مجلة الرسالة/العدد 654/الحياة الأدبية في الحجاز
→ الملجأ الإسلامي الأول في عهد النبوة | مجلة الرسالة - العدد 654 الحياة الأدبية في الحجاز [[مؤلف:|]] |
هذا العالم المتغير ← |
بتاريخ: 14 - 01 - 1946 |
تتمة النهضة السعودية
للأستاذ أحمد أبو بكر إبراهيم
الخطابة:
لقيت الخطابة عناية فائقة من أدباء الحجاز في العهد الأخير، فسلكت طريقها إلى النهوض ووجدت في المجتمعات والأندية تشجيعا دفع بها إلى الأمام ولكنها مع ذلك لا تزال عند الحجازيين متأخرة عن الكتابة لأنها لا تروج إلا في الرجّات العنيفة التي تساق إليها الشعوب ولا تنمو إلا في ظل الخلافات المذهبية والسياسية، والحجاز - كما يعلم الناس جميعاً - آمن هادئ لا تتوزعه القلاقل ولا تثور به الخلافات، ثم إنه بعيد عن التحزب والحزبية ولا يعرف معنى المنافرات والمذاهب السياسية وهي تؤجج نيران الخطابة وتبعث فيها القوة والحياة.
ولعل الذي بعثفي الخطابة الحجازية بعض الحياة في العهد الأخير إنما هو نشاط الشبان ومساعدة أولى الأمر من الساسة وقادة الفكر؛ فهم يهتمون بالأندية الأدبية التي تقام في المدن الكبيرة ويولونها من عطفهم وعنايتهم ويمهدون لها السبيل لأداء مهمتها على الوجه الأكمل، فسمو الأمير فيصل والشيخ محمد سرور الصبان وغيرهما لهم أياد محمودة في تشجيع القائمين بها، فهم يشعرونهم دائماً بالعطف والتكريم؛ ولهذا نرى هذه النوادي جادة ناشطة، ونرى القائمين بها يحددون يوماً من أيام الأسبوع يجتمعون فيه حيث يستمعون إلى خطبة جيدة أو محاضرة قيمة حتى إذا ما انتهى القائل علقوا على كلامه بالنقد أو الإعجاب.
وليس في الحجاز من ألوان الخطابة غير خطب المحافل والخطب الدينية، ولعل أولهما أرقى من الثانية؛ إذ تقال في مناسبات التكريم وفي المحافل التي تكثر في الحجاز في موسم الحج وفي المدارس في المناسبات الكثيرة.
والخطب الدينية في الحجاز أقل من خطب المحافل؛ فلا تكاد تعدو خطب المساجد. ويظهر أن الحالة الدينية هناك لا تدعو إلى هذا اللون من الخطب: فالناس هناك منصرفون إلى العبادة، بعيدون عن الانغماس في الشهوات، وإنما يلقى هذا النوع من الخطابة رواجاً المجتمعات التي يحيد الناس فيها عن جادة الصواب فيجد الوعاظ عندئذ مجالا لدعوتهم ومحلا لعظاتهم، فلا يكاد الزائر يسمع هناك إلا الخطب التي تلقى في الحرمين والمساجد الأخرى في الجمع والأعياد.
وقد كان الارتجال غير معروف إلى عهد قريب في الحجاز، ولكن العهد السعودي الذي شمل كل ناحية بالقوة خلق في الناشئين من الخطباء الاعتداد بالنفس فارتجلوا في المناسبات الاجتماعية خطبا لها مكانتها الأدبية.
ولا بد لي أن أشير هنا في هذه الكلمة إلى أثر (المذياع) في الخطابة، فهو - وإن توهم بعض الناس انه قليل الخطر - ذو أثر فعال في هذا الفن من الأدب، فقد كان في السنين الأخيرة حلقة الاتصال بين لهجات الشرقيين: في النطق والمواقف ومقاطع الكلام، ولهذا تجد المحدثين من خطباء الحجاز يتأثرون الخطباء المصريين في مواقفهم وطرائقهم، على حين تجد القدامى منهم يختلفون عنهم في الأداء واللهجة، وما ذلك إلا لأن الحديثين نشئوا يستمعون إلى خطباء مصر فقلدوهم وتأثروا خطاهم، ولم يستطيع القدامى مجاراتهم في هذا السبيل بعد أن سلخوا عهداً طويلاً وهم على طريقتهم الأولى.
الصحافة:
لم يكن للصحافة خطر كبير قبل العهد السعودي وإن صدر بعضها قبله، فلما كانت الحياة الجديدة في ظل جلالة الملك عبد العزيز آل سعود، نشطت حركتها وأخذت تناضل في سبيل الأدب والإصلاح الاجتماعي، فكان يصدر منها إلى عهد قريب صوت الحجاز وأم القرى والمدينة المنورة وغيرها، وكان بجانب هذه الجرائد بعض المجلات التي تتناول الموضوعات العلمية والأدبية كمجلة المنهل لصاحبها الأستاذ عبد القدوس الأنصاري، وقد قرأت حديثا في كتاب (ماذا في الحجاز) للأستاذ محمد أحمد جمال أن هذه الصحف قد عطلت بسبب غلاء الورق ولم يبق منها إلا جريدة (أم القرى) وهي لسان حال الحكومة السعودية.
وكانت هذه الجرائد والمجلات مع اجتهاد أصحابها المحمود وعنايتهم المشكورة لا تزال بادئة ناشئة: فالجرائد لا تصدر إلا كل أسبوع أو نصف أسبوع والمجلات لا تصدر إلا كل شهر.
وكان الحجازيون يدركون هذا الضعف فيها ويودون لو تنهض فتساير زميلاتها في الأقطار العربية، وفي ذلك يقول الأستاذ عبد الحميد عنبر: (من حسنات العهد السعودي هذه الروح الصحافية القوية التي نراها في أطراف البلاد، فقد شجعت حكومة جلالة الملك عبد العزيز الصحافة في الحجاز وأعطت امتيازات لعدة جرائد ومجلات صدر منها البعض وتوقف، وبعضها لا يزال يصدر حتى الآن، ومنها ما أعطى امتيازه ولم يصدر حتى الآن. ونحن نسأل لِمَ لم يصدر ما أعطى امتيازه؟ ولِمَ توقف عن الصدور ما كان صادراً؟
ذلك لأن الصحافة لم تستقر لدينا على أساس قوي وأنها في حاجة إلى تنظيم، كما أنها في حاجة إلى صحافيين مدربين يستطيعون قيادة الجماهير، وغرس المبادئ الوطنية والأخلاق الرفيعة في نفوسهم).
ويرى الأستاذ محمد جمال كذلك: أن في الحجاز تربة صالحة للصحافة ولكن ينقصها رجال الصحافة الماهرون.
ويبدو لي أن الصحافة في الحجاز لا تسمو إلى المنزلة التي نرجوها لها إلا إذا توافر لديها المال الكثير الذي تؤمن به حياتها وتقوي نواحيها المختلفة؛ فيكون لها بعد ذلك مراسلون في الأقطار المختلفة يوافونها بأخبار العالم، ويشترك في توجيهها طبقة متمرنة من صحافيي العرب في الأقطار الأخرى حتى تشتد وتقوي، وعندئذ نأمل لها الفوق والرواج؛ فالتشجيع الحكومي قائم، ولم يبق إلا العمل مع الأخذ بالأسباب.
وأهم ما تعنى به الصحف الحجازية النواحي الاجتماعية والأدبية والأخبار المحلية وبعض ما تقتطفه من حوادث العالم نقلا عن الصحف الكبرى. ويمتاز أسلوبها بالهدوء والاتزان؛ فلا نجد فيها تلك الثورةالجامحة التي نجدها في صحف مصر نتيجة للخلافات الحزبية الكثيرة، فإذا كان هناك من حماس ففي بعض مقالات النقد الأدبي والإصلاح الاجتماعي.
(تم البحث)
أحمد أبو بكر إبراهيم