مجلة الرسالة/العدد 608/الحرب والعلم
→ رسالة الفن | مجلة الرسالة - العدد 608 الحرب والعلم [[مؤلف:|]] |
هذا العالم المتغير ← |
بتاريخ: 26 - 02 - 1945 |
للأستاذ محمود عماد
أصِلح المذياع نسمع ما يذاع ... أفلا نَنعم حتى بالسماعْ
إن تلك الحربَ أودتْ بالمتاعْ ... في مناحي اللمسِ منا والبصرْ
ذَكروا الصُّلح فقلتُ استعْجَلوا ... أفلم يبقَ لديهمْ مَنزلُ
يُبتلى أو يبقَ حيُّ يُقتل؟ ... إنما الشر بخير والضررْ!
أنْ سِتَّا من سنين دامياتِ ... لفناءِ الأرضِ ليست كافياتِ
لم نزل فيها بقايا من نباتِ ... وبقايا حيوان وبشرْ
لم تزل في الأرض نيرانُ مواحقْ ... في البراكين استقرتْ والصواعقْ
وبأضلاع وأكباد حوانقْ ... مثل سقطِ الزندِ ترمى بالشررْ
إن يكنْ أعياهمو هَرْسُ الفرائسْ ... لحديد لم يُوفرْ للمهاراسْ
فلديهم بعدُ صلبانُ الكنائسْ ... ومن الأجراسِ شيءُ مدخرْ
صار ما قد حرَّموا للحرب حِلاَّ ... لو أرادتْ ضربوا الليلَ فولى
أو رموا بالصبح عنه فتدلىَّ ... ثم قدُّوا الشمس أو هدوا القمرْ
كيف ننسى أسْهما جِدّ بِطانِ ... من مدَار الجَدْي تُلقى في اتزانِ
فيُلَقَّاها مدارُ السَّرطانِ ... منْ تُرى يحملها طول السفرْ؟
هو جِنِّيٌّ له في الجِنْةِ اسمُ ... واسمه العِلُم فهلْ عندكَ عِلمُ؟
أينَ منه قُمقمُ صُلبُ وخَتمُ ... لِسليمانَ كما تَروي السيرْ؟
لا بجيدُ العِلمُ أن يُحيَ ميتا ... بينما يبدعُ في الأحياءِ موتا
فهو مجنونُ وإن خِلناه ثَبتا ... وجنونُ العلم مرهوب الأثرْ
هو دجالُ يرينا الضرَّ نفعا ... وإذا أَحسنَ وترا ساء شفعا
فاحذروا يا قوم من قد جاء يسعىَ ... هاهو الدَّجالُ في الدنيا ظهرْ
إن يقل أنيَ سخَّرتُ الحديدا ... أو يقل أني أدنيت البعيدا
أو يقل طرتُ وجاوزت الحدودا ... فلويلٍ وثبور وخطر!
يُتعبُ الجاهل قتلُ اثنين غدْراً ... بينما العالم يُفْنِي الألف فوراً أي هذين إذن أكثرُ شراً؟ ... لا تقولوا الشِّعرُ بالعِلم كفر
لستُ رجعيا إذا كنتُ أَصيح ... ارجعوا للغابِ فالغاب مريحُ
إن يكن في الغاب زأر أو فحيح ... يُنْجنا منه قليلُ من حَذَر
ليس يؤذينا لدَى جار شجارُ ... بينما اليومَ إذا لاحَ شرارُ
عند قطبٍ غالتْ الآخرَ نارُ ... كم لقطب عند قطب من وطر!
لا تحبُّ الجهل بل تنشد أَمنا ... أن أتى العلم به بالعلم دِنَّا
وإذا اعتدَّ بسكينٍ هتفنا ... امنعوا الجزار عن وادي البقر
ما بحسبي أنني أن رُمت أمراً ... نلتُه فوراً إذا حركتُ زرْا
فبهذا الزِّر قد أُصْهرُ صَهراً ... ليتَ منْ أَخلص يوما ما غدرْ!
أننا عن كلْ نفع في غَناء ... أن يكن من نوع نفع الكهرباءِ
فالذي يكمنُ فنها من بلاءِ ... بعد هذا لجديرُ بالنظر
أن حرب العلم أوحت دون علم ... أن حرب الجهل كانت شبه سَلْم
والذي اليوم رمى أولَ سهم ... شرُّ سهمٍ هو في قوس القدَر
عصَّبوا الحرب وغطَّوا مقلتيها ... فمضت في الأرض ترعى جانبيها
ليت شعري ما الذي أبقيت عليها ... ليردَّ الجوع عنهم إن حضر؟
أنهم قالوا خشينا الموت جوعا ... فشَبَبْنا الحرب كي نحيا جميعا
أفلم يَلْقَوا بها موتا شنيعا؟ ... لم يشبوها لجوع بل بَطَرْ!
بل همو جاعوا بها لم يشبعوا ... والذي قد أشبعوه المدفع
ونسورُ في الصَّياصِي جوّع ... حَمِدَ الظيف قراهم وشكرْ
اسألوا (الفُهْرُرَ) كمْ (دنزيجَ) أُوتِي ... واسألوا (الدُّتْشِي) أَتاهُ كمْ (جبوتِي)
كم (بروما) من كراس وبيوت ... دكَّها (كرسي القناة) المنتظر؟
أين يا (دتشي) حصان أبيض ... فوقه جئت (لمصر) تركض
ما له من بعد جهد يرفض ... عبر (مصر) وبك البحر عبر؟
رمت تبني ما بنى (اسكندر) ... فتولى ما بناه (قيصر)
ما الملايين التي تستنفر؟ ... الملايين الثمانون صور قلت: أن قلتُ لجيشي هات (مصرا) ... نال (مصرا) ثم نال (الهندَ) قهرا
أَلهذا فات (روما) ثم فرَّا ... و (طرابلس) و (تانا) و (هرر)؟
كم على دبابة قد قمتَ تهزي ... وتهزُّ السلم فينا أي هزَّ
فاخطب اليوم على دودة قزّ ... وارقب الهزَّ بأوراق شجر!
اهبطْ القيعان من بعد الروابي ... واصحب (الفُهْرُرَ) يا خير الصِّحاب
واخطبا الناس بسلم مستطاب ... بعد حرب، فمن القاع الدرر!
اخطبا اليوم بآيات كريمة ... واذكرا الرحمة من بعد الهزيمة
أين كانت هذه النفس الرحيمة ... عندما شارفتما (بحر الخزر)؟
يا شرار الأرض ليس العيش شراً ... أنَّ خيراً أن يكون العيش خيرا
ليست الدنيا لكم إلا ممراً ... كيف يرجى في ممر مستقر؟
أن نور الشمس حقُّ للجميع ... فبم اختصّ فريقُ بالشموع
ليتهم يقضون فيه بالشيوع ... عندما يُحْصونه في (المؤتمر)
محمود عماد