مجلة الرسالة/العدد 301/أنشودة الذكرى
→ نقل الأديب | مجلة الرسالة - العدد 301 أنشودة الذكرى [[مؤلف:|]] |
رسَالة المَرأة ← |
بتاريخ: 10 - 04 - 1939 |
في عيد الربيع
للأستاذ محمود الخفيف
ياَ حَدِيثَ النَّفسِ في خَلْوَتِهاَ ... ياَ أَغَانِيهاَ وَياَ لَحْنَ بُكاَهَا
ناَمَتِ الأَلْحَانُ لَوْلاَ شُعْلَةٌ ... فيِ حَنَاياَ الصَّدْرِ لَمْ يَخْبُ لَظَاهَا
هَيِ ذِكْرَى لِعُهُودٍ أَدْبَرَتْ ... رَجَّعَ الشَعْرُ مِن الماضِي صَدَاها
مَا لهِذَا الذَّابِلِ المُرْتَعِشِ ... رَفَّ فِي صَدْرِيَ شَوْقاً وَهَفَا؟!
كُنْتَ ياَ قَلْبُ تَأَسَّيْتَ فَمَا ... جَدَّ من عَيْشِكَ أَوْ ما اخْتَلَفاَ؟
أَيَّهاَ الخافِقُ في وَحْدَتِهِ ... فِيمَ ذِكْرَانُكَ عَهْدً سَلفاَ!
أَوْرَقَتْ ياَ قَلُبُ في الروْضِ الغُصُونْ ... وَزَكاَ الوَرْدُ وَرَاقَ الَموْسِمُ
وَمَشَى في الأرْض عُرْسٌ بَهِجٌ ... نَفَحَاتُ الْخُلْدِ فِيهِ تَنسِم
وَالْتَقَى الشَّمْلُ فَبشْرٌ وَمُنىً ... وحبيبٌ لحبيبٍ يَبْسِمُ. . .
إيه يا قَلِبي، دَوَاعِي الأمَل ... لَمَحَتْ في كلِّ غُصْنٍ أَوْرَقَا
لاَ تُلَبِّيهاَ وَقَدْ كُنْتَ إِلَى ... سِحْرِهَا مِنْ كُلِّ قَلْبٍ أَسْبَقَا!
زَمَنُ الوَصْلِ حَلَتْ أَيَّامُهُ ... وَقُصَارَاكَ بِهِ أن تَخفِقاَ!
ياَ فؤادِي كلُّ شَيْءٍ ضَاحِكٌ ... في رَبِيعٍ راقَتْ الدُّنياَ بِهِ
في رَبيعٍ يُنبِت الوُدَّ وَمَا ... يَمْلأُ الأنفُسَ مِنْ أَسْبَابِهِ
طَاف في الرَّوْضِ عَلَى سُنْدِسِهِ ... بِرَحِيقِ الْحُبِّ فِي أَكْوَابِهِ
هَذِهِ ياَ قلبُ أفوافُ الرَّبِيعْ ... مِهْرَجَانٌ بَثَّ فِيهِ خَطَرَاتِهْ
يُبْهجُ الأَنْفُسَ مِنْ أَزْهَارِه ... بَسَماَتٌ حُلْوَةٌ مِنْ بَسَماَتِهِ
وَأَحَادِيِثُ جَرَتْ عَاطِرَةً ... زَاخِرَاتٍ بِمَعاَنِي صَبَوَاتِهِ
الرِّضَا والسِّحْرُ فِيها وَالمُنَى ... والشبَّاَبُ الغَضُ بُوحي نَزَوَاتِه!
ابْتَهجْ واطْرَبْ وَرَفْرِفْ والْعَبِ ... وَتَنَقّلْ في الرُّبُوعِ النَّضِرَهْ
الْتَمِسْ في كُلِّ رُكْنٍ فَرْحَةً ... كاَلْفَراشَاتِ، وَغَازِلْ زَهَرَهْ
واجْتَلِ الرَّوْعَةَ في أَفْوَافِهِ ... أَفْرَغَ السِّحْرُ عَلَيْهاَ صُوَرَه في زَمَانٍ مِنْ تَهاَوِيلَ بِهِ ... كُلُّ حَيٍ رَاحَ يَقْضِي وَطَرَه
مَسْرَحٌ كَمْ جُلْتُ في أَنحْاَئِهِ ... لاَعِباً، لَسْتُ أَمَلُّ الَّلعِبَا
لَمْ يَرُعْ نَفْسِيَ يَوْماً أَنَّنيِ ... سَأَرَي جَنَّتَهُ مُكْتَئِبَا!
في رَبِيعِ العُمْرِ وَالعَيْشُ مُنىً ... عَجَّلَ الدَّهْرُ لِيَ المُنْقَلَبَا
ياَ عِشاَشاً في الرِّياَضِ امْتَلأَتْ ... غَنِمَتْ فِيهاَ الشَّوَادي الفَرَحَا
كُلُّ إِلْفٍ حَلَّ فِيهاَ لِهَجٌ ... بِزَمَانِ الوَصْلِ فِيما صَدَحَا
نَسِىَ الوَحْشَةَ حَتَّى خِلْتُهُ ... عَنْ حَوَاشِي أَيْكِهِ مَا نَزَحَا
ياَ شَوَادِي الأَيْكِ غَنِّي وَاطرَبِي ... قَدْ توافَتْ لَكِ أسْبَابُ المُنَى
هَلْ شَجَا يَوْمَكِ أَمْسٌ أَوْ غَدٌ ... أَوْ عَرَفْتِ الدَّمْعَ يَوْمَاً والضَّنَى؟
اهْتِفِي مَا شِئتِ أَوْ شاَء الهوَى ... وَاتْرُكي لِي ياَ شوادِي الْحَزَناَ
أَنَا إِنْسِيٌّ مِن الطِّينِ فمَا ... أَعْرِفُ النَّعْماََء إِلاَّ حُلُماَ!
عَاَلمِي مِنْ طَبْعِهِ أن أجْتَنِي ... عَقِبَ الّلذّةِ فِيهِ الألَمَا
إِنْ شَرِبْتُ الكأسَ يَوْماً عَسَلاً ... لَمْ يَدُمْ حتَّى أذوقَ العَلْقَماَ
شِقْوَتِي بالْغَيْبِ أَنْ أَجْهَلَهُ ... وقُصَارَى الهمِّ في أن أَعْلَماَ!
جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ مُنْذُ الأَزَلِ ... لأِبي آدَمَ كاَنَتْ نُزُلاَ
فَقَضَى اللهُ بِأَنْ يُبْدِلَهُ ... بِرياَضِ الْخُلْدِ هَذَا الْبَدَلاَ!
وَأَناَ مِنْهُ فَحَظِّى حَظَّهُ ... كَمْ أرَى فيهِ لِنَفْسِي مَثَلاَ!
غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَذُقْ من جَنَّتِي ... أَبداً مَا عِشْتُ فِيهاَ أُكلاَ. . .
كانَ لِيَ في الأرْضِ حُلمٌ زَاِهرٌ ... فَمضَى فيهاَ كَماَ يَمْضِي الربِيعُ
رُحْتُ كالطِّفْلِ لدَى صَحْوَتِهِ ... دَامِعاً يَبْكِي رُؤَى الْحُلْمِ الْبَدِيعْ
صَحْوَتِي قَدْ الْبَيْنُ بِهاَ ... أَيْنَ مِنِّي ذَلِكَ الشَّمْلُ الْجَمِيعْ؟
عَادَ قَلْبِي يشتكي الوجد فَهَلْ ... تُطْفِئُ الشَّكْوَى بِهِ هذا السَّعِيرْ؟
عِشْ عَلَى الذِّكْرَى وغَاِلط واخْدَعِ ... فَمَدَى عَيْشِكَ في الدُّنْياَ قَصِيرْ
يَتَهاَوَى الْعُمْرُ فِيهاَ مِثْلَمَا ... يَتَهاَوَى ذَلِكَ الزَّهْرُ النَّضِيرْ!
الخفيف