الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 400/طارق بن زياد

مجلة الرسالة/العدد 400/طارق بن زياد

بتاريخ: 03 - 03 - 1941


من شاطئ إلى شاطئ

للأستاذ علي محمود طه

أشباحُ جِنٍّ فوق صدرِ الماءِ ... تهفو بأجنحةٍ من الظلماءِ؟

أم تلك عُقبَان السماءِ وَثَبْنَ من ... قُنَنِ الجبالِ على الْخضمِّ النائي

لا، بل سفينٌ لحْنَ تحت لواءِ ... لمن السفينُ تُرَى! وأيُّ لواءِ؟

ومَن الفتى الجَّبارُ تحت شراعها ... متربِّصا بالموج والأنواءِ؟

يُعلى بقبضتِه حمائلَ سيفهِ ... ويضمُّ تحت الليل فضلَ رداءِ

ويُنيلُ ضوَء النجم عاليَ جبهةٍ ... من وَسْمِ (إفريقيَّة) السمراء

ذَهَبٌ ببوتقةِ السَّنى من ذَوْبِه ... مَسَحَتْ مُحَيَّاهُ يَدُ الصحراء

لونٌ جَلَتْ فيِه الصحارى سحرَها ... تحت النجوم الغُرّ والأنداء

وسماءِ بحرٍ ما تطامنَ موجُهُ ... من قبلُ لأبنِ الواحةِ العذراء

بحرٌ أساطيلُ الخيالِ شطوطهُ ... ومسابُح الإلهامِ والإيحاء

ومدائنٌ سحريةٌ شارَفْنَهُ ... بنخيلها وضفافِها الخضراء

ومعابِدٌ شُمٌّ، وآلهةٌ على ... سُفُنٍ ذواهبَ بينهنَّ جوائي

أبطالُ يونان على أمواجه ... يطوون كلَّ مفازةٍ وفضاء

يتجاذبون الغارَ تحت سمائهِ ... يتناشدون ملاحمَ الشعراء

ما زالَ يرمي الرُّومَ وهو سليلُهم ... ويُديلُ من (قرطاجة) العصماء

حتى طَلَعْتَ به فكنتَ حديثَه ... عجباً! وَأيَّ عجائبِ الأنباء

ويسائلونَ بك البروقَ لوامعاً ... والموجَ في الأزبادِ والإرغاء

من علَّم البَدوِيَّ نّشْرَ شراعِهِ ... وهداهُ للإبحارِ والإرساء!

أين القفارُ من البحارِ؟ وأين من ... جِنَّ الجبالِ عرائسُ الدأماء

يا ابن الِقبابِ الحمرِ ويحك! من رمَى ... بكَ فوق هذى اللجَّةِ الزرقاء؟

تغزو بعينيك الفضاَء وخَلْفَهُ ... أفقٌ من الأحلامِ والأضواء

جُزُرٌ مُنَوَّرَةُ الثغورِ كأنها ... قطراتُ ضوء في حفافِ إناء والشرقُ من بُعْدٍ حقيقةُ عالَمٍ ... والغربُ قُرْبٍ خيالةُ رائي

ضحكتْ بصفحتهِ المنى وتراقصتْ ... أطيافُ هذى الجنةِ الفيحاء

ووثبتَ فوق مروجها وتلمَّستْ ... كفاكَ قلباً ثائرَ الأهواء

فكأنما لكَ في ذَراها مُوعِدٌ ... ضَرَبَتْهُ أندلُسيةٌ للقاء!

ووقفتَ والفتيانُ حولك وانبرتْ ... لكَ صيحةٌ مرهوبةُ الأصداء

هذى الجزيرةُ إن جهلتم أمرَها ... أنتمْ بها رهطٌ من الغرباء

البحرُ خلفي والعدوُّ إزائي ... ضاع الطريق إلى السفين ورائي

. . . وتلفتوا فإِذا الخصمُّ سحابةٌ ... حمراءُ مُطْبِقَةٌ على الأرجاء

قد أحرقَ الربَّانُ كلَّ سفينةِ ... من خلفِه إلاّ شراعَ رجاء!

ألقى عليهِ الفجرُ خيطَ أشعةٍ ... بيضاَء فوق الصخرة الشمَّاء

واتى النهارُ وسار فيه طارقٌ ... يبنِي لملكِ الشرق أيَّ بناء

حتى إذا عَبَرَتْ لَيَالٍ طوفت ... أحلامُه بالبحر ذاتَ مساء

ترعى على الأفُقِ المرصَّع قريةً ... أعْظِمْ بها للغزوِ من ميناء!

مَدَّ المساء لها على خلجانها ... ظِلا فنامتْ فوق صدور الماءِ!

على محمود طه