مجلة الرسالة/العدد 760/الأدب والفن في أسبوع
→ أناهيد | مجلة الرسالة - العدد 760 الأدب والفن في أسبوع [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 26 - 01 - 1948 |
نشوء القومية في أوربا:
دعت كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول إلى سماع سلسلة المحاضرات العامة التي يلقيها بقاعة الجمعية الجغرافية الملكية الأستاذ ساطع الحصري الأستاذ الزائر بمعهد التربية العالي للمعلمين، والمستشار الثقافي لجامعة الدول العربية؛ وموضوع هذه السلسلة (الفكرة القومية منذ أوائل القرن التاسع عشر) وهي ست محاضرات، ألقى يوم السبت أولاها، وموضوعها (نشوء الفكرة القومية في أوربا والانقلابات السياسية التي نجمت عنها) وقد تحدث الأستاذ في هذه المحاضرة عن الانقلابات السياسية في خريطة أوربا منذ العقد الثاني من القرن التاسع عشر إلى العقد الثاني من القرن العشرين، فقال إن أهم هذه الانقلابات زوال الدولة العثمانية والإمبراطورية النمساوية وحلول الدول الصغيرة محلها، وحدث عكس ذلك في إيطاليا إذ اتحدت الدول الثمان وكونت إيطاليا الحديثة، كما اتحدت 39 دولة على الأراضي الألمانية وكونت الدولة الألمانية، وانفصلت بلجيكا عن هولندا، كما انفصلت النرويج عن السويد، وتكون على سواحل البلطيق أربع دول جديدة، وهكذا تبدلت أوربا ما عدا إنجلترا وفرنسا وروسيا وأسبانيا. وكان العامل الأصلي في كل هذا التبدل فكرة القومية الناشئة من شعور الأمم بالروابط المختلفة، فتجمع المؤتلف، وتفرق المختلف؛ وكانت النتيجة أن قامت الدولة على الفكرة القومية التي شعر بها الشعب، بخلاف الدول القديمة التي كانت تتكون بحسب قوة الملوك ومقدار بسط سلطانهم وما ينشأ عن معاهداتهم ومصاهراتهم، ولم يكن للشعوب حساب في ذلك لأن الملوك كانوا يتصرفون تصرف المالك المستمد من التفويض الإلهي. ودلل الأستاذ على أن الدول الجديدة لم تقم نتيجة للحروب بل كان منشؤها الفكرة القومية - دلل على ذلك باستعراض الحوادث التاريخية ومقارنة نشأة الدول بقيام الحروب.
وخَتم الأستاذ ساطع الحصري محاضرته القيمة بالإشارة إلى ما يقوله المفكرون في أوربا من أن حركة القوميات انتهت بانتهاء القرن التاسع عشر، ولكن الذين يرددون هذا القول عندنا في الشرق يخطئون، لأن عصر القوميات إذا كان قد انتهى في الغرب لبلوغ حركات القومية مراميها فإنه يبدأ في الشرق لأن ظروفه تقتضي ذلك.
الفنان بين الصعود والهبوط: أراد الأستاذ توفيق الحكيم أن يبرر مسلكه الأخير في الكتابة الذي نعيته عليه في عدد مضى من الرسالة، فأدار الكلام في مقال بأخبار اليوم حول قضية من قضايا الأدب والفن أثارها بهذا السؤال: (هل يجب على الفنان أن يهبط إلى الجمهور أو أن يصعد إليه الجمهور؟) وقد سار بطبيعة الحال في معالجة هذه القضية إلى جانب الهابط إلى الجمهور، محاولاً أن يؤيد مذهبه بالتماس المثال (عند المبدع الأعظم لهذا الكون) لأنه تعالى لم ينتظر من الناس أن يصعدوا إليه، بل رأى أن يدنو منهم برسالته، لا أن يتركهم يصعدون إليها من أرضهم، فأرسل إليهم الرسل وبنى على ذلك أن الفنان هو الذي يجب أن يهبط إلى الجمهور.
لا يا سيدي، إن الله أنزل رسالته إلى الناس، لأنه إله لا يراه الناس ولا يخالطونه ولا يعايشونه، ولكن الرسل الذين يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق تلقوا رسالات الله ولم يهبطوا بها إلى الجمهور بل رفعوا إليها، وما علمنا أن أحداً منهم أسفَّ وابتذل، وهذا نبينا محمد قد أدى رسالته ببلاغة عالية فتح بها آفاقاً في الأدب الرفيع لم يلحقه فيها لاحق.
مرة أخرى: لا يا سيدي، إن المثال الذي أتيت به إنما هو سلم درجاته للصعود وليس به دركات للهبوط. .
على أن الهبوط الذي نعيبه ليس هو الدنو من إفهام الناس ومداركهم لتأدية رسالة، وإنما هو أن يستهلك الكاتب طاقته ويستنفد جهده، ثم يدور ولا يُرى له طحن. . . فيتستر بالتسلية والتلهية، ويدعي أنه يسير للدنو من الناس، وإنما هو في محله يسير!
الفنون في الجامعة الشعبية:
عندما لبيت دعوة الجامعة الشعبية لحضور احتفالها باستقبال هيئة اللجنة الثقافية للجامعة العربية يوم الخميس كان أكبر همي أن أسمع النشيد المقترح للجامعة العربية الذي طلب إلى قسم الموسيقى بالجامعة الشعبية تلحينه، فدعت هذه الجامعة هيئة اللجنة الثقافية إلى سماعه من فريق الأغاني والأناشيد بها.
ولكن كان هذا النشيد أقل شأناً من سائر ما سمعنا وما رأينا في الجامعة الشعبية، رأينا بقسم الرسم والحفر جماعات من أفراد الشعب، هنا ذكور وهناك إناث، قد أقبلوا على العمل في هذين الفنين بدافع ميولهم وطبائعهم الفنية، يشبعون وينمون فيه مواهبهم في المساء بعد أن فرغوا من مشاغل حياتهم في أثناء النهار، ثم دلفنا إلى قاعة المسرح، فما أخذنا بها أما كننا حتى ابتدأت (حفلة العروبة) كما سمتها بحق إدارة الجامعة الشعبية، فسمعنا موسيقى وأناشيد مختلفة: سورية وعراقية ومصرية، وشاهدنا تمثيلاً غنائياً، قام بكل ذلك طلبة مختلطون من أفراد الشعب ظهروا على طبيعتهم في ثيابهم العادية، أسمعونا أصواتاً جميلة وألحاناً عذبة، فكانوا لساناً معبراً عن طبيعة هذا الشعب الفنان.
ولقد تأملت هؤلاء كما وقفت أتأمل من زرناهم في قسم الرسم والحفر، ثم تخيلتهم في غير هذا المكان لو لم تتح لهم هذه الفرص، فذهب خيالي بهم إلى المقاهي وغيرها من أما كن الضياع، ثم رجع بهم حيث هم الآن ينتظمون في دراسات توافق أمزجتهم ويتعهدهم المدربون والمعلون. فقرت عيني بهم وطابت نفسي بما بيسر لهؤلاء المواطنين ورجوت أن بيسر للكثيرين من أمثالهم.
وقد انشعب بي التفكير، لما أطربنا فريق الأغاني والأناشيد بفنون من الموسيقى والتمثيل والغناء، فرأيت أن أقترح على الجامعة الشعبية أن تعمل على تنظيم حفلات تمثيلية غنائية يحضرها أقرباء الطلبة ومعارفهم وغيرهم من الجمهور مقابل أجور قليلة، فتحقق بهذا فائدتين: إمتاع الناس بالفن، واجتناء أرباح تستعين بها على تحسين حال فرقها وتقدمها في مضمار الفن وإني لأرجو أن يتاح لهذه الفرق أن تأخذ (ركنا) في الإذاعة، فلا يقل هذا الركن فائدة - إن لم يزد - عن غيره من (أركان) الإذاعة.
نشيد فلسطين:
سمعنا في (حفلة العروبة) النشيد المقترح للجامعة العربية، فإذا هو - من حيث التأليف ومن حيث التلحين - شيء كغيره، من الأشياء التي نسمعها والتي يسمونها أناشيد وطنية وحماسية وليس فيها من الوطنية غير ألفاظ كالهرم، وليس فيها من الحماسة إلا أصوات ترتفع حتى تصك الأسماع. وقد أحسنت الإدارة الثقافية بتجربته قبل إقراره، وما أخالها إلا قد اقتنعت بأن نشيداً كهذا لا يليق بالجامعة العربية.
ثم سمعنا نشيداً ختمت به الحفلة فكان أحسن ختام، هو (نشيد الجهاد العربي لفلسطين) وقد وفق قسم الموسيقى بالجامعة الشعبية في تلحينه، وأداه فريق الأناشيد أداء حسناً، أما التأليف فلا أحدثك عند حتى ترى شيئاً منه، أوله:
قد بدأنا الكفاح ... وشحذنا الرماح
وامتشقنا السلاح ... وملأنا البطاح
بجيوش العرب
نحن العرب ... نحن العرب
ومنه:
سترى تل أبيب ... حتفها عن قريب
يوم تصلى اللهيب ... والدمار الرهيب
في جحيم العرب
نحن العرب ... نحن العرب
ومنه:
ونصون الصليب ... والهلال الحبيب
وسلام الشعوب ... من مثيري الحروب
وخصوم العرب
نحن العرب ... نحن العرب
فلا ترى فيه التهاويل و (الكليشهات) المعهودة، وإنما يستمد قوته من طبيعته ومن تعبيره عن الحال الواقعة. وقد قدمه مؤلفه الأستاذ حسن أحمد بالكثير إلى الجامعة العربية، فاستحسنته ودفعته إلى الجامعة الشعبية لتلحينه.
الرسالة الثقافية للجامعة العربية:
ألقى الأستاذ سعيد فهيم وكيل الإدارة الثقافية بالجامعة العربية يوم الأربعاء بنادي جبهة مصر محاضرة عنوانها: هل أدت الجامعة العربية رسالتها الثقافية) بدأها بإجمال الجواب عن هذا السؤال فقال إن الجامعة العربية نصبت سلم الثقافة المكون من مائة درجة وارتقت منه خمس درجات، وهي طريقها لارتقاء الدرجات الباقية.
ثم عرض لتفصيل ذلك فقال: من أهم ما قامت به الإدارة الثقافية تكوين قسم إحياء المخطوطات العربية، وقد جلبت أحدث الأجهزة الفنية من أمريكا لتصوير المخطوطات النادرة والقيمة على أفلام صغيرة. وقد أرسلت في صيف سنة 1946 بعثة إلى سورية ولبنان فصورت ما رأته جديرا بالتصوير من الكتب. والتصوير يجري الآن في مصر، وسترسل البعثات إلى البلاد العربية المختلفة لتصوير ما في مكتباتها من المخطوطات. ومما قامت به الإدارة لتشجيع التأليف والترجمة، أن اختارت موضوعين للمسابقة في تأليف كتاب في كل منهما خلال هذه السنة، أحدهما في تاريخ الأندلس من فتح العرب لها إلى خروجهم منها، والآخر في تاريخ البلاد العربية من سقوط بغداد إلى عصر النهضة الحديثة، وخصصت جائزة لكل منهما قدرها 500 جنيه، وخصصت أيضاً 2000 جنيه لتأليف كتاب مفصل في جغرافية العالم العربي تنفيذاً لتوصية المؤتمر الثقافي الأول. أما في الترجمة فهي تعمل في اختيار الكتب التي تحسن ترجمتها، وستختار اللجنة الثقافية عشرة كتب لتترجم على نفقة الأمانة العامة في هذا العام وسيوزع نحو مائتي كتاب على دول الجامعة لتساهم كل منها بطبع قسم من هذه الكتب. وقال الأستاذ إن الإدارة الثقافية تعتزم استخدام الإذاعة والسينما والصحافة في نشر الثقافة العربية، فتذيع من محطات العواصم العربية أحاديث ثقافية وحفلات موسيقية وقصصا تمثيلية وأناشيد ترمي إلى تقوية الروح القومية العربية؛ وستشجع الأفلام السينمائية التي تحقق هذه الغاية، وتساعد على أخذ أفلام في البلاد العربية لتعريف بعضها ببعض، وتساهم في وضع أفلام ثقافية، وفي ترجمة نطق الأفلام الثقافية الغربية إلى العربية؛ وقد قررت استكتاب بعض كبار الكتاب في مختلف البلاد العربية مقالات في الشئون الثقافية، لتنشر في أهم الصحف العربية؛ وستوفد خمسة عشر أستاذا إلى مختلف العواصم العربية للمحاضرة في أهم الموضوعات التي تشغل بال العالم العربي.
وبعد أن تحدث الأستاذ المحاضر عن المؤتمر الثقافي الذي عقد بلبنان في الصيف الماضي، قال إنه يؤمل أن يعقد المؤتمر الثقافي الثاني بالإسكندرية في أواخر الصيف القادم.
وقد عقب الأستاذ سعد اللبان على هذه المحاضرة، فقال بأن الجامعة العربية يجب أن تخرج، في تأدية رسالتها الثقافية، عن النطاق الحكومي، فلا تقتصر على الرجال الرسميين، بل يجب أن تتجه أيضاً إلى غيرهم من رجال العلم والأدب، كما يجب ألا تقصر اهتمامها الثقافي على دول الجامعة الرسمية، بل يجب أن توجه أكبر عنايتها إلى شمال أفريقية الذي يكاد يقطعه الاستعمار عن مصادر الثقافة العربية المشرقية. ونبه الأستاذ سعد على أن البحث عن المخطوطات العربية في المكتبات الغربية أهم من البحث عنها في المكتبات العربية، وقال إنه يرجو أن يكون الغرض من تصوير هذه المخطوطات طبعها ونشرها لا مجرد تسجيلها على أفلام.
العربية تصارع:
لا أشك في أن الحكومة جادة في فرض استعمال اللغة العربية في مكاتباتها وفي إلزام أصحاب المحال التجارية والصناعية بكتابة أسمائها بها. وقد أذاعت أخيراً وزارة الشئون الاجتماعية على هؤلاء تلفت نظرهم إلى ما يقضي به القانون على من يكتب اسم محله بلغة أجنبية دون أن يضع إلى جانبه اسمه باللغة العربية على ألا تكون الأجنبية أكثر بروزاً من العربية، والقانون يقضي على من يخالف ذلك بالحبس مدة لا تزيد على سنة وغرامة لا تزيد على خمسين جنيها أو بإحدى هاتين العقوبتين.
لا أشك في أن الحكومة جادة في تنفيذ كل ذلك، ولكني لا أدري لماذا تستمر، في أختام بريدها، على كتابة التاريخ بلغة أجنبية دون كتابته بالعربية!
إنني أدل وزارة الشؤون الاجتماعية على مصلحة البريد لتلفت نظرها إلى ذلك القانون وإلى ضرورة تطبيقه. . . كما لا أرى بأساً في أن أكون مرشداً لها في غير ذلك، فأدلها أيضاً على شركة المعادي، لتلفت نظرها إلى وجوب تغيير كتابة أسماء شوارع هذه الضاحية الجميلة، بحيث تكتب بالعربية إلى جانب الأعجمية التي هي مكتوبة بها، لأن المعادي جزء من القاهرة عاصمة العروبة.
أكتب ذلك على ذكر المقال النير الذي كتبه في الرسالة الأستاذ وديع فلسطين بعنوان (اللغة العربية تصارع) وإني مطمئن معه إلى ظفرها في النهاية.
(العباس)