الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 280/جورجياس أو البيان

مجلة الرسالة/العدد 280/جورجياس أو البيان

مجلة الرسالة - العدد 280
جورجياس أو البيان
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 14 - 11 - 1938


لافلاطون

للأستاذ محمد حسن ظاظا

- 15 -

(تنزل (جورجياس) من آثار (أفلاطون) منزلة الشرف، لأنها

أجمل محاوراته وأكملها وأجدرها جميعاً بأن تكون (إنجيلا)

للفلسفة!)

(رينوفييه)

(إنما تحيا الأخلاق الفاضلة دائماً وتنتصر لأنها أقوى وأقدر

من جميع الهادمين!)

(جورجياس: أفلاطون)

الأشخاص

1 - سقراط: بطل المحاورة: (ط)

2 - جورجياس: السفسطائي: (ج)

3 - شيريفين: صديق سقراط: (س)

4 - بولوس: تلميذ جورجياس: (ب)

5 - كاليكليس: الأثيني: (ك)

ط - وأي هذه الأشياء التي تتكلم عنها تعتبر أجملها؟؟

ب - أية أشياء؟

ط - الاقتصاد والطب والعدالة؟

ب - أعتبر العدالة أجمل الثلاثة يا سقراط.

ط - ومادامت هي أجملها، فهي إذاً تلك التي تنتج أعمق اللذات أو أعظم المكاسب أو هم معاً.

ب - نعم.

ط - وإذاً فلذيذ أن نكون بين أيدي الأطباء، وأن نترك نفوسنا لعلاجهم!

ب - لست أعتقد في هذا!

ط - ولكن الإنسان يربح من العلاج، أليس كذلك؟

ب - بلى

ط - ذلك لتخلصه من شر كبير، فهو يفضل أن يتحمل الألم وان يستعيد الصحة!

ب - من غير شك.

ط - وفي هذه الظروف، متى نكون في أفضل حالات الصحة؟ أعندما نكون بين أيدي الأطباء، أم عندما لا يكون بنا مرض قط؟

ب - ظاهر أن ذلك يكون عندما لا يكون بنا أي مرض.

ط - ذلك لأن السعادة لا تقوم في الواقع - كما يلوح - في أن نتخلص من الشر، بل في ألا يكون لدينا شر قط.

ب - ذلك صحيح.

ط - وأي الرجلين يكون جسمه أو نفسه مصابة بالشر؟ وأيهما يكون أشقى من الآخر؟ أذلك الذي نعالجه ونخلصه من شره، أم ذلك الذي لا يعالج ويبقى بشره؟

ب - يبدو أنه ذلك الذي لا يعالج

ط - أو لم نقل إن من يلقى جزاء خطيئته يتخلص من أفدح الشرور وهو رداءة النفس؟

ب - قلنا ذلك حقاً

ط - وقلنا لأن العقاب يجعلنا حكماء، ويضطرنا لأن نكون أكثر عدلاً، مادامت العدالة طباً لرداءة النفس

ب - نعم

ط - وإذا فأشقى الناس هو ذلك الذي لا رذيلة أو رداءة في نفسه، لأنا قد رأينا أن (رداءة النفس) أفدح الشرور

ب - من غير أدنى شك ط - ويأتي بعده من نخلصه من (رداءته)!

ب - يلوح هذا!

ط - وذلك الذي نخلصه هو الشخص الذي ننبهه ونعلمه، ونوبخه ونعنفه، ونقدمه ليقلى جزاء فعلته!

ب - نعم

ط - وذلك الذي يعيش كأشقى ما يعيش الناس، هو ذلك الذي يحتفظ بظلمه بدلاً من أن يتخلص منه

ب - نعم

ط - أو ليست هذه تماماً حالة الشخص الذي يرتكب أفظع الجرائم، وينهج أظلم المناهج، ثم ينجح في وضع نفسه فوق الإنذار والعقاب والتأديب، كما فعل - تبعاً لقولك - (أرشليوس) وكما يفعل الطغاة الآخرون من خطباء وسلاطين؟

ب - يلوح ذلك.

ط - إن هؤلاء يا عزيزي بولوس قد سلكوا تقريباً نفس السبيل الذي يسلكه من يصاب بأخطر الأمراض، ولكنه يعمل على إهمال سؤال الأطباء عن أمراضه الجسمية، وعلى الفرار من علاجهم، لأنه يخشى - كما يفعل الأطباء - من أنهم إذا عالجوه بالنار والحديد فإنهم يسببون له شراً.! ألست تتصور حالتهم على ذلك النحو؟

ب - بلى.

ط - والسبب فيما يلوح جهلهم ثمن الصحة وحالة الجسم السليم. وإذا شئنا أن نحكم تبعاً للأصول التي اتفقنا الآن عليها فإنا نقول إن من يسعون لنجنب العقاب يعتزمون تماماً أن ينهجوا نفس هذا السبيل يا بولوس! ذلك أنهم ينظرون للألم ويغمضون أعينهم عما فيه نفع لهم ولا يعرفون كم يجب أن يشكو المرء من السكنى مع نفس مؤذية فاسدة ظالمة كافرة، أكثر من شكواه من السكنى مع جسم مريض معتل.!، ومن هنا تراهم يعملون كل ما يمكنهم عمله لكي لا يكفروا عن خطيئتهم ولا يتخلصوا من أفدح شرورهم، فيحصلون لأنفسهم الثروة والأصدقاء والمهارة التي تمكنهم من إقناع الناس بالكلام! ولكن إذا كانت مبادئنا صحيحة فانظر أنت ماذا ينتج عن ذلك البحث، أم تريد أن نخرج منه نحن بالنتائج؟ ب - نعم، إذا سمحت!

ط - ألا ينتج عنها أن أفدح الشرور هو أن نكون ظالمين وأن نعيش في الظلم؟

ب - بلى، كما يتضح

ط - أو لم نعرف من الناحية الأخرى أن الإنسان يخلص نفسه من ذلك الشر إذا لقي جزاء خطيئته؟

ب - ذلك ممكن!

ط - وأن عدم العقاب لا يفعل أكثر من الإبقاء على ذلك الشر؟

ب - بلى!

ط - وإذاً لا يكون ارتكاب الظلم من حيث فداحة الشر إلا في المنزلة الثانية، ولكن الظلم الذي لم يلق جزاءه هو أول الشرور وأفدحها؟

ب - يلوح هذا

ط - أو لم نك يا صديقي العزيز في نزاع بشأن هذه النقطة؟ لقد كنت تقول إن (أرشليوس) سعيد لأنه ارتكب أفظع الجرائم وفر من كل عقاب، وكنت أزعم - على النقيض - أن (أرشليوس) وكل من لا يعاقب على خطيئته يكون بالطبع أشقى الناس وأتعسهم، وأن من يرتكب ظلماً يبقى دائماً أكثر شقاء وتعاسة من ذلك الذي يتحمله، وأن من لا يقلى جزاء خطيئته يظل أشقى من ذلك الذي يكفر عنها أليست هذه هي النقطة التي تحدث عنها؟

ب - بلى

ط - ألم يتضح أن الحق في جانبي؟

ب - يلوح هذا!

ب - بالتأكيد!

ط - ذلك هو المعقول، فإذا كان هو الحق يا بولوس فما عسى أن تكون فائدة البيان؟ إنه يجب في الحق - وتبعاً للمبادئ التي اتفقنا الآن عليها - أن نتجنب قبل كل شيء ارتكاب الظلم نظراً لأن ذلك يكون في نفسه شراً كافياً. ألست ترى ذلك صحيحاً؟

ب - بالتأكيد!

ط - وإذا ما ارتكب أحد ظلماً، وكان هو المرتكب له بنفسه أو شخص آخر ممن يهمهم أمره، فيجب أن يذهب عن طيبة خاطر إلى القاضي حيث يكفر عنه بأسرع ما يمكن كما نذهب إلى الطبيب، ويجب أن يعجل بالذهاب خوفاً من أن يزمن معه مرض الظلم ولا ينتج إلا قرحة لا تشفى، وإلا فماذا نستطيع أن نقول خلاف ذلك يا بولوس إذا ظلت مقدماتنا صحيحة ثابتة؟

أليست هذه هي الحالة الوحيدة التي تتفق فيها نتائجها معها؟

ب - وماذا نستطيع أن نقول خلاف ذلك يا سقراط؟

ط - وإذن لكيما ندفع عن أنفسنا اتهام الظلم عندما نكون قد ارتكبنا خطيئة، أو ارتكبها والدانا أو أبناؤنا أو أصدقاؤنا أو وطننا فإن البيان لا يكون له عندنا أي استعمال يا بولوس إذا لم نقبل على النقيض وجوب اتهام أنفسنا أولاً، ثم والدينا وأصدقائنا في كل مرة يرتكبون فيها ظلماً! وإذا لم نوافق على وجوب عدم إخفاء خطايانا على الإطلاق، وعلى ضرورة إظهارها في وضح النهار كيما نكفر عنها ونستعيد بذلك صحتنا!، ثم إذا لم نقبل تقوية أنفسنا وغيرنا حتى لا نتراجع، وحتى نتقدم بشجاعة وبعين مفتوحة كما نتقدم أمام الطبيب ليبتر أعضاءنا أو ليكويها بالنار! وإذا لم نسلم بوجوب اتباع الحسن والجميل دون النظر إلى الألم، وإذا لم نرض بأنه إذا كانت الخطيئة التي ارتكبناها تستحق الضرب فلنتقدم إليه، أو السجن فلنمد أيدينا للقيد، أو التعويض فلندفعه، أو النفي فلننف، أو الموت فلنتحمله، وإذا لم نك أول من يقف في وجه أنفسنا وأقاربنا ونستعمل البيان فقد لتخليصنا من أفدح الشرور - وأعني به الظلم، وذلك بالكشف عن أخطائنا! فترى هل يجب أن نقول هنا نعم أو لا يا بولوس

ب - يبدو لي أن ذلك غريب يا سقراط ولكنه ربما كان نتيجة لما قلناه من قبل!

ط - وإذا فيجب إما أن ننكر ما قلناه، وإما أن نسلم بهذه النتائج!

ب - نعم، إنه لكذلك

(يتبع)

محمد حسن ظاظا