مجلة الرسالة/العدد 857/الأدب والفن في أسبوع
→ نهاية شاعر | مجلة الرسالة - العدد 857 الأدب والفن في أسبوع [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 05 - 12 - 1949 |
للأستاذ عباس خضر
ضريبة الكفاية:
تحدث رئيس الوزراء إلى مندوب الأهرام في مسألة شغل المنصب الكبرى الخالية فكان مما أفضى به قوله: إن ملء منصب مدير الجامعة الذي خلا بتعيين الدكتور شوقي بك وزيراً للصحة يقلق بالي. . . إن الكفاياتفي البلاد تبدو قليلة بل نادرة. . . وربما كانت الأنظمة القائمة في الدولة لها نصيب من المسئولية عن هذا الحال، فالمرتبات المقررة للمناصب الرئيسية المماثلة لمنصب مدير الجامعة لا تغري الكفايات بقبول شغلها ولا بالبقاء إلى النهاية فيها.
أثار انتباهي في حديث رفعة الرئيس صراحته في تقصير الدولة نحو ذوي الكفايات من حيث المكافأة المادية التي يستحقونها، وذكرت بذلك أعضاء مجمع محمد فؤاد الأول للغة العربية.
يظن كثير من الناس أن هؤلاء الأعضاء يتناولون مرتبات كبيرة تناسب فخامة هذه العضوية ومكانتهم في عالم الأدب والثقافة ولا شك أنهم يدهشون إذا علموا أن عضو المجمع يأخذ مكافأة شهرية قدرها تسعة جنيهات وقروش. . . يضاف إليها جنيهات يشترط ألا تزود على خمسة إذا عمل العضو في اللجان المختلفة فوق جلسة المجمع العادية، واللجان ومكافآتها تكون في أثناء الدورة فقط. . . ويعامل نفس المعاملة أستاذ الجيل معالي رئيس المجمع!
ومعاملة أعضاء مجمع محمد فؤاد الأول على ذلك النحو لا نظير لها فيما تنطوي عليه من غبن. ولسنا بحاجة إلى ذكر مرتبات أعضاء البرلمان فهي معروفة، ولندع البرلمان وننظر إلى هيئة علمية كجماعة كبار العلماء، فإن أعضاءها يتناول كل منهم ستين جنيهاً في الشهر والدولة لا تقصر في إثابة كبار موظفيها على جلسات اللجان المختلفة فهل ذنب أعضاء المجمع أنهم ذوو حياء. .؟ وهل تنظر الدولة حتى يؤلفوا من بينهم (رابطة) تقدم مطالبهم وتدافع عن حقوقهم؟ إنه يطلب من المجمع أن ينجز كثيراً مما بين يديه من المهام، ولكن لا يبذل للأعضاء الجزاء المادي الذي يوازي هذه المهام فكيف ينتجون بالمجان؟ إن أعضاء مجمع محمد فؤاد الأول اختيروا من ذوي الكفايات في الآداب والعلوم والفنون، ولكي تجنى البلاد ثمرات الكفاية يجب أن تؤدي الدولة ضريبتها.
المرشحون المستقلون ومناهج التعليم:
نشرت جريدة الأهرام أن المرشحين لانتخاب مجلس النواب المستقلين اجتمعوا برياسة الأستاذ عبد الحميد عبد الحق باشا، ورأوا أن يضعوا لهم برنامجاً كبرامج الأحزاب. وعرض عليهم عبد الحميد باشا البرنامج الذي أعده ليكون عهداً على كل مرشح مستقل إذا ما نجح في الانتخاب، فوافق الجميع عليه، والذي يهمنا من هذا البرنامج هو المادة الثانية منه، ونصها: (جعل التعليم في جميع درجاته بالمجان مع تعديل البرامج تعديلاً يكفي لتخريج شبان مسلحين بالمعرفة الضرورية لاقتحام الحياة الحرة) هذا كلام طيب، فقد أصبحت مجانية التعليم من أماني البلاد في الإصلاح الداخلي، ولا ينبغي أن يشتري الكراث والبصل، كما قال الدكتور طه حسين. وحسنأيضاً أن تعدل البرامج التعديل المنشود، ولكن للمادة السابقة من برامج المرشحين المستقلين بقية هي: (وأن يضع هذا البرنامج رجال لأعمال لا موظفو وزارة المعارف)
ومعنى ذلك أن تلغى وزارة المعارف مراقباتها الفنية وتسرح رجالها، لتفسح المجال لرجال الأعمال من مديري المصانع ورؤساء (الورش) وغيرهم، كي يضعوا خطة التعليم، فتنشئ بديوانها (ورشة لتعليم اللغة العربية)،
و (معملاً لاستخراج المواد الاجتماعية) و (شركة تدير العلوم الطبيعية) وهكذا.
ولم لا وقد أخفق موظفو المعارف في وضع البرامج الكفيلة بتخريج شبان مسلحين بالمعرفة. الخ؟
ولماذا ننتظر حتى يفرغوا من تجاربهم وحتى تتطور إلى أحسن منها؟ وعلى ذلك يجب إجلاؤهم عن شؤون التعليم دون مفاوضة.
ولست أدري لم سكت برنامج المرشحين المستقلين عن الناحية الصحية مثلاً. أليست الصحة العامة على غير ما يرام؟ وكلنا يعلم حال المستشفيات وعدم العناية بالمرضى فيها، فلم إذن لا يتولى رجال الأعمال هذه الشئون بدلاً من الأطباء؟!
لا شك في أنهم يقصدون تغليب الناحية العلمية في التعليم والاستئناس بآراء من مارسوا الأعمال الاقتصادية، ولكن ليس معنى هذا أن التعليم كله اقتصاديات وصناعات، وأن يتولى الأمر غير ذويه. ثم أريد أناأيضاً أن أتدخل فيما لست من أهله، فأسأل وما أنا من المشتغلين بالسياسة كيف يكون المستقلون مستقلين وهم يتجمعون هيئة لها لجنة تنفيذية وبرنامج؟ أليس هذا شأن الأحزاب؟ وعلى ذلك نرى حزباً جديداً هو (حزب المستقلين!)
ليلة من ألف ليلة:
يعمل الآن الأستاذ زكي طليمات في إخراج مسرحية (ليلة من ألف ليلة) لتمثلها الفرقة المصرية على مسرح الأوبرا الملكية ابتداء من أول ديسمبر الحالي. وهي مسرحية زجلية يتخللها غناء، فهي من نوع الأوبريت، كتب حوارها الأستاذ بيرم التونسي. ويرجع أصل هذه الرواية إلى رواية (قسمة) الإنجليزية التي ألفها المستر ادوارد كنبلوش ومثلت في لندن سنة 1914. وترجمت بعد ذلك إلى الفرنسية ثم ترجمها عن الفرنسية إلى العربية المرحوم خليل مطران باسم (القضاء والقدر) ومثلتها فرقة عكاشة في مسرح حديقة الأزبكية سنة 1920، وقام بالدور الأول فيها وهو دور (حسن الشحات) المرحوم محمد بهجت ثم أخرجتها الفرقة المصرية بعد ذلك باسم (حسن الشحات) وقام بالدور الأول حسين رياض. أما الرواية الزجلية فقد أجرى لها بيرم التونسي اقتباساً جديداً وكتبها بالزجل وأخرجها عزيز عيد ومثل فيها دور حسن الشحات. وأخيراً تناولها الأستاذ زكي طليمات فأضاف إليها قطعاً غنائية مندمجة في مواقفها وبه حولت إلى (أوبريت) وقد وضع ألحانها أحمد صدقي، وتغني فيها المطربة شهرزاد (في دور حسن الشحات) ويغني كذلك كارم محمود في أحد الأدوار. أما دور (حسن الشحات) فله قصة من مفاجآتها أن أعلن أن يوسف وهبي سيغني فيها. فقد عرض عليه أولاً أن يقوم بدور حسن الشحات ووافق عليه، ولكنه رأى أن الدور يحتاج جهد كبير وخاصة حفظ الزجل، وهو لا يريد أن يتعب نفسه في أدوار جديدة، فحسبه رواياته التي مثلها قديماً والتي لا تكلفه غير الاستذكار اليسير، وهو يقتصر على هذا الاجترار في النهوض بالمسرح المصري في هذا الوقت! وجعل يوسف وهبي يماطل ويتخلف عن حضور التجارب، حتى أدى ذلك إلى أزمة في الفرقة، وقدم زكي طليمات استقالته ثم عدل عنها بعد أن تم الاتفاق على أن يقوم بالدور فؤاد شفيق. وعلى ذلك صار يوسف وهبي لا علاقة له بهذه الرواية إلا أنه المدير العام للفرقة التي ستمثلها، وبهذا الوصف وحده ينشر الإعلانات بأنه يقدم (ليلة من ألف ليلة)! وأرجو أن أتمكن من مشاهدة المسرحية والكتابة عنها في الأسبوع القادم.
فلم الأسبوع:
هو فلم (أوعى المحفظة) الذي عرض أخيراً بسينما الكورسال وهو تأليف وإخراج وتمثيل محمود إسماعيل. . واشترك معه في التمثيل شكوكو وتحية كاريوكا وحسن فائق ولولا صدقي وآخرون. وتقع حوادث الفلم في مكان واحد هو فندق (إيزيس) فبعد أن رأينا سفرت (شكوكو) يبيع دكانه بخمسمائة جنيه، إذ أغراه بذلك عبده الإوّ (محمود إسماعيل) ليشترك معه في مغامرات السرقة والاحتيال، فبعد أن رأينا ذلك سريعاً في إحدى (الحواري) انتقل العمل بالفندق حيث نزل الاثنان وقد اتخذ عبدة الإو اسم صادق بك المواردي من رجال الأعمال، وظل الثاني على اسمه (سفرت) على أن يكون تابعاً له. ويلتقيان بالفندق بفتاة تتظاهر بالغنى والحسب، ثم يتبين أنها زميلة محتالة واسمها شناكل (تحية) وتنضم إليهما في العمل، ويتفق الثلاثة على سرقة ماسة ثمينة من أمير هندي نازل بالفندق، بوساطة شناكل التي اتصلت به. ثم يسيرون في الخطة الموضوعة حتى ينكشف أمرهم، وينكشف الأمير الهندي أيضاً عن زميل لهم محتال، وما الماسة إلا شيء مزيف.
ويريد المؤلف المخرج أن يخرج بالحوادث قليلاً عن الفندق، فماذا يصنع؟ ينصب في البهو مائدة القمار ويظهر عليها فتاة أنيقة (لولا صدقي)، ويستمر المؤلف المخرج في سيره فيجعل الفتاة الأنيقة (بنت الذوات) تتعلق بسفرت (البلدي) الأمي الذي يهجم على المائدة ليلعب بنصف ريال فيسخر منه الجميع ويهم صاحب الفندق بطرده. وللمخرج المؤلف في عقد هذه المحبة حكمة، يريد كما قلت أن يخرج الحوادث من الفندق قليلاً، وهو يشعرأيضاً أن الفلم اقترب من النهاية ولم يسمع المشاهدون غناء ولم يروا رقصاً؛ ولذلك كله عقد تلك الصلة ليخرج شكوكو مع الفتاة في سيارتها حتى يصلا إلى مكان قبيلة من الأعراب حيث ترقص هناك نبوية مصطفى وتغني سعاد مكاوي، ويشاركهما شكوكو.
وقد ظهر صادق بك المواردي يحاول التقرب من الفتاة المتظاهرة بالغنى، وهي كذلك، وانتهت المحاولة إلى المحادثة والمغازلة، وطال ذلك، ثم إذا هما يظهران التعارف الفجائي، فيعرف كل منهما الآخر علة أنه زميل قديم، فعلام كان كل ذلك العناء إذن؟ ولماذا لم يتعارفا من أول الأمر؟
وفي المنظر الأخير قبض على جميع المحتالين وسيقوا إلى السجن ماعدا سفرت مع أنه شارك في حوادث السرقة. . وللمؤلف المخرج في هذا أيضاً حكمة، وهي أن يظهر سفرت في مظهر البطل المحبوب الظافر بحب الفتاة الأنيقة بحيث يكون هذا حسن الختام! ولا شك أن القصة لا تشويق فيها ولا غاية لها، بل إن الفلم يعرض السرقة والقمار عرضاً إن لم يكن محبباً فيهما فهو غير منفر منهما. فلم إذن هي؟ المعتاد في أمثالها أن تحشى بما يسترها من نحو غناء أو رقص، ولكنا هنا لم نر إلا منظراً قصيراً جداً فيه رقصة بدوية تافهة وغناء غير مطرب، على أن هذا المنظر كان بمثابة رقعة في الفلم. ولست بحاجة للإشارة إلى فقر الفلم في المناظر فكل شيء يجري في الفندق حتى مله النظر، وانعدام الجمال حتى في الممثلات، فالفتاة التي قدمت على أنها أنيقة حسناء لا حسن فيها وفمها لا يفضل فم إسماعيل يس. . . وتحية كاريوكا لم ترقص!
والواقع أن الفلم قصد به عرض شكوكو. وشكوكو يكرر حركاته وكلماته المألوفة مثل (وحشة دي!) و (يا خرابي!) وقد أكثر من الكلمة الأخيرة أنها كانت تصلح اسماً للفلم بدل (أوعى المحفظة) إلا يكون المراد التحذير من أن ينفق شيء من المحفظة في مشاهدة الفلم. وليس هناك شيء ظريف غير حسن فائق الذي كان يمثل دور المخبر السري للفندق، وهذا الممثل يكون ظريفاً في الأدوار التي تلائم شخصيته وكان كذلك في هذا الدور، وإن كان الدور نفسه رقعة أخرى في الفلم. ومحمود إسماعيل ممثل قدير في أدوار الشر. ولكنه أحد الذين يأبون أن يقتصروا على ما يحسنون، فيعمدون إلى التأليف والإخراج ليجمعوا الفن من أطرافه!
عباس خضر