الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 785/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 785/الكتب

بتاريخ: 19 - 07 - 1948


نموذج جديد م قصص قومي

إدريس

(قصة مغربية بالفرنسية - للأستاذ علي الحمامي)

للأستاذ محمود تيمور بك

ثلاثة عناصر، متى توافرت لعمل فني مكنت له، وأبلغته ذروة الإجادة، فأسلست له أهواء النفوس. . .

تلك العناصر التي أعنيها، هي:

قوة الإحساس، وصدق التعبير، وموهبة الأداء. . .

وقد اتسقت ثلاثتها في هذه القصة التي ألفها الأستاذ (علي الحمامي) في اللغة الفرنسية، وسماها: (إدريس)، وصور بها الحياة المغربية وما يضطرم فيها من آلام وآمال. . .

في تلك القصة تنبسط صحف من التاريخ، وننصقل مرآة للحاضر، وتتجلى أحوال سياسية واجتماعية قائمة، وتترسل روح من الوطنية تثير الأفئدة وتهز المشاعر. فالكتاب بفضل ما حواه من ذلك كله - يعد نموذجاً من القصص القومي، جديراً بالتقدير والإعجاب. . .

ومما هو مسلم به عند البصراء من نقادالأدب أن الفن لا يجود ولا يؤتي جناه إلا أن تركت له حرية التحليق والانطلاق، لا نزعة تملي عليه، ولا مبدأ يتحكم فيه. ومن ثم كانت القصص الفني، لأن كتابها مقيدة أقلامهم بما حدد لهم من أغراض، وما عين لهم من أهداف.

ولكن الأديب (الحمامي) في قصته القومية، ينجو من تبعة هذا النقد، على تلك الملاحظة، وذلك لأنه لم يخضع قلمه لمنحي مسوق إليه، ولم يرد فنه على غرض دخيل عليه. وإنما أحس في قوة، وعبر في صدق، وأدى قادراً على الأداء.

لقد عايش المؤلف أمته، وشهد ما تعانيه من كوارث، وما يعوق خطاها من أغلال، وشعر بما يعتلج بين حناياها من منازع الحرية والعزة، وكان لذلك أثر في نفسه لم يلبث أن دفعه إلى التعبير، فجرى قلمه طلقاً يصور حياة قومه، ويكشف عن آلامها وخوالج نفسها في إيحاء فني قويم.

وأنت تساير (إدريس) بطل هذه القصة، وهو يروي لك أحداث حياته، وما تعاقب عليه من أحوال، فإذا بك - وأنت مسترحل معه - نطالع الحياة المغربية في عصرها العتيد، فترى كيف صنعت سياسة الاستعمار بذلك الوطن المغلوب على أمره، وتعلم كيف يسام الخسف والعسف في جحيم تلك السياسة الغشوم، وكيف تتوق نفسه إلى عيش الحرية والكرامة، فهو يكافح ويجاهد ما وسعه الكفاح والجهاد.

فقارئ هذه القصة لا يملك سكينته إزاء ما يمر به من صور تفصح له عن نفسية شعب أبي يتعزى في الحديد والنار، وتشعره بما يكمن في سريره ذلك الشعب من فتوة وحمية، وما يغلي في عروقه من دماء أسلافه الذي كانوا في طليعة بناة الحضارة وسادة الأمم.

والقصة في جملتها مزاج طريف من التاريخ والسياسة والوطنية والاجتماع، أو طاقة مزهرة تجمع تلك الأفانين المختلفة؛ وبراعة الكاتب تتجلى في تأليف هذا المزاج، وتنسيق تلك الطاقة. فهيهات أن يلمح القارئ في اطواء القصة حديثاً لا يستدعيه الموقف، أو موقفاً ينبو عن سياق، أو إغراقاً في وصف وتصوير تتجافى به القصة عن سبيل التأثير والإقناع.

ما أكثر ما كتب الغربيون عن الأمم الشرقية والإسلامية بلغات العرب، ولكن ما كتبوه لا يصور نفسية هذه الأمم وعقليتها حق تصويرها، ولا يستوفي حقائقها كما هي عليه، وذلك لأن أولئك الكتاب إما أن تحدوهم نية سيئة ونزعة مغرضة، وإما أن يقعد بهم عجز عن التحقيق وصدق التصوير.

وإذن فقد أحسن صاحب الصورة (إدريس) صنعاً، إذ كتب قصته بلغة عربية، سدا لذلك النقص، وإطلاعاً لقراء الغرب على حقائق أمة إسلامية فتية تنشد سلامة وكرامة.

وما أجمله توفيقاً أن تكون تلك اللغة العربية التي كتبت بها لا قصة هي اللغة الفرنسية. . فالقصة ليس إلا صفحة من اضطهاد المستعمر الفرنسي. فمن الخير أن يقرأها الفرنسيون بلغتهم، دانية المنال، حق يتبين لهم: كيف يؤدون في بلاد المغرب رسالة الحرية والسلام!

محمود تيمور