلى جانب صورته بعنوان (أنا) قال سعادة الباشا في هذه الكلمة:
(وإذا سئلت الآن أن ألخص تجاربي في عبارة قصيرة جامعة لم أجد خيرا من البيتين الاثنين علقا بذاكرتي من أيام الصغر، وهما:
أحبب حبيبك هوناً ما ... عسى أن يكون بغيضك يوماً ما
وابغض بغيضك يوماً ما ... عسى أن يكون حبيبك يوماً ما
وهكذا كتب الكلام في صورة بيتين من الشعر، ولعل عذر الباشا أن الكلام علق بذاكرته منذ الصغر، فلو كان من محصوله في الكبر لتنبه إلى أنه نثر. . . أضف إلى ذلك أن (ما) في نهاية الفقرات تشبه القافية!
ذلك عذر الباشا. . . فما عذر المجلة ورئيس تحريرها الأستاذ الكبير فكري أباظة باشا الأديب الذي كان ينظم الشعر في صباه؟ أو ليس في دار الهلال مراجع أديب يعرف الكلام المنثور من الموزون، ويضبط الخطأ في ذلك إن جاز على محرر أو سكرتير تحرير؟
إنها سقطة أرجو أن تنبه عليها مجلة المصور لتلافي ما قد يستقر في أذهان قرائها الكثيرين من أن ذلك الكلام شعر.
وبعد فيذكرني ذلك بالأعرابي الذي قام بخطب الناس ليحثهم على الجهاد فقال: أيها الناس، قال الله تعالى:
كتب القتل والقتال علينا ... وعلى الغانيات جر الذيول
صاحت الدجاجة صياح الديك
في يوم من الأسبوع الماضي حفلت قاعة فاروق الأول في نادي نقابة الصحفيين بجمهور كبير أكثره من السيدات والآنسات المطالبات بالحقوق السياسية للمرأة، وذلك لسماع محاضرة الدكتورة درية شفيق في (الثقافة الشعبية كوسيلة للنهضة النسوية) وهي إحدى المحاضرات العامة التي تنظمها الجامعة الشعبية.
تحدثت الدكتورة كثيرا جدا عن مساواة المرأة بالرجل وعن المعركة التي تخوضها المرأة لنيل الحقوق السياسية، وتحدثت قليلا جدا عن أثر الثقافة في النهضة النسوية وهو موضوع المحاضرة. . . فجاءت المحاضرة فرصة لمظاهرة من هذه المظاهرات التي قامت بها أخيرا الأحزاب النسوية في مصر، ولم تحقق شيئا مما يتطلبه الباحث عن ثقافة المرأة المصرية ممثلة في هؤلاء (الزعيمات) وكم أود أن تدلل المرأة العصرية على استحقاقها ما تطالب به بثقافة ممتازة وعمل مجيد.
والذي يهمني الآن من هذه المحاضرة هو ما سادها من اللحن الكثير والخطأ اللغوي الفاحش، حتى خيل أن (كان وإن) وأخواتهما - مثلا - يكدن هن أيضا ينهضن للمطالبة بحقوقهن في رفع المرفوع ونصب المنصوب. . . ويدعوني هذا إلى أن اقترح على الجامعة الشعبية إنشاء قسم خاص بها لتعليم أعضاء الأحزاب النسوية اللغة العربية باعتبارها عنصرا من الثقافة الشعبية.
وأريد أن أعدي عن كل ذلك إلى أمر آخر، أريد أن أغض عن جر المنصوب وفتح المضموم، وعن مثل قول المحاضرة (ماءة في الماءة) لأقف عند ظاهرة أخرى. . . كانت الدكتورة درية شفيق تعبر عن نفسها بالمذكر وترجع ضميره إلى النساء، فقد قالت: (هأنذا) وكانت تعبر عن تعليم الجامعة الشعبية النساء فتقول إنها تعلمهم وتهذبهم بدلا من تعلمهن وتهذبهن! وفشا ذلك كثيرا في المحاضرة حتى وصلت عداوه إلى الأستاذ علي الجمبلاطي المشرف على تنظيم محاضرات الجامعة الشعبية في تعقيبه على المحاضرة. . وتدرك مقدار هذا التأثير إذا علمت أن الأستاذ من رجال الأدب واللغة!
فهل كانت الدكتورة تفعل ذلك قصدا إلى المساواة في اللغة وإزالة الفوارق بين المذكر والمؤنث؟ وهل لنا أن نقول: صاحت الدجاجة صياح الديك.؟
درس في الجامعة الشعبية:
كان منتصف الساعة السابعة من مساء الأربعاء الماضي، موعدا معينا لندوة المكتبة بالجامعة الشعبية، وكان المقرر أن يتحدث في هذه الندوة الأستاذ أحمد الشرباصي عن كتاب (التصوير الفني في القرآن) للأستاذ سيد قطب، ونشر ذلك في (الأهرام) وتوافد الجمهور لحضور الندوة، ولكن كان كل من يقبل ويقصد إلى قاعة المحاضرات يفاجأ بمحاضرة أخرى تلقى فيها حيث كان الدكتور محمد بلال يتحدث عن (رسالة النائب في المجتمع) ووقف الأستاذ الشرباصي ومن معه بالفناء كمن حكم عليهم بالإخلاء ولا يجدون مأوى. وأقبل الأستاذ سيد قطب، فانضم إلى الحائرين. وجاء بعض القائمين بالأمر هناك يعتذرون ويستمهلون. ولكن محاضرة النائب طالت، فأخرج الأستاذ سيد قطب الدعوة الموجهة إليه ووقع عليها بالأسف لعدم قدرة الجامعة الشعبية على تنظيم أوقات محاضراتها؛ وأعاد الدعوة - التي ليس لها مكان - إلى أصحابها، وانصرف. . .
وبقى الأستاذ الشرباصي حتى فرغ المحاضر في منتصف الثامنة، ودعي إلى القاعة وقدمه أحدهم إلى من تبقى من الجمهور على ظن أنه سيلقي محاضرته، ولكن الأستاذ وقف فقص على الحاضرين ما حدث، ثم روى الحديث الشريف (رحم الله امرأ عرف قدر نفسه) وقال: إن الأستاذ سيد قطب عرف قدر نفسه فانصرف، وأنا أيضا لا أرى من كرامتي أن تكون محاضرتي ذيلا لمحاضرة أخرى. . .
وسمعت واحدا من الجمهور يقول لزميله في منصرفهما:
لقد جئنا لسماع المحاضرة، ولكن سمعنا ما هو أوقع منها. .
- ليت كل من يخطئ في هذا البلد المسكين يجد من يلقي عليه مثل هذا الدرس!
جوائز المجمع اللغوي:
احتفل مجمع فؤاد الأول للغة العربية، في الأسبوع الماضي بقاعة الجمعية الجغرافية الملكية، بإعلان نتيجة المسابقات الأدبية لسنة 1950 - 1951. وقد بدأ الاحتفال بكلمة الأستاذ أحمد حسن الزيات التي نشرتها (الرسالة) في الأسبوع الماضي، وقد تضمنت رأيا في القديم والجديد وموازنة في ذلك بين الأدب العربي وغيره، وقدم الأستاذ الشعراء المجازين فوصف أشعارهم وعرف بهم. ثم تلاه الأستاذ إبراهيم مصطفى بك فألقى كلمته عن البحوث الأدبية، وقد بدأها بنبذة عن الدراسة اللغوية وتطورها، ثم عرف بالكتابين الفائزين، فقال إن كتاب (الفصحى في ثياب العامية) نظر فيما بين العامية والعربية من صلة وقربى في الألفاظ وفي وسائل الدلالة؛ وفي الكناية والتشبيه والاستعارة، وفي أساليب الاستفهام والتأكيد والذكر والحذف، وفيما يعتري الحروف من إبدال وتسهيل وإسكان وتحريك. وقال إن كتاب (الأسس المبتكرة لدراسة الأدب الجاهلي) يكشف عما يحيط بالعصر الجاهلي من الغموض والجهالة، وقد جعل المؤلف أساس العمل فيه سلاسل الأنساب المروية التي كان العرب يعتزون بها ولا يعدون العالم عالما حتى يكون بصيرا فيها، وعاد إلى أخبار الملوك المدونة وإلى الحوادث المؤرخة ليختبر نظريته ويؤيد نتائجها، وانتهى إلى أصل يعتمد عليه في تحقيق كل سلسلة من سلاسل النسب وفي تاريخ كل شاعر وزمن حياته.
وبعد ذلك أعلن الأستاذ عبد الفتاح الصعيدي مراقب المجمع، نتيجة المسابقات مفصلة كما يلي:
1 - الشعر: منح الأستاذ كمال النجمي الجائزة الأولى وقدرها 200 جنيه عن ديوانه (الأنداء المحترقة) ومنح الأستاذ محمود محمد صادق 100 جنيه عن مجموعة شعره المقدمة للمسابقة، ومنح الأستاذ فريد عين شوكة 100 جنيه عن ديوانه (وحي الشباب)
2 - البحوث الأدبية واللغوية: منح الأستاذ سليمان محمد سليمان الجائزة الأولى وقدرها 200 جنيه عن بحث (العامية في ثياب الفصحى) ومنح الأستاذ عبد العزيز مزروع الأزهري 100 جنيه عن كتاب (الأسس المبتكرة لدراسة الأدب الجاهلي)
وكان قد قدم لهذه المسابقات عشرة دواوين، وأربعة بحوث، وست قصص لم يلف فيها ما هو جدير بالجائزة، وبحث عن ابن سينا لم يجز.
عباس خضر