مجلة الرسالة/العدد 815/البريد الأدبي
→ الأدب والفن في أسبوُع | مجلة الرسالة - العدد 815 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 14 - 02 - 1949 |
وفاة الجارم:
توفي الشاعر المغفور له الأستاذ علي الجارم بك يوم الثلاثاء الماضي، وقت شاء القدر أن يموت وهو يستمع إلى قصيدته في رثاء المغفور له محمود فهمي النقراشي باشا، وكان يلقيها ولده الأستاذ بدر الدين الجارم في حفلة تأبين النقراشي باشا بقاعة الجمعية الجغرافية الملكية، وكان يتلوا الأبيات مع ولده بصوت منخفض، وفجأة توقفت شفتاه ومال إلى الجالس بجواره، بينما كانت قصيدته (وداع) تلقى في وداع النقراشي، حمل إلى غرفة مجاورة لقاعة الاحتفال، ثم فاضت روحه.
والفقيد الكبير تخرج في دار العلوم سنة 1908، ثم بعث إلى إنجلترا وعاد منها سنة 1912 أستاذاً في دار العلوم، وكان بعد ذلك مفتشاً في وزارة المعارف، ثم كبيراً لمفتشي اللغة العربية، ثم وكيلاً لدار العلوم، حتى أحيل إلى المعاش سنة 1940. وقد أختير أول بالمجمع اللغوي أول أنشاءه سنة 1934.
وللجارم مؤلفات قيمة معروفة في اللغة والأدب، وكان رحمه الله بقية مدرسة في الشعر تؤثر الجزالة والديباجة العربية المتينة. وكان معدوداً من شعراء العروبة المبرزين، المعبرين عن آلامها وآمالها، وطالما تغنى بمجد العرب، وله في ذلك آيات خالدات.
و (الرسالة) إذ تنعى (الجارم) إنما تنعى علماً من أعلام الأدب والشعر في هذا العصر، وهي تشعر بالحسرة لفقده، وتشاطر المحزونين عليه آلامهم، وتسأل الله له واسع المغفرة والرحمة.
هل الحج يمحص الذنوب؟
قرأت في العدد 811 من الرسالة الزهراء قول الأستاذ الزيات في كلمته (حج غير مبرور) إن المجرم اغتر بقول المتزيدين من جهلة الشيوخ: إن الحج وحده يمحص الذنوب ويمحو الخطايا. وفي العدد 813 تعليق للأستاذ محي الدين حمودة خالف فيه الأستاذ الزيات في وجهة نظره في الموضوع.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضى الله عنه قال سمعت النبي ﷺ يقول: (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه). وقد ورد في شرح هذ الحديث أن من حج من المسلمين ولم يأتِ زوجه ولم يعمل سيئة من شتم وسباب لرفقائه والمكارين رجع كيوم ولدته أمه مشابهاً للطفل يوم الولادة في البراءة من الذنب، وهو يشمل الصغائر والكبار المتعلقة بحقوق العباد، وهذا الأخير هو المسمي بالتبعات خلافاً للترمذي فقد خصه بالمعاصي المتعلقة بحقوق الله سبحانه دون حقوق العباد، ثم الحج بعد ذلك لا يسقط الحقوق أنفسها. بل من كان لا يقيم الصلاة: ولا يؤتى الزكاة. ولا يصوم رمضان. ولا يكاد يتشهد كهذا المسلم الفاجر أو عليه كفارة أو نحو ذلك من حقوق الله أو دين للعباد لا تسقط عنه لأنها حقوق وجبت لله أو العباد لا ذنوب.
والحاصل أن العلماء في هذا الموضوع على رأيين: الرأي الأول، اتفقوا على عدم سقوط نفس الحقوق المطلوبة لله أو للعباد؛ فمن كان عليه حق الله كصوم أو صلاة أو زكاة أو عنق في كفارة، أو حق للعباد كدية أو مال مغصوب فهذه كلها لا يسقطها الحج.
الرأي الثاني. سقوط الذنوب المتعلقة بحقوق الله تعالى كذنب تأخير الصلاة والصوم عن وقتهما.
واختلف العلماء في الذنوب المتعلقة بحقوق العباد كذنب الغصب في الأموال على اختلاف أنواعها، والتعدي بالقتل والضرب فقال بعضهم يسقط ذلك بالحج، وقال آخرون. لا يسقطه إلا استرضاء صاحب الحق أو عفو الله تعالى.
والواقع أن العلماء الذين يقولون إن الحج يمحص الذنوب ويمحو الخطايا طائفة من الحشويين الجامدين الذين لم يعرفوا من الدين إلا اسمه ولا في القرآن إلا رسمه ويعتلون ذؤابة المنابر في الريف المصري منذ قرون وهم في جهلهم يعمهون.
(قنا)
علي حسن محمد بقوق
حول مسابقة المصور للقصة القصيرة:
قرأت في الرسالة الغراء في العدد 812 كلمة للأستاذ أنور المعداوي ينقد فيها بيان مجلة المصور الذي نشره في مسابقة القصة القصيرة التي أزمعت قيامها.
وقد كان الأستاذ على حق حينما عاب على المجلة بعض ما جاء في بيانها كاعتقادها أن عنصر المفاجأة أهم ركن في القصة القصيرة على الإطلاق، وتحديدها عدد كلمات القصة بستمائة كلمة.
غير انه انحرف عن الصواب حينما برهن على صدق نقده بأن عنصر المفاجأة أهم ركن في القصة على الإطلاق بقوله:
(. . . إن القصة التحليلية حين تبلغ غايتها من تشريح العواطف والنزعات لا تكون محتاجة في الغالب إلى المفاجآت).
فقد كان لهذا القول يتفق مع الواقع لو أن مجلة المصور اشترطت أن تكون القصص المتسابقة من النوع التحليلي، فإن عنصر المفاجأة وإن كان غير ضروري في القصة التحليلية إلا أنه ولا شك من أهم الأركان التي تدعم عليها سائر القصص الأخرى.
ويقول الأستاذ المعداوي في كلمته: (إن القصة الطويلة بعد هذا هي وحدها المقياس الفني الكامل لمواهب القصاص وطاقة القصاص، ولا كذلك الأمر في القصة القصيرة).
وفي هذا الكلام نظر. . . فلو كان الأستاذ المعداوي يقصد بكلامه هذا أن قوة القصاص وطاقته الفنية يمكن قياسهما بقصة طويلة واحدة. . . فهذا هو المستحيل.
فإن مواهب القصاص ومقدرته وطاقته الفنية لا يمكن قياسها والحكم عليها بقصة واحدة، طويلة كانت أم قصيرة، كما لا يمكن الحكم على شاعر بقصيدة واحدة، ولا على كاتب بمقالة واحدة ولا على مصور بصورة واحدة. . . ففي قصص القصاص ما هو مرتفع إلى ذروة الكمال، وما هو مسف إلى أغوار الحضيض، كما في شعر الشاعر، ومقالات الكاتب وصور المصور؛ فالحكم الصحيح على الفنان والموازنة الصادقة بينه وبين غيره لا تكون إلا بمجموع ما أنتجه لا بجزء منه.
وأما إذا لم يقصد إمكان الحكم على القصاص بقصة طويلة واحدة فلا داعي أن ترجح كفة القصة الطويلة على كفة القصة لصغيرة في معيار القيم الفنية للقصاص، فكلتاهما سواء ما دام لا يمكن الحكم بهما منفردين.
أما أخذه على مجلة المصور قولها (إن ما يبذله كاتب القصة من جهد لا يقل إن لم يزد على ما بذله كاتب القصة الطويلة) فليس فيه إنصاف، فإن كاتب القصة القصيرة يلاقي دفعة واحدة جميع الصعاب التي كانت متفرقة في القصة الطويلة، فهو يكتب القصة القصيرة بجميع عناصرها الفنية في حيز ضيق محدود مع إكمال كل عنصر وإيفائه حقه في اقتضاب ملموس وحد كبير من حريته، ولا يخفى ما في الاقتضاب والاختصار والحد من الحرية من الضيق الشديد والجهد الكبير الذي يبذله كاتب القصة القصيرة. وقد أرسل سعد زغلول باشا إلى أصحابه رسالة طويلة واعتذر لعدم كتابة رسالة قصيرة بسبب ضيق الوقت!!
فلا ينافى قصر الزمن الذي تكتب فيه القصة القصيرة، وقلة الصفحات التي تكتب عليها بذل الجهود الكثيرة المضنية التي لا تقل - إن لم تزد - على ما يبذل في كتابة القصة الطويلة.
(إسكندرية)
حسن صادق حمدان