الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 898/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 898/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 898
الأدب والفن في أسبوع
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 18 - 09 - 1950


للأستاذ عباس خضر

المؤتمر الثقافي العربي الثاني في الميزان:

أول ما لوحظ على هذا المؤتمر الانتقادات التي وجهت إليه، هو عدم التوفيق في الأعداد له، وخاصة في موضوع (التوسع في التعليم) وقد فصلنا الكلام عليه فيما سبق. وقد تغيرت صيغة هذا الموضوع بحيث انقلب إلى موضوع آخر، فلم يبق معداً للنظر أمام المؤتمر إلا موضوع بحيث انقلب إلى موضوع آخر، فلم يبق معداً للنظر أمام المؤتمر إلا موضوع (الأعداد للحياة). ثم نشأ عن الكلمات التي ألقيت في حفلة لافتتاح والمناقشات التي دارت فيها، أن تقرر عرض موضوعين آخرين مرتجلين، هما مسألة تعليم أبناء اللاجئين الفلسطينيين، وموضوع الثقافة العربية؛ وهكذا وجد المؤتمر نفسه إزاء ثلاثة موضوعات جديدة، عليه أن يدرسها ويقرر توصيات فيها.

أما موضوع التوسع في التعليم فإن اللجنة التي الفت له لم تلق كبير عناء في توصياتها، فهي من آراء معالي الدكتور طه حسين ومن وحي سياسته الثقافية التي ينهض التعليم في مصر الآن على أساسها. وأما موضوع تعليم أبناء اللاجئين فقد بدا أمام لجنته معقداً، وليس من اليسير أن يرتجل بحث موضوع كهذا، ولا سيما أنه ليس هناك سابق دراسة أو بيانات أو إحصاءات يمكن الاستناد إليها وتبين نواحي الموضوع في ضوئها، وعلى ذلك دارت التوصيات في هذا الموضوع على (تأليف لجنة) تعنى به. . مع توصيات عامة أخرى على قدر الإمكان. وأما موضوع (الثقافة العربية) فقد اشتمل تقرير اللجنة التي ألفت له وتوصياتها، على نقط وأمور قيمة، ويبدو لي أن ذلك يرجع إلى أن بعض أعضاء اللجنة وخاصة الذين اشتركوا في كتابة التقرير من الأساتذة المختصين الذين شغلت هذه الأمور أفكارهم من قبل.

والموضوع الوحيد الذي ظل كما حضر من قبل، هو (الأعداد للحياة) وقد وفته اللجنة حقه واكثر من حقه. . إذا أن توصياتها جاءت حشداً كبير من الأمور الفنية الجزئية، فكانت اقرب إلى أن تكون (ملزمة) من كتاب في التربية، منها إلى توصيات مؤتمريه عامة.

وعلى الرغم من كل ذلك، ومن أن اكثر موضوعات المؤتمر كان مرتجلاً، يمكن الق القول نج في مهمته، إذ وصل إلى نتائج وقرر توصيات مهمة فيما نظر فيه، والفضل في ذلك للروح التعاونية العامة، التي علت على المظاهرات والمشاغبات الشخصية وأغضت عنها، فقد عملت اللجان في نشاط، ونشط سائراً أعضاء المؤتمر في المناقشة وصبروا على طول الجلسات وخاصة الجلسة الأخيرة التي استمرت من الصبح إلى المساء، وأوسع الرئيس صدره حتى لبعض الصرخات التي فاضت بها بعض الألسنة، كما حدث عند النظر فيما نفذته الحكومات من قرارات المؤتمر الأول، إذ قام أحد الأعضاء وندد بما سماه (الحكم الإقطاعي) الذي يحول دون التوسع في التعليم مقترحاً أن يقرر المؤتمر تخصيص ثلث الميزانية في كل دولة عربي للتعليم.

وقد أدت زحمة الموضوعات التي كان بعضها يحتاج إلى مؤتمر خاص، أدت هذه الزحمة مع ضيق الوقت، إلى شيء من العجلة و (الكلفتة) من ذلك أن المؤتمر قرر - بناء على توصية اللجان المختلفة - أن يعقد مؤتمر خاص بكل يلي: الثقافة العربية، وإعداد المعلمين، والمرحلة الأولى للتعليم؛ ولم توزع هذه الموضوعات على دورات معية، ولم تتسع الفرصة لمناقشة استحقاق كل من الموضوعين الثاني والثالث لمؤتمر خاص، وهل هما أهم من موضوعات أخرى.

أقول مرة ثانية: لقد نجح المؤتمر كأي مؤتمر، نظر في موضوعات مهمة ووصل إلى نتائج مهمة وقرر توصيات مهمة، وماذا تصنع المؤتمرات اكثر من ذلك؟ ومن المؤسف أن تلك الحملة الشخصية التي وجهت إلى الإدارة الثقافية لا تزال تتنفس في بعض الصحف بعد انفضاض المؤتمر، والذي يؤسف له أنها اتخذت المؤتمر نفسه ذريعة إلى أغراضها، مع أن المؤتمر منذ انعقد اصبح مسؤولا عن نفسه وأصبحت إدارة الثقافية (خالية الطرف) وأنا لا أدافع عن هذه الإدارة، فقد نفذت أعمالها فيما سبق ولا أزال بصدد هذا النقد، وإنما أريد التنبيه على أن تل الحملة مفتعلة ومغرضة، وأنها تخلط الحق بالباطل. وقد كان واضحاً أن بعض الذين شاركوا في هذه الحملة يحاولون أن يجسموا اخطأ من لا شيء، وكان ذلك في مناقشات المؤتمر وفي الرحلات وقد شاهدت أحدهم يترك مكانه في السيارة بإحدى الرحلات ويتربع على أرضيتها بجوار المقاعد وينادي مصوري الصحف ليأخذوا المنظر دلالة على أن الإدارة الثقافية لن تعد سيارات كافية لركوب الأعضاء! ورأيت؟ (زعيماً) منهم يقول لمن بجواره. انتظروا حتى أقومفأزعق لهم ويتجه إلى منظمي الرحلة، ليزعق من غير داع إلى الرعيق!

وقد قرأت في بعض الصحف أن معالي الدكتور طه حسين بك اعتذر بدا من التقصير في استقبال الأعضاء الوافدين، وهذا حق. وهو من قبيل التلطف والإحساس بأن ما بذل دون ما يستحق الضيف إظهاراً لمنزلته من نفس المضيف، ولكن العجيب أن يستدل الكاتب بذلك على إخفاق المؤتمر. . وقد فاته أن معالي الرئيس أبدى ارتياحه إلى قرارات المؤتمر واقتناعه بها وعزمه على العمل بها فوراً وهنا الأعضاء بما بذلوا من جهود وما وصلوا إليه بما نتائج. ولعل الكاتب لم يفته ذلك ولكن تلك الحملة المغرضة لا تزال متنفساً على قلمه. .

معرض الزخرفة الأندلسية

صاحب هذا المعرض الذي أجملت الحديث عنه في الأسبوع الماضي، هو السيد يوسف محمود غلام مدير إصلاحية الأحداث والمهندس العملي للفنون العربية الأندلسية ببغداد. تبدأ قصته مع الفن الأندلسي حينما كان يبحث عن نماذج للزخرفة؛ فاهتدى إلى بعض الرسوم الأندلسية في كتب آثار، فاهتم بها وجعل يكون من وحداتها أشكالا زخرفية يحلي بها الجدران، وأنشأ داراً له عنى بتوشيتها بهذه الرسوم حتى جاءت كأنها قطعة من قصور الأندلس، وعندما اضطر إلى بيعها لم يحز بنفسه إلا أن رأى المالك الجديد يعفي على رسومه بالطلاء المعتاد. . .

وأعانته الحكومة العراقية على السفر إلى أسبانيا، ليدرس الفن الأندلسي في موطنه على قصور الخلفاء وأثارهم، وقضى هنا عدداً من السنين متنقلاً بين غرناطة واشبيلية وقرطبة وغيرها، يشاهد ويصور ويجمع الصور، ثم عاد إلى بغداد، فأقام بها معرضه. وكان هذا المعرض قائماً هناك عندما زار بغداد الأستاذ سعيد فهيم وكيل الإدارة الثقافية بالجامعة العربية، فعرض على السيد غلام أن ينقل معرض الزخرفة أندلسية إلى مصر حيث ينعقد المؤتمر الثقافي العربي الثاني، على أن تعينه الإدارة الثقافية بخمسة وعشرين جنيهاً لم تكن هي كل ما أغرى السيد غلام بالقدوم إلى مصر، بل وعده الأستاذ سعيد بأنه سيهي له وسائل الظهور التي تتطلبها الأعمال الفنية، وأكد له مساعدة ذوى النفوذ.

وجاء السيد غلام بمعرضه إلى مصر وانفق عليه وعلى نفسه وولده المرافق له ما انفق. ووضع المعرض أو سجن في سرداب بكلية الآداب تحت المؤتمر الثقافي. ولم يهبط إليه إلا القليل، وشغلت عنه الإدارة الثقافية، ولم يهتم به ذوو النفوذ ويقول السيد غلام: ماذا أقول إذا رجعت الآن إلى بغداد؟ أقول أن الشباب المصري لم يشجعني والفنانين المصرين لم يتلفتوا إلى؟ ولكن أين الفنانون المصريون، ومن يدر بهم به؟

ولندع هذه القصة فقد مضى أسبوع منذ قدومنا من الإسكندرية ولا ندري ماذا جرى بعد ولنقصد إلى المعرض ذاته هو يحتوي على250 قطعة وهي جميعاً أما من صنعه وتصويره وحده أو مما حصل عليه بالشراء من إسبانيا وهي تشتمل أشكالا زخرفية رسمها طبقاً لأحجامها في أصولها ونماذج من الخشب تمثل أبواب القصور الأندلسية ونماذج من الجبس بألوان وزخرفة أندلسية تمثل مدافئ عربية والكثرة الغالبة في المعرض تصاوير القصور وأجزائها من جوانب وزوايا مختلفة وقد عنى عناية خاصة بقصر الحمراء أهم الآثار العربية الباقية في الأندلس، في المعرض صور رائعة لأجزاء هذا القصر منها ساحة الأسود وفيها اثنا عشر أسدا فوقها حوض كبير يرتكز على مؤخرات الأسود ويعلوه حوض أصغر منه ونافورة ويخرج الماء في هذه الساحة من 37 منبعاً من بينها أفواه الأسود وقد نقش حول الحوض أبيات منها

تشابه جار للعيون بجامد ... فلم ندر أيا منها كان جارياً

ألم تر أن الماء يجري بصفحها ... ولكنه سدت عليه المجاريا

كمثل محب فاض بالدمع جفنه ... وغيض ذاك الدمع إذ خاف واشيا

وهناك صور جميلة للبركة (ساحة الريحان) التي في الحمراء، وهناك أيضاً قاعة السفراء، ومما نقش في أحد مداخلها:

فأمنت حتى الغصن من نفحة الصبا ... وأرهبت حتى النجم في كبد السما

فإن رعشت زهر النجوم فخيفة ... وان مال غصن ألبان يشكرك دائماً

وهناك صورة برجين بين قصر الحمراء وجنة العريف (قصر الملك الصيفي) أحدهما سجنت فيه الملكة ايزابيلا التي أسرها آخر ملوك بني الأحمر، وفي البرج الثاني أطفالها الثلاثة (ثايدة وثريداً وثرويداً (وهذه الأسماء يرويها الإدلاء وليست مذكورة في التاريخ.

وفي المعرض صور لقصر بني عباد باشبيلية وبه ساحة الجواري وساحة الدمى، وفيه أيضاً صور لجامع قرطبة الذي يحتوي على 1200 عمود، وخرائط تخطيطية للمسجد الجامع بقرطبة في زمن العرب وفي الوقت الحاضر.

وفي المعرض قطع من القاشاني الذي تصنعه إسبانيا طبق الأصل لإصلاح ما تهدم من تلك القصور.

وبعد فإنها لمهزلة كبيرة أن يجئ إلى مصر معرض كهذا دون أن تصله الأسباب بأهل الفن ودارسي الآثار العربية في البلاد المصرية فضلاً عن جمهور المشاهدين.

عباس خضر