مجلة الرسالة/العدد 326/هل آن للأزهر أن يبعث؟
→ جناية أحمد أمين على الأدب العربي | مجلة الرسالة - العدد 326 هل آن للأزهر أن يبعث؟ [[مؤلف:|]] |
بحث قانوني مقارن ← |
بتاريخ: 02 - 10 - 1939 |
للأستاذ محمد يوسف موسى
تصفحت بعض أعداد الرسالة الغراء التي صدرت وأنا بفرنسا صيف هذا العام، فرأيت في أحدها كلمة عن إهابه الأستاذ الكاتب علي الطنطاوي بعلماء الأزهر لمساعدته في تأليف كتاب عن الدين الإسلامي، يفيد منه العامة والخاصة والعرب والعجم والمسلم وغير المسلم، وأن هذا الاستنجاد لم يجد له سميعاً فضاع صرخة في وادي كما يقولون
ليطمئن الأستاذ نفسه فليس إلى بلوغ ما يريد من سبيل إلا إذا اعتمد على نفسه وأمثاله من الكتاب الذين يلذ لهم أن يقفوا بعض جهودهم على الدين ونشره، ويجدون التعب في ذلك عذباً جميلاً. أقول ذلك وأنا واثق مما أقول؛ فقد دعوت في أوائل هذا العام المنصرم إلى مثل ما يدعو إليه الآن فما وجدت غير التثبيط وأمثال هذه الكلمات: خَلّ عنك، الله قد وعد بأنه سيظهر الإسلام على الدين كله، وهو ليس في حاجة إلى مثل جهودك وجهودنا! وإلى القراء الأمر على جليته:
نزلت في صيف العام الماضي بفرنسا بعائلة محترمة بمدينة (ليون)، وتأصلت بيني وبينها الروابط لتقارب في العاطفة وتشابه في الميول. ولأنها عائلة محافظة، أعجبها مني قيامي ببعض ما يجب عليّ لله من الصلاة وتلاوة القرآن؛ فكانت أحاديثنا في أوقات الفراغ تدور كثيراً على الإسلام وما فيه من آداب عامة، وشرائع في مختلف مناحي الحياة تصلح للناس جميعاً. وبلغ بهم الأمر أن كانوا يطلبون مني تفسير بعض الآيات التي تشتمل على تلك الآداب والتشريعات، والآيات التي تضمنت أخبار عيسى عليه السلام وأمه العذراء.
وبديهي أن ذلك كان يسرني، وكنت أعمل على تحقيقه جهدي. ثم بدا لي فأعطيتهم القرآن مترجماً للفرنسية ترجمة مناسبة تقريباً.
ولما حان موعد سفري إلى مصر رجوني أن أرسل إليهم كتاباً بالفرنسية جامعاً لأصول الدين التي قام عليها، ومبادئه التي يدعو إليها. . . هنا وقف حمار الشيخ! إذ اعتذرت وأنا خجل بأن مثل هذا الكتاب لم يوضع بعد في اللغة العربية، بل إن أحداً لم يفكر في مثل هذا العمل.
وأخيراً رجعت للوطن بعد أن وعدتهم ببذل الجهد في تحقيق ما يرجون - من وضع كتا كهذا يترجم للغات الحية ويوزع في مشارق الأرض ومغاربها بالمجان - لما في ذلك من خدمة عامة وتعريف بالإسلام لدى أقوام لا يعرفون عنه شيئاً، أو لا يعرفون إلا ما ينقله لهم جماعة ساءت نياتهم، فحرفوا واختلفوا وشوهوا الإسلام بما كتبوا.
إلا أني بكل أسف، كما أشرت أولاً، لم أجد هنا مساعداً أو مشجعاً؛ فقد تحدثت في ذلك إلى كثير من إخواني النابهين المدرسين بالكليات - الذين كان لي ملء الثقة في غيرتهم على الدين ونشاطهم في العلم - فكان الإعراض والتثبيط مما جعلني أسوف في الأمر من يوم لآخر حتى انقضى العام الدراسي أو كاد. ويعلم الله أن من بين هؤلاء الإخوان من إذا كلفه أحد الناشرين بمثل هذا العمل أو أشق منه نظير دراهم معدودة لشكر الله على هذا الرزق الذي سيق إليه، ولأعطى من نفسه فوق طاقته حتى ينجز له ما طلب فينقده أجره!
أخيراً جاء أوان السفر هذا العام فسافرت ونزلت بين العائلة نفسها فكان من أول ما سئلت عنه أمر الكتاب الموعود.
لي الله، فما كان أشد خجلي وأعظم حيرتي! وبعد لأي وجمجمة اعتذرت بأن مثل هذا العمل، لخطره ومسئوليته، يتطلب الأناة وطول الوقت حتى يخرج كاملاً بالقدر المستطاع. فهل يرضى السادة شيوخي وإخواني هذا التقصير في أداء واجب ديني يقوم بأكبر منه وأشق مرات ومرات رجال الأديان الأخرى، بينما نقضي أوقاتنا في قال وقيل وأخبار العلاوات والدرجات والسعي لها بمختلف الوسائل!
يميناً بالله أنه لا يخطر لي بالبال تنقص أحد يشرف بالانتساب للأزهر - فلست إلا واحداً منهم ينوبني ما ينوبهم - وإنما هو أمر أحرجني وأخجلني وآلمني فوجدت فرجة للتنفيس عني، وإنما هو إحساس عميق ببعض ما فينا من عيوب؛ والإحساس بالنقص أول الخطوات للسعي نحو الكمال. على أنه لولا حرصي على أن يظل (الطابق مستوراً) لأشرت إلى بعض المقارنات بين كثير من علمائنا ورجال الدين في أوربا، الذين لقيت منهم الكثير من ناحية الثقافة الواسعة الكاملة، وقضاء العمر في طلب العلم وخدمة الدين بدافع من أنفسهم وتربيتهم التي نشأوا عليها، حتى ليصح بحق الكثير منهم ما كنا استأثرنا به طويلاً من أوصاف مشرفة: حبر، بحر، علامة!
وبعد، فهاأنذا - رغم عملي بالأزهر والدراسة الخاصة التي ندبت نفسي لها بفرنسا والتي تأخذ كل وقتي حتى أيام العطلة - أمد يدي للأستاذ الطنطاوي شاكراً له غيرته التي دعته للتفكير فيما دعا إليه، واعداً حضرته بمساعدته بجهدي القليل وبجهود من أستطيع إقناعهم وضمهم لنا من زملائي، والله يهدي السبيل
محمد يوسف موسى
المدرس بكلية أصول الدين