مجلة الرسالة/العدد 528/في استقلال القضاء
→ المشكلات | مجلة الرسالة - العدد 528 في استقلال القضاء [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 16 - 08 - 1943 |
(إلى حضرة صاحب المعالي المصلح الكبير الأستاذ محمد صبري أبي علم باشا تقديراً لقانونه الفذ، وتحية لشخصه الكريم)
للأستاذ محمود الخفيف
بَشَّرْتَ باسْتِقْلاَلِهِ الأجْياَلاَ ... وَجَعَلْتَهُ حَقَّا وَكانَ خَيالا
أَمَلٌ تَطلَّعَتِ البِلاَدُ لِيَوْمِهِ ... مُنْذُ احْتَوَى دُسْتُوُرُها الآمالا
ظمئت لَهُ مِصْرٌ وَطالَ أُوَامُها ... حتَّى سَقَيْتَ بهِ العِطاشَ زلاَلا
عَجِبوا لِسَعْيِكَ إِذْ بَلَغْتَ بِهِ المدى ... ولَطَالَما ألِفوا الوُعُودَ مِطالاِ
عَدوا لَهُ الأيَّامَ فَهِيَ قَصِيرَةٌ ... لَكِنَّهُمْ وَجَدُوا خطاَكَ طِوالا
وَتَلَفَّتَ التَّارِيخُ يَكْتُبُ صَفْحَةً ... غَرّاَء، جَلَّتْ شَاهِداً وَمِثالا
أُسُّ العَدَالَةِ أَنْتَ بَاني رُكْنِه ... فَابْلُغْ بِهِ هَامَ النُّجُومِ كمالا
العَصْرُ تَظْمَأُ للِعْدَالَةِ رُوحُهُ ... لما رأَى الطُّغْيانَ سَاَء مآلا
هِيَ أَصْلُ كُلِّ حَضَارَةٍ وسكينَةٍ ... وَهِيَ الجمالُ لِمنْ أَرادَ جَمَالا
مَا قِيمَةُ الدُّنيا وَمَا نِعَمُ الحَيَا ... ةِ إذا الطُّغَاةُ اسْتَعْبَدُوا الأعْزالا؟
وَلِمَ التَّفاوُتُ في سُلاَلَةِ آدَمٍ ... أَوَلَمْ يكونوا كُلَّهُمْ صَلْصَالاَ؟
العَدْلُ إن قَامَتْ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ ... لَمْ تَلْقَ ذا خَتْلٍ وَلاَ رِئْبَالاَ
وَإذا تَنَكَّبَتِ العَدَالَةَ أُمَّةٌ ... فَقَدْ ارْتَضَتْ هَذِى الحَيَاةَ وَبَالا
يَحيا عَلَى الطُّغْيَانِ كُلُّ مُسَلَّطٍ ... فِيهَا وَيُنْشِبُ ظُفْرَهُ مُغْتالا
فإذا الرِّجَالُ بِهَا ضَوَارِي غَابَةٍ ... وإذا المَدَائِنُ أصْبَحَتْ أَدْغالا
رُسُلُ العَدَالَةِ في البِلاَدِ قُضَاتُها ... أَعْلَى الرِّجَالِ مَهَابَةً وَجَلاَلاَ
بَذلوا لِمِصْرَ جُهُودَهُمْ مَوْصولَةً ... وَتَحَمَّلوا في حُبها الأَثقَالا
تاَللهِ مَا وَهَنُوا ولا بَرِموا وَلاَ ... مَنُّوا ولا كانوا بِهَا بُخَّالا
لَمْ يَأْمَنْوا وَهُمْ القضَاةُ مُنَاجِرَا ... غِرَّا، يُدِلُّ بِبَأْسِهِ إدْلاَلا
أوْ يَأْمَنوا في الحقِّ صَوْلَةَ غاشِمٍ ... لمْ يَرْضَ إلاَّ مَا يَقُولُ جِدَالا
صَبَرُوا عَلَى الأعْنَاتِ صَبْرَ أَعِزَّةٍ ... وَلَوْ انَّهُمْ رُزِئوا بِهِ أَشْك أَحْرَى بِمَنْ يَحْميِ الحقوقَ قَضَاؤهُ ... أَلاَّ يَرَى عَنتاً وَلاَ إضلاَلاَ
وَبِمَنْ يُخيفُ الظالِمين عِقَابُهُ ... أَلاَّ يَخَافَ عُقوَبةً وَنكالاَ
وَبِمَنْ يَفُكُّ عَنِ السَّجِينِ قُيودَهُ ... ألاَّ يَهَابَ شَكيِمَةً وَعِقَالاَ
وَبِمَنْ يُنِيرُ لَهُ السَّبِيلَ ضَمِيرُهُ ... ألاَّ يُزِيغَ لَهُ الهوى اسْتِدْلالا
وَبِمَنْ يُدِيرُ إلى المَصَاعِبِ بالَهُ ... ألاَّ تَكِدَّ لَهُ الشَّوَاغِلُ بالا
قُلْ لِلْوَزِيرِ فَعَلتَ فِعْلَ مُؤَسِّسٍ ... كانَ الأصِيلَ العَبْقَرِيَّ فِعَالاَ
العَصْرُ لَمْ يَعْرِفْ لِفِعْلِكَ مُشْبِهاً ... وَتَقِلَّ، إنْ عَدُّوا لَكَ الأمْثَالا
فَضْلٌ يُضَافُ إلى مآثِر مَاجِدٍ ... ما زال يُولي قَوْمَهُ الأفْضَالا
لِلِه إذْ يَسْعَى وَيَدْأَبُ جَاهِداً ... مَا كانْ ذا مَنٍّ وَلاَ قَوَّالا
مُتَوَاضِعٌ حَتَّى لَيُخْفِى سَعْيَهُ ... وَتَرى الزَّمَانَ بِسَعْيِهِ مُخْتَالاَ
لَوْلاَ شوَاهِدُ لاَ تكونُ لِغَيْرِهِ ... نَسَبَ الرُّوَاةُ لِغَيْرِهِ الأفْعالا
وإذا الرِّجَالُ بَنَوْا حَقِيقَةَ مَجْدِهِمْ ... تَرَكُوا الكَلاَمَ وَأَنْطَقُوا الأعْمَالاَ
هَذَا الّذِي هَزَّ الوزَارَةَ باسمِهِ ... كَم جالَ أَيَّامَ الجِهَادِ وَصَالا
لبّى نِدَاَء اَلْحقِّ فيِ أَوْطَانِهِ ... لَمَّا دَعا سَعْدٌ بهِاَ الأشْبَالاَ
عَرَفَ الزَّعِيمُ لَهُ كَرِيمَ خِلاَلِهِ ... فَرَأَى الْبَشاَشَةَ مِنْهُ وَاْلإِقْبَالا
فإِذَا نَظَرْتَ إِلَى اْلعَرِينِ وَجَدْتَهُ ... وَرَأَيْتَ مِلَْء إِهَابِهِ اسْتِبْسَالا
وَإِذا الْحَماسَةُ أَنْطَقَتْهُ سَمِعْتَهُ ... في اَلْحقِّ أَرْوَعُ مَا يَكُونُ مَقَالا
الصّدْقٌ وَالإيمَانُ في نَبَرَاتِهِ ... وَلَقَدْ تَمَلّكَ سَمْعَكَ اسْتِهْلالا
وَمَضَى فَهَزَّكَ بالْبَيَانِ يَسُوقَهُ ... سِحْراً تَرَشَّفَهُ النُّفُوسٌ حَلالا
مُتَدَفِقاً كالْمَوْجِ يَهْدُرُ تاًرَةً ... وَتَرَاهُ حِيناً هَادِئاً سَلْسَالا
نَبْعٌ تَفَجَّرَ مِنْ قَرَارَةِ نَفْسِهِ ... فأَرَاكَ أَوْصاَفاً لَهُ وَخِسلالا
نَبُه اسْمُ صَبْرِي الشَّبَابِ فماَ ازْدَهَى ... يَوْمًا وَلا بَاهَى بِهِ وَاخْتَالا
وَاليَوْمَ تَرْمُقُ مِنْهُ بَدْراً كامِلاً ... قَدْ تَمَّ في أُفُقِ الْعَلاءِ خِصَالا
سِمَهُ النُّبُوغِ عَلَى كَرِيمِ جَبِينِهِ ... مِنْ يَوْمِ أَنْ بَهَرَ الْعُيُونَ هِلالا
هَذَا خَلِيفَةُ سَعْدٍ انظُرْ هل تَرَى ... صَبْرِي لَدَيْهِ تَقَدَّمَ الأبْطَالا لا غَرْوَ إِنْ هُمْ قَدَّمُوهُ فَقَدُ رَأَوْا ... سَيْفاً تَناَهَي رَوْعَتً وَصِقاَلا
مَا فَلَّ طًولْ جِهَادِهِ عَزْمَا له ... يَوْمَا وَلا اطَّرَحَ الْجِهَادِ مَلالا
مِلْءٌ الْقُلُوبِ رَزانَةً وَجَلالَةً ... وَحَمَاسَةً وَتَوَثَّباً وَنِضاَلا
قَدْ لازَمَ الصِّدِّيقَ في وَثبَاتِهِ ... أَيَّامَ خَاضَ إِلى الْمُنَى الأهْوَالا
مَا كانَ إِلا الْحُرَّ يَحْمَي عَزْمهُ ... في الحَادِثَاتِ وَقَدْ عَصَفْنَ سجَالا
لما أَدَارَ إلى القَضَاءِ جُهُودَهُ ... نَسِى الكَلالَ فما يُحِسُّ كلالا
وَلَكَمْ تَحَمَّلَ غَيْرَ هَذا دَائِبَا ... من قَبْلُ أَعْبَاءِ وَكُنَّ ثِقَالا
مَدَّ الرَّئيسُ له يَمِينَ مُحَرِّرٍ ... بالأمْسِ حَطَّمَ في الْحِمَى الأغْلالا
نَصَرَ القَضَاَء وَنَاصَرَ اسْتِقْلالَهُ ... مَنْ أَلْبَسَ الأوْطَانَ الاسْتِقْلالا
الأرْوَعُ الْمُسْتَبْسِلُ الْبَطَلُ الّذِي ... أَعْيَتْ كِبَارُ جُهُودهِ الأقوَالا
مَاذَا أَقُولُ؟ وأَيْنَ من وَثَباتِهِ ... شِعْرِي وَلَوْ بَلَغَ السَّمَاَء وَطَالا
هَذَا الذي لاَقَى الخُطَوبَ بِبَأْسِهِ ... فإذا بِهَا قَدْ زُلْزِلَتْ زِلْزَالا
وَإذا بِهِ الجَبَلُ الأشَمُّ وَحَوْلَهُ ... أصْحَابُهُ وَقَفوا لَدَيه جَبالا
صَبْري إليْكَ تَحِيَّةٌ مِنْ شَاعِرٍ ... أَمْلَي عَلَيْهِ وَفَاؤه ما قَالا
أَنَا مَنْ يُغَنِّي بالبُطُولَةِ شِعْرُهُ ... وَأَصُوغُ غَالَيِ دُرِّهِ إِجلالا
لازِلْتَ في سَمعِ الزَّمَان قَصِيدَةً ... غَنَّى بها الأسْحَارَ والآصَالا
الخفيف