مجلة الرسالة/العدد 321/كتاب الأغاني
→ خليل مردم بك | مجلة الرسالة - العدد 321 كتاب الأغاني [[مؤلف:|]] |
الجبر والاختيار في كتاب الفصول والغايات ← |
بتاريخ: 28 - 08 - 1939 |
لأبي الفرج الاسكندراني
رواية الأستاذ عبد اللطيف النشار
صوت
أنا الفنان لبيكِ ... مناديتي وسعديكِ
إذا لامست مصباحي ... أتى بي لمس كفيكِ
كأسرع خاطر يَسري
الشعر للأستاذ توفيق الحكيم وفيه لحن من صنعة علاء الدين أحد أبطال قصة ألف ليلة وليلة
حدثنا أبو الفرج قال: الخطاب في هذا الصوت موجه إلى وزارة المعارف، وكانت قد عهدت إلى طائفة من كبار الأدباء بتلخيص الكتب العشرة المختارة، فلما كان موعد بحثها عن الأديب الذي يصلح لتلخيص ألف ليلة، رأت أن الكتاب ذو جانبين: جانب يفتقر إلى تحقيق علمي وجانب إلى روح فنية. فلم تزل تبحث عمن تتوفر فيه روح الفن حتى وقع نظر وزيرها السابق هيكل باشا على المصباح الأخضر
قال: والمصباح الأخضر هذا هو المصباح المسحور الذي كان علاء الدين قد وجده في كنز مرصود قاده إليه الساحر المصري. وكان علاء الدين لا يزال طفلاً يتيماً، وقد عرف الساحر أن الكنز لا يفتح إلا على يديه فأدعى أنه عمه وقاده إلى الخلاء ثم أطلق البخور وقرأ التعاويذ ففتح الكنز. ودخل علاء الدين واخذ المصباح، وكان الساحر يريد أن يأخذ المصباح منه وهو بداخل الكنز ولكن الصغير كان موفقاَ في الرأي فأبى تسليمه حتى يخرجه، وغضب الساحر فأغلق باب الكنز وترك علاء الدين
وكان مع علاء الدين خاتم أعطاه إياه الساحر من قبل، فلما مسحه جاء خادم من الجن موكل بطاعة من يحوز الخاتم. فطلب إليه أن يفتح الكنز ففعل، ثم نقله إلى منزله ومعه المصباح
ومسحت أم علاء الدين ذلك المصباح لتجلو الصدأ عنه، وكان المسح رمزاً لخادم المصباح وهي لا تعلم ذلك فجاءها الخادم ولم يزل يأتمر بأمرها يفعل المستحيلات من أجلها وم أجل علاء الدين حتى فقد المصباح فحازه آخرون
قال أبو الفرج: وكان أخر مطاف هذا المصباح أن أخذه أهل الكهف فبقى في كهفهم ثلاث مائة سنين وتسعاً، وكان لونه من قبل ذهبياً فعلاه الصدأ واستحال على مدى العصور إلى مصباح أخضر
قال: ويظهر أن أهل الكهف كانوا قد طلبوا إلى خادم المصباح أن يوقظهم بعد ثلاثمائة سنين وتسع ولكن هذه مسألة لا ينبغي أن نماري فيها الأمراء ظاهراً ولا نستفتي فيها منهم أحداً
قال أبو الفرج: فلما وضع الأستاذ توفيق الحكيم قصة (أهل الكهف) زار المكان الذي دفنوا فيه قبل بعثهم كما يفعل كبار الكتاب والمحققين من نشدان الحقائق في وجوها وبيئتها، وكما فعل هيكل باشا لما حج قبل أن يكتب السيرة. قال: فوجد الأستاذ توفيق الحكيم ذلك المصباح في الكهف وأراد أن يجلو الصدأ عنه فجاءه خادم المصباح فإذا هو فنان يضع المسرحيات البارعة ويكتب ما يكتب تحت ضوء المصباح الأخضر
ولما وقع نظر الوزير الأديب هيكل باشا على المصباح مسحه هو أيضاً، ولكن لم يظهر له العفريت خادم الطلسم بل ظهر له الأستاذ توفيق الحكيم، فعهد معاليه إليه أن يراجع كتاب ألف ليلة وليلة، فأنشد بين يدي معاليه هذا الصوت:
أنا الفنان لا أبدو ... لعين ما لها قلب
أنا الفنان لا أبدو ... لقلب ما به حب
يشق الغيب مصباحي ... وتساقط دونه الحجب
وسر الغيب في المصبا ... ح والمصباح لا يخبو
بكف أدركت سري
تولى إمرتي حيناً ... سليمان بن داود
فهل جددت الدنيا ... كإنشائي وتجديدي
بنيت الصرح من ماء ... كريم غير مورود
وسخرت له الريح ... بتذليلي وتعبيدي
وعلمي منطق الطير وجئت إليه من سبأ ... بأخبار وأنباء
فلما استعظم الجهد ... أتيت له بأحياء
نقلت العرش والتاج ... إليه وبنت حواء
ولم يتحرك الجفنا ... ن منه غير إيماء
أهذي قدرة السحر
فلما ضاع مصباحي ... تحطم كل ما شدت
مضى في رحمة الله ... وعفت الكون أو كدت
وخال الجاهل الغر ... بآني بعده مت
ولو خلد مخلوق ... على الدنيا لخلدت
فموتى آخر الدهر
أنا الفنان لا أبدو ... إذا ما ضاع مصباحي
فآمالي وأشجاني ... وأحزاني وأفراحي
وما أخشى وما أرجو ... معلقة بأرواح
بأرواح خفيات ... تضاء بضوء مصباحي
فذلك كله سري
قال: وهي قصيدة طويلة جداً، ويزعم الزاعمون أنها منقوشة على مصباح علاء الدين وأنها تفسر سر المردة والشياطين بأنهم أسماء مترادفة لكلمة الفن فهو الذي جعل الناس
. . . . . . . . . . . . . كلما ... رأوا حسناً عدوه من صنعة الجن
قال الأستاذ توفيق الحكيم: ولقد راجعت اشتقاق كلمة الجن في جميع اللغات فوجدت الذكاء الخارق
والجن بمعنى واحد في كل لغة، فالعرب يقولون العبقري ومكان الجن عبقر. والأوربيون يقولون (جني) (وجنيس). وليس من الصفات المنافية للذكاء أن يبدو المرء كأنه نائم، فلعله يكون قد قضى حيناً من الدهر مع أهل الكهف. وليست زيارة الكهوف بالأمر الذي يسهل احتماله ولا بالذي لا يترك على الهوية العامة طابع النوم العام
وحدثنا الدكتور حسين فوزي قال: لقد أخطأ الكثير من النقاد في فهم كتاب أهل الكهف للأستاذ توفيق الحكيم فعده البعض عربي الأصل لأن القصة وردت في القرآن الحكيم. وعده البعض مسيحي الأصل لان القصة مروية من قبل أساطير المسيحية؛ وهي في كتاب الله العزيز ذات مغزى يشير إلى قدرة الله على البعث، وهي في الأسطورة المسيحية ذات مغزى يشير إلى معنى آخر. قال: ولكن القصة كما يرويها الأستاذ توفيق الحكيم ذات لون فني آخر، فهي غير منظور فيها إلى هذين المصدرين العظيمين إنما مصدرها كتاب الموتى الفرعوني
قال الدكتور حسين فوزي: وإن قصة أهل الكهف للأستاذ الحكيم ليست إلا لحناً جنائزياً رائعاً لحياة الفنان المحروم من نصفه الآخر. هي تعني الحياة بغير أصدقاء لأنهم فقدوا، إنما مبعث هذا الألم فقدان الصديقة التي لم توجد. قال ولقد غبن الناس صديقي حين سموه عدو المرأة، وما كان الفنان ليكون عدواً لها إلا على تفسير العامة: (من جهل أمراً عاداه)
وحدثنا الأستاذ إسماعيل أدهم قال: (لقد ناقشني الدكتور بشر فارس في تحقيقي العلمي على طريقتي الخاصة لتاريخ مولد الأستاذ توفيق الحكيم وزعم أن التاريخ الصحيح هو الذي ذكره الحكيم نفسه والذي أجمع عليه الناس، ودلت عليه الأوراق الرسمية. ولقد شهد الدكتور بشر فارس بذلك على نفسه أنه غير جدير بالمكانة التي هو فيها من الشعر الرمزي. إنني ما حددت لمولده تاريخاً غير تاريخ مولده إلا إشارة رمزية مني لأنه من أهل الكهف
وحدثنا الأستاذ بشر فارس قال: أما وقد اعترف الأستاذ المعروف بالدكتور بهذه الحقيقة فإن تاريخ مولد الأستاذ الحكيم يرجع إلى القرن الثاني من ميلاد المسيح
قال الأستاذ توفيق الحكيم: لقد وهم كل هؤلاء فإن تاريخ مولدي سابق على تاريخ الكون. أليس أفلاطون يقول إن الفكرة وجدت أولاً ثم وجد الكون على غرارها؟ وبالله ماذا تكون الفكرة (الأديال) غير الفن؟ ألم يكن يقول شوبنهور إن الطبيعة محاكاة للفن وليس الفن هو الذي يحاكي الطبيعة؟ وهل يرى النقاد فارقاً في المعنى وإن اختلف اللفظ بين نظرية أفلاطون ونظرة شوبنهور. . . وهل ثمة فارق بين الأديال وبين الفن.
ثم التفت إلى وزارة المعارف وأنشد:
صوت أنا الذي دوى ... بقلبك دون أذنيك
أنا الطيف الذي يبدو ... لروحك قبل عينيك
وكل ممرد عال ... وكل مظلل رحب
وكل محبب غال ... وكل مقطر عذب
وما يعزى إلى المجد ... وما يبني على الحب
وما يخشى وما يرجى ... وما يهوى وما يصبى
جميع الكون من أمري
الصوت للأستاذ توفيق الحكيم. وفيه لحن لعفريت في شاطئ الإسكندرية محبوس في قمقم.
(يتبع)
عبد اللطيف النشار