الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 905/خواطر في كتاب الله

مجلة الرسالة/العدد 905/خواطر في كتاب الله

مجلة الرسالة - العدد 905
خواطر في كتاب الله
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 06 - 11 - 1950


تربية الدعاة

للأستاذ محمد عبد الله السمان

إن المهمة الملقاة على كواهل الدعاة شاقة خطيرة، ولذا كانت عناية القرآن بتربيتهم عناية كبرى تضيء الطريق أمامهم إلى قلوب الناس، والرسل جميعا - صلوات لله وسلامه عليهم - هم المثل الكامل للدعاة، وتعتبر تربيتهم أنموذجا للتربية الرفيعة السامية، لا سيما وأن مربيهم هو الحكيم الخبير.

ولما كان الداعية في حاجة إلى أسلوب سهل ممتزج باللباقة والسياسة في عرض دعوته، فقد راح القرآن يربي الدعاة تربية سياسية دبلوماسية رفيعة تعينهم كثيرا على نجاح دعواتهم:

(لقد أرسلنا نوحا إلى قومه، فقال يا قوم اعبدوا الله، ما لكم من إله غبره، إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين، قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين، أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم، وأعلم من الله ما لا تعلمون، أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون؟).

(وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، أفلا تتقون؟ قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين، قال ياقوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين، أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين، أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم؟ واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة، فاذكرا آلاء الله لعلكم تفلحون).

(قل يا أيها الناس: أني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض، لا إله إلا هو يحيي ويميت، فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون).

وتلمس لدعوة إلى المرونة بارزة واضحة في أساليب الآيات القرآنية مما دل على اهتمام القرآن بهذا النوع من التربية. الذي يتوقف عليه نجاح الدعاة في كثير من الأحايين: (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة الموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن - ولو كنت فظا غليظ القلب لا انفضوا من حولك - قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار. أنه لا يفلح الظالمون - وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا برئ مما تعملون - فإن تولوا فقل أبلغتكم ما أرسلت به إليكم، ويستخلف ربي قوما غيركم ولا تضرونه شيئا، إن ربي على كل شيء حفيظ - فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى - وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون).

وللمنطق أهميته الكبرى في مناقشة الدعوات، ولذلك نراه متجليا في أساليب الدعاة:

(ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتيه الله الملك، إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت، قال: أنا أحيي وأميت، قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب. فبهت الذي كفر).

(قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق بعيده؟ قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون، قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق؟ قل الله يهدي للحق، أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي؟ فما لكم كيف تحكمون.)

(يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار؟ ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان).

(قال فمن ربكما يا موسى؟ قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى).

(وضرب لنا مثلا ونسي خلقه. قال: من يحيي العظام وهي رميم؟ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم، الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون، أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم؛ بلى، وهو الخلاق العليم).

ويوجه القرآن الكريم الدعاة إلى التذرع بالصبر والاحتمال في سبيل دعواتهم) فانتظروا إني معكم من المنتظرين - فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين - قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا - فاصبر على ما يقولون. فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم).

ويطبع القرآن الدعاة بطابع الشجاعة فهي من أهم مقومات الدعوات، ولأنها مما لا يستغنى عنها داعية يريد أن يشق طريق النجاح لدعوته:

(واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله، فعلى الله توكلت، فأجمعوا أمركم وشركاءكم، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلى ولا تنظرون) (قالوا يا هود ما جئنا ببينة، وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك، وما نحن لك بمؤمنين، إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء، قال: إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون، إني توكلت على الله ربي وربكم).

(إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين، قال كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين).

(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر)

ويكافح القرآن الغرور في الدعاة. فهم لم يزيدوا عن كونهم بشرا ألقى الله على عوائقهم مهمات ثقالا، وبهذا تكون دعواتهم أقرب إلى قلوب الناس وأبعد من نفورهم.

(ولا أقول لكم عندي خزائن الله، ولا أعلم الغيب، ولا أقول إني ملك)

(قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير، وما مسني السوء، إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون)

ويكافح القرآن في الدعاة مرض اليأس الخطير حتى لا يلحق هممهم الضعف، ويصيب جهودهم الفشل؛ وتمنى دعواتهم بالخيبة:

(وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون).

(وإذ قال موسى لقومه. إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد)

(وإن كان كبر عليك إعراضهم، فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى، فلا تكونن من الجاهلين)

للبحث بقية

محمد عبد الله السمان

مدرس بعلم الدين الابتدائية للبنات بالسيدة زينب