الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 760/أناهيد

مجلة الرسالة/العدد 760/أناهيد

بتاريخ: 26 - 01 - 1948


للأستاذ شفيق معلوف

(وجعل العرب الزهرة امرأة بغياً مسخت نجما وكان اسمها أناهيد) (الجاحظ)

- 1 -

وبعدما عرا ... خرافةَ الذهول

جمجم وانبرى ... من كهفه يقول

في غابر الأزمان ... مضى يحث السرى

ركب من العربان

حتى إذا جرى ... يوغل في السهول

إذا به يرى ... من حوله الخيول

تضرب بالحافر صدر الثرى

معقوفة الذيول ... منصوبة الآذان

تقطَّع الأرسان

وترجع القهقري

وأرغت النياق ... ذعراً وجرجرت

وشالت الأعناق ... ثم تقهقرت

وانطلقت في القفر أي انطلاق

وشب في الصحراء

عاصف نار ونور

يمد في الديجور

عنقه للسماء

ثم علا شيئاً فشيئاً يدور

في قبة العوالم الشاسعه

حتى غدا شمساً فبدراً يغور

فكوكباً فنجمة ساطع - 2 -

ولملم العربان أشتاتهم ... واسترجعت هدوءها البيد

وانطلقوا إلى كثيب به ... شعاع ذاك النجم مشدود

فأبصروا فوق الثرى غادة ... لم تتشح بحسنها غيد

لها محيا هو زين الصبا ... من كبد الصباح مقدود

ساكنة الحس فلا صدرها ... رف ولا أهدابها السودُ

ونهدها ذاو كما لو ذوت ... على دواليها العناقيد

سمراء أغواها الردى فالتوى ... على يد الموت لها جيد

يشخص في نجم العلا جعنها ... كأنه بالنجم معقود

صاحوا أناهيد وراح الصدى ... يزقو أناهيد أناهيدُ

كان في الأرض لها مأتم ... وفي مقاصير العلا عيد

- 3 -

كانت أناهيد بغياً متى ... غفا بفرعيها الفتى يسكر

تقطّر الخمر بكاساتها ... لفتية الحي وتستقطر

ولم يكن إلا جحيم الهوى ... وسادها الملتهب الأحمر

مر على خيمتها فارس ... تبارك الطيب الذي ينشر

كأن عيني مهرة أبدتا ... لها عن الفارس ما يضمر

فاختلجت للحب أعماقها ... واهتز منها الغصن المثمر

وودت السمراء لو لم يكن ... شُق عليها للهوى مئزر

ولا روت ثغر فتى قبلما ... أطل ذاك الفارس الأسمر

ثلاث ليلات تقضت كما ... لوهُن ظل الرمح أو أقصر

لا الفارس الأسمر يفضي إلى ... قلب أناهيد بما يشعر

ولا أناهيد التي جربت ... كل رُقى السحر به تظفر

حتى إذا مالت بأجفانها ... يد الكرى لطول ما تسهر أيقظها ركض جواد جرى ... من بابها محمحما يدبر

فزاحت الستر ومذ أبصرت ... فارسها يلفه العثير

وقد لوى عنانه هارباً ... كأنه الحلم الذي يعبر

راحت أناهيد على إثره ... بحافر الجواد تستأثر

تضرب في البيداء حتى إذا ... أنهكها السير فلا تقدر

لاح لها من جانب المنحني ... مارج نار ضوءه يبهر

وسيد كأن محبوبها ... أطل من مقلته ينظر

صاح بها ويك كفى وارجعي ... ما أنا إلا هُبَل الأكبر

هذا عقاب العهر فليعتبر ... إن ذاق طعم الحب من يفجر

حلت أناهيد له شعرها ... وانطرحت تبكي وتستغفر

وتسأل الإله في ذلة ... لو غدها من أمسها يطهر

فيخلد الحب على جفنها ... وينطوي في قلبها المنكر

فمال عنها هبل قائلا ... والرفق من جبينه يقطر

حبك يا هذي كما شئته ... قلب السماوات به أجدر

واندلعت نار تلوي بها ... ملء البوادي عاصف صرصر

وغل في صدر العلا حاملا ... روح أناهيد اللظى المسعر

وشع في السماء قبل الضحى ... على البرايا كوكب نير

تلك أناهيد لها من عل ... عين على أهل الهوى تسهر

شفيق معلوف

من العصبة الأندلسية