مجلة الرسالة/العدد 857/نهاية شاعر
→ من فلسفة الحياة: | مجلة الرسالة - العدد 857 نهاية شاعر [[مؤلف:|]] |
الأدب والفن في أسبوع ← |
بتاريخ: 05 - 12 - 1949 |
للأستاذ إبراهيم الوائلي
سل الشاطئ الوسنان والطير والزهرا ... أحقاً فقدتِ اللحن والعطر والخمرا؟
أحقاً ثوى في نشوة الحلم شاعر ... على النيل كم غنى وكم رتل شعرا؟
أحقاً هوى من ذروة الأيك صادح ... وكانت به الأفنان حالمة سكرى؟
سل الشاطئ الوسنان والموج ضاحك ... تداعبه الأنسام ناعمة المسرى
وليلَ الندامى والكؤوس وكرمة ... معرّشة الأطراف والواحة الخضرا
وعُرساً جلته الفاتنات وزوَّقت ... مواكبه الدنيا فتاهت به كبرا
وشهباً أطلت تسكب النور فوقه ... وتنثر من أكمامها الماس والدرا
وطيراً كأحلام العذارى تلاغطت ... وما اتخذت إلا برفرفة وكرا
وغيداً ثقال الخطو زهواً وفتنة ... ودنيا من الآمال تستقبل البشرى:
أحقاً تثور العاصفات فتنطفي ... شموع ولم تبلغ طلائعها الفجرا؟
فيا لك عرساً مرّ كالطيف مسرعاً ... وغاب عن الآفاق إلا رُؤى الذكرى
طوته أعاصير الخطوب وأصحرت ... به وهو لمّا يمسح الطل والعطرا
سل الشاطئ الوسنان أولاً فخله ... وأحلامه والذكريات وما مرّا
فقد يرجع الملاح نشوان باسماً ... وقد ودع الأمواج والتيه والبحرا
مُنًى. . . يا لها نكباء جنَّ جنونها ... فهبت على النوتي محمومة كدْرا
وأهوت على القلع المهوّم فأنطوي ... من الأفق والمجداف قد شارف العبر
ولم تدر أن الزورق السمح مثقل ... بآمال قلب جازت العدّ والحصرا!
عروس القوافي غام ليلك وامّحت ... مساحب أذيال وريع الهوى ذعرا
وقد أصبح الريحان حولك ذاوياً ... ينوح أخاه الآس والزنبق النضرا
وغاب (عليٌّ) والنشيد وشعلة ... من الفكر في ظلماء قد سميت قبرا
وعاد الخيال العبقري قصيدة ... من الصمت تستوحي المجاهل والقفرا
كأن لم يكن بالأمس ترجيع مطرب ... ونغمة عود يسحر اللب والفكرا
عليٌّ. ودنيا الشعر بعدك راعها ... من الهول أن تستنطق الشوك والصخ دعتك لليل الحائرين ويأسهم ... وللأمل المكلوم والمقلة الحسرى
وللعاشق اللهفان والشوق عارم ... وللقلب يصلي من تباريحه جمرا
وللأرغن النشوان يستشرف الربى ... ويسكب في أفيائها اللحن والسحرا
وللشرق تدعوه لكل جديدة ... وللغرب توليه المجنَّحة الغُرّا
شدوت على النيل الخصيب محلقاً ... ولحت على باريس تصطحب (النسرا)
وطوَّفت في الغرب البعيد فلم تدع ... هنالك سهلاً يستجيب ولا وعرا
ورافقت عيد (الكرنفال) مهموماً ... مع الليل و (الجندول) قد واكب النهرا
وسامرت (لوجانو) تداعب غيدها ... وغنيت (فينسيا) وشُطآنها الخضرا
وناجيت (كومو) والعرائس تلتقي ... عليها تذيع الحب والوصل والهجرا
وودعتها صديان إلا تعلة ... تسرِّي بها نفسك الألم المرا
ترانيم توحي الذكريات نشيدها ... وتمرح كالأنسام عابقة نشرا
فقالوا: أديب هام بالغرب واجتوى ... ربوعاً غذته الروح والدم والنجرا
وأغرته آفاق وغيد ونهزة ... من العمر لم يبرح بها واجداً مغرى!
وما علموا أن الخيال متى سما ... طوى بجناحيه العوالم والدهرا
عليُّ. وهذا الشعر نجوى تبثها ... نفاثات قلب عز أن يجد الصبرا
وجدتك حيناً تبعث اللحن راضياً ... فينساب عن ثغر تبسم وافترَّا
وآونة تزجيه حسران غاضباً ... وتنفث من أحشائك القطع الحمرا
فهل كنت في الأولى من الدهر بالغاً ... مسارب عيش سمحة النبع والمجرى؟
وهل كنت في الأخرى على شرّ مورد ... فأوسعت هذا العالم النظر الشزرا؟
عذرتك إذ تشكو الحياة ضنينة ... وتعرض عنها حين تعرض مزورا
وتنسى من التاريخ أحلام شاعر ... وتدفن في الأوهام عيشك والعمرا
وتستقبل الأيام لا بَرِماً بها ... فإن ضقت تلقاها بما يلهب الصدرا
فما أنت إلا الشاعر الحر قد أبى ... من الدهر ما لا يقنع الشاعر الحرا
علي وما أنسى من العمر ليلة ... صحبتك فيها باسماً كالندى ثغرا
وسامرت فيك الأريحي خلائفاً ... وصافيتني الطبع المهذب والبشرا وودعت إذ ودعتك القلب لم يجد ... على أحد أو يعرف اللؤم والغدرا
فيا لضريح ضم منك عوالما ... ودنيا وآمالاً وما جل أن يُطرى
فقدناك لولا الخالدات ولم تكن ... سوى روحك الخفاق يسترجع الذكرى
إليك رياض النيل والنيل مخصب ... يفيض على الشرق اللآلئ والتبرا
عزاَء القوافي الثاكلات وأنها ... دموع الفرات قد شاطرت مصرا
القاهرة
إبراهيم الوائلي
عودة الملاح التائه
بدنيا الفن ما للحزن شاعا ... وما للشعر ينفطر التياعا
وما لبحوره غاضت وكانت ... تذوب عذوبة وتشفُّ قاعا
وما لليأس يعصف بالقوافي ... وما للوحي يرتجف ارتياعا
كثكلى روِّعت بفراق ابن ... عليها أوقف العمر المُضاعا
وفيّ للأمومة لا يبالي ... أخسراناً جزتهأمانتفاعا
مآتم في مغاني الشعر ويحي ... وأي أسى عرا الوادي وذاعا
سألت فقيل (ملاح الليالي) ... تعجل عمره وطوى الشراعا
وعاد لداره تحنو عليه ... وتمحو الحزن والعلل والوجاعا
إذا عزّ الوفاء فلا دواء ... يجنبنا المكائد والنزاعا
سوى الأرض الحنون فكل عان ... سينعم حين تأويه اضجاعا
لقد عرك الحياة بجانبيها ... ومارسها انحداراً وارتفاعا
يصيبه الاضطهاد ولا يبالي ... ولا يرضى الخنوع أو الخداعا
إذا اعتنق المبادئ لم يخنها ... ليمتلك القصور أو الضياعا
توغل في النفوس فصاغ دراً ... وأبدع في نفائسه ابتداعا
وليس الشعر أوزاناً ولكن ... سمواً في المعاني واختراعا
تسرب في شعاب الوهم عمراً ... وكم من حالم في الوهم ضاعا وويح المرء من عبث الأماني ... إذا تبع المعاني واليراعا
آنسة
ق. ط. ع
مرسى الملاح
زورق حالم أغر ... نوره يخطف البصر
بدر العمر في سفر ... تائهاً ما له من مقر
في عباب بغير حد
أسكر البحر والعراء ... بالأغاني وبالحداء
واحتوى الظل في المساء ... والشعاعات في السماء
بجناحين من خيال
ساحر مشرق الصور ... إن تغنى وإن شعر
يترك الماء حيث مر ... جنة غضة الزهر
لم يطوف بها أحد
ساهم كله رجاء ... يتبع الموج حيث شاء
لا لغوب ولا عناء ... إن تبدت على الفضاء
بارقات من الجمال
ما شجى ربة البحَر ... في الزمان الذي غبر
مثله حينما عبر ... مائجاً هائج الذكر
يقذف الأفق بالزبد
طاف بالقطب ثم جاء ... في زماع بلا انتهاء
وقدة الفيظ والشتاء ... حول مجدافه دعاء
يجنح النجم حيث مال
كان لا يرهب الخطر ... أو يبالي بما بدر
عندما تسبح الفكر ... عندما يرقص الوتر كل أيامه بدد
أذعن اليوم للعناء ... واهتدى ركبة وفاء
عجباً أنه مراء ... قاهر البحر والفناء
يسلم الأمر للكلال
آه من صولة القدر ... آه من حسرة البشر
النبي الذي ظهر ... فجر آياته الكبر
لم يمتع بما وجد
آه من خيبة الرجاء ... كل آمالنا هباء
مزهر خالد الغناء ... دون أحلامه الوضاء
ترتمي قبضة الزوال
أين يا ربة البحَر ... أين ملاحك الأغر
أين من سحره بهر ... أين أمسى وأين قر
بات في شاطئ الأبد
محمد محمد علي السوداني
-