مجلة الرسالة/العدد 275/رسالة الشعر
→ بين اللغة والأدب والتاريخ | مجلة الرسالة - العدد 275 رسالة الشعر [[مؤلف:|]] |
في السماء ← |
بتاريخ: 10 - 10 - 1938 |
في سبيل الله والعروبة والوطن
المجاهد
للأديب السيد جورج سلستي
(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون)
اَلحبُّ والأمَلُ الوضيءُ كلاهما ... صَبَوَا إليه معاً فأَعرضَ عنهما
وهَفَتْ لَهُ الدنيا الطروبُ فعافَها ... وتَعَلَّقَتْهُ فَصدَّها متبرّما
وَسَعى الثراءُ إليه يخطبُ ودَّهُ ... فأبى وآثَرَ أَنْ يظلَّ المُعْدِمَا
واُلْحرُّ يَهْزَأُ بالنُضَارِ ويزدري ... متَعَ الحياةِ إذا دعا داعي الحمى!
هَجرَ الأحبّةَ والمنى مُتَحَدِّياً ... جُهْمَ النَوَائبِ ضاحكاً مبتسّماً
بَطَلٌ بدا فيه الوفاءُ ممثّلاً ... وبدا الإباءُ بشخصه متجسّما
بَطَلٌ يَمُورُ العَزْمُ في قَسَماتهِ ... أبدأً يُرَى ثَبْتَ اَلْجنانِ غَشَمْشَما
تَتَساََءلُ الآجَامُ إِمَّا يجتمعْ ... بالليثِ أَيُّهما الغَضَنْفَرُ منهما
بَطَلٌ مَشى مُستَبْسِلاً ليَذودَ عن ... وَطَنّ يَعزُّ عليه أَنْ يَتَقَسَّما
إِنّي أَرَاهُ وقد ذكا لَهَبُ الوغى ... وتَسَعَّرَتْ نيرانُهَا متحدّما
مُتَوَثّباً أَبداً على أَعدائه ... شَأْنَ الأتيّ تَدَفّعاً وَتَهَجُّمَا
يُصْلي فوارسَهُمْ وهم يُصْلونَهُ ... ناراً أَشَدَّ من اَلْجحيمِ تَضَرُّمَا
فإذا هُمُ أنهزموا فذاكَ، وإن قَضى ... صلّى الإلهُ على ثَرَاهُ وَسلّمَا
يا سائلي عَمَّن قضى مُسْتَشْهِداً ... روحي فداؤك عارفاً مُسْتَعْلِما
أَتقولُ مَنْ آلُ الشهيد وكلنا ... عَرَبٌ نَمانا للمعالي مَنْ نَما؟
للعُرْبِ نُنسَبُ حينَ ينتسبُ الورى ... ولسانُنَا العَرَبيُّ أَشْرَفُ منتمى
والعُرْبُ مهما تَخْتَلِفْ أَهواؤهم ... أَهْلٌ يؤاخي العيسويُّ المُسْلِما
إِنَّا تُوَحّدْنا العَرُوبةُ أَينما ... كنّا وتجمعنا المكارمُ حيثما
والفَذُّ بين القوم ملْكُ بلاده ... إِنْ عالماً أو فارساً أو مُلْهَمَ والرُزْءُ فيه فجيعةٌ وطنيّةٌ ... عظمى تئنُّ لها البلادُ تأَلُّمَا
يا مَنْ ينامُ الليلَ مِلَء جفونه ... ويعيشُ مَوْفُورَ الرخاءِ مَنعَّما
أَهْلوكَ في مسرى النبيّ تجشّموا ... ما لا يطيقُ الصَخْرُ أَنْ يتجشّما
وتحمَّلُوا ما لو حَمَلْتَ أَقَلّهُ ... لَغَدَوْتَ أَشْبَهَ بالَخيالِ أو الوما
والنومُ أَبعدُ ما يكونُ عَنِ العُيُو ... نِ وقلّما تلقى هنالك نُوّما
فكأَنما نسى الكرى أَجْفَانَهم ... مِنْ طوْلِ ما سَهِرُوا الليالي قُوَّما
وَسَلَتْ مضاجعَها الجوانبُ بعد ما ... أَمسى الهناءُ على النفوسِ مُحرَّما
والْحَربُ من حولينِ ما زالتْ مُؤَجْ ... جَجَةً وما زالَ المنايا حُوَّما
فامددْ يداً بيضاَء تُسْعِفْ عاجزاً ... أو تَأْسُ مَكْلوماً وتُنْجِدْ أَيِّما
ولقد عرفتُك باذلاً متكرّماً ... فَأَعِنْ بمالكَ مَوْطِناً متردّماً
هو مَوْطنٌ غَمَرَ الأَسى باحاتِه ... وغدا الشقاءُ على بَنيهِ مُهَيْنِما
قد كانَ مثل العُرْسِ بَّسامَ الرؤى ... طَلْقاً فحوَّله الأجانبُ مَأْتما
قَدْ باتَ يَنْطُفُ عَنْدَما بالأوصيا ... ءِ وكانَ حتى الأَمْس يَنْضَحُ بلسما
قد كانَ مِنْ أَفْضَالِ رَبّكَ جنَّةَ ال ... دنيا فَصَيَّرَهُ الدخيلُ جَهَنَّما
إِن الدخيلَ، وإِنْ تَأَلَّهَ، مُجْرِمُ ... مُتَنكِّرٌ فاحْذَر - فُدِيتَ - المجرما
قالوا التمدُّنُ عَنْ يَدَيْهَ فقلتُ لا ... كانَ التمدُّنُ عَنْ يَدَيْهِ مُتَمَّما
أَين التمدُّنُ عند مَنْ يَنْز وهوىً ... ويروغُ ثعلبةً ويسعى أَرقما
أَمن التمدُّنِ أَنْ يُبَاعَ الدينُ بال ... دنيا وتُغتَصَبُ الحقوقُ وَتُهْضَما
وَيُحَلَّ قَتْلُ الأبرياءِ وهَدْمُ دو ... رِ المُبْعَدِينَ وَنَفْيُ أَحرار الحمى؟
أمُعَيَّري بالبَرْبَريَّةِ إِنني ... متأخّرٌ فاهنأْ وكُنْ متقدّما
إِني لأَهوى البربريةَ إِنْ يَكُ الت ... مدينُ هَضْمَ الحقِّ أو سَفْكَ الدما
ولقد تركتُ لكَ الرقيَّ فَخَلِّنِي ... متسكّعاً بين الجهالة والعمى
فأنا امرؤٌ نزَّهِّتُ عن حَمَاءِ الخنا ... نَفْسي وآبى أَنْ أُقارفَ مَأْثما
يا حارسَ الحرمَ الشريفَ وحامياً ... مَهْدَ المسيحِ وأنتَ أَشْأَمُ من حَمَى
المهدُ واَلْحَرمُ الشريف تملمَلا ... ولو استطاعا من أَسىً لتكلَّما! للبُطْلِ صولةُ ساعةٍ فإذا انقضتْ ... وتصرَّمتْ ولّى الطغى وتصرَّما
لا بدَّ إِمّا عاجلاً أو آجلاً ... للحقَّ أَنْ يعلو وَأَنْ يتسنمَّا
والظُّلْمُ أَوْخَمُ مَرْتَعٍ فاحذرْ إذا ... كنتَ الحكيمَ المرتع المتوخما
أَأَخي الشهيد لقد قَضَيْتَ مجاهدا ... ليعيشَ مَوْطِنُك الحبيبُ مُكَرَّما
يهنيكَ أَنْ وَفَّيْتَ قسْطَك للعلي ... وَرُزِقْتَ حَيّاً عند ربّك في السما
(بيروت)
جورج سلستي