مجلة الرسالة/العدد 275/بين اللغة والأدب والتاريخ
→ خاطر | مجلة الرسالة - العدد 275 بين اللغة والأدب والتاريخ [[مؤلف:|]] |
رسالة الشعر ← |
بتاريخ: 10 - 10 - 1938 |
الفالوذج
للأستاذ محمد شوقي أمين
- 4 -
توجيه الاشتقاق، الصفات فيه، سبيل العرب في الوضع
, إني سائق لآن هذه الألفاظ بمرة، فمعيدها لفظاً بعد لفظ لبيان وجه الاشتقاق، وعلة الوضع، وتقدير العلاقة بين اللفظ الموضوع وبين مدلول الاسم الأعجمي
والألفاظ هي: السرطراط، السريط، المرطراط، اللمص، اللواص، الملوَّص، الرعديد. المزعزع، الزليل، اللقاء، المزعفر، الصفرَّق
- 7 -
ا - مادة سرط تصف الابتلاع وسهولته، تقول: سرطه وتسرطه واسترطه: ابتلعه. وانسرط في حلقه سار سيراً سهلاً ثم اشتق منها: المسرَط: للبلعوم، والسرواط: للأكول، والسرطة: السريع الاستراط
وقد صيغ من هذه المادة: اسمان للون من الأطعمة، الأول السريطاء، والآخر السرَّيطي، لنوع من الحساء
فلما تعورف الفالوذج، اشتق العرب من هذه المادة: اسمين له، الأول: السرطراط، بكسر السين والراء، ويفتحان، قال السيد مرتضى: (كررت الراء والطاء تبليغاً في وصفه، واستلذاذ آكله إياه إذا سرطه وأساغه في حلقه) وقد جمعه الإسكافي على سرارط. وثاني الاسمين: السريط، قال الفيروزابادي والشيرازي: هو كزُبَيْر، وقال صاحب التاج: الصواب بتشديد الراء المفتوحة
والاشتقاق كما ترى ملحوظة فيه انسياغ الفالوذج، وسرعة ابتلاعه!
ب - مادة مرط تصف الإسقاط والإسراع والأخذ الخاطف تقول: مرط: أسرع، وأمرطت النخلة: سقطت بسرها، وأمرطت الناقة: أسرعت وتقدمت. وتمرط الشعر: تساقط، وامترطه: اختلسه وقد اشتق من هذه المادة اسم اللهاة، وهو المريطا، لأن الطعام يسرع فيها، ويتساقط إليها. ثم صاغوا من المادة أسماً للفالوذج وهو: المرطراط بكسر الراء والميم على زنة السرطراط، فوجه الاشتقاق هو: ليان الفالوذج وطواعيته لامتراطه والإسراع فيه
ج - تصف مادة اللمص مما تصف: التناول بالإصبع. تقول لمص الشيء: إذا أخذه بطرف إصبعه. قال أبن دريد: لمصت الشيء: إذا لطعته بإصبعك ولحسته
وقد صيغ من هذه المادة اسم العسل، واسم لشيء كان يأكله الصبيان، ذلك الاسم المشترك هو: اللمص؛ بفتح فاسكان فأخذت هذه الصيغة للفالوذج. وعلة الأخذ واضحة، وهي أن الفالوذج كان يتناول بالأصابع، ففي هذا الوضع روعيت طريقة التناول لهذه الحلواء
د - تدل مادة لوص على الحيدان والحركة، تقول: لاص حاد. ولاوص: نظر نظرة الخانل يمنه ويسرة، وأليص: أرعش وما به لويص، أي قوة وحركة. وتلوص: تلّوى وتقلب
وقد وضع العرب من هذه المادة اسماً للعسل. فقالوا: اللواص. ثم قالوا لوصّ الرجل: أكل العسل. ثم كان منهم بعد ذلك أن أشركوا في هذا الاسم: الفالوذج. فسموه: اللواص وأضافوا إليه أسماً ثانياً من المادة نفسها، هو الملوص، وهو اسم مفعول من الفعل: لوصّ الذي كان مستعملاً في معنى تناول العسل، فالتلويص في الفالوذج كالتلويص في الشهد
والوضع في هذه المادة ملحوظ فيه هيئة الفالوذج، فهو يتلوى في الصحاف ويتقلب، ويظل في إرعاش وحَيَدان وهذه الصفة أوضح ما يرى من هذه الحلواء، وأبدأ ما يبدهك من سماتها وصفاتها
هـ - مادتا: رعد وزعزع ظاهرتان في دلالتهما على الهيجان والتذبذب تقول من الأولى: ارتعد: أضطرب، وسمى الجبان: رعديداً، لأنه يشتد به الفرق، فتهتز نفسه حذر المخاوف، وتقول من الثانية: تزعزع الشيء، تحرك تحركاً شديداً
وكان بديهياً أن يلحظ العرب في الفلوذج أنه دائب الارتجاف سريع التحرك، يتزعزع ويتمايل، فيرتضوا له الكلمتين: الرعديد والمزعزع. وقد سبق في طلائع هذا البحث ذكر جواب أعرابي سئل في الفالوذج، فوصفه بالارتعاد، وكذلك مضى وصف الخوارزمي له بالترجرج
ويتحير في صيغ مادة زلل معنى الخفة والسرعة والانزلاق، تقول: استزله: زلَّقة، وزلَّ هو: زلَق وسقط.
والرجل الأزل: السريع. ويوصف الماء بأنه زُلال إذا كان عذباً صافيا يمرً سريعاً في الحلق
فاجتلب العرب من هذه المادة لفظاً للفالوذج. هو الزليل، إذ كان خفيفاً على اليد حمله، سريعاً في الفم انزلاقه. وفي مبادئ اللغة أنه يجمع على: أزلة. ويستفاد من إثبات صاحب المبادئ لهذا الجمع أنه مسموع فوق أنه مقيس
ز - جاءت نوبة كلمة: الُّلقاء، وتلك لم اعثر عليها في معجم ولا أسفرَت لي في أوراق فقه اللغة. وإنما جرت في كلام لأبي العلاء المعري، قال: (العاجلة، كلبيد الراجلة، يُلقي لتقيها لقاء، ويطعم فاجرها مُرّ المقرات. . .) ثم شرح ذلك فقال: (اللبيد: جوالق صغير، أو خرج. والراجلة: الكبش الذي يحمل عليه الراعي خُرجه. واللقاء: الفالوذج) ولقد فتشت عن هذا اللفظ كل مفتش، فيما بين يدي من المراجع، حتى ضاق به الصدر، فكأن أبا العلاء استخرجه من ملاعب الجن. وما أظن الظنون بشيخ المعرة، فأني لأعلمه: صاحب الغريب، وهدهد الشوارد. فليس لي إلا أن أستريب بحروف هذا اللفظ، وأن أُقدِّر أن تحريفاً عدل به عن كنهه. وكان بودي أن أجلو هنا ما دار به الخاطر فيما عساه يكون الأصل، ولكنني أوثر أن أحجم حتى أسمع كلمة الأستاذ الفاضل الذي بعث الفصول والغايات من مرقدها، فلا بد أن يكون عنده من هذا اللفظ علم، ولعله متفضل فمجيب. وسيتبع إحجامي عن الكلام في الأصل، تأخيري النظر في الاشتقاق. إذ كان هذا متعلقاً بذلك تعلق النتائج بالمقدمات
ح - الزعفران نبات أصفر الزهر، أحمر الصبغ، وزعفره: صبغه بالزعفران. ولا أُحق: أسموا الفالوذج مزعفراً لأنه مصبوغ به، أم لأنه مجعول فيه، أم لأنه على لونه، فالأمر على التشبيه؛ أم لكل هاته الأشياء؟؟ وإن من سنة العرب في التسمية أن يوصف الشيء بالشيء لشبه اللون، فقد وضعوا للأسد أسم الورد، لأنه ورد اللون. بل إنهم سموه: المزعفر، فقالوا: المزعفر: الأسد الورد لأنه أحمر. وقد أنهينا فيما سبق قول بعضهم (فالوذجة مزعفرة) ورجحنا ثمة أن تكون الزعفرة فيه الصبغ والتطييب، وليس الكلام على التشبيه والمشاكهة
ط - أجمع فقهاء الألفاظ على أن الصُّفرُّق اسم للفالوذج، ومثل به سيبويه في الكتاب ونقله الصاغاني عن كتاب الأبنية، وقال في اللسان: هو الصُّفروق. ولم يثبت بناء الصفرُّق. وقد انتقب وجه الاشتقاق لهذه الكلمة، فيما لدى من المظان. فالكلمة في مادتها يتيمة، إن شئت قلت: درة لها من استئحادها عضمة وزهو، وان شئت قلت: شريدة لا يؤاخيها شيء، ولا تجد لها منتمى. وأنا حابس القلم الساعةَ عن اقتحام الكتابة في زائد حروفها، ومرجعها إلى الصفرة في اشتقاقها، والوجه في ذلك كله، فلذلك مجاله أخرى
(للبحث صلة)
محمد شوقي أمين