مجلة الرسالة/العدد 414/الحديث ذو شجون
→ الإسلام والعلاقات الدولية | مجلة الرسالة - العدد 414 الحديث ذو شجون [[مؤلف:|]] |
الحياة الزوجية في نظر الإسلام ← |
بتاريخ: 09 - 06 - 1941 |
للدكتور زكي مبارك
حرية الرأي في القديم والحديث - التضامن الأدبي - المال والبنون - الباقيات الصالحات من الشمائل الإنسانية - لا تنزعجوا - تهديد طريف!
حرية الرأي
كنت قلت: إن الناس في عصر الظلمات كانوا يجهرون بآراء لا نستطيع روايتها في هذا الجيل، فهل يكون معنى ذلك أن القدماء كانوا أشجع؟ وهل يكون معناه أنهم كانوا أبصر بمذاهب النفوس، وأقدر على تصريف الآراء؟
الواقع أن أرباب الفكر في هذا العصر أكثر نفاذاً إلى الدقائق، وأعرف بشؤون المجتمع، وأهدى إلى أسرار المشكلات والمعضلات، بفضل ما أتيح لهم من وسائل الفهم والإدراك
فكيف يتفق أن يكون المحصول الفكري في هذا الجيل أقل من أمثاله فيما سلف من الأجيال؟ أو كيف جاز أن يمرّ محصولنا الفكري بدون ضجيج يوقظ غافيات العقول؟
يرجع السبب فيما أرجَّح إلى ظاهرتين تتصل أولاهما بالقارئ وتتصل الثانية بالكاتب، وفي تفصيل ذلك أقول:
كان القراء قديماً من الخواصّ، أو خواصّ الخواصّ، بسبب شيوع الأمية، وبسبب غلاء المؤلفات، أو ندرتها في بعض الأحايين، فقد قضى ابن خلدون عمره وهو يتشوف إلى الاطلاع على جزء من كتاب الأغاني، ولعله مات قبل أن يظفر بما يريد. وحدثنا صاحب (الطراز) أنه عجز كل العجز عن الوصول إلى مؤلفات عبد القاهر الجرجاني في البلاغة، مع أنه كان على جانب من الغنى والجاه، وعلى اتصال بجماعة من الأمراء في مختلف الحواضر الإسلامية وعرفنا فيما قرأنا أن بعض الباحثين كان يقصد مناسك الحج لينادي علناً في عرفات عن رغبته في اقتناء كتاب لم يستطع الوصول إليه برغم ما بذل في سبيله من عناء
هذا يؤكد أن القراء قديماً كانوا من الخواص، أو خواص الخواص، وذلك هو السر في عدم تهيُّب المفكرين من إعلان ما يجول بصدورهم من آراء وأهواء، فقد كان المفكر يحادث قراءه كما يحادث أصفياءه، لثقته بأنهم فئة ممتازة تفهم عنه ما يريد بلا تزيد ولا تحريف، وذلك أيضاً هو السر في أن تعابير القدماء تغلب عليها الصراحة، ويَسود فيها الصدق، وقد تُوصَم بالعُرْي في بعض الأحيان
ولا كذلك القراء في هذا العصر، فهم يُعدّون بالألوف وألوف الألوف، فمن العسير أن يكونوا جميعاً من الخواص، وربما جاز القول بأن جمهرتهم من العوامّ، أو عوامّ الخواصْ، وهذه الحال تفرض على المفكر أن يحتاط في عرض ما يجول بصدره من آراء وأهواء، وذلك هو السبب في تعابير أهل العصر تعوزها الصراحة، ويقل فيها الصدق، ولا تخرج سافرة أو عارية، كبعض تعابير القدماء، وإنما تخرج ملفوفة في أثواب من الرمز والإيماء والتلميح، إن لم يحملها الإسراف في حب السلامة على التدثر بأثواب من المداهنة والمصانعة والرياء
فإن رأيتم جماعة من المفكرين يدورون حول أغراضهم في تردد وتهيب وإشفاق فاعرفوا أنهم يصانعون قراءهم (الألباء) واذكروا أنهم لا يملكون من حرية التعبير غير أطياف، وإن قيل وقيل بأنهم يعيشون في القرن العشرين!
وهل كان التفاوت بين طبقات القراء هو كل ما يعوق الفكر في هذا الجيل؟
هنا يجئ القول بالفرق بين حال الكاتب في هذا العصر وحال الكاتب في العصور الماضية
فالكاتب قديماً كان في أغلب أحواله رجلاً قليل التأثر بضجيج المجتمع، لأن آراءه لم تكن تصل إلا إلى جمهور ضئيل يُعد أفراده بالعشرات أو بالمئات، ولأنه لم يكن يفكر إلا قليلاً في التطلع إلى المناصب التي تفتقر إلى ثقة المجتمع؛ فأكثر المفكرين القدماء لم يكونوا رجال سياسة ولا رجال أعمال، فقد كان فيهم جماعات يعيشون في عزلة رهبانية ولا يهمهم غير التعبير عن أغراضهم بحرية وصراحة وجلاء، ولم يتعرض منهم للأذى والقتل غير من طاب لهم أن يواجهوا مشكلات السياسة أو معضلات الدين
أما الكاتب هذه الأيام فله حال وأحوال
هو أولاً رجل يخاطب الألوف وألوف الألوف، وفيهم أذكياء وأغبياء وأعداء وأصدقاء، وهو عن مراعاة أهوائهم مسئول وهو ثانياً رجل يهمه أن يتمتع بحقوقه المدنية، وقد يتسامى إلى كبار المناصب، وذلك يوجب الحرص على مسالمة المجتمع في أكثر الشؤون
الكاتب في هذه الأيام يعرف جيداً أنه يعيش تحت رقابة عنيفة من الدولة ومن المجتمع، وهو مقهور على مراعاة تلك الرقابة ما دام يتطلع إلى بعض المناصب العالية، وهي مناصب لا تمنحها الدولة إلا لمن يرضى عنهم المجتمع، وهنا يكون الخطر على حرية الفكر والرأي، ويكون الجحود لما وهب الله الناس من قلوب وعقول
التضامن الأدبي
وبعد عرض هذه الصورة التي تمثل ما صرنا إليه نوجَّه الأسئلة الآتية:
هل من مصلحة مصر - ولها الزعامة الأدبية في الشرق العربي والإسلامي - أن يشعر المفكرون من أبنائها بأنْ لا سبيل إلى الظفر بما تؤهلهم له مواهبهم من كبار المناصب إلا بمصانعة الدولة ومصانعة المجتمع؟
وهل من الخير لمصر أن تكون مناصبها العلمية والأدبية وقفاً على من يملكون أكبر نصيب من القدرة على إخفاء ما يثور في صدورهم من آراء وأهواء؟
وهل من الممكن أن يزدهر الأدب العربي وهو مصدودٌ عن الترجمة الصحيحة للأزمات التي تضطرم في صدور أهل هذا الجيل؟
وكيف تقوى لغتنا على منافسة اللغات الحية وهي أداة ضعيفة بسبب الكَبْت المفروض على قادة الفكر وحَمَلة الأقلام؟
نترك الدولة ونترك المجتمع إلى أن تفهم الدولة ويفهم المجتمع أن حرية الفكر والرأي هي المزية التي يُفضَّل بها الشعوب على بعض، ونسأل رجال الفكر والرأي عن واجبهم في حماية الأقلام والعقول، وما سألناهم هذا السؤال إلا ونحن نعرف أنهم آخر من يتقدمون لحماية الفكر والرأي من عدوان المخادعين والمرائين
ومعاذ الأدب أن أُنكر أن الأدباء يتعاونون ويتساندون من وقت إلى وقت، ولكني مع ذلك أشعر بأن التضامن الأدبي غير موجود بمعناه الصحيح
وكيف أطمئن إلى وجود التضامن الأدبي وأنا أعرف أن الأديب لا يجد من ينصره إذا تنكرت له الدولة أو تنكر له المجتمع؟
الأديب لا يعيش عيشاً مقبولاً في مصر إلا إذا راض نفسه على شمائل ينفر منها الذوق في أكثر الأحيان، كأن يعلن أنه راضٍ عن كل ما اتفق عليه العُرف من عادات وتقاليد، وكأن يتبرأ من كل من يتعرض لنقد الشرائع والقوانين لا يعيش الأديب في مصر إلا إذا تخلق بأخلاق فلان. وفلان هذا رجل عاقل إلى أبعد حدود العقل. هو رجل يواجه قومه بما يحبون، فيدعوهم إلى السلم إن جنحوا للسلم، ويدعوهم إلى الحرب إن مالوا إلى الحرب؛ وهو يساير أهواءهم بخضوع لا نظير له ولا مثيل، وكأنه حمل مشدود إلى ظواعن القطيع!
ولفلان هذا زملاء يشاطرونه التمتع بنعمة (العقل) ولن يتقدم الأدب على أيديهم خطوة واحدة، لأن الأدب لا يحيا إلا في جو الحرية الفكرية والوجدانية؛ ولأن الأدب لا يعترف بوجود المرائين، ولو جُنّ الدهر فخلع عليهم أثواب الغنى والأمان.
الأدب ينتظر ثورة وجدانية وروحية وعقلية ليعلن حقه في الوجود
الأدب يطمع في أن يكون أداة التعبير عما في هذا العصر من أوهام وأحلام وحقائق وأباطيل، فيرج الأذهان والعقول بأقوى وأعنف مما يصنع الزلزال
الأدب يريد أن يكون صوراً صوادق لما عند أهل العصر من فجور وعفاف وإلحاد وإيمان، ليشعر الناس بأن الأدب ليس زخرفاً من القول، وإنما هو بعث وإحياء
ولكن الأدب سيظل مقيداً مغلولاً إلى أن يعرف أهله قيمة التضامن الأدبي، فمتى يعرفون؟ ومتى نطمئن إلى أن حرية الرأي لها أنصار بين أعلام الفكر وأقطاب البيان؟
لو ضمنا عطف الأدباء بعضهم على بعض لزهدنا في رفق الدولة وعطف المجتمع، فنحن ننتظر أن تقوم للأدب دولة تعصم أبناءها من التعرض لأذى الجاهلين، وتغنيهم عن انتظار الرزق الحرام، وهو الرزق المجلوب بمصانعة أهل الغفلة والجمود
المال والبنون
كنت أنكر على علماء النحو أن يقولوا إن واو العطف لا تفيد الترتيب، وكانت حجتي أن البليغ يقدم الأهم على المهم حين يعطف بالواو، بدليل قول القرآن: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) فما قدَّم المال إلا لأنه آثر في زينة الحياة من البنين
ثم تذكرت هذه الحقيقة النحوية حين قرأت كلمة الأستاذ عباس العقاد في التعقيب على الكلمة التي نصصت فيها على حقوق الوارثين؛ فقد كنت قررت أن انعدام الميراث يشل العزائم الإنسانية، ويروض الناس على الاكتفاء بجمع ما يغنيهم يوماً بيوم
ويرى الأستاذ العقاد أن طلب المال كطلب العلم، فهو فطرة لا تتوقف على التوريث ولا على ما يعقبه الأدباء للأبناء وهذا الرأي حق، وقد تذكرت به الكلمة المنسوبة إلى الرسول (جائعان لا يشبعان: طالب علم وطالب مال)، أو لعله قال: (منهومان)، فما أذكر بالضبط نص هذا الأثر النفيس
وصدَق الأستاذ العقاد فيما رواه من أحوال ناس ليس لهم أعقاب ولا يُخشى على أموالهم النفاذ لو بسطوا فيها الأكف بالإنفاق عشرات السنين
وأنا لم أبعد من الصدق حين قررت أن انعدام الميراث يشل العزائم الإنسانية، فأمامي أحوال كثيرة تشهد بأن الرجل تفتُر عزيمته في جمع المال حين يشعر بأن أملاكه قد تصير إلى غير من يحب من الأقربين، أو حين يرى أن أبناءه ليسوا من النجباء، وأن أملاكه قد تبدَّد بعد موته بقليل. وتلك أحوال يعرف منها الأستاذ العقاد مثل الذي أعرف، وهو نفسه قد نصّ على لون من لوعة الآباء حكاه له الدكتور يعقوب صرّوف
الذي يهمني هو رأي الأستاذ العقاد فيمن يجمعون المال ويحرصون عليه مع يقينهم بأنه لا وارث لهم غير من يتمنون لهم الموت من لئام الأسباط أو لئام الأقرباء
ما رأي الأستاذ العقاد في هؤلاء من الوجهة الأخلاقية؟
الجمهور يرى هؤلاء من الغافلين، وقد نُظمِت فيهم أشعار، وقيلت فيهم أمثال، وتعقَّبهم الناس بالغمز واللمز في جميع العصور وفي جميع البلاد
أما أنا، فأرى هؤلاء على جانب عظيم من قوة الإحساس بالوجود، وأراهم نماذج حسنة من الوجهة الخلُقية. . . ولكن كيف؟ وهل من السهل أن تنقض نظرية رحب بها الناس منذ مئات الأجيال؟
أخاطر مرة جديدة فأقول: إن حب المال دليلٌ على العافية الروحية، فما يحب المال غير الأصحاء، ولا يزهد في المال غير الأموات أو أشباه الأحياء
والمال يفرض على محبيه أن يكونوا من أهل النشاط والنظام والتدقيق، وتلك شمائل لا يتصف بها غير أهل العافية الروحية وإن أعوزَتهم العافية البدنية. أما الزاهدون في المال، فهم خلائق ضعاف لا يصلحون لدنيا ولا دين
والشخص الميت هو الذي لا يعرف قيمة المال، ولا يفهم - لأنه ميت - أن المال سناد الأحياء، وأنه شاهدٌ على أن أصحابه أدَّوا واجبهم في مصارعة أمواج الوجود وأنا أؤكد هذا القول بعنفٍ يصل إلى الإلحاح البغيض، لأني أرى أهل مصر في احتياج إلى من يدق ناقوس الخطر ليذكرهم بوجوب التأمل في هذه المعاني
أنا أكثرت من القول في هذه الشئون، حتى صح للدكتور إبراهيم ناجي أن يقول في إحدى المحاضرات بأن أدب زكي مبارك مستوحّى من غريزته في حب الحيازة والامتلاك
ولو كان هذا القول صدقاً في صدق، لبحثت عن أسلوب غير الأسلوب الذي ارتضيته في حياتي، وهو احتراف التعليم والتأليف، فمن المؤكد أن الأوقات التي أبذلها في خدمة الحياة الأدبية، كانت تجعلني أغنى الناس لو بذلتها في الاتجار بالتراب
الحياة خدعتْنا فزينت لنا احتراف التعليم والتأليف، فما الذي يوجب أن نطوي عن قومنا ما فطنّا إليه بعد فوات الوقت؟ نحن نرى أن جمع المال ليس بعيب، ونحن ندعو مواطنينا إلى الاعتصام بالمال، فقد قدمه الله على الاعتصام بالبنين
المفتونون بجمع المال هم في نظري أعرف الناس بقواعد الأخلاق!
وهل أخطأ أسلافنا حين قررّوا أن الغنيّ الشاكر أفضل من الفقير الصابر؟
الفقر كريه الطعم، قبيح اللون، فاقتلوه حيث ثَقِفتموه
الفقر فضيحة علنية. الفقر أكبر الذنوب، وأشنع العيوب
حاربوا الفقر، حاربوه، حاربوه، فهو أقدر البلايا على إذلال الرجال!
يقول المثل الفرنسي: (قل لي مَن تصاحب، أقل لك من أنت)
وأنا أقول: (قل لي ماذا تملك، أقل لك من أنت)
أقبح عيب يوصَم به الغني هو البخل، وأقبح عيب يوصَم به الفقير هو السؤال، وما أبعد الفرقَ بين البخل والسؤال!
هل يعرف الغافلون من الذين يشتموننا ظالمين أننا لم نَدْعُهم إلا إلى إكرام أنفسهم بالحرص على طلب الرزق الحلال؟
الذي لا ينفق عشر ساعات من كل يوم في طلب الرزق ليس بأهل للعيش
والذي لا يجعل من همه أن يعيش مستوراً ويموت مستوراً ليس بأهل للظفر بنعمة الكرامة الذاتية
والذي يعجز لفقره عن إنجاد إخوانه من وقت إلى وقت لا يجوز له التوهم بأنه من أحرار الرجال
الغِنَى أجمل مظهر من مظاهر الأخلاق، جعلنا الله جميعاً من الأغنياء!
الباقيات الصالحات من الشمائل الإنسانية
يذكر أخونا الزيات - حفظه الله ورعاه - أني أرسلت إليه كلمة سايرني خيالها في تجوالي بين الإسكندرية وأُسوان، وأنه طوى تلك الكلمة لأسباب لا يجهلها القراء؛ فهل أستطيع أن أسجل أن الإنسانية لا تزال فيها شمائل من الباقيات الصالحات؟
من شمائل الإنسانية في هذا العصر أن من الممكن أن تُعفَى بعض المدائن من أهوال الحرب، إذا شاء أهلوها أن يجعلوها في أمان من البلاء
ومن شمائل الإنسانية في هذا العصر أن يُعفَى (اتحاد البريد) من التعطيل، ولو وُجَّهتْ رسائله إلى ميادين الحروب
وبفضل هذه الشمائل الإنسانية حمل إلى البريدُ كتاباً من حضرة الأستاذ غالب المؤيد العظم، وهو يعلن رضاه عن مجلة الرسالة، وعن المقال الذي نشرته بعنوان: (الفرد هو الحجَر الأول في بناء المجتمع)
فإلى ذلك الأستاذ الفاضل أقدَّم أصدق التحيات، وأرجوه أن يعفيني من نشر قصيدته في الثناء على صاحب ذلك المقال وإن عاد السلام فسيكون لنا مع أصدقائنا في جميع البلاد العربية أحاديث وأحاديث
لا تنزعجوا
ظن القراء أني قد أطيع جماعة الثائرين فأنسحب من الميدان الأدبي، فكتب فريق منهم رسائل طريفة يدعونني فيها إلى الثبات في الميدان
وأجيب بأن أعز أصدقائي هم أولئك الثائرون، وأنا بثورتهم مزهوٌّ مختال، لأنها تشهد بأنهم يسايرونني بيقظة والتفات، فثورتهم ليست إلا فنَّا من فنون الإعجاب
والحق كل الحق أني لا أفكر أبداً في إيذاء قرائي بعرض ما قد ينكرون من المذاهب والآراء، وإنما أنا مسئول أمامهم عن التزام الصدق في جميع الأحوال ولو تعرضت لغضبهم المهتاج؛ وثورتهم علىَّ بسبب الصدق أخف وأهون من ثورتهم على بعض الناس بسبب الرياء
إن الكاتب الذي يرائي القراء ليس بأهل للحياة الأدبية، ومن الواجب أن نقول للقراء بصراحة إننا لا نستوحيهم ولا نستهديهم، حتى ننتظر ما يتفضلون به من حمد وثناء، وإن كان الحرص على منافعهم أول ما يشغلنا حين نمتشق القلم في سبيل الحق، وهل كان هوانا إلا فيضاً من هواهم، وإن غفل بعضهم عن حقائق ما نريد؟
وإذن فمن حق السيد ناصر الدين النشاشيبي أن يطمئن إلى أننا لن نخرج أبداً من الميدان الأدبي، ولن نأتمر أبداً بأوامر أهل الحقد والبغضاء
تهديد طريف
وبهذه المناسبة أذكر أن قارئاً لا أسميه هدد بالكتابة إلى الأستاذ الزيات ليبلغه آراء القراء في صاحب هذا الحديث!
وأقول إني تطوعت بتبليغ هذه الآراء إلى الأستاذ الزيات وإلى جميع القراء، فما الذي يراد من أمانتي أكثر من ذلك؟
أنا أشتهي أن أرى في الدنيا أقواماً يغضبون ويحقدون، فما تأخر الشرق إلا لعجزه عن الغضب والحقد، وهما من شواهد الحيوية في الغرائز والطباع
أغضبوا واحقدوا، ثم اغضبوا واحقدوا، غير باغين ولا عادين، وكونوا رجالاً يؤذيهم ما يكرهون فيثورون عليه ثورة الحليم العاقل الحصيف
اغضبوا واحقدوا، يا بني آدم من أهل مصر والشرق، ولا تنسوا أن الذي أملى عليكم دروس البغض والحقد هو الكاتب الذي يحبكم أصدق الحب:
زكي مبارك