الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 728/القصص

مجلة الرسالة/العدد 728/القصص

بتاريخ: 16 - 06 - 1947


ماء الحياة. .!

(مترجمة عن الإنجليزية من كتاب

لأستاذ ماجد فرحان سعيد

في قديم الزمان ملك أضناه المرض حتى يئس من الحياة، وكان له أولاد ثلاثة، خرجوا إلى حديقة القصر، وطفقوا يجهشون بالبكاء، حزناً عليه، وبينما هم كذلك، جاءهم شيخ وقور، بلغ من العمر عتياً، وسألهم عن سبب كآبتهم، فأعلموه أن والدهم مشرف على الموت، وما من حيلة نفع في شفائه. فقال الشيخ: (لكم في شفائه، طريقة واحدة فقط، وهي أن تسقوه من ماء الحياة).

فذهب الولد الأكبر إلى والده الملك، وطلب إليه أن يأذن له بالبحث عن ماء الحياة، إذ هو المنقذ الوحيد من دائه العضال. فقال الأب: (لا بد لك يا ني من تجشم الصعاب والأخطار في سبيل الحصول عليه؛ فأرح نفسك من هذا العناء) ولكن الابن ظل يلح عليه حتى أذن له. فذهب في طريقه، وهو يقول في ضميره (إن أحضرت الماء، فسأكون حتماً اعز اخوتي لدى والدي، وسيوصى لي بالمملكة من بعده). وظل يهيم على وجهه، حتى التقى به قزم وسأله: (إلى أين أنت ذاهب يا أخي؟). فأجابه الأمير بلهجة تنم عما في نفسه من الكبرياء: (هذا لا يعنيك!!) وتابع سيره. ولكن دبيب الانتقام دب في صدر القزم. وبينما كان الأمير يجوس خلال ممر ضيق، لاحظ انه كلما تقدم في الممر اخذ الممر يضيق به اكثر فأكثر، حتى انتهى إلى نقطة لم يستطع فيها الحراك. . . وانتظره والده طويلاً ولم يرجع. وطلب الأمير الثاني من والده أن يأذن لي في البحث عن الماء، إذا قال في نفسه: (أن يكن آخي قد مات، فسارت المملكة بدلاً منه). وظل يستعطف والده حتى أذن في الذهاب. فسار هذا في أثر أخيه، والتقى بالقزم نفسه. فابتدره القزم بالسؤال: (إلى أين أنت متوجه أيها الشاب؟) فأجابه الأكبر: (ليس من شأنك أن تعرف هذا أيها القزم الحقير!). ومضى في طريقه. فاستعمل السحر معه، وكانت عاقبته وخيمة كعاقبة أخيه من قبله، إذ وصل إلى أخدود، أراد أن يتقدم فيه فسلم تطاوعه قدماء. ولما لم يرجع الولد الثاني، أضطرب فكر والده عليه. فتوسل الأمير الصغير إلى والده أن يسمح له بالذهاب، فرأى الوالد نفسه مضطراً على اجابة طلبه. وعندما التقى القزم بالأمير الصغير، وسأله عن طريقه، أجاب: (أنني أبحث عن ماء الحياة، إذ به وحده يستطيع والدي أن ينفعه من علته). فقال له القزم: (وهل تعرف مكان وجوده؟) فأجاب الأمير: (كلا!). فقال القزم: (إذا سأدلك عليه لأنك سلكت معي سلوكاً لائقاً، مغايراً لسلوك أخويك المتعجرفين. أن ماء الحياة ينفجر من النبع الذي يجري في ساحة القلعة المسحورة، تلك القلعة التي لن تستطيع اختراقها، إن لم أعطك قضيباً من الحديد، ورغيفين من الخبز. أما القضيب، فاطرق به ثلاثاً على باب القلعة الحديدي فيفتح لك. وفي المدخل سترى أسدين فاغرين شدقيهما تستطيع أن تأمن شرهما، بأن ترى لكل منهما رغيفاً. ثم أسرع وأحض قليلاً من الماء قبل أن تعلن إشارة الوقت الثانية عشرة. إياك أن تتأخر! لأنك أن فعلت فسيوصد الباب ولا تستطيع الخروج!).

فشكره الأمير، واخذ منه القضيب والرغيفين، وجعل يطوي الأرض حتى حطت به النوى إلى القلعة المسحورة؛ فعمل بموجب إشارة القزم. ودخل من الباب إلى قاعة جميلة واسعة، حيث كان يجلس عدد من الأمراء المسحورين؛ فنزع الخواتم التي تحلى أصابعهم؛ واخذ سيفاً مرهف الحد، وقليلاً من الخبز المطروح هنالك. ثم دلف إلى الغرفة المجاورة؛ وإذا به أمام فتاة فاتنة تتموج كالطيف، نظرت إليه من وراء جفون ترتعش بالميل والانعطاف؛ ثم أخبرته أن مملكتها ستؤول إليه؛ وإذا ما رجع إليها بعد سنة كاملة، فسيزف إليها ويعيش معها سعيداً موفوراً. ثم دلته على موقع النبع الذي يجري منه ماء الحياة. ورأى في الغرفة المجاورة سريراً مريحاً استلقى عليه لأنه كان متعباً؛ واستسلم لنوم هادئ عميق. ولكنه استفاق على صوت الساعة، عند ما أعلنت الثانية عشرة إلا الربع؛ فأسرع إلى النبع، وملأ كوباً صغيراً كان موجوداً بالماء. ثم أسرع الخطو إلى الباب؛ وما كادت رجله تطأ العتبة، حتى دقت الساعة معلنة الثانية عشرة تماماً؛ فأوصد الباب بقوة عظيمة جداً، أطارت قطعة من كعب حذائه وهو خارج.

وبالرغم من كل هذا، فقد كان مروراً لنيله أمنيته. فعاد أدراجه إلى القصر، والتقى في الطريق بصاحبنا القزم. غير إنه لم يكن راضياً عن الرجوع إلى القصر دون أخويه؛ ولذا سأل القزم أن يدله عليهما. فأجابه قائلاً: (أن أخويك محصوران بين جبلين عقاباً لهما على كبريائهما؛ أو لم تسمع أن عاقبة الكبرياء وخيمة؟!) فألح الأمير على القزم بتلبية طلبه حتى فعل ذلك؛ إلا إنه حذر الأمير على القزم بتلبية طلبه حتى فعل ذلك؛ إلا إنه حذر الأمير من أخويه، إذ يضمر له السوء ولا يقيمان للاخوة وزناً

وعندما رجع إليه أخواه، اخذ السور يتموج على قسمات وجهه، فقص عليهما تفصيل ما حدث. وركب كل من الأمراء الثلاثة جواده، حتى وصلوا إلى مملكة كبيرة، أضنى الجوع والحرب السواد الأعظم من سكانها، وأيقن ملكها أن لا مهرب له من اغتيال. فذهب الأمير الصغير إلى هذا الملك ومد إليه يد المعونة فاستطاع الملك أن يسد جوع السكان، وان يرد الأعداء على أعقابهم خائبين. وبعد أن تم له ذلك اخذ الأمير السيف وما بقى من الخبز وركب مع أخويه حتى وصلوا إلى مملكتين أخريين، فعل فيهما الجوع والحرب فعلته الشنعاء كما في المملكة الأولى. وبالطريقة نفسها رد الأمير عادية الدمار عن هاتين الملكتين.

ثم ركبوا السفينة يؤمون مسقط رأسهم. وفي ذات ليلة، أنثا لت على أحد الأخوين الأكبرين الخواطر السود، إذ قال للآخر: (لقد حصل أخونا الصغير على ماء الحياة؛ وهذا يعني أن والدنا سيورثه المملكة وسيقضى على حظنا وأمانينا!!) فاضطرمت في صدريهما فكرة الانتقام، وتآمرا على اغتيال أخيهما. وبينما كان نماماً في ذات ليلة، أفرغا ماء الحياة من كونه، وملأه بدلاً من ذلك بماء شديد الملوحة ولدى أوبتهم لقصر أبيهم تناول الأمير الصغير الكوب، وقدمه لأبيه؛ وما كاد الوالد يرشف جرعة منه حتى اشتدت عليه وطأة المرض، وساءت حالته، وبينما الوالد كذلك جاء الوالدان الآخران وآخذا يقولان على أخيهما ويتهمانه بتسميم الماء. ثم قدما لأبيهما ما الحياة الحقيقي؛ وما كاد يرشف قليلاً منه حتى تعافى، وأخذ وجهه يتلألأ بالنضارة والنشاط كأنما عاد إلى صباه. وذهب الأخوان الأكبران إلى الصغير وخدعاه بقولهما: لقد حصلت في الحقيقة على ماء الحياة ولكن بما انك فرطت في الحيطة والحذر، فلقد أفرغنا الماء من كوبك دون أن تدري؛ وزيادة على ذلك فسيحاول أحدنا في غضون هذه السنة أن يستولي على قلب أميرتك. ولكن حذار من أن تخوننا؛ وإلا فلن نتردد في القضاء عليك! وانك تعلم أنا لا نوعد إلا تحقق الوعيد!!) وما كان من الأخوين إلا أن أوغرا صدر والهما عليه حتى أصدر الحكم بقتله، فأمر صياده الخاص بتنفيذه، وبعد أن توغل الأمير والصياد في الغابة، لاحت إمارات الحزن على محيا الصياد فسأله الأمير والصياد في الغابة، لاحت إمارات الخزن على محيا الصياد فسأله الأمير عما به؛ فأجابه الصياد: (من الفروض على أن لا أجا هرك بالسر؛ ولكني أراني مدفوعاً إلى الإفضاء به، من تلقاء عاطفتي وشفقتي عليك!). فقال له الأمير: (قل بشجاعة ما تشاء فليس عليك من بأس!). فأجابه الصياد، مصعداً زفرة عميقة: (لقد عهد إلى والدك الملك بقتلك!). فاعترى زفرة عميقة: (لقد عهد إلى والدك الملك بقتلك!). فاعترى الحزن الأمير آنئذ، وقال والخوف يكاد يعقل لسانه: (أناة أيها الصياد! أن روحي عزيزة على، فارحمني يرحمك الله!). وقرت في نفسه فكرة التنكر يرى الصياد، ففعل. وقفل الصياد راجعاً إلى القصر؛ أما الأمير فتوغل في الحرج. . .

وبعد مدة قصيرة، وردت ثلاث عربات مثقاة بالذهب والحجارة الكريمة إلى قصر لملك؛ وقد بعثها الملوك الثلاثة للأمير الأصغر، اعتراضاً بفضله عليهم عندما أعطاهم السيف ألذ هزموا به الأعداء، والخبز الذي ردوا به عادية الجوع الفاتك. وتجاوبت في نفس الملك آنئذ أصداء فكرة فقال: (لعل ابني يكون بريئاً؟!) وعض بنائه من الندم على إعدامه. ولكن الصياد كان في حضرته فصرخ بحدة قائلاً (أن ابنك لا يزال حياً يا مولاي، إذ لم يطاوعني قلبي على تنفيذ أمرك!) 00. وقص عليه ما جرى. فسرى عن الملك، وتقشعت آخر سحب الكآبة عن وجهه، وأمر بأن ينادي في طول البلاد وعرضها بأنه قد سمح لابنه بالعودة إلى كنفه.

وفي ذلك الحين كانت أميرة القلعة المسحورة، قد أمرت أن تفرش الطريق إلى قلعتها بالذهب الخالص الوهاج؛ وأمرت حشمها أن يسمحوا بالدخول فقط لمن يمشى على الذهب، وان يرجعوا كل من يطرق جان الطريق. وعندما حان الوقت الذي ذكرته الأميرة لعرسها المنتظر، طافت في نفس الأمير الأكبر الذهاب إلى القلعة، والإعلان بأنه عريس الأميرة. فامتطى جواده يؤم القلعة؛ وعندما وصل على مقربة منها، ورأى الطريق الذهبية أشفق أن يمشى عليها؛ ولذا جنح إلى الجهة اليسرى وعند ما وصل إلى الباب أشار الحراس عليه أن يعود أدراجه. وبعد ذلك، ركب الأمير الثاني في طريقه إلى القلعة. وعندما خطا جواده على الطريق بقائمتيه الأماميتين خشي أن يمشي فوقها، ولذا جنح إلى الجهة اليمنى ولدى وصوله إلى الباب، رفض الحراس أن يدخلوه، وأمروه أن يرجع من حيث أتى: وما الأمير الصغير الذي ظل طوال هذه المدة يجول في الإحراج مهدهداً آماله بالصبر، فتذكر أن الوقت قد أزف؛ ولذا ركب جواده ومشى على الطرق الذهبية وعندما بلغ لباب انفتح له على مصراعيه، واستقلته أميرة القلعة بكل ترحاب. وبعد مدة قصيرة احتفل بزوارها احتفالاً رائعاً؛ ثم أخبرت الأميرة زوجها أن والده قد عفا عنه، وانه جد مشتاق لرؤيته: فذهب في الحال إلى أبيه، وقص عليه كيف خانه أخواه وكيف هدداه بالقتل أن باح لأحد بشيء مما فعلاه. ولما اطلع الملك على جلبة الأمر عزم على معاقبة الأخوين. فلما علما بذلك لم يبق إمامها إلا أن يهجرا البلاد إلى غير رجعة.

القدس

كلية تراسانطا

ماجد فرحان سعيد