الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 785/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 785/الأدب والفن في أسبوع

بتاريخ: 19 - 07 - 1948


حول الأنشودة الناعمة:

تلقيت من الأستاذ عباس السيد أبو النجا المحامي بدكرنس، كتاباً يدافع فيه عن عبد الوهاب وتلحينه لأنشودة فلسطين، وهو بعد التحية:

(قرأت ما كتبتموه عن اللحن الرائع الذي وضعه موسيقار الشرق عبد الوهاب للأنشودة القوية التي نظمها الأستاذ الشاعر علي محمود طه عن فلسطين. ولست أتفق معكم في رأيكم، فإن القراءة الهادئة للقصيدة وتفهم مراميها ومعانيها فهم أناة وروية، ثم تنغيمها بعد ذلك التفهم من أي إنسان أوتي حظاً من رقة الحس، ودقة الأذن، ورهافة الوجدان لا يمكن أن يأتي إلا على هذا الغرار، وفي هذا القالب الشجي من الإيقاع والتلحين.

فالقصيدة تخاطب كل عربي في أرض العروبة، تحثه على الانتفاض على ظلم اليهود، ونبذ سياسة الصبر، وتجريد الحسام دفاعاً عن الأرض المقدسة، تخاطب القصيدة في كل ذلك خطاباً تريد أن تصل به إلى عقله وقلبه حتى ينفض عن التمسك بالأناة، ومجاراة أمم في سياسة السلام.

فليست القصيدة إذاً خطاباً إلى جيش يخوض المعامع فهي تستزيد حماسته، وتلهب حميته، إنما هي خطاب إلى المسالمين يستنفرهم إلى اطراح السلام، ونداء إلى الوادعين يستنهض هممهم - بعد أن يبين لهم - ويستثير - عن إقناع - عزماتهم إلى دفع الخطر المحدق بهم، دون تلبث أو انتظار.

وبعد: ألستم معي في أن هذا اللحن ليس مائعاً، وإنما هو لحن رائع اقتضاه مبني القصيدة كما استلزمه معناها؟

ثم ألستم معي في أن عبد الوهاب لا ينبغي له أن يأخذ (إجازة) في هذا الظرف العصيب. . . بل إن على الشعراء والناظمين أن يقدموا له من نتاج القرائح ما يقتضي اللحن العاصف والنغم الثائر، والإيقاع المثير، وعندئذ ينطلق صوت عبد الوهاب عاصفاً، ثائراً، مثيراً).

حقاً أن القصيدة تخاطب كل عربي في أرض العروبة، تحثه على نبذ سياسة الصبر وتجريد الحسام إلى آخر ما قال الأستاذ وأضيف إلى ذلك أن القصيدة نفسها قوية في غير جلية ولا ضوضاء، وهي من قبيل ما أدعو إليه من التأليف الذي يؤدي الحماس في هدوء، خالياً من الطنطنة والمبالغات. ولكن هل أدى التلحين والغناء ما في القصيدة من القوة والحماس؟ أو هل هما يسيران معه في هذا السبيل؟ هذه هي المسألة أو القضية التي يريد الأستاذ المحامي أن يكسبها. . وبلح في ذلك بسؤاله إياي أن أكون معه في أن اللحن رائع اقتضاه مبنى القصيدة كما استلزمه معناها. . ويؤسفني ألا أكون معه في ذلك.

وحقاً إن القصيدة خطاب إلى المسالمين لاطراح السلام، ونداء إلى الوادعين لاستنهاض هممهم، واللحن والغناء كذلك خطاب للمسالمين والوادعين. . ولكن ليظلوا ناعمين وادعين. . لحن جميل، وموسيقى حلوة، وغناء رقيق عذب، تتسلل إلى الأذن في طرب يسلم إلى السكون ويبعث إلى وادي الأحلام.

إنه حين يغني:

أخي قم إليها نشق الغمار ... دماً قانياً ولظى مرعدا

يحيل الدم إلى (شربات) ... ويجعل اللظى برداً وسلاماً!

وهو حينما يغني:

فلسطين يفدي حماك الشباب ... وجل الفدائي والمفتدي

يذرو هباء ما فيه من المفاداة وحماية الحمى، ويضيع الشباب مع من ضيع في الأوهام عمره. . .

إن عبد الوهاب فنان عظيم ما في ذلك من شك، ولكن مجال فنه إنما هو العواطف الرقيقة الناعمة، وهو يبدع فيه لأنه يصدر عن طبع أصيل، فيستطيع أن ينقل إحساسه في أنغامه إلى القلوب فيطربها ويأسرها، ويشركها معه في الشدو والترديد أما العواطف الحماسية، فليست في طبعه الفني، وهو إلى الآن لم يأت في هذا الباب بشيء على وفرة إنتاجه في عالم الغناء والموسيقى.

وأنا لا أدعوه إلى مخالفة طبعه بالتلحين الحماسي، لأنه يكون إذن متكلفاً، والتكلف يفسد الفنون. ولو أنه تلقى من نتاج القرائح ما يقتضي اللحن القاصف والنغم الثائر، كما يرى الأستاذ أبو النجا أن يفعل الشعراء والناظمون، لما انطلق عاصفاً ثائراً مثيراً إلا إذا جاوز الفن إلى تهريج.

وإني لأرى أن أم كلثوم أقدر من عبد الوهاب على التعبير الحماسي، ويبدو هذا في غنائها قصيدة (سلوا قلبي) فقد استطاعت أن تجعل الجمهور يغلي ويفور في بعض مواضع هذه القصيدة.

وأذكر أن عبد الوهاب كان يدافع عن نفسه، حين وجه إليه اللوم لعدم المشاركة في الأغاني الحماسية، بأن الشعب يردد أغانيه ذات الطابع العاطفي الرقيق، ولا يسمع من أحد صدى لحنه هو أو غيره من أناشيد. وهذا يؤيد ما قلته، لأنه يصدر في النوع الأول عن طبعه فينتج إنتاجاً حياً، أما الأناشيد المتكلفة فهي تموت على أثر إلقائها. ومن الخطأ المبين ما كان يقال من أن الشعب المصري ميال بطبعه إلى اللهو فهو لا يقبل على إنشاد جدي فهذا هو الشعب كما تراه اليوم يسبق الفنون في حماسه وقوته، وهي تحاول أن تلحق به. .

ويماثل عبد الوهاب في الغناء والموسيقى، أحمد رامي في النظم والتأليف فهو يسجل خفقات القلوب ويتتبع الأطيار على الأشجار ولكنه ظلم نفسه ب (نشيد الشباب) الذي وضعه أخيراً وغنته أم كلثوم، والذي يبدأ هكذا:

نادى المنادي يا شباب ... لبوا الندا=ردوا العدا عن الوطن

ثم يعظ هكذا:

تضامنوا ... الشرق يدعوكم=إلى طرد العدا

تعاونوا ... الله يهديكم=إلى نور الهدى

ثم يختم بإرسال الحكمة هكذا:

من غاش منا فاز بالعيش الرغيد.

ومن يمت مجاهداً مات شهيد.

كلام عادي فاتر، وتهبط الحرارة عن درجة الفتور عندما يأمر بالتعاون ليهدي الله إلى (نور الهدى).

وأم كلثوم هي التي تنطلق قوية مثيرة لو قدم لها المنظوم القوي النابض بالحياة، وهي التي تستطيع أن تدرك تل أبيب ب (وصله) واحدة. . . ولكنها لا تغني إلا ما تلفقه من شعر شوقي، وما يوضع لها خائراً واهناً، وهي تكثر من ترديد أغانيها القديمة، مثل أغنية (فضلت أصالح في روحي) التي غنتها في حفلة بور سعيد التي أقيمت للترفيه عن جنود الجيش، والتي لم تغني فيها شيئاً جديداً مناسباً للحال الحاضرة. ولست أدري إلى متى تظل تلك المصالحة.؟

التمهيد لمؤتمر اليونسكو:

كان المقرر أن تجتمع اللجنة الثقافية بالجامعة العربية، في الإسكندرية يوم 21 أغسطس القادم لوضع خطة مشتركة بين الدول العربية وتوحيد وجهة نظرها في الشئون الثقافية التي ستكون موضع نظر مؤتمر الهيئة الثقافية العالمية (اليونسكو) الذي سينعقد بلبنان في أكتوبر القادم.

وقد حدث أخيراً أن أبدت الحكومية اللبنانية رغبتها في أن تنعقد اللجنة الثقافية بلبنان لتكون على مقربة من مركز المؤتمر. وقد أجابت اللجنة إلى هذه الرغبة فقررت أن يكون اجتماعها هناك.

ومن الموضوعات التي ستنظر فيها اللجنة في هذا الاجتماع، موضوع نشر الأفلام السينمائية التي ترمي إلى تقوية الروح القومية العربية وشعور التضامن والاتحاد بين العرب، ومن ذلك المساعدة على إعداد أفلام في البلاد العربية بقصد تعريف بعضها ببعض، والمساهمة في وضع أفلام ثقافية شعبية ومدرسة في البلاد العربية، وفي ترجمة نطق الأفلام الثقافية الغربية إلى اللغة العربية.

السينما والدعاية:

تفضل حضرة صاحب الجلالة الملك بزيارة ميدان القتال بفلسطين في هذا الأسبوع، وقد سر جلالته بما رأى هناك وما وقف عليه من المعلومات والحقائق التي تتعلق بنظام الجيش وخطته في القتال. وقال جلالته في صدد التعبير عن سرر إنه يود لو كان المصريون جميعاً موجودين ليشاهدوا ما شاهد جلالته.

قلت في نفسي: ليست هذه الأمنية الملكية الكريمة ببعيدة التحقيق. ففي الإمكان أن تنقل السينما هذه المشاهد الرائعة إلى جميع الناس.

وإن مما يؤسف له أنه قد مضى على حرب فلسطين قرابة شهرين تحدثت فيها الصحف وأذاعت الإذاعات عن انتصارات العرب وقصت قصص البطولة العربية فيها، ووصفت أفلام المراسلين المعارك وصفاً رائعاً، ولكن لم يعرض بأحد دور السينما منظر واحد لشيء من ذلك على حين تترامى إلينا من هوليود أنباء تنمي بنشاط الصهيونيين في الدعاية بوساطة الأفلام لقضيتهم الخاسرة. وقد أمرت وزارة الشئون الاجتماعية بمنع عرض الأفلام التي يظهر فيها الممثلان من هوليود يقومان بالدعاية الصهيونية.

فهل يكفي أن نمنع أفلام الدعاية اليهودية من العرض في مصر؟ وماذا فعلنا نحن في هذا السبيل؟ ماذا فعلنا لنقل مشاهد المجد العربي على الشاشة البيضاء؟ وأين السينمائيون المصريون؟ أما شبعوا من عرض المباذل والخيانات الزوجية. وإذا كانت وسائلهم قاصرة فأين وزارة الشئون الاجتماعية التي تحرص على الإشراف على الشئون الفنية؟

إن هذا الموضوع لجدير بنظر اللجنة الثقافية بجامعة الدول الغربية، لأنه يحقق الأهداف التي ترمي إليها من نشر الأفلام السينمائية بالبلاد العربية، بل يجب أن يبدأ به ويوجه إليه كل الاهتمام، فينفق في إنجازه كل المال المعد لنشر الأفلام السينمائية المتقدمة.

مصر تطل على العالم

تناول الأستاذ محمد رفعت في حديثه (مصر تطل على العالم) بالمذياع يوم الأحد الماضي موقف مجلس الأمن من قضية فلسطين، فقال إن هذا المجلس الذي يرغي ويزبد الآن لأن الأمم العربيةلم تقبل مد الهدنة، هو الذي يغضي عن تصرفات الأمم الكبيرة المخالفة لميثاق هيئة الأمم المتحدة، في حين أن الدول العربية لم تخرج عن هذا الميثاق لأنها تدافع عن كيانها وتعمل لاستتباب الأمن في جزء منها طبقاً للمادة الثانية والخمسين من الميثاق.

وقال الأستاذ إن الأمم الكبيرة شكلت هيئة الأمم المتحدة لتنهي آثار الحرب وتحل المشكلات العالمية، ولكنها إلى الآن لم تستطع أن تعقد الصلح مع ألمانيا والنمسا واليابان بل لم تستطع أن تحل المستعمرات الإيطالية، ومع أن هذا لا يحتاج إلى مفاوضات مع الأعداء بل يفرض عليهم فرضاً، وذلك للخلافات بين الأمم الكبيرة الناشئ عن مطامعها الاستعمارية. وفي الوقت الذي تعجز فيه الهيئة ومجلس أمنها عن كل ذلك، تريد أن تجعل من هذا المجلس أداة تخويف وإنذار للدول الصغيرة والمتوسطة، فنرى لأعضاء فيه من أولياء الصهيونية يهددون العرب بالقوة ويلوحون بالعقوبات، ولكن هذا المجلس المهيض الجناحين لن يستطيع الطيران وإذا هو حاول فسيسقط سقطة لا قيام له منها، لأن العرب أصروا على تخليص فلسطين من الصهيونية مهما كلفهم ذلك.

مواكب رمضان:

أذاعت الإذاعة المصرية في أول يوم من شهر رمضان برنامج (مواكب رمضان) من تأليف الأستاذ طاهر أبو فاشا وإخراج الأستاذ محمد محمود شعبان، ومعظم هذا البرنامج أغنيات رمضانية تمثل ألواناً من أغاني الشعب في رمضان، يتخلل هذه الأغنيات حوار قليل يقصد منه الانتقال من جو أغنية إلى أخرى، ولكنه جاء مع ذلك مسبوكا محبوكا.

ولدى الإذاعة برامج خاصة كثيرة، نفضت عنها الغبار، وشرعت تقدمها في فترات مختلفة إلى جانب هذا البرنامج الجديد، فبدا الفرق واضحاً بينه وبينها، فأغنيات (مواكب رمضان) تمتاز بالجمال الفني وتقوم على المعاني الرفيعة، لأن المؤلف لم يعمد إلى الأذكار و (وحوي) وغير ذلك لينقله كما هو بل هو يضفي من نفسه على الصور الشعبية ما يرضي الذوق الخاص إلى الإمتاع العام، فبدل أن تسمع في أحد تلك البرامج (حنن علينا يا كريم حنن علينا) تسمع في مواكب رمضان (هل الهلال وبان) وقد برع الملحن في هذه الأغنية وأداها (الكورس) أحسن أداء.

من طرف المجالس:

كان من شجون الحديث في هذه الجلسة، كتابات بعض كبار الكتاب في هذه الأيام، من حيث إسفافهم وعدم عنايتهم بالتجويد كسابق عهدهم، فحكى الأستاذ كامل كيلاني الطرفة الرمزية الآتية:

كان أحد العمد بالقاهرة، فذهب إلى دكان للحلاقة، ولم يعبأ الحلاق به لمظهره القروي، فحلق له دون عناية. ونهض العمدة وأعطى الحلاق جنيهاً وخرج لسبيله.

وبعد أيام عاد العمدة إلى الدكان، فاستقبله الحلاق أحسن استقبال، واجتهد أن يعوض تقصيره في المرة السابقة، فبذل له غاية العناية. ونهض العمدة وأعطى الحلاق مليماً. فدهش الحلاق وبسط يده بالمليم متسائلاً، فقال له العمدة، هذا المليم للحلاقة الماضية، وذلك الجنيه لهذه الحلاقة.

العباس