الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 863/شركات الذهب الأسود في الشرق الأوسط

مجلة الرسالة/العدد 863/شركات الذهب الأسود في الشرق الأوسط

مجلة الرسالة - العدد 863
شركات الذهب الأسود في الشرق الأوسط
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 16 - 01 - 1950


للأستاذ فؤاد طرزى

عندما أعلن في شهر ديسمبر من عام 1906 أن شركتي نفط (ستاندر) (وسكوني فاكوم) وهما من الشركات المساهمة في شركة النفط العراقية تنويان المساهمة في شركة النفط العربية في المملكة العربية السعودية بعد أن عقدنا صفقة شرائية مع شركة النفط البريطانية الأردنية، استرعت مسألة أسلوب الإشراف والسيطرة على جميع نفط الشرق الأوسط انتباه الجمهور، إذ أن هذا الأسلوب الذي كان ينظر إليه غالباً على ضوء قوة سياسات النفط صار يقوم بصورة مباشرة على ضوء اعتبارات اقتصادية تتصل بالإنتاج والتوزيع.

ولذلك يبدو لنا أنه من الضروري لتقدير مجرى التطورات المستقبلية كتلك التي سبق الإعلان عنها أن نفهم أولاً كيف تمت السيطرة على نفط الشرق الأوسط ومن هي تلك الدول المشتركة في السيطرة؟ ثم نعرف ثانياً نوعية الضغط الاقتصادي الذي يدفع إلى إجراء تحول أساسي في طريقة السيطرة على إنتاج النفط وتوزيعه.

كإنتاج الشرق الأوسط جميعه من النفط حتى تاريخ منح المملكة العربية السعودية امتياز استخراج النفط في أراضيها إلى شركة النفط الأميركية العربية (ارامكو) عام 1923 خاضعاً لأشراف الجامعة المعروفة بشركة النفط العراقية، ولا تزال هذه الجماعة تقوم بهذا الأشراف سواء أكان ذلك مباشرة أم عن طريق الفروع، أو بمقاولات امتياز متنوعة، ويشمل الإشراف هذا العراق وسورية وفلسطين وشرق الأردن وسواحل الإمارات العربية ابتداء من الخليج الفارسي، ثم حول رأس شبة الجزيرة الجنوبي التي تدخل عدن ضمنها. وهي مقسمة إلى أربعة أقسام متساوية تتقاسمها شركة النفط البريطانية الإيرانية المحدودة وشركة (شل) الهولندية الملكية، وشركة النفط الفرنسية وشركة نفط الشرق الأردني وهي فرع تملكه بالتساوي شركة ستاندرد في نيوجرسي، وشركة سكوني فاكوم. ولكل منهم حصة تعادل 75 و23 بالمائة، ويملك الخمسة في المائة الباقية المسترسي. اس. كالبنكيان عن طريق شركة خاصة تدعى شركة المساهمة والاستثمار المحدودة. وقد منحت حصة المستر كالبنكيان تقديراً لخدماته في مفاوضات الحصولي على امتياز شركة لنفط التركية الأصلية التي كانت تدير الامتياز سابقاً قبل أن تحصل عليه شركة النفط العراقية. وشركة النفط - البريطانية - الإيرانية منظمة مشتركة تشرف على الأملاك والمالح التي كانت تملكها شركات (دراسي) قبل الحرب العالمية الأولى. وتمتلك الحكومة البريطانية 52. 5 بالمائة من جميع ممتلكات الشركة، ولها حق تعيين مديرين عامين اثنين للشركة يتمتعان بسلطة اعتراض مطلقة على قرارات الأربعة عشر مديراً المنتخبين من قبل أصحاب الأسهم الباقين. ولا يتم اللجوء إلى هذه السلطة في الأعمال المتعلقة بإشعال الشركة التجارية، ولكنها تستخدم فقط في المسائل المتعلقة بالسياسة العليا وبالعلاقات السياسية. وعلة كل فمن المفروض عملياً أن شركة النفط البريطانية الإيرانية تعمل وفق رغبات الحكومة البريطانية بشكل لا يتعارض والعلاقات القائمة بين شركات النفط الأميركية وحكومة الولايات المتحدة الأميركية.

وتجرى معظم عمليات إنتاج شركة النفط البريطانية - الإيرانية، ما عدا بعض النشاط الوطني الأولي في المملكة المتحدة نفسها. وتمتد هذه العمليات امتداداً محدوداً في الشرق الأوسط أي في إيران والكويت ومناطق شركة النفط العراقية. . . وإن أسواقها تغطي نصف الكرة الشرقي، ولذلك فإنها معدودة في مصاف شركة ستاندرد في نيوجرسي وشركة سكوني فاكوم، وتعتبر من بين الشركات الكبرى التي تبيع النفط في أسواق العالم.

وشركة (شل) الهولندية الملكية هي نوع من أنواع الاندماج بين المصالح البريطانية والهولندية من الوجهة العالمية، إلا أنها تعتبر نفسها شركة بريطانية تخدر الأغراض الدبلوماسية والاتجاهات السياسية. وهي كشركة ستنادرد في نيوجرسي تدير صناعة النفط في قسم واسع من العالم وتسيطر بالإضافة إلى مصالحها في شركة النفط العراقية على مجموع الإنتاج في الهند الشرقية الهولندية وتأتي في المرتبة الثانية بين منتجي النفط في فنزويلا بأمريكا الجنوبية كما أن لها فرعاً يتمثل في شركة أميركية تعد من أعظم شركات النفط في الولايات المتحدة. وشركة (شل) تفوق، من حيث الأهمية، وكلاء النفط في رومانيا، وهي تملك أيضاً مراكز إنتاج لها أهميتها في أماكن أخرى في أوربة وأميركية الجنوبية؛ وإن مدى نشاطها في أسواق العالم واسع جداً، فهي كشركة ستاندرد في نيوجرسي تسيطر على معظم صناعة النفط الفنية الحديثة.

أما شركة النفط الفرنسية فإنها تستخدم كأداة للسياسة الوطنية الفرنسية، مع أن الحكومة الفرنسية لا تملك سولا 35 % فقط من أسهمها، أما الأسهم الباقية فيمتلكها المستثمرون الفرنسيون وموزعو النفط الفرنسي، كما أن بعض شركات النفط الأجنبية التي تعمل في الأراضي الفرنسية تملك جزءاً من الاسهم، وتشبه علاقة هذه الشركة بالحكومة الفرنسية إلى درجة ما علاقة شركة النفط البريطانية - الإيرانية بالحكومة البريطانية إلا أن عملياتها أقل اتساعا لأنه لم يكن لها إنتاج حتى إلى وقت قريب ما خلاصتها في شركة النفط العراقية وبعض إنتاج لايؤبه به في فرنسة. وقد حصلت مؤخراً على بعض الحصص في فنزويلا الشرقية، وهي حصص يؤمل أن تصبح فيما بعد موارد فينا من موارد الإنتاج يضاهي ما تأخذه من شركة النفط العراقية.

وفيما يتعلق بشركتي ستاندرد في نيوجرسي وسكوني فاكوم فهما شركتان متنافستان داخل حدود الأراضي الأميركية، ولكنهما شركتان متعاونتان في المناطق البعيدة. وهاتان الشركتان من أوسع المؤسسات النفطية المعروفة، فلهما علاوة على مصالحهما المشتركة في شركة النفط العراقية، ومساهمتها المشتركة في شركة النفط العربية الاميركية، وملكيتهما لاتفاقية شراء النفط الخام من الشركة الإيرانية، منظمة تعرف بسكوتي فاكوم، تدير جميع عملياتها في شرق السويس إدارة مشتركة. وتقوم الشركتان بأعمال الإنتاج والتصفية والبيع أما جهودهما في نصف الكرة الغربي فغير متحدة بل هي على الأغلب جهود متنافسة. وتنشط المنافسة بينهما في أوروبا وأفريقيا الغربية والشمالية وقد تنعدم في أحايين أخرى.

وإن شركة ستناندرد دائماً هي الشريك الغالب، إذ أن عظمة عملياتها تتجاوز الخيال. ففي فنزويلا وحدها تنتج من النفط ما لا يقل عن ثمانية أضعاف ما ينتجه اليوم جميع المنتجين في رومانية ومع ذلك فمنتجة النفط العالمية الجبارة هذه لا تزال طفلة تحبو في الشرق الأوسط، لأن كل نشاطها محصور في حصة أقل من الثمن متمثلة في مساهمتها في شركة النفط العراقية ومحدودة بعشرة آلاف برميل يوميا من الإنتاج. وهذه الحصة تكون أقل من 5. 1 بالمائة من مجموع الإنتاج في الشرق الأوسط ومن مجموع إنتاج شركة نيوجرسي في العالم.

والشركات المذكورة داخلة في شركة النفط العراقية وذلك بموجب اتفاقية داخلية عقدت في 31 يوليه سنة 1928 وهي الاتفاقية المعروفة باتفاقية الخط الأحمر. وهذه الوثيقة تعد بمثابة تعهد يوضح حقوق ومسؤوليات الشركاء الموقعين عليها من الناحية القانونية سواء بين بعضهم البعض أو بينهم وبين الشركة التي تضمهم. وإن نصوص هذه الاتفاقية التي لا يعرف عنها إلا القليل، تنص على مساهمة في النفط تبلغ ضعف المساهمة في الربح، وتضع قاعدة مؤداها أن الشريك غير القادر على استخراج حصته من النفط يخسرها دون عوض مقابل استخدام رأس المال خلال المدة التي لا يدر فيها ربحا. وتنص النصوص الصريحة التي تدعى - (الفقرات التقييدية) أو (إنكار السلطة الذاتية) والتي سحبت بموجبها الاتفاقية المعروفة - (اتفاقية الخلط الأحمر) على أن شركة النفط العراقية هي الوكيل الوحيد للشركات المؤسسة على أن لا تعمل بموجب ذلك على انفراد، بل أنها تنوب عن الجماعة في المسائل المتعلقة بالحصول على الامتيازات وأجراء عمليات الشراء وبيع النفط والتصفية المحلية. وقد وضعت هذه النصوص الشاملة لمنطقة جرى تحديدها بخط أحمر لتطبق بعد الحرب العالمية الأولى أثر سحق لإمبراطورية العثمانية.

ويتضح من فحص الفقرات التقييدية لاتفاقية الجماعة المتعلقة بمنطقة الخط الأحمر أنها تقع ضمن التقيدات الاستثنائية التي تجاوزتها المحاكم البريطانية، والتي تخلصت أحياناً من رقابة المبدأ القانوني الأميركي. وعلى كل فحينما يلاحظ أن الأطراف الموقعين على الاتفاقية يؤلفون شركات النفط الأربع الكبرى بين الشركات المالية التي تسيطر على أسواق نصف القارة الشرقي وعلى الأسواق الفرنسية العامة، يتضح أن النصوص موضوعة لاجتناب المنافسات.

ويطلب من الموقعين على الاتفاقية الحصول على تجهيزاتهم من المنطقة المحدودة بأسعار التكاليف الحقيقية تاركة فقط ميداناً ضيقاً يتحرك في التوزيع النسبي كمنطقة تصلح للمنافسة في الأسواق.

ويبدو أثر هذا النوع من اتقاء المنافسة في اتفاقية شركة النفط العراقية حين تصبح المنطقة المحدودة مورداً دائماً لتجهيز مناطق الاستهلاك الهامة.

وقد أبلغ الشركاء الأميركيون في شركة النفط العراقية شركاءهم في أواخر سنة 1946 أن من رأي مجلس الإدارة اعتبار اتفاقية الجماعة بأكملها ملغاة، وباطلة وذلك عملاً بنصوص القانون البريطاني، وأنهم وفق القانون الأميركي وحسب السياسة المتبعة ليسوا مستعدين لإعادة تصديق الاتفاقية دون حذف النصوص التقييدية. ومن المعلوم أن الشركاء ماعدا كالبنيان قد اتفقوا على صيغة جديدة تحدد حقوقهم ومسؤولياتهم المقابلة بغير أدراج الفقرات التقييدية: وتنظر هذه القضية الآن في المحاكم البريطانية وينتظر الاعتراف بملكية المصالح في شركة النفط الأميركية - العربية بنتيجة الفصل في هذه القضية، لأن شركة ستاندردوسكوني فاكوم لا تملكان حرية الحصول على حصة في شركة النفط لأميركية - العربية إن كانت الفقرات التقييدية لا تزال نافذة المفعول.

وقد دخلت ثلاث شركات أميركية فردية أخرى - وهي ستاندرد في كاليفورنيا وتكساس وشركة نفط الخليج - في أعمال استثمار نفط الشرق الأوسط عن طريق شركة النفط العراقية، والشركتان الأولى والثانية ممثلتان في شركة النفط الأمريكية، وتملكان بالاشتراك امتياز استثمار النفط في جميع البلاد العربية السعودية باستثناء الأماكن المقدسة والمنطقة الجيولوجية الجدباء في الغرب. وهاتان الشركتان تملكان أيضاً، كشركة البحرين، امتياز استثمار النفط في جميع جزر أرخبيل البحرين في الخليج الفارسي، وأن شركتي (ستاندرد) في (كاليفورنيا) و (تكساس) تعتبران من بين أعظم شركات النفط الخمس في الولايات المتحدة، إذ تمتد عملياتهما في الخارج إلى الهند الشرقية الهولندية وإلى (غينيا الجديدة) التي لها فيها مصالح مركزة مشتركة في إنتاج لا يزال في طريق النمو، كما أنهما تقومان بأعمال البيع والشراء في شرق السويس، وتشاركان في السيطرة على سوق ذات أهمية في أعمال شركة تكساس في أوربة وأفريقية رغم عدم أهميتها بذاتها، وتتعهدان كذلك أعمال الإنتاج والبيع والشراء في أميركه اللاتينية.

وشركة نفط الخليج، وهي الشركة الأميركية الثالثة العاملة في الشرق الأوسط مستقلة عن شركة النفط العراقية، وهي تملك نصف امتياز شركة نفط الكويت. وأما النصف الآخر فتملكه شركة النفط البريطانية - الأردنية التي منحت امتياز استثمار جميع - نفط الكويت. وتعتبر شركة استثمار الخليج، بالإضافة إلى أعمالها في الشرق الأوسط، منتج مهم في فنزويلا، كما أن لها أسواقاً للبيع والشراء في أقسام أوربة المختلفة.

فؤاد طرزمي المحامي