مجلة الرسالة/العدد 736/البريد الأدبي
→ الكتب | مجلة الرسالة - العدد 736 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 11 - 08 - 1947 |
خير الأمور الوسط:
حكمة تناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل، وهي محتفظة بصدقها، سعيدة بذيوعها على كل لسان وفي كل مجال، ولكن الدكتور أمير بقطر جاء أخيراً وتنكر لها ونقضها من أساسها؛ فزعم أن (شر الأمور الوسط) وأن الناس جروا في حكمتهم على غير الرأي الرشيد، وأنها حكمة وليدة الضعف والاستخذاء وفتور الهمة، وراح يحكم حكمه القاسي على هذا (الوسط) الذي وصفه الحكيم بأنه (خير الأمور) في مقاله الذي نشر في عدد سابق من مجلة الهلال الشهرية فيقول:
(إن أسهل الأشياء وأقلها خطراً وأسلمها عاقبة، الوسط، ولكنه أقلها إنتاجاً وأبخسها ثمناً، وأسرعها زوالاً، وأخفها أثراً في النفوس. وما الزجل الوسط المسالم إلا ذلك الخامل الجبان الذي يخشى النقد ويتفادى الهجوم والدفاع ويسعى إلى السهل).
من ذلك الطرف الذي نقلناه من صلب كلام الأستاذ في تجريح (الوسط) يفهم القارئ أنه حمل الكلمة على غير معناها اللغوي المقصود، وسار بها في غير وجهها، وحملها وزر المعنى العامي الذي تداولته الألسن في معنى الوسط، فظنوه القناعة من السعي والعمل والجد والدأب بما دون الكمال. ولعمري! إن طالباً ينال في درجات علومه 6 من 10 وهي الدرجة المتوسطة ليس هو بخير التلاميذ. . بل إن خيرهم لهو صاحب العشر الكاملة.
وهل يجترئ مجترئ على تسمية الرضا بما دون الكمال (خير الأمور)؟!. . هذا ما لم يقل به أحد.
فللوسط إذن معنى لغوي حقيقي غير المعنى الذي تبادر إلى ذهن الدكتور.
الوسط محركة من كل شيء خيره وأعدله، قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً) والمقام هنا مقام التمدح بالكمال ويؤيده قوله تعالى في آية أخرى (كنتم خير أمة أخرجت للناس) فهذه الأمة التي حكم الله بأنها خير الأمم هي التي جعلها أمة وسطاً.
ومما يدل أيضاً على أن الوسط غير ما فهمه الأستاذ قوله تعالى في سورة القلم (قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون) وأوسطهم الذي وقف منهم موقف النصح والإرشاد هو خيرهم وأعدلهم من غير شك , وهكذا ابن الرومي يقول في رثاء أحد أولاده:
توخى حمام الموت أوسط صبيتي ... فلله كيف أختار واسطة العقد
ولم يرد ابن الرومي أن يخبرنا أن ولده المتوفى هو الثاني أو الثالث. . . وإلا كان مضحكاً!. ولكنه يريد أن يقول إن الموت أختار خير صبيته، ولذلك شبهه بواسطة العقد، والموت نقاد فلعل الأستاذ الدكتور بعد الذي أوضحناه يعيد للحكمة اعتبارها بعد أن جرحها وتنكر لها، والرجوع إلى الحق فضيلة والسلام.
مصطفى محمد إبراهيم
المدرس بالمدرسة السعيدية الثانوية
الأدب بين مصر ولبنان:
علق (العباس) بالعدد 734 من هذه المجلة على كلمة لي نشرت في الجزء الرابع من مجلة (العالم العربي) تحدثت فيها عن عدم احتفال الأدباء المصريين بالأدب اللبناني. ولست أود هنا أن أثير الموضوع إثارة جديدة على الرغم من إنه ينبغي أن يثار دائماً لمصلحة الأدبيين جميعاً - وإنما يهمني أن أتناول عبارة وردت في تعليق (العباس) هي قوله: (إن المؤلفين اللبنانيين لا يرضيهم أن ينقد أدباء مصر مؤلفاتهم نقداً حراً. . . ويرون فيه غضاً من شأنهم، والمصريون أهل حساسية و (ذوق) وهم حريصون على مودة إخوانهم في العروبة).
وهذا - في الحق - كلام عجيب في مخالفته للواقع وفي منطقه. فأين الدليل على أن المؤلفين اللبنانيين لا يرضيهم أن ينقد أدباء مصر مؤلفاتهم نقداً حراً؟ وأي أديب لبناني يحترم نفسه وأدبه غضب وثار حين نقد أحد المصريين كتابه؟ أيكفي (العباس) أن يلقي القول إلقاء دون ما حجة أو برهان حتى يصدقه الناس؟ وأية تهمة يلصقها (العباس) بالأدباء اللبنانيين، أهم سذج إلى هذا الحد حتى لا يقدروا النقد النزيه؟ وهل بلغ بهم ضيق الصدر والفكر أن ينكروا النقد الخالي من شوائب الإغراض؟ ثم إن (العباس) يطلق الكلام إطلاقاً دون ما تمييز ودون ما تفهم لنتائجه، فإن القارئ يدرك من عبارته إن المصريين حين يودون نقد كتاب لبناني، فينبغي أن يهاجموه ويجرحوه سواء أكان أهلاً للجرح والمهاجمة أم كان أهلاً للإطراء والثناء. . .
وانظر ما أعجب هذا المنطق في قول (العباس): إن المصريين أهل حساسية و (ذوق) وهم حريصون على مودة إخوانهم في العروبة) فأي شأن للعروبة هنا؟ أترى اللبنانيين يتنكرون للعروبة إذا نقد المصريون أدبهم، بل حتى إذا هاجموه مهاجمة؟ ومن ذا الذي يقول إن العروبة تقتضي المصريين أن يراعوا اللبنانيين في أدبهم أو أن يداجوهم أو أن يسكتوا عنهم إذا كان في الأدب ما يستحق النقد؟
القضية ليست قضية (حساسية) و (ذوق) و (مودة في العروبة)! بالأمس كان إخواننا المصريون يعللون عدم اكتراثهم للأدب اللبناني بضعف الدعاية لهذا الأدب، ثم بارتفاع أسعار مؤلفاتهم ثم بكثير من التعليلات الأخرى. . . وها أن (العباس) اليوم يطلع بتعليل جديد: هو إن اللبنانيين لا يرضيهم أن ينقد المصريون مؤلفاتهم نقداً حراً. . . وغداً يأتي من يقول غير ذاك وهذا. . .
الواقع إنه يجب أن نتكاشف ونتصارح: إن إخواننا الأدباء المصريين مقصرون في حق آداب البلاد العربية الأخرى، في لبنان وسوريا والعراق وفلسطين، خلافاً لموقف هذه البلاد من أدبهم. . . ويجب أن يعترفوا بهذا التقصير فهذا وحده يدعوهم إلى تلافيه وإلى سد نقصه. . .
(بيروت)
سهيل إدريس
الاستعمار الثلاثي:
لعل قراء الرسالة جميعاً قرءوا أو سمعوا بخبر تلك البدعة الفرنسية الجديدة التي ابتدعوها لنا في السنوات الأخيرة، وهي انتخاب ملكة للجمال في مصر، في حفل عام. . .
وكان آخرها ما أقيم بأحد (المراقص المشهورة) في آخر ليلة من الشهر الإفرنجي المنصرم، وفي منتصف شهر رمضان!
ولا نود أن نخوض هنا في حديث ديني، فلم يكن شهر رمضان لمثل هذه الحفلات، ولكنه كان لشيء أكرم من هذا. ولقد قام بتنظيم هذه الحفلة، كما لعلك قد علمت، معهد كليتيا للتجميل من باريس، ومعامل عطور لانسيل من باريس أيضاً!
ولماذا كان من باريس؟
ولماذا لم يكن من لندن أو نيويورك؟
لعل هذه القوى الثلاث - باريس ولندن ونيويورك - اتفقت فيما بينها على أن تضطلع كل واحدة منها بناحية من النواحي الاستعمارية التي تجيدها.
أما نصيب باريس فكان في هذه الحفلات.
وهذا هو نفس ما حذر المارشال بيتان - مارشال فرنسا الجريح - أبناء بلده منه، وهو ما أدعى إنه كان السبب في تدهور الفرنسيين وانحلالهم وهزيمتهم الشنيعة، ودعاهم إلى التمسك ببعض الأخلاق!
والذي يعنيني من كل هذا، ويؤلمني هو إننا نحن الشرقيين دائماً ميداناً هؤلاء الغربيين وحقلهم الذي يجرون فيه تجاربهم، بل مطاياهم وحميرهم!
فيا أيها الشرقيين عامة، أحذروا الاستعمار الأوربي الثلاثي:
السياسة الإنجليزية، والقرض الأمريكي، والجمال الفرنسي!
وبهذا وحده تفلحون. . .
حسين الغنام
تطبيع واضح:
ظهر المقال الثاني من عشاق الطعام بالعدد الأخير من مجلة الرسالة الغراء مبتدءاً بهذه الفقرات (النهار طويل ممل، والقيظ لافح محرق، وقد هجم رمضان) وهذا كلام ليس في موضعه، وإنما هو تطبيع، أفسد التركيب، وربك السياق.
محمد رجب البيومي