مجلة الرسالة/العدد 280/الكميت بن زيد
→ جورجياس أو البيان | مجلة الرسالة - العدد 280 الكميت بن زيد [[مؤلف:|]] |
الطفل ← |
بتاريخ: 14 - 11 - 1938 |
شاعر العصر المرواني
للأستاذ عبد المتعال الصعيدي
وللكميت أربع هاشميات أخرى غير هذه الهاشمية اللامية السابقة، وقد اتجه في مطالعها اتجاهاً جديداً ينكر فيه الاتجاهات العابثة التي اعتادها الشعراء في مطلع قصائدهم، وهي هاشمية الميمية التي تبلغ (102) من الأبيات، وثلاث هاشميات بائية تبلغ الأولى منها (138) من الأبيات، وتبلغ الثانية (67) بيتاً وتبلغ الثالثة (28) بيتاً
وقد قال في مطلع هاشميته الميمية:
من لقلبِ متيمَّ مستهام ... غير ما صبوةٍ ولا أحلامِ
طارقات ولا ادكارَ غوَاني ... واضحات الخدود كالآرام
بل هواي الذي أُجن وأُبدي ... لبني هاشم فرُوعِ الأنام
وقال في بائيته الأولى، وهي التي ذكرنا أنه عرضها على الفرزدق فأعجب بها، وفضله على الشعراء جميعهم، من بقي منهم ومن مضى:
طربت وما شوقاً إلى البيض أطرب ... ولا لِعباً مني وذو الشوق يلعبُ
ولم يُلهني دارٌ ولا رسمُ منزل ... ولم يَتطرَّيْنِي بنانٌ مخصبُ
ولا أنا ممن يزجر الطير همه ... أصاح غراب أم تعرض ثعلب
ولا السائحات البارحات عشية ... أمرّ سليمُ القرن أم مرَّ أعضب
ولكن إلى أهل الفضائل والتقى ... وخير بني حواء والخير يطلب
وقال في مطلع بائيته الثانية:
أني ومن أين آبك الطرب ... من حيث لا صبوة ولا ريّب
لا من طلاب المحجبات إذا ... ألقى دون المعاصر الحجب
ولا حمول غدت ولا دمل ... مر لها بعد حقبة حقب
ولم تهجني الظؤار والمنزل ال ... قفر بروكاً ومالها ركب
جرد جلال معطفات على ال ... أورق لا رجعة ولا جلب
ولا مخاض ولا عشار مطا ... قيل ولا قرح ولا س ما لي في الدار بعد ساكنها ... ولو تذكرت أهلها أرب
لا الدار ردت جواب سائلها ... ولا بكت أهلها إذ اغتربوا
يا باكي التلعة القفار ولم ... تبك عليه التلاع والرحب
أبرح بمن كلف الديار وما ... تزعج فيه الشواحب النعب
هذا ثناء على الديارِ وقد ... تأخذ مني الديار والنسب
وأطلب الشأو من نوازع ال ... هو وألقي الصبا فتصطحب
وأشغل الفارغات من أعين ال ... بيض ويسلبن وأستلب
إذ لمتني جَثْلة أَكَفِّها ... تضحك مني الغواني العجب
وضِرت عَمَّ الفتاة تثئب ال ... كاعب من رؤيتي وأثئب
فاعتتب الشوق عن فؤادي والش ... عر إلى من إليه معنتب
إلى السراج المنير أحمد لا ... يعدلني رغبة ولا رهب
وقال في مطلع البائية الثالثة:
طربت وهل بك من مطرب ... ولم تتصاب ولم نلعب
صبابة شوق تهيج الحليم ... ولا عار فيها على الأشيب
وما أنت إلا رسوم الديار ... ولو كن كالخلل المذهب
ولا ظعن الحي إذ أدلجت ... بواكر كالأجل والربرب
ولست تصب إلى الظاعنين ... إذا ما خليلك لم يصبب
فدع ذكر من لست من شأنه ... ولا هو من شأنك المنصب
وهات الثناء لأهل الثناء ... بأصوب قولك فالأصوب
بني هاشم فهم الأكرمون ... بنو الباذخ الأفضل الأطيب
فالكميت في كل هذه المطالع ثائر على شعراء العربية الذين اتخذوا افتتاح القصائد بالنسيب عادة لهم، ولا يعبأ بما يتكلف لهم في ذلك الاتجاه الذي جمد علبه أولهم وآخرهم، بل يهزأ بسؤالهم الديار ووقوفهم على الأطلال وبكائهم التلاع القفار، لأنه لا فائدة في سؤال من لا يجيب، ولا معنى لبكاء الديار وهي لا تبكي أهلها إذا اغتربوا عنها.
والحق أنه لم يكن هناك معنى في قصائد المدح لافتتاحها بإظهار الهوى إلي غير الممدوح، لأن هذا من الفضول الذي يجب أن يقلع عنه كغيره من كل فضول، والواجب أن يذهب في هذا إلى مثل ما ذهب إليه الكميت من حصر قصده في الممدوح وحده، وعدم لعناية في شعره بغيره، والاتجاهات في ذلك كثيرة لا تقف عند هذا الاتجاه الذي وقف عنده الكميت في شعره، وإن كان قد افتن بعض الأفتنان فيه
وقد جاء أبو نواس بعد الكميت فقلده في هذه الثورة على ذلك التقليد الشعري، وعابه في بعض مطالع شعره كما عابه الكميت في مطالعه، ومن ذلك قوله:
صفة الطلول بلاغة القدم ... فاجعل صفاتك لابنة الكرم
لا تخدعن عن التي جعلت ... سقم الصحيح وصحة السقم
تصف الطلول على السماع بها ... أفذو العيان كانت في الحكم
وإذا وصفت الشيء متبعاً=لم تخل من غلط ومن وهم
ولكن التجديد فيما فعله الكميت لا فيما فعله أبو نواس، لأن أبا نواس لم يزد على أن استبدل بالنسيب في المطالع وصف الخمر، ولا فرق عندي بين افتتاح القصائد بهذا أو ذاك، لأن كلاً منهما أجنبي عن القصيدة ودخيل فيها، وما وصف الخمر إلا نسيب فيها كالنسيب في النساء سواء بسواء.
عبد المتعال الصعيدي