مجلة الرسالة/العدد 86/قصة المكروب
→ ورطة | مجلة الرسالة - العدد 86 قصة المكروب [[مؤلف:|]] |
محاورات أفلاطون ← |
بتاريخ: 25 - 02 - 1935 |
2 - قصة المكروب
كيف كشفه رجاله
ترجمة الدكتور أحمد زكي
وكيل كلية العلوم
لوفن هوك
أول غزاة المكروب
(بائع القماش الهولاندي الساذج الذي ضحك منه أهل بلده فكاتب الجمعية الملكية البريطانية وبها روبرت بويل. وإسحاق نيوتن فاستمعت له وصفقت خمسين عاماً)
إن كثيراً من مكتشفات العلم الأساسية قد تظهر لرائيها اليوم بسيطة بالغة البساطة حتى ليعجب المتأمل في العصر الحاضر من رجال العصور الغابرة كيف أنهم تحسسوا وتلمسوا آلاف السنين عن أشياء كانت منهم قاب قوسين أو أدنى من ذلك قرباً. خذ المكروبات مثلاً. فعامة الشعوب تراها اليوم تتبختر على الشاشة البيضاء، والكثير من ذوي العلم القليل رأوها تسبح وتمرح تحت عدسة المكرسكوب، وطالب الطب البادئ يستطيع أن يري جراثيم كثير من الأمراض - وإذن فما هذه العقبة الكأداء التي قامت دون رؤية المكروب لأول مرة!
أذكر أن (لوفن هوك) عندما ولد لم يكن في الدنيا مكرسكوبات، ولكن عدسات يد صغيرة خشناء لا تكاد تكبر الشيء ضعفين، لو نظر بها هذا الهولاندي ثم نظر لعلاء الشيب ولما يكتشف من الأحياء إلا دود الجبن فما حجماً. وإنما الذي غير وجه الأمر نحت هذا الرجل عدساتٍ جديدة، ومثابرته على ذلك وإلحاحه فيه إلحاح معتوه، ثم شغفه بعد ذلك بنظر كل شيء، والتجهير إلى كل شيء، خص أو عم، علا أو حقُر، شرف أو سفل، دخل في حدود الأدب أو خرج عنها، فنال من ذلك خبرة وكسب مراناً هيأه لاستقبال ذلك اليوم الباغت الفاجيء الخالد، يوم نظر من خلال عدسته، تلك اللعبة الزجاجية فإطارها الذهبي، إلى. . . قطرة ماء! تلك النظرة. . . إلى تلك القطرة. . . . بدأت تاريخاً مجيداً. كان (لوفن هوك) بحاثاً مخبولاً غريب الأطوار، وإلا فما الذي حدا به إلى أن ينظر من بين ألوف الأشياء إلى قطرة ماء نزلت من السماء؟! وما الذي عساه أن يرى فيها! كانت مريم ابنته في التاسعة عشرة من عمرها. وكانت كثيرة الحَدَب على أبيها المأفون ترعاه وتدفع عنه. والويل للجار السافل الغبي الذي يغريه سوء طالعه بالهزء من والدها على مسمع منها وكانت مريم ترقب خُطى أبيها؛ ففي هذا اليوم المعهود رأته يتناول أنبوبة من الزجاج أحماها في لهب حتى صارت حمراء، ثم مطها حتى كانت كالشعرة، ثم كسرها قطعاً صغيرة. ونظرت إليه وهو واسع العينين ذاهل اللب فإذا به يخرج إلى الجنينة فُيكب على إناء كان وضعه هناك ليقيس به مقدار المطر العاطل، ثم يغمس تلك الشعرات الزجاجية فيه، ثم يعود بها إلى مكتبه فيضعها تحت عدسته. ليت شعري ما وراء هذا الأب المأفون العزيز الآن. إنه ينظر في العدسة ويُجهد النظر حتى حًوِلتْ عينه. إنه يتمتم بكلمات تتردد في حلقه ولا تخرج إلى شفتيه. ها هو ذا قد زاد اضطرابه وعلا بغتة صوته، وأخذ يصيح لابنته في اهتياج ظاهر: (تعالي. تعالي أسرعي! أسرعي! أرى أحياء في الماء، أحياء صغيرة. إنها تسبح. إنها تدور وتلعب. إنها أصغر ألف مرة من الحيوانات التي تراها أعيننا المجردة. أنظريها وانظري ماذا اكتشفت)
هذا يوم (لوفن) جاء أخيراً، وهو يوم في الأيام مُعلَم مشهور. ساح الاسكندر ما ساح حتى جاء إلى الهند فاكتشف فيها ما لم تره عين إغريقي من قبله: فيلةً عظاماً ضخاماً تملأ العينَ والقلب، هذه الفيلة كانت عند الهندوس كالخيل عند الإغريق، أشياء مألوفة لا تبعث فيهم دَهَشاً ولا تثير عجباً. وضرب قيصر في الأرض ما ضرب حتى طلع به المطاف على الجزر البريطانية فراعه ما وجد فيها من أقوام بادين مستوحشين، ولكن هؤلاء البريطانيين كانوا فيما بينهم معروفين مألوفين كألفة قيصر جنوده. أما (لوفن هوك) التاجر الصغير فقد سبق العالم فأطل على عالم عجيب لا يبلغه البصر، عالم من مخلوقاتٍ صغيرة عاشت وعاودت العيش، ونمت وعاودت النماء، وتقاتلت وعاودت التقاتل، وماتت وعاودت الموت، وكل ذلك تحت عين الإنسان وسمعه، ومنذ بدأ الزمان، والإنسان لا يسمعها، والإنسان لا يبصرها. مخلوقاتٍ على صغرها أهلكت شعوباً وأذلت أمماً من رجال يكبرونها عشرات الملايين من الأضعاف. مخلوقاتٍ شرٍ على البشر مما خالوا من أفاعٍ تنفث النار وتنشر الفزع والدمار. مخلوقاتٍ قتالة، تقتل في صمت، تقتل الطفل وهو في دفء مهده، وتقتل الملك بين أعوانه وجنده. تلك المخلوقات الخفية الحقيرة العدوة اللدود - والتي قد تسالم أحياناً وتصادق - هي التي نظر إليها (لوفن هوك) أول رجل على ظهر البسيطة
- 3 -
سبق أن حدثتكم عن (لوفن هوك) بأنه رجل كثير الشك كثير الريبة، لذلك لما وقعت عيناه على تلك الحيوانات رآها بالغة الصغر بالغة العجب حتى لا يكاد يؤمن الرائي بها. ومن أجل هذا أعاد النظر ثم أعاده حتى انجمدت يده من مسك المكرسكوب ودَمَعت عيناه من إطالة التحديق، فوجد أن نظرته الأولى لم تكن خُدعةً، فها هي الحيوانات نفسها تعود فتتراءى له، وليست هي من جنس واحد هذه المرة، فها هو جنس ثان أكبر من الأول سريع الحركة رشيق الدوران لأن له بضعة أرجل بالغة في الدقة، وها هو جنس ثالث، ورابع ولكنه صغير جداً فلا يبين شكله، ولكنه حي يدور بسرعة خاطفة فيقطع الأميال في دنياه الصغيرة - في تلك القطرة من الماء
وكان (لوفن) قياساً ماهراً، ولن أنى له بمقياس تُقاس به هذه الحيوانات الصغيرة. جمع لوفن ما بين حاجبيه، وجمع بتجميعه أشتات فكره، واخذ يبحث في زوايا رأسه وفي الأركان المهجورة من ذاكرته بين آلاف الأشياء التي تعلمها وأتقن تعلمها عله يهتدي بها إلى قياس تلك الأحياء، وعدّد ما عدّد، وحسب ما حسب، وخرج من حسابه على أن (الحيوان الأخير الذي رآه أصغر ألف ألف مرة من عين قملة كبيرة). وكان هذا تقديراً صائباً من رجل مدقق محاذر، فنحن نعلم اليوم أن عين القملة التامة النماء لا تزيد حجماً عن عشرة آلاف من تلك الحيوانات
ولكن من أين أتت وكيف سكنت قطرة الماء؟ أجاءت من السماء؟ أم زحفت من الأرض على جدار الإناء حتى بلغت الماء؟ أم قال لها الله كوني فكانت من لا شيء؟
إن (لوفن) يؤمن بالله بمقدار ما آمن به أي هولاندي من أهل القرن السابع عشر، وكان يصفه بأنه خالق هذا الكل العظيم، وكان فوق إيمانه يُعجب به أي أعجاب، وكيف لا يعجب من خالق حاذق عرف كيف يصنع أجنحة النحلة بهذا الجمال المطرب. ولكن (لوفن) كان إلى جانب هذا يعتقد في المادة وفي وساطتها، وهداه وحي نفسه الصادق إلى أن الحياة لا تنتج إلا من حياة، وأن الله لم يخلق هذه الحيوانات في وعاء الماء من لا شيء. . ولكن صبراً. . ولم لا يخلق ما شاء كيف شاء؟ لا سبيل إلى معرفة مأتي هذه الحيوانات إلا التجربة. فقال لوفن لنفسه (فلأجرب)
فغسل كاس خمر غسلاً طيباً وجففه، ورفعه إلى حيث يقطر ماء المطر من سقيفة داره، فلما تجمع فيها بعضه أخذ منه قطرة وسلط عليها عدسته. . . نعم! لا يزال بها قليل من تلك الحيوانات غادياتٍ رائحات. إذن فهي توجد في ماء المطر غب نزوله. ولكن مهلاً، فهذا استنتاج فطير، من أدرانا؟ لعلها كانت على السقف فنزل المطر فاكتسحها في الكأس
فدخل لوفت بيته وخرج بصحن من الصيني داخله أزرق صقيل فغسله ورفعه إلى السماء والمطر يهطل، ورمي بما تجمع فيه من الماء ليتأكد من نظافته، ثم رفعه مرة أخرى، ثم غمس في مائه شعرة من شعراته الزجاجية وبكثير من الحذر حملها بقطرتها إلى مكتبه لينظر فيها. (لقد واتاني الدليل! هذا الماء ليس فيه مخلوق واحد من تلك المخلوقات الصغيرة، فهن لن يأتين من السماء)
ولكنه احتفظ بهذا الماء الساعةَ بعد الساعة، وهو يحدق فيه، واليومَ بعد اليوم وهو يحدق فيه، وفي اليوم الرابع أخذت تلك المخلوقات تتراءى فيه مع ذرات من التراب وخيوط القطن ونسائل التيل
اكتشف (لوفن) هذه الدنيا الجديدة التي لم تخطر على بال أحد، فهل كتب إلى الجمعية الملكية ينبئها خبر هذا الاكتشاف الضخم؟ لا، لم يكن بعدُ أخبرهم، فقد كان رجلاً بطيئاً، وإنما سلط عدساته على كل أصناف الماء، على الماء الذي في مكتبه وهواؤه محبوس، على الماء بالقدر الذي وضعه في الهواء الطلق على سطح بيته، على الماء الذي بقنوات بلدته وهو غير شديد النقاء، وعلى ماء البئر البارد الذي بجنينة داره، وفي كل هذه الأمواه وجد هذه الحيوانات. وراعه صغرها الهائل، فكثير منها لم يبلغ الألفُ منه حجمً الحبة من الرمل، وقارن بعضها بدودة الجبن، تلك الحشرة القذرة الصغيرة، فوقعت منها وقوع النحلة من الفرس
كان لوفن بحاثاً يبحث عن كل شيء وفي كل شيء، ومن غير علم سابق عن تلك الأشياء.
وكان من شأن هذا الضارب في أشتات الأمور أن يعثر في طريقه على كثير مما لم يقصد إليه. وكان هذا حاله مع الفُلفُل. الفلفل حريف لاذع فلماذا؟ سؤال خطر له يوماً فقال لنفسه: (قد يكون هذا بسبب نتوءات في الفلفل حادة تشك اللسان عند الأكل فتلذعه) ولم يكد يستقر هذا الخاطر في رأسه حتى قام يبحث عن هذه النتوءات
بدأ بالفلفل الجاف فطحنه ثم طحنه، وعَطس وعَرق، ولكن لم يبلغ به الطحن الصغرَ الكافي لرؤيته بالعدسة. فخال أن يلينه بالتبليل فنقعه في الماء بضعة أسابيع ثم جاء بإبرة حادة فمزق بها ذرات الفلفل فزادها صغراً، ثم مصها مع قطرة ماء في إحدى شعرياته الزجاجية، وأخذ ينظر فيها، ولم يكد بفعل حتى نسي النتوءات التي كان يبحث عنها، وامتلأت نفسه واغتمر حسه بما وجد من جديد. ففي المواه الأخرى التي رآها كان يرى الحيوانات الصغيرة التي اكتشفها بقدر معتدل يقل حيناً ويزيد حيناً. أما في ماء الفلفل هذا فقد وجد هذه المخلوقات على تنوعها كثيرة العدد كثرة لا تصدق، وهي لا تزال في ازدحامها تهيم وتسبح في رشاقة وجمال
خرج (لوفن هوك) يبحث في الفلفل عن نتوءات، فوقع على طريقة يربى بها حيواناته وينميها ويكثرها
وعندئذ، وعندئذ فقط، شاء أن يكتب إلى لندن يخبرها بالذي كان. وملأ الصفحة بعد الصفحة بخط جميل ولغة بسيطة يشرح ما صنع، ويقول لهم إن حبة القمح تسع مليوناً من هذه الحيوانات، وأن ماء الفلفل يربيها ويكثرها حتى تحوي القطرة منه 2700000 منها. وتُرجم الكتاب إلى الإنجليزية وتلى على الجمعية فترك عاليها سافلاً. هؤلاء العلماء كانوا قد اطرحوا الخرافات، وكفروا بالذي كان في زمانهم من أباطيل وترهات، ثم يأتي هذا الهولاندي يحدثهم عن حيوان تسع قطرة الماء منه بقدر ما تسع هولندا من السكان! تلك خرافة من خرافات الأولين، ولا والله ما خلق اله حياً أصغر من دودة الجبن
على أن نفراً من هؤلاء العلماء لم يضفق بما سمع. فهذا الرجل كان محققاً مدققاً مفرطاً في تحقيقه وتدقيقه. وقد وجدوا صدقه في كل ما كتب لهم عنه. وعلى ذلك جاءه كتاب من لندن يرجونه فيه أن يشرح لهم بالتفصيل الطريقة التي صنع بها مكرسكوبه وأن يصف لهم كيف يستخدمها لرؤية ما يرى وجاءه الكتاب يحمل الشك في ثناياه فغضب. ما كان يُهمه أن يضحك منه حمقى بلدته، ولكن لم يكن يخطر في باله أن ترتاب الجمعية الملكية في قوله. لقد كان يحسب أنهم فلاسفة. أيكتب اليهم بالشرح الذي طلبوا، أم يوليهم من الآن ظهره ويحتفظ بما يعمل لنفسه. وذكر المجهود الذي أنفقه فعز عليه ما احتمل منه، وكأني بك تسمعه يتمتم في نفسه: رحماك اللهم فأنت تعلم كم عملت وعَرِفت، وكم سهرت لكشف تلك الخبايا، وكم احتملت من ضحك الناس وسخرية حماقهم في صناعة مكرسكوباتي وتجويدها واستنباط طرق الرؤية بها. . .
ولكن كما أنه لابد لكل ممثل ممن يسمع وينظر، فكذلك لابد لكل مبتكر من نظارة سماعة. لقد علم (لوفن) أن هؤلاء الشكاكين من أعضاء الجمعية لابد باذلون جهداً لا يقل عن جهده لإنكار دعواه. لقد جرجوه في كرامته، ولكن لابد للمكتشف من نظارة! فكان أن كتب لهم كتاباً طويلاً يؤكد لهم أنه لم يَغلُ فيما وصف، وشرح لهم الحساب الذي عمل، وكتب لهم الحسبة بعد الحسبة من قسمة فضرب فجمع حتى صار كتابه ككراسة صبي في مدرسة وخرج بنتائج قريبة جداً من النتائج التي يخرج بها علماء المكروب اليوم بواسطة ما استجد لهم من عُدة وجهاز. وختم (لوفن) كتابه بقوله إن كثيراً من أهل (دلفت) رأوا تلك الحيوانات الصغيرة العجيبة بعدساته فأكبروها! وأنه يستطيع أن يأتيهم باقرارات شرعية مبصومة مختومة، اثنين منها من رجلين من رجال الله، وواحد من مسجلي العقود، وثمانية أخرى من شهودُ عدول. أما أن يصف لهم كيف صنع مكرسكوباته فهذا ما لا سبيل إليه
كان (لوفن هوك) كثير الريبة في الناس. كان يسمح للناس بنظر الأشياء من عدساته، ويرفعها إلى أعينهم ليحسنوا الرؤية بها دون أن يمسوها، فان هم رفعوا يداً إليها ليتولوا بأنفسهم إحكامها أو لزيادة المتعة بها لم يكبر على (لوفن) أن يطردهم من بيته طرداً. . كان كالطفل بيده تفاحة كبيرة حمراء يعجب بها ويسر برؤية أصحابه لها، ولكنه يصرخ في وجوههم إذا نالوها بأصابعهم خشية أن ينالوها بعد ذلك بأسنانهم
وبناء على هذا وجهت الجمعية وجهها ناحية أخرى، فانتدبت (روبرت هوك) ونهيمياه جرو ليقوما بصناعة أحسن المكرسكوبات المستطاعة، وبتجهيز نقيع مائي من أجود أصناف الفلفل الأسود. وفي الخامس عشر من نوفمبر عام 1677 اجتمعت الجمعية وجاءها (روبرت هوك) يحمل إلى المجتمع مكرسكوبه والنقيع، وفي خطاه سرعة، وفي قلبه لهفة، لأنه وجد أن (أنطوان لوفن هوك) لم يَكْذب، فها هي تسبح وتلعب، تلك الحيوانات التي حدث عنها (لوفن). قام الأعضاء عن مقاعدهم وتزاحموا حول المكرسكوب، وحملقوا فيها، ثم صاحوا: لا يكشف عن مثل هذا إلا رجل من عبقر. وكان هذا يوم فخار كبير (للوفن هوك). ولم يمض غير قليل حتى انتخبت الجمعية هذا القمّاش عضوا بها. وبعثت إليه براءة العضوية في إطار من الفضة وعلى غلافها شارة الجمعية
فأجابهم (لوفن) يشكرهم ويقول: (. . . . . وسأخدمكم بإخلاص إلى الرمق الأخير من حياتي). وهكذا فعل. فانه أخذ يكتب إليهم تلك الكتب التي خلط فيها بين العلم ولغو الحديث حتى مات وسنه تسعون عاماً. وعلى كثرة ما بعث لهم من الكتب لم يبعث إليهم بعدسة واحدة. كل شيء إلا هذه ما دق قلبه بالحياة. وفعلت الجمعية كل ما استطاعت في سبيل ذلك دون جدوى، وأنفذت الدكتور مولينو إليه ليكتب تقريراً عنه فعرض عليه مولينو ثمناً طيباً مغرياً لأحد مكرسكوباته فأبى. (يا رجل! لديك مئات المكرسكوبات قد ترصصت في القمطرات بحوائط مكتبك، أفلا تستغني ولو عن واحدة فقط؟). ولكن هيهات. (هل أستطيع أن أرى السيد رسول الجمعية الملكية شيئاً آخر؟ هذا محار في زجاجة لم يولد بعد. وهذا حيوان غطاس سريع رشيق). ويرفع الهولاندي عدساته إلى عين الإنجليزي ليرى بها، وهو يلحظه بركن عينه خشية أن يمس جهازاً أو ينشل شيئاً، وهو الرسول الأمين الذي لا يشك أحد في ذمته أو يرتاب في أمنته. (مولاي رسول الجمعية!. كم أتمنى لو كان في استطاعتي أن أريك عدسة بعينها هي أحسن عدساتي، وأن أريك كيف تنظر فها، ولكني اختصصت بها نفسي فلا أطلع عليها أحداً حتى ولا أهل بيتي)
(يتبع)
أحمد زكي