مجلة الرسالة/العدد 815/الأدب والفن في أسبوُع
→ تعقيبات | مجلة الرسالة - العدد 815 الأدب والفن في أسبوُع [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 14 - 02 - 1949 |
للأستاذ عباس حضر
براعم التمثيل في الأوبرا:
أقام المعهد العالي لفن التمثيل العربي يوم السبت الماضي حفلة تمثيلية بدار الأوبرا الملكية، لمناسبة توزيع صور جلالة الملك على الطلبة المتفوقين وتسليم إجازة المعهد إلى خريجيه.
وقد أحيا هذه الحفلة طلبة المعهد بتمثيل مسرحيتي (المنقذة) و (الصعلوك) تأليف الأستاذ محمود تيمور بك وإخراج الأستاذ زكي طليمات عميد المعهد.
أما (المنقذة) فهي مسرحية تقع حوادثها بمصر في عهد المماليك الجراكسة، وتظهر مناظرها على المسرح في قصر الأمير (برسباى) الذي يشتمل على الأميرة (فريهان) وقد أنقذها الأمير، وكان مملوكاً لأبيها من (داود بك) الذي اغتال أباها. وتدل الحوادث التي يتردد صداها على المسرح، على أن القتال يدور بين (برسباى) وبين (داود بك) للمنافسة على مشيخة البلد حتى يقتل الأول الثاني ويفوز بالمشيخة. أما خشبة المسرح فتدور عليها معركة أرق وأعنف في آن واحد. . . هي معركة الحب بين (فريهان) وبين (برسباى) أو بعبارة دقيقة بين حب فريهان وكبريائها، فهي تحب برسباى وتهتم به في غيبته ولكنها تتأبى عليه وتظهر له عدم الاكتراث وتنكر عليه أن يطلب مبادلتها الحب لأنه كان مملوكاً لأبيها، ويشقى هو منها بذلك ويضيق به، حتى ينبهه مربيه الشيخ (طويل العمر) على أمر له خطره، فيقول له، أنها تحبك ولكنها تشعر بفضلك عليها وأنها أسيرة هذا الفضل، وأن هذا الشعور يؤذي كبرياءها وترى في مكاشفتك بالحب إذلالالها:
وتلك هي عقدة المسرحية وهي مبنية على الازدواج في نفسية فريهان، إذ يلصق بشعورها الظاهر إن برسباى ليس أهلا لحبها مهما أبدى من الشجاعة والنبل، وينوء عقلها الباطن بعبء ما أسدى إليها من جميل.
ويعمل الشيخ الفطن (طويل العمر) على حل العقدة، فيتظاهر بأنه يدبر مؤامرة مع (قاسم) رئيس حراس القصر لاغتيال برسباي، ويرتب الأمر بحيث تعلم فريهان بالمؤامرة، فتتدخل في وقت تنفيذها، وتنقذ حياة برسباي وتبادله معروفاً بمعروف، ثم تبادله الحب.
وقد أجاد الممثلون من طلبة المعهد وطالباته، وخاصة كمال يس (طويل العمر) وناهد سمير (فريهان) وكان نطقهم للعربية فصيحاً. ولا آخذ عليهم غير بعض التكلف في الشخصيات الفكاهية كشخصية (قاسم) رئيس الحراس)، فإنه وإن كان قد قصد به الإضحاك إلا أنه كان مفرطاً في تكلف حركاته.
وأما (الصعلوك) فهي مسرحية قوامها شخصان (درديرى أفندي) المفلس الطروب الذي يتردد على (وحيدة هانم) فينقل إليها أخبار المجتمع وفضائح الناس، ويتلقى هو منها الإهانة والسخرية بالحمد والشكران. ويخبرها في نهاية حديثه معها بأن في جيبه ألف جنيه ويبرزها لها، ويقول أنه سينفقها في ليلة واحدة. فتتبدل وحيدة هانم إزاء درديرى أفندي امرأة أخرى ناعمة متكسرة مدللة، ويلبى النداء، ولكنه سرعان ما يغير سلوكه معها ويمزق الأوراق المالية ويسخر منها.
والحوار يدلنا على حقيقة شخصية درديري أفندي وفلسفة حياته، فهو ينفق ما يقع في يده من مال دفعة واحدة لينعم باللذة إلى أقصى حد، ثم يعيش في ضنك وبؤس، أو كما يجري على لسانه: يذوق حلو العيش ومره. وهو يرى الحياة قد فرضت عليه الذل والحرمان فهو وإن كان يُضحك من يسخرون منه إلا أنه في أعماقه يمقتهم ويتوق إلى إذلالهم والثأر لنفسه منهم ومن المال لأنه سبب شقائه.
وقد قام كل من ملك الجمل (وحيدة هانم) وعبد الغني قمر (درديري أفندي) بدوره خير قيام.
وهكذا ترى المسرحيتين تقومان على التحليل النفسي، والإبداع في هذا التحليل أنه مصوغ في قالب سهل صياغة فنية ممتعة، فالأداء الفني يدنو بالموضوع الرفيع من العقول كما يخاطب به القلوب، ولست أفهم الفن المسرحي إلا أن يكون المسرح (بهلوانية) وهراء.
أما طلبة معهد التمثيل وطالباته، الذين قاموا بتمثيل تينك المسرحيتين، فقد بعثوا في قلوي عشاق المسرح الطمأنينة على مستقبل الفن الجميل في مصر. وما أجدر خريجي هذا المعهد أن يأخذوا أماكنهم اللائقة بهم في الفرقة المصرية، فيملئوا فراغاً كبيراً بها، وحقاً إن الفرقة تضم الآن بعض هؤلاء، ولكن لا تعطي لهم إلا الأدوار الثانوية، ويصر الممثلون والممثلات الذين يعملون على المسرح منذ ثلاثين عاماً على أن يمثلوا أدوار الفتيان والفتيات الأوائل. . . أفلا يفسح ذوو الوجوه المتغضنة التي يتعب (الماكياج) في إصلاحها، لهذه الأزهار المتفتحة في الوجوه الجديدة. . .؟ وأظن أنه قد آن الأوان لأن تفكر وزارة المعارف أو وزارة الشؤون الاجتماعية في الانتفاع بخريجي نعهد التمثيل في تأليف فرقة أو فرق جديدة تحقق الأهداف المنشودة من إنشاء المعهد.
الأديبة الشريرة:
نشرت مجلة المسامرات قصة فتاة أديبة ضريرة بائسة، تخلى عنها أهلها، وآواها الاتحاد النسائي في حياة المغفور لها السيدة هدى شعراوي، وكان الدكتور طه حسين بك قد توسم فيها استعداداً أدبياً فألحقها بكلية الآداب، واسم الفتاة (ابتسام حافظ).
والنهاية المحزنة لهذه القصة أن الاتحاد النسائي ألقى بها أخيراً إلى الطريق شريدة لا تعرف لها مأوى ولا عائل!
والفتاة الأديبة ابتسام حافظ تقول الشعر، ومن قولها بعنوان (من وحي الألم):
والناس عباد الدراهم يشهدون له بفعل واجب الإطراء فقد الجميع ضميرهم سحقاً لهم وتجردوا من عفة وحياء شغلوا بحب النفس حتى لم يعد يعنيهم إلا رضا الأهواء
ولستُ أدري ماذا أقول، وهل غادر (المنفلوطي) من تردم؟ ولكني أقول: إن في مجتمعاتنا فتيات يغزون القلوب، ويغدق عليهن، فهل في القلوب مكان من نوع آخر لهذه الأديبة البائسة؟!
القياس في اللغة:
قال لي صديق في المجمع اللغوي: أنك تهجم على المجمع. وهو يعنى ما أناقش به منهج العمل في مجمع اللغة وما أعقب به على بعض آراء الأعضاء، وهو يعني أيضاً شيئاً من العتاب لأنه يعلم أني من ألصق الناس بالمجمع لسابق عملي به وكثرة أصدقائي وإخواني فيه، أعضاء وموظفين فلا ينبغي أن أقف منه موقف المعارضة في بعض المواطن.
فهل هو على حق في ذلك؟ لقد شكا بعض الأعضاء من عزلة المجمع وعدم شعور الناس به كما ذكرت في الأسبوع الماضي، وأنا أذيع على الناس عمل المجمع وأعرض آراء أعضائه في مسائل اللغة والأدب والمجمع يدعو إلى إبداء الرأي فيما يبحثه، وأنا أبدي ما يعني لي إزاء ما أعرضه من الأعمال والآراء.
فهل أنا في ذا يالهمذان ظالم؟
ولعلي في هذا الأسبوع أسجل عملاً مشرقاً من أعمال المجمع، وهو ما يتعلق بقرار المؤتمر الأخذ بالقياس في اللغة وجواز الاجتهاد فيها، وقد أتخذ هذا القرار، كما ذكرت في الأسبوع الماضي، بعد محاضرة للدكتور أحمد أمين بك ومناقشة فيها؛ وبعد هذا الموضوع أهم ما أثير في دورة المؤتمر لهذا العام، وأقرب الأشياء إلى الناحية العملية في مهمة المجمع بل هو الشيء العملي الوحيد الذي انتهى فيه المؤتمر إلى نتيجة موفقة، بفضل هذا البحث أو المشروع القيم الذي ألقاه الدكتور أحمد أمين بك في إحدى الجلسات.
عنوان المحاضرة (مدرسة القياس في اللغة) وقد بدأها بقوله: من طبيعة الأشياء أن يكون في كل جماعة مفكرة طائفة من المحافظين وطائفة من الأحرار. ثم قال: إن الاختلاف في اللغة، من حيث المحافظة والتجديد، كان واقعاً حتى بين الأدباء، فمن الشعراء والأدباء من كان يلتزم ما ورد في اللغة ولا يخرج عنه بحال من الأحوال، ومنهم من كان يجيز لنفسه أن يجدد، فيحكمون عن العجاج وابنه رؤية أنهما كانا يصيغان ألفاظا لم يسبقا إليها، ويروى عن بشار أنه كان يقيس ما لم يرد على ما ورد. ثم فصل وقوف اللغويين عند ما ورد، وأخذ النحويين والصرفيين بالقياس وبراعتهم فيه، وقال إنه كان بجانب كثرة المتقيدين بالسماع من علماء اللغة، قلة من القياسيين أو بعبارة أخرى مدرسة القياس في اللغة ومن أعلام هذه المدرسة أبو علي الفارسي وتلميذه ابن جني، وكان أبو علي يقول: ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب، فإذا عربت لفظة أعجمية أجريت عليها أحكام الإعراب وعددتها إلى حد لم نصل إليه إلى اليوم فكان من رأيه أن الألف اللينة في الكلمة الثلاثية تكتب ألفاً مطلقاً سواء كان أصلها واواً أو ياء.
وبعد أن فرغ الدكتور من الناحية التاريخية في المحاضرة وصل إلى ما أسميه (مشروعاً عملياً) فبين ما يمكن أن يستفاد من القول بالقياس في اللغة - فيما يلي:
1 - كثيراً ما تذكر المصادر في كتب اللغة ولا تذكر أفعالها أو العكس، أو لا يذكر باب الفعل، وبالقياس يمكننا تكميل هذا النقص.
2 - إذا وجدنا وزناً معيناً مستعملاً في الدلالة على شيء خاص أمكننا أن نقيس عليه ما لم يرد، وذلك مثل (فعال) كنجار للدلالة على محترف الحرفة.
3 - الاعتراف بالدخيل وعده عربياً وإدخاله في معاجمنا ما دام يجري على الصيغ العربية ويسير على نمط العرب في وضعهم أو اشتقاقهم.
4 - نجد العرب أحياناً يلحظون في الشيء معنى من المعاني فيسمونه باسم مشتق من الكلمة التي تدل عليه، فلماذا لا نستعمل هذا الباب في المصطلحات العلمية وألفاظ الحضارة التي نقف أمامها حائرين؟
5 - كان للعرب ذوق مرهف في وضع الكلمات بمحاكاة الأصوات، كالخرير لصوت الماء. وأرى أنه لا بأس من مراعاة الأصوات في وضع كلمات جديدة.
ثم قال: الذي يجوز له هذا؟ لقد شرط الفقهاء للمجتهد شروطاً، وكذلك نفعل في المجتهد اللغوي، فلابد أن يكون مثقفاً ثقافة لغوية وأدبية واسعة، ويكون له ذوق أرهف بكثرة القراءة.
وقد ناقش الأعضاء هذه المحاضرة مناقشة مستفيضة، واستعرضوا النتائج الخمس واحدة واحدة. وفي العدد التالي إن شاء بيان ذلك.
عباس خضر