مجلة الرسالة/العدد 863/الأدب والفنّ في أسبوع
→ شركات الذهب الأسود في الشرق الأوسط | مجلة الرسالة - العدد 863 الأدب والفنّ في أسبوع [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 16 - 01 - 1950 |
للأستاذ عباس خضر
حول محاضرة الأستاذ الزيات في مؤتمر المجمع
أطلع قراء (الرسالة) في الأسبوع الماضي المحاضرة النفيسة الممتعة التي ألقاها الأستاذ أحمد حسن الزيات في مؤتمر مجمع فؤاد الأول للغة العربية منذ أسبوعين، وأجمل نتيجتها في اقتراح يشمل أربعة أمور:
1 - فتح باب الوضع على مصراعيه بوسائله المعروفة وهي الارتجال والاشتقاق والتجوز.
2 - رد الاعتبار إلى المولد ليرتفع إلى مستوى الكلمات القديمة
3 - إطلاق القياس في الفصحى ليشمل ما قاسه العرب وما لم يقيسوه، فإن توقف القياس على السماع بطل معناه.
4 - إطلاق السماع من قيود الزمان والمكان ليشمل ما يسمع اليوم من طوائف المجتمع كالحدادين والنجارين والبنائين وغيرهم من كل ذي حرفة.
وقد فتح باب المناقشة في موضوع المحاضرة عقب إلقائها، فأثنى عليها معالي الأستاذ لطفي باشا رئيس المجمع، وكذلك أبدى بعض الأعضاء كالدكتور طه حسين بك والدكتور أحمد أمين بك إعجابهم بها. واقترح معالي السيد محمد رضا الشبيي أن تطبع المحاضرة وتوزع على الأعضاء قبل المناقشة حتى يمكن لكل عضو أن يبدى رأيه في ضوء ما قرأ، لأن طريقة الارتجال لا تؤتي الفائدة المرجوة من البحث والدراسة. وناقش بعض الأعضاء موضوع الاقتراح في المحاضرة مناقشة طالت بعض الوقت ولكنها لم تنته، فقرر المؤتمر أن توزع المحاضرة على الأعضاء وتحدد جلسة لمناقشتها في نهاية الفترة المخصصة لانعقاد المؤتمر.
ومما جاء في المناقشة ملاحظات أبداها الدكتور أحمد أمين بك أجملها في ثلاث فقط: قال في الأولى، إن الأستاذ رأى أن يفتح الباب على مصراعيه، وأنا أرى أن يفتح جزء من مصراع واحد ففتح الباب على مصراعيه معناه الفوضى، وأنا أجيز الحرية ولا أجيز الفوضى. وأنني أرى ألا يطلق الخلق إطلاقا، بل يقصر على من يكون مستوفياً لشروطه.
وقال في الثانية إني أحب أن أضيف إلى مقترح الأستاذ في الخلق مقترحاً آخر في الإعدام، فكما نبيح للأمة العربية أن تخلق ما تحتاج إليه من الألفاظ فينبغي أن نكمل الشطر الثاني من الاقتراح بأن نبيح لها أن تعدم ما لا حاجة بها إليه. النقطة الثالثة أن الأستاذ عرض في أثناء بحثه لمسألة هامة لم يدرجها في مقترحاته الأربعة، وهي مسألة كتابة القرآن، والحق أننا مجرمون أشد الإحرام في المحافظة على رسم القرآن لأننا نفترض أن من يقرأ القرآن يجب أن يكون قد حفظه أولا.
وقد رد الدكتور طه حسين بك على هذه النقط، بأنه يخالف الدكتور أحمد أمين في الحديين الحرية والفوضى، فقد تحسن الفوضى في أمور منها اللغة، فالعرب الأول لم يسيروا على نهج في لغتهم كما ساروا على هذا النهج الذي يسميه الدكتور أحمد أمين بك فوضى ولم يعرفوا مجمعاً لغوياً يحدد حرية الناس في وضع اللغة، وليس عمل المجامع إلا المحافظة على سلامة اللغة بتسجيل ما تراه يصلح اللغة ولا يفسدها ثم ندخل هذه الألفاظ في المعجم.
ورد على النقطة الثانية بقوله: لست أعرف فرداً ولا جماعة تملك سلطة الإعدام في اللغات، وإنما أعرف شيئاً واحداً يملك هذه السلطة وهو الاستعمال، ولست أدري بأي حق يباح لنا أن نلغي من المعاجم العربية كلمات بحجة أنها لا توافقنا ولا تجري بها ألسنتنا في الوقت الذي نضع فيه مجمعاً تاريخياً نسجل فيه جميع الكلمات التي استعملت في عصور العربية المختلفة؛ ومن يدري فقد تحتاج الأجيال التي تأتي بعدنا لبعض الكلمات.
أما مسألة كتابة القرآن فقد قال الدكتور طه أنه يوافق فيها الأستاذين الزيات وأحمد أمين، واقترح أن يعهد إلى فضيلة الشيخ حمروش بدراسة هذه المسألة.
وقد أثار الأستاذ العقاد نقطة أخرى، إذ قال تعقيباً على طلب السنهوري باشا تخصيص جلسة لمناقشة المقترحات الأربعة: كل هذه المقترحات عرضت على المؤتمر في دورات سابقة واتخذت فيها القرارات. فقال السنهوري باشا: يحسن أن تكتب السكرتارية هذه المقترحات وتبحث عما عسى أن يكون قد قرر في شأن كل مقترح منها وتعد في ذلك مذكرة مختصرة تعرض على المؤتمر لبحثها وقد قرر المؤتمر ذلك وشرعت إدارة المجمع في إعداد قرارات المؤتمر السابقة في موضوع المحاضرة.
والواقع أن المقترحات الأربعة لم يتخذ المجمع فيها قرارات على النحو الذي بسطه الأستاذ الزيات وكل ما هنالك أن المؤتمر في العام الماضي استمع إلى محاضرة للدكتور أحمد أمين بك موضوعها (مدرسة القياس في اللغة) قرر بعد مناقشتها الأخذ بمبدأ القياس في اللغة على أن يكون الحق في ذلك لمن توافرت فيه شروط ذكرها المحاضر.
والأستاذ الزيات يرى أن الطوائف المجتمع الحق في أن يسمع ما يضعونه من ألفاظ يشعرون بحاجتهم إليها في شئون الحياة التي يمارسونها، على خلاف الدكتور أحمد أمين الذي لا يجيز الوضع إلا لعلماء اللغة. وأذكر أن المؤتمر توقف في جلسة العام الماضي التي قرر فيها الأخذ بالقياس - توقف في مسألة الارتجال - وهي التي يتضمنها اقتراح الأستاذ الزيات الأول - وخرج منها بإقرار القياس على وجه عام. وفي الملاحظة الأولى التي أبداها الدكتور أحمد أمين على مقترحات الأستاذ الزيات ما يدل على أن هذه المقترحات جديدة في مجموعها بالنسبة لما أقره المجمع من قبل، إذ قال إنها تفتح الباب على مصراعيه وأنا أرى أن يفتح جزء من مصارع واحد.
وأريد أن أقول كلمة أخيرة في موضوع هذه المحاضرة: إنها صرخة الحياة في وجه الجمود اللغوي، فحياتنا العصرية تعج بالأشياء التي لم تعترف العربية بأسمائها، وقد سمينا (الأتومبيل) سيارة ولكن بالسيارة عشرات الأجزاء لم تقر أسماءها اللغة بعد فإلى متى نستمر على حبس هذه الكلمات وأمثالها داخل الأقواس؟ وإلى متى يظل الناس يستعملون الكلام خارج الحدود المعترف بها؟
وإذا كان بين قدماء اللغويين - كما أشار إلى ذلك الأستاذ الشبيبي في تلك المناقشة - من يرى أن جوهر اللغة ليس قي مفرداتها بل في أساليبها وتراكيبها، أفلا يجدر بنا في هذه الحياة العصرية التي امتلأت بالمستحدثات أن نتقبل ما ينطق به الناس من المفردات مع صقله وتهذيبه، وحسبنا المحافظة على سلامة الجمل والتراكيب التي هي جوهر اللغة كما قالوا؟
كشكول الأسبوع
قرر مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة إنشاء معهد فاروق للدراسات الإسلامية في إسبانيا. وقد جاء في المذكرة الإيضاحية التي أعدتها وزارة المعارف، أن الغايات المنشودة من إنشاء هذا المعهد هي إذاعة الثقافة العربية بوجه عام والمصرية على الخصوص بين الإسبانيين، وتعريف المصريين بإسبانيا والكشف عما بها من كنوز عربية لا تزال بعيدة عن أذهان العالم العربي وعقوله.
قررت وزارة المعارف العدول عن النظام المعمول به للحصول على كتب المطالعة الإضافية التي تختار من المؤلفات الأدبية غير المدرسية، بحيث يكون تقرير الكتاب منها لعام واحد مع الاكتفاء بشراء نسخ منه بقدر عدد أكبر فصل في الفرقة التي يقرر لها من كل مدرسة، ويكون استعمال التلاميذ له على طريقة التبادل، ويؤول في آخر السنة الدراسية إلى مكتبة المدرسة.
اقترحت لجنة ترجمة أمهات الكتب العالمية في اليونسكو، تكوين لجنة في بيروت تمثل فيها البلاد العربية والجامعة العربية واليونسكو، لتقوم بترجمة عدد من أمهات الكتب الأجنبية إلى اللغة العربية، كما تقوم بترجمة عدد من الكتب العربية القيمة إلى اللغات العالمية. وسيعرض هذا الاقتراح على الدول العربية وجامعتها لإبداء الرأي فيه.
تقرر أن تشتري وزارة المعارف من دور النشر الأهلية الكميات اللازمة من الكتب المقررة للمدارس الابتدائية، لتوزعها على تلاميذ المدارس الحرة.
أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية نتيجة مباراة التأليف المسرحي التي نظمتها العام الماضي، ففاز بالجائزة الأولى - وهي مائة وخمسون جنيها - الأستاذ محمود غنيم عن رواية (غرام يزيد).
نشرت مجلة الإذاعة المصرية أن محررها تحدث إلى المشرف على قسم المحاضرات بالإذاعة، فقال الثاني: إن الأحاديث التي تذاع تهدف إلى الغايات الكبرى التي تهدف إليها نهضتنا الاجتماعية والفكرية الحاضرة. ولما سأله المحرر عن أهم أحاديث الأسبوع أجاب بأنه حديث عن نشاط هيئة الأم. . . رحم الله هيئة الأمم وهدى إذاعتنا إلى الغايات الكبرى التي تهدف إليها. . .
سافرت الفرقة المصرية في هذا الأسبوع إلى تونس لإحياء موسم تمثيلي لمدة شهر ونصف شهر في شمال أفريقية. وقد تلقت الفرقة قبل سفرها من حكومة تونس رغبتها في أن تقدم مسرحية (الناصر) لعزيز آباطه باشا، فوافقت الفرقة، وسيقوم بدور الناصر الأستاذ حسين رياض الذي تخلف عن السفر.
وافق وزير المعارف على اعتماد عشرة آلاف جنيه لمشروع إنشاء الفرقة النموذجية لخريجي معهد التمثيل.
وافقتْ الحكومة الأمريكية على تخصيص 15 ألف دولار لمصر، تشتري بها ما تريد من الكتب، وذلك وفقا لتوجيه هيئة اليونسكو. وسيكون توزيع الكتب المشتراة عن طريق الإدارة العامة للثقافة بوزارة المعارف، والأولوية في للجامعات والمعاهد العالية ثم الهيئات العلمية.
فلم الأسبوع
هو فلم (بيومي أفندي) الذي يعرض بسينما أستوديو مصر تمثيل يوسف وهبي وأمينة شكيب وفاتن حمامة وسراج منير وإيفون ماضي وفاخر فاخر وغيرهم، وإخراج يوسف وهبي، والقصة والحوار له أيضاً، وهي مقتبسة وممصرة وأصلها رواية (الأب ليبونار) لجان إيكار.
بيومي أفندي مصطفى (يوسف وهبي) ساعاتي يعمل في شبه دكان على أحد المنعطفات بالحمزاوي، وهو رجل طيب مستقيم وماهر في صناعته أمين، يعرفه أحد أصحاب مصانع الساعات بسويسرا وهو يزور مصر - عن طريق صديق مصري. فما يرى براعة الرجل في إصلاح الساعات وحسن ذمته حتى يعينه وكيلا له في مصر. وبذلك ينتقل بيومي أفندي من حال إلى حال ويصبح من تجار الساعات والجواهر الأغنياء، ولكنه لم ينس زبيدة (أمينة شكيب) الخادمة التي كانت تتردد عليه في دكانه القديم، وكان يغازلها ويطلب منها أن تتزوجه، فلم تبطره النعمة ولم يغير الغنى نفسيته، فيتزوج من زبيدة دون أن يعلم أنها كانت على صلة بسيدها شوكت بك وأنها حامل في الشهر الثاني. تضع زبيدة مولوداً ذكراً، فيفرح به بيومي أفندي على أنه ولده الذي حملته أمه سبعة أشهر، ويسمى المولود (نبيل) ثم يرزق الزوجان بعد ذلك بنتا (زينات) ثم يستدعي شوكت بك بيومي أفندي ويفضي إليه بالحقيقة الهائلة وهو مشرف على الموت ويتبرع لابنه نبيل بمائة فدان. يجزع بيومي أفندي لهذا النبأ ويهم بقتل الطفل، ولكن ضميره يقنعه بأنه مخلوق بريء لا ذنب له. فيحتضن الوليد ويوطن نفسه على الكتمان.
يكبر الولدان، أما نبيل (فاخر فاخر) فشاب ماجن عاق وهو يحب ألفت (إيفون ماض) بنت شكري باشا (سراج منير) صديق والده عن طريق شركة الساعات. أما زينات (فاتن حمامة) فهي بنت وديعة تتعلق بأبيها، وتحب الدكتور كمال الذي عالجها من مرضها وهو يحبها ويريد أن يتزوجها، تعارض الأم في هذا الزواج لأن الدكتور كمال يطعن أخوته في نسبه لأبيهم، وترى أن مصاهرته لا تتفق وما أصبح للأسرة من مكانة بين الطبقة الراقية ويؤيدها في ذلك ابنها نبيل وشكري باشا وابنته ألف التي تعلن أنها لا يمكن أن تتزوج من نبيل إذا تزوجت أخته من الشاب المطعون في نسبه. ولكن بيومي أفندي ينظر إلى الموضوع من زاوية أخرى تتفق وما يصطنعه مع نبيل، فكل منهما ضحية خطيئة لا يد له فيها. فيصر على تزويج ابنته له. وتتمادى الزوجة وابنها في معارضتهما وعنادهما وتطاولهما على الرجل الطيب الذي يثور عليهما أخيراً ويجابههما بما كتمه عنهما، ثم تنقاد الزوجة وابنها لبيومي أفندي ويعرفان فضله ومعروفه، وتتزوج زينات من الدكتور كمال.
القصة ذات موضوع إنساني، إذ تهدف إلى الدفاع عن ابن الخطيئة الذي جرى العرف الظالم على الاستخفاف به لأمر بعيد عن إرادته. وفي الفلم عرض وتحليل لشخصية بيومي أفندي الرجل الخير، والصانع المصري الأمين القانع بالحلال، وهنا تبرز ناحية قومية في الفلم إذ يقارن بين بيومي أفندي الساعاتي البارع صاحب الذمة النقية وبين محل (الخواجات) الذي يبيع الساعات ويصلحها بأثمان فادحة ثم لا تلبث أن تتعطل. ويعجبني في ويوسف وهبي اعتزازه بمصريته وإيمانه بالشعب المصري، وقد كان قويا في التمثيل بهذا الفلم، إذ أدى شخصية بيومي أفندي أداء باهر بغض النظر عن الملاحظات التي سيأتي ذكرها. والعيب الأكبر في هذا الرجل أنه يأتي إلا أن يكون مؤلفاً وأنه يعتمد في هذه الأيام على مجهوده في المسرحيات التي أخرجها قديما، سواء في المسرح أو السينما، وهذا الفلم نفسه أصله مسرحية طالما قدمها على المسرح حتى كلت منها خشبته. وهو يعلن باعتباره مديراً للفرقة المصرية - أنه يمد يده إلى الكتاب ويرحب بما يؤلفونه من المسرحيات، ثم يتخيل نفسه هؤلاء الكتاب ويمد يده إلى يده، ويرحب بنفسه!
وأعود بعد هذا لاستطراد إلى فلم (بيومي أفندي) فأقول أنه فلم قيم على رغم ما فيه من فجوات ومآخذ، ولعل قيمته راجعة إلى ظهوره في هذا الموسم الذي تتابعت فيه الأفلام الاستعراضية التهريجية، فهو بالنسبة إليها عمل ينتسب إلى الفن. . .
أول فجوة في الفيلم ناشئة من أن حادثته تستعصي على لتمصير فليس من الواقع الكثير في بيئتنا أن يصارح رجل زوجاً بسابق علاقته بزوجته وأنه أبو الولد الذي يظنه أبنه، ثم يظل الزوج على حسن علاقته بزوجته، واحتضانه للولد وإعزازه رغم استبداد الزوجة به وتطاول الولد عليه. وليس اعتراف الوالد الحقيقي الطريق الوحيد لمحاولة التكفير عن ذنبه، فإنه يمكن أن لا يهب ابنه المائة الفدان على أنها مكافأة لأمه على خدمتها السابقة، أما الاعتراف والهبة على الطريقة التي في الفلم فيها صورة تحمل قبعة عالية. . .
وقد رأيت عجباً في المحكمة الشرعية التي نظرت قضية الطعن في نسب الدكتور كمال فالمفهوم مما يتبع في مثل هذا الموقف من الإجراءات الشرعية والقانونية أنه يطلب الحكم بعد ثبوت النسب ويدافع المطعون في نسبه مدللا على نسبته، ولكنا رأينا الدكتور كمال يدافع عن نفسه بأنه ضحية بريئة لا ذنب له في وجوده! والمحكمة. . . أخذت بوجه نظره فحكمت بالبراءة! ولست أدري من أي شيء هذه البراءة. . .
ومما يؤخذ على تصوير شخصية بيومي أفندي أنه ظل عشرين عاماً. كالحمل الوديع، تأمره زوجته فيطيع، وينهره الولد الذي يتنباه فيفضي، ويرى مع هذا وذاك من النبل وكرم الخلق ألا يصارحهما بالحقيقة، ثم إذا هو ينتفض فجأة فيسحيل إلى إنسان آخر قوي يفرض إرادته. . . فكيف يظل أكثر حياته - على طولها - هادئ الطبع ضعيف الشخصية، ثم ينقلب في آخرها أسداً يزمجر ويبطش؟! يخيل لي أن يوسف وبي أجرى الأمر على هذا النحو كي يهيئ لنفسه مواقف يشبع فيها خطابة وصياحا. وقد ظللت أشاهده في دوره مندمجاً معه بشعوري حتى جاءت مواقف الصياح فأفقت وشعرت بأنني أشاهد يوسف وهبي لا بيومي أفندي. . . فأسقه لضياع التأثير الذي كان يمكن أن يستمر دون حاجة إلى هذه اللازمة التي هي عيب آخر في ممثلنا الكبير. وقد أجاد في الفكاهة والدعابة، فكان ممثلا (كوميديا) ظريفاً، ومن وسائله في ذلك ترديده بعض الأغاني القديمة، ولم يكن في هذا بأس لولا أنه أسرف فيه وأكثر منه إلى حد التكلف، وحتى ترنم ببعضها في موقف حزين مؤثر. وقد بدأ في أول الفلم وآخره على ما يتطلبه الزمن من ملائمة شخصيته للعمر فكان (الماكياج) متقنا، ولكن أمينة شكيب ظلت كما هي لم تغيرها عشرون عاماً! وقد أجادت دور المرأة الشرسة المتسلطة. وكذلك أجادت فاتن حمامة في دورها. أما إيفون ماضي فهي ذات وجه معبر على رغم أنها ظهرت على الشاشة لأول مرة في هذا الفلم. وأما فاخر فلم يكن في دوره على مستواه المعروف في الإجادة، ولعل هذا راجع إلى عدم ملاءمته لدور الفتى الماجن.
عباس خضر