مجلة الرسالة/العدد 905/رسالة الشعر
→ خواطر في كتاب الله | مجلة الرسالة - العدد 905 رسالة الشعر [[مؤلف:|]] |
تعقيبات ← |
بتاريخ: 06 - 11 - 1950 |
قصة واقعية
دمية
(إلى روح الطفلة فوزية)
للأستاذ إبراهيم العريض
مدت لها الأم راحتيها ... كأنها صورة الحنان
صبية عرشها الحنايا ... ما جاوزت دولة الثمان
خفيفة الظل، ذات زهو ... تنعس في جفنها الأماني
ما أنضر الروض في صباها ... وكل ما فيه وردتان
عالمها - لو ترى - صغير ... لكن لها فيه ألف شان
تعقد أعراسها، فتلفي ... ما شئت في العرس من أغان
بلا معان. . وإنما السحر ... كله حيث لا معان
تسمعها دمية. . جلتها ... والعرس معقولة اللسان
كحلاء. ترنو لها بصمت ... إذا استقلت بها اليدان
تفتح العين لاستماع ... وتغمض العين بعد آن
تجد في حبها وتلهو ... فالجد واللهو توأمان
حتى إذا رنقت عياء ... مال بها النوم في ثوان
بين يديها الحياة حلم ... فهي من الليل في أمان
جاءت إلى الأم ذات صبح ... فطوقتها براحتين
وبادلتها بقبلة - لم ... تجاوز الشعر - قبلتين
(أماه! ما بال خالتي لا ... تأتي به كي تقر عيني
أود أن أرتديه حالا ... فإن للعرس جلستين
فالريح مجنونة، وأخشى ... إذا تمادت في الضحكتين
- ضحكتها تعبر الصحاري ... كأنها ثورة الحسين وضحكة. . والنخيل تومي ... برأسها؛ بينها وبيني -
أخشى. . على دميتي أذاها ... وما أحق الدمى بصون
قالت: (دعيني بنيتي! في ... أشعة الشمس غمضتين
فالبرد في لذعه شديد ... بل أنا منه في شدتين
فربما احتاج نظرة ثو ... بك الموشي، أو نظرتين
وعدك ألا يحين وقت ال ... صلاة حتى أفي بديني
فتمرحي من صباك بضا ... بين الصبايا بحلتين
ما أدبر الظهر في ارتعاش ... كأنه مدرة وقور
حتى أنت كالمهار تعدو ... لأمها ثغرها بنير
(أماه، أماه، طالعيني ... في بخنقي، أنه كبير
ألا يرى شكله جميلا ... على في الريح إذ يطير؟)
قالت لها: (لبسة العوافي! ... عشت كما عاشت الزهور)
هاهي تختال في العذارى ... بحلة يلقى بها السرور
ودمية الجبس في يديها ... قد لفها البخنق الصغير
لا تسمع الأذن حيث زفت ... غير زغاريد، يا طيور!
أو تبصر العين حيث حلت ... إلا جنانا فالحور حور
حتى إذا الأفق حال وردا ... وماج فوق الخضم نور
كأنه ضحكة المرايا ... في يد حسناء تستخير
وجاء يعدو بموكب الليل=- بعدها - الكوكب المنير
عادت إلى البيت، كل خود ... تود لو أنها الأخير
وسوت الأم مهدها في ... ركن، وعادت إلى الحنيه
فأبصرتها، وفي يديها ... دميتها، لم تزل أبيه
فالتفتت نحوها، وقالت: ... (ألا تكفين يا صبية؟
كفاك طول النهار لعباً ... هيا إلى النوم كالبقية)
أواه ما أرخص الغوالي ... عند الذي يجهل القضيه فلملمت ذيلها امتثالا ... وضاحكت أمها نقيه
(أماه! هل تسمحين لي أن ... أنام في بخنقي العشيه
فدميتي لن تنام إلا ... معي هنا، إنها حييه
لقد قضينا النهار أزجي ... لها، فتزجي لي التحيه
إني لأرجو لها، كما قد ... ترجو، من النوم، لي هنيه
والبرد يسري إلى عظامي ... كأنه البرد ذاب فيه
فدثرينا معا من الليل ... ، فهي مثلي تخشى دجيه
يا دميتي! أنت ذات عرش ... فلا تجوري على الرعيه. .)
وداعب النوم جفنها في ... لمح. فكفت عن منتجاها
وأنزلتها الأحلام، في زو ... رق، من الخلد في رباها
فأبصرت نفسها توالي ... في جنة سيرها شداها
فتحتها العشب حيث داست ... فتح نواره وتاها
وفوقها الورق كل ورقاء ... ذوبت نغمة حشاها
وحفها الورد. . كل ورد ... ينفح في ردنه شذاها
وخرخر النهر من بعيد ... يحصى على شله خطاها
وحلقت حولها لدات ... من كل كحلاء في صباها
كأنها النرجس المندي ... تكاد تلقي لها نداها
يجذبنها تارة، وأخرى ... يدفعن في جنبها سواها
حتى تراءت. . وثغرها في ... افتراره، معلن رؤاها
وأين عنهن من رعتها ... حبا بحب. . لم لا تراها
فضمت الدمية التي لم ... تزل إلى جنبها، يداها
وظلت الريح من قريب ... تسمعها نوحة الثكالى
كأنها في الركاب شخص ... ثار على الحق، فاستطالا
أرسل للفتك خيله. فهو ... لا بني يطلب النزالا
تلهب بالسوط ظهر بيت ... يأبى لها ركنه امتثالا وعاود الحلم جفنها ثا ... نيا، فتاهت في الحلم حالا
فأدركت نفسها على شا ... طئ، وأمواجه تلالا
وكلما أومضت لها بر ... قة، همى غيثها انهطالا
ولم يكن مزنه كماء ال ... سماء، بل كاللظى اشتعالا
حتى دنت لجة، وكادت ... تمضي بها. . صفها تعالى
وغام في وجهها ضباب ... يخنق أنفاسها سعالا
فأفلتت من يمينها عر ... سها، فألقت لها الشمالا
واستفزعت أمها بصوت ... من ظمأ جف واستحالا
فاكتنفتها (روح) أحست ... في حضنها الدفء والظلالا
دوى مع الريح صوت ناع ... قد طعن الليل في سكونه
فالأم إذ تستفز، تلقى ... من أرضعته على جبينه
وهالها أن ترى لسانا ... قد سله الموت من كعينه
يلحس أطراف كل شيء ... في البيت من سقفه لطينه
حتى غدا البيت في لظاه ... كنقطة النون وسط نونه
فالريح نار. . . في وجهتيه ... والنار ريح. . . على متونه
غلغل في ثوبها، ولما ... يسر إلى الرأس في قرونه
وبادرت للرضيع ولهى ... بمسكة العقل في جنونه
واختطفته توا أنجري ... به على النار، أم بدونه؟
وتدفع الباب دفعة، غا ... درته محنى على عرينه
للريح في سمعها دوي ... كنكسة الطفل في أنينه
وأبصرت حولها رجالا ... كل يداري على قرينه
فولولت: (أدركوا فتاتي ... يا غصنها اللدن في أتوته!)
واحتملوها في غشوة، لم ... تطل - على البرد - غير ساعه
فاسترجعت وعيها، لتلفى ... رضيعها باسطا ذراعه
يلتمس الثدي فوق صدر ... وكلما مسه أضاعه فاحتضنته بلا شعور ... قد جمدت عينها ضراعه
كم سمعت باسمها يناي ... فانتفضت. لو لها استطاعه
فما استبانت إلا وجوهاً ... يذري عليها اللظى قناعه
وقال من قال (بتها ... قد نجت!. (ولم تنتظر سماعه
فساءلت (أين خلفوها؟ ... من ذا رآها من الجماعة؟
فوزيتي. . ليتني فداها ... ألا كريم يمد باعه
لحملها، فاللهب يمعي! ... أخشى على عينها شعاعه
وكم أرادت - وما أرادت - ... تنعى على عمرها ضياعه
لولا نساء حسر، لديها ... ناشدتها الصبر والقناعه
وحولها الخلق في هياج ... يبدون سمعا لها وطاعه
وصعد الناس - بعد حبس - ... أنفاسهم، إذ خبا الشرار
ظلوا إلى الصبح في انتظار ... والآن لا ينفع انتظار
وأقبلوا يبحثون خبطاً ... فالطين والماء حيث داروا
فلم يكد - بعدهم - لبيب ... يدور للبحث حيث داروا
وزحزحت كفه سياجا ... ما زال للجمر فيه ثار
حتى اعترت جسمه قشعري ... رة، ودارت به الديار
فغمض من طرفه ارتياعا ... يا هول ما غيب الغبار!
لقد رأى تحته فتاة ... جللها في الردى الوقار
قد مست النار حاجبيها ... ولم تمس اليدين نار
في حضنها دمية، حمتها ... عن الأذى، راحة تغار
قد لفها بخنق جديد ... لم يبق منه إلا الصدار
مغمضة العين في حماها ... طاب لها قربها الجوار
دميتها! قد مضى بها من ... له على الأنفس الخيار
فرجعي لي، والأم تصغي
كيف انقضى ذلك النهار! إبراهيم العريض