الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 242/التاريخ في سير أبطاله

مجلة الرسالة/العدد 242/التاريخ في سير أبطاله

بتاريخ: 21 - 02 - 1938


ابراهام لنكولن

هدية الاحراج إلى عالم المدنية

للأستاذ محمود الخفيف

- 2 -

يا شباب الوادي! خذوا معاني العظمة في نسقها الأعلى من

سيرة هذا العصامي العظيم

ما لبثت الأسرة أن رأت في عميدها (توماس لنكولن) ميلاً شديداً إلى الرحيل من (كنتوكي) إلى حيث يسهل عليه كسب قوته وقوتها مع اليسير من الجهد، وكان توماس من النفر الذين يضيقون بالجهد والذين يطلبون أكلاف العيش من أيسر سبلها فهو لذلك لا يكدح إلا مضطراً؛ وما فتئ يذكر اسم (انديانا) مقروناً بالخير والبركة وهو يزين لزوجه الرحيل إلى تلك الجهة، ثم ذهب فخبرها بنفسه وعاد بعد قليل يحمل إليها متاعه وأسرته. وما كان أسرعه بعد عودته في توطيد ما اعتزم! حزم متاع بيته وحمله على جوادين أعدهما لذلك، وكان ابنه (أيب) يركب معه على ظهر أحد الحملين، وتركب زوجه وابنته (سارا) على الآخر وقضوا في الطريق زهاء أسبوع يشقون في سيرهم الأحراج ويجتازون بعض مجاري المياه، فإذا جنهم الليل قام عميد الأسرة على حراستهم حتى ألقوا رحالهم آخر الأمر في (انديانا)

وشمر توماس لنكولن عن ساعديه وشمر معه أيب وأهوى بفأسه على الأشجار يقطعها ويشقها ويسوي فروعها وابنه يعاونه ما وسعه العون وهو لا يني يشق هاتيك الخشبة، ويقطع تلك ويشذب هذه، حتى تم له إعداد ما يلزم لإقامة كوخ تأوي إليه الأسرة، ثم دعا إليه بعض جيرانه ليساعدوه في رفع تلك الأخشاب بعضها فوق بعض. وكان رفع الأخشاب عملية يدعى إليها الجيران فيلبون في سرور وإخلاص، وكان يجري فيها من فنون اللهو والمزاح ومن ضروب التندر واللعب بقدر ما يكون فيها من مشقة ونص أقامت الأسرة في انديانا، وتركت موطنها في كنتوكي، وإنك لترى هذا الارتحال من مكان إلى آخر ومن مقاطعة إلى مقاطعة أشبه بتنقل البدو في الصحراء. ليس بين الحياتين من فرق إلا بمقدار ما يكون بين الغابة والبيداء، وبين البيت يتخذ من الشعر أو يقام من كتل الخشب؛ ومن ثم فليس بين المعيشتين من فرق من حيث أثرهما في الخلق والخيال إلا بقدر ما يقوم بين الطبيعتين من اختلاف

وكان لهذا الترحال أثره في نفس الغلام، إذ أخذ الوطن منذ ذلك الحين يتسع في نظره ويمتد حتى أصبح وطنه هو أمريكا كلها؛ فهو مرتحل أبداً مادام العيش يتطلب الارتحال، وهو متخذ من كل مكان وطناً يتصل بنفسه ويعلق بخياله، وظل ذلك شأنه حتى انتهت إليه زعامة الولايات جميعاً وحتى أخذ بيده مقاليد الحكم فيها

وكانت الحياة في انديانا سهلة لا تكلف الناس عناء ولا ترهقهم عسراً، إذ كانت تقوم على الصيد، وكانت الحيوانات موفورة في الغابات لمن يطلب الصيد، ولكن تلك المعيشة كانت إذا قيست إلى معيشة المدن بعيدة كل البعد عن أسباب الرفاهة، بل عن أبسط وسائل الراحة، وحسبك دليلاً على ذلك أن الملابس كانت ما تزال تتخذ من جلود الحيوانات، إلا في بعض الأحيان حين كان يغزل الصوف وينسج بالأيدي وفي الأكواخ، وأن البيوت كانت كما رأيت، وما كانت تفتقر إليه تلك الأصقاع من المتاجر أو سبل الاتصال أو دور الاستشفاء أو دور التعليم إلا ما كان منها في أبسط حالاته، أو غير هذه من مظاهر العمران المعروفة في غير تلك البيئة من البيئات

على أن الصبي كان مغتبطاً ببيته الجديد في أنديانا، يأنس بكثرة الجيران هنا، ويرى الحياة أكثر نشاطاً وأوسع مجالاً، ولقد جاء ذوو قرباه فأقاموا معهم حيث كانوا يقيمون. ومرت الأيام في هدوء وسلام وصفو، وكان كل يقوم بنصيبه من العمل لم يتخلف عن ذلك حتى الصغار؛ فهذا (أيب) وكان غلاماً قوي الساعدين - على نحافته - يبذر الحب في الربيع، ويشترك في الحصاد وقت الصيف، ويطعم الخنازير، ويحلب الأبقار، ويساعد أباه في أعمال النجارة؛ وهذه سارا تساعد أمها فيما لا يحسنه أيب من أعمال البيت. وظل هذا حال تلك العشيرة مدة عامين

ولكن الزمن القاسي يأبى عليهم أن يظلوا في أمنهم وسكنهم فتنتابهم حمى مروعة ينوء بها الناس والدواب، ويحار الكبار والصغار في أمرها وهم لا يجدون طبيباً. وهيهات أن يظفروا بطبيب إلا أن يقطعوا نيفاً وثلاثين ميلاً على الأقل. وهل كانوا يستطيعون أن ينتقلوا بضع خطوات؟. . . لقد هدهم المرض فرقدت الأم ورقد الجيران من ذوي القربى. ثم جاء دور أيب وأخته. . . وأخيراً حم القضاء ووقعت الكارثة فماتت الأم وقد أضنتها الحمى وفتكت بجسدها النحيل! ماتت الأم ورزئ أيب بأول صدمة من صدمات الأيام. وأي صدمة! لقد ضاقت في وجهه الدنيا، وأحس معنى اليتم إحساساً قويّاً زاد من وقعه ما فطر عليه الصبي من عمق الخيال واشتداد العاطفة. ولقد ظل واقفاً أمام تلك البقعة من الأرض التي دفنت تحتها أمه حتى تناوحت من حوله رياح المساء، ومشت في الأفق ظلال الطفل، فذرف الدمع سخيناً وعاد إلى الكوخ كسير القلب موجع النفس يحس كأنه غريب في هذا الوجود الواسع!

وكان قد سبق أمه إلى الموت أبوها وأمها، ذهبا كما ذهبت ضحية تلك الحمى القاسية، وعلى ذلك صارت ربة الأسرة سارا الصغيرة التي لا تزيد سنها على الثانية عشرة! وكانت سارا تخدم أباها وأخاها فيما يلزمهما من شؤون البيت؛ ولكن الرجل لم يطق صبراً على تلك العيشة، فترك - بعد سنة من وفاة زوجته - ابنه وابنته وصحبتهما طفلة دونهما في العمر هي بقية العشيرة؛ ثم عاد إليهم في عربة يجرها أربعة من الجياد! ونزلت من العربة سيدة يذكر أنه رآها قبل ذلك في كنتوكي، ونزل منها غلام وأختان له، وكانت تلك السيدة - كما عرف - زوج أبيه!

ودهش أيب لما رأى من متاع جديد! فقد رأى سرراً حقيقة وكراسي وخواناً ومائدة ومُدىً وسواها مما لم تقع عليه عينه من قبل بين جدران الكوخ. وسرعان ما توثقت عرى المودة بين الجميع، فكوَّن الصغار رفقة تربطها المودة والمحبة، لا يحسون جوراً في المعاملة من جانب ربة البيت الجديدة؛ فلقد كانت امرأة صالحة طيبة القلب، رقيقة العاطفة حلوة الشمائل، ذكية الفؤاد، ازدادت محبة في نفس أيب إذ رأى منها - فوق ما أولته من عطف - ميلاً إلى تعليم الصغار، وسمعها تجادل زوجها في ذلك وتصر على أن يذهبوا عصبة إلى المدرسة؛ وكان الزوج في بداوته يقدم الفأس على القلم ويضن بابنه وقد أنس من قوة ساعديه ومهارة يده أن يرسله إلى المدرسة وهو أحوج ما يكون إلى مساعدته، ولكن رأيها تغلب في النهاية وسار الأولاد إلى المدرسة وكانت على مسافة ميل ونصف ميل من كوخهم

وفي المدرسة أقبل أيب على تعلم القراءة والكتابة إقبالاً لم يعرف له مثيل في قرنائه. أليس ذلك غاية مبتغاه ومنتهى هواه؟. لقد كان يعمد إلى قطع الفحم إذا عاد إلى الكوخ فيكتب بها على غطاء صندوق من الخشب تارة، أو على ظهر لوح الخشب الذي كانوا يحركون به النار تارة أخرى! يكرر ذلك في غير ملل مع صعوبة الكتابة بالفحم على مثل تلك الأشياء. وأنى له الحبر والورق إلا ما ندر من قصاصات رديئة كان يضن بها على التمرن فلا يخط عليها إلا ما يحسنه فيزهي به ويباهي. . . هكذا تعلم إبراهم لنكولن القراءة والكتابة!

لكن أباه لا يهتز لذلك ولا يهش له، بل إنه ليقطع عليه أكثر الأحيان هوايته فيستصحبه إلى الغابة ليعاونه فيما كان يراه أجدى على الأسرة من الأعمال. وهو يرى فيه الآن وقد ناهز الرابعة عشرة خير عون له إذ كان الفتى حاذقاً قوياً حتى لتبدو قوته مدهشة تحمل على العجب ما رأى الجيران مثلها قط فيمن كان في مثل عمره. ورأى فيه أبوه فوق ذلك قدرة على الرماية تجلت له في حادثة واحدة ولكنها كانت مقنعة: تناول البندقية ذات يوم وصوبها نحو فرخ بري فأصابه في مهارة وخفة. . . على أنه قد جزع وأخذه الرعب وندم على ما فعل، وعافت نفسه هذا الفعل وما فيه من قسوة، وما رآه أحد بعدها يصوب سلاحاً نحو مخلوق. . .

وما كان إذعان إبراهام لأبيه إذا دعاه ليصرفه عما مالت إليه نفسه، فكان يختلس الساعات فيكتب ويقرأ ويكتب ويقرأ والشوق يحدوه واللذة تدفعه حتى صار قادراً على تناول الكتب! وأول ما تناوله من الكتب الإنجيل وخرافات إيزوب وروبنسن كروزو ورحلة الحاج. وكم كان لهذه الكتب من أثر في خياله ووجدانه، ذلك أن نفسه أخذت تتفتح للحياة كما تتفتح الزهرة أحست دفء الربيع ونوره وصفاءه! وتاقت تلك النفس الذكية إلى تاريخ العظماء، فقرأ حياة هنري كليي وحياة فرانكلن ثم حياة وشنجطون بطل الاستقلال وزعيم الحرية. ولقد كان جد معجب بهذا الزعيم العظيم مأخوذاً بما يطالع من مواقفه في حرب الاستقلال، مسحوراً بما تجلى في تلك الحرب منن أعمال البطولة. ولا يخفى ما تركته مثل هاتيك المطالعة من عميق الأثر في تلك النفس الوثابة الجياشة بأنبل المعاني

وعرف عنه وهو في السادسة عشرة من الشمائل ما لا يتحقق إلا للمصطفين الأخيار. كان على قوة جسمه مضرب المثل في دماثة الخلق وعفة اللسان واليد، وكان حديث القوم في أمانته ونزاهته وسمو أدبه. تحدثت عنه زوج أبيه مرة فقالت: (لم يوجه إلى مرة كلمة نابية أو نظرة جافة، ولم يعص لي أمراً قط سواء أكان ذلك في مظهره أم في حقيقة أمره) ويروي عنه أنه استعار من أحد الجيران كتاباً عن وشنجطون لمؤلف آخر فأقبل عليه يطالعه حتى جن عليه الليل فوضعه في شق بين الكتل الخشبية في أحد جدر الكوخ فبلله المطر، فلما رآه في الصباح اشتد أسفه وحمله إلى صاحبه، وهو لا يقوى على الوقوف أمامه من شدة الخجل، ولا يدري كيف يعتذر! ثم بدا له فعرض على صاحب الكتاب أن يدفع ثمنه، وكان ذلك الثمن أن يأجره الرجل عنده ثلاثة أيام في عمل من أعمال الزراعة! وقد تم له ذلك فطابت به نفسه وصار الكتاب ملكا له، وذلك ما اغتبط له أشد الاغتباط

وراح يقرأ وهو يقتبل شبابه كل ما تصل إليه يده. يقرأ في ضوء النهار حتى ينقضي فيقبع في الليل إلى جانب الموقد يقرأ على ضوء اللهب! لا يكل له طرف ولا تأخذه سنة حتى لينسى طعامه وشرابه إذا كان حيال فقرة قوية أو حديث ساحر

ومالت نفسه إلى تفهم أسرار الحياة وهو بعد في تلك السن، فأخذ يتأمل ويتأمل، يلتقط جريدة قديمة فيقرأ فيها ما يعجب له ولا يفهمه، يقرأ عن الانتخابات وعن مسألة العبيد، ويسمع أشباه ذلك في الكنيسة وفي أحاديث الجيران فيعجب بينه وبين نفسه، وهو لا يدري كنه هذه الأشياء على وجه اليقين

وأخذ يدرس من كثب طباع الناس، وكانت له نظرة نافذة إلى أعماق الأشياء، وكانت نفسه بطبيعة تكوينها تنفعل للجمال والحق وتنفر من الشر وتنأى عنه. ولو رآه خبير بطباع البشر يومئذ لظن أنه حيال شاعر تنبسط جوانب نفسه، وتتهيأ لرسالة من الرسالات روحه. ولقد كان إبراهام يكتب الشعر يومئذ ويقرأه على خلانه؛ وصارت للشاعر بيرنز عنده مكانة سامية حتى لقد حفظ ديوانه عن ظهر قلب، وصار لا يقدم عليه شاعراً سوى شكسبير

عجيب حقاً أمر هذا الفتى الذي تنقسم حياته بين المدرسة وبين أعمال النجارة في الغابة، والذي يقرا مثل هذا النوع من الكتب قراءة تمعن وتمحيص! ولكنها العبقرية تفتح وتعلن عن وجودها بشتى الصور والأساليب، وهي هي الجوهر الثابت لا تدركه الأبصار وإن أحسته القلوب والعقول.

هو الآن يتخطى السادسة عشرة، طويل الجسم مديد القامة عريض الصدر، ولكنه نحيف تستوقف الأبصار نحافته كما يستوقفها طوله، وهو على نحافته قوي الجسم قوة ما توافت لمثله في هذه السن؛ وكأنما تجمعت تلك القوة في ساعده، فليست هناك دوحة تقوى عليه إذا هو أهوى بفأسه عليها. بذ أباه في قطع الأشجار وتسوية الأخشاب، وغالب أقرانه في الغابة حتى سلموا له بالتفوق مكرهين

وكانت هيئته وحشية بسبب شعره الأشعث المغبر وهندامه الساذج المتهدل، وتقاطيع وجهه المسنون الذي يبرز فيه الأنف بروزاً شديداً فيبدو كأنه أضخم من حقيقته، ولذلك ما كان يطمع ابراهام وهو في سن الأحلام والتظرف أن تنظر إليه فتاة نظرة ذي علق. . . وهل كان يتجه خياله إلى شيء من هذا؟ حسبه ما هو فيه مما هو أسمى من ذلك وأجدى

ولاحظ عليه أقرانه شيئاً من الشذوذ يومئذ، فهو يلقي بفأسه أثناء العمل في الغابة ويخرج من جيبه كتاباً فيقرأ ويقرأ في صوت جهوري كأنه خطيب. . . وهو يضحك أحياناً بلا سبب ظاهر وقد يعلو في ضحكه مبتدئاً من ابتسامة حتى يصل إلى قهقهة، وهو على رقة عاطفته ورفق قلبه يقوم للجيران إذا دعوه بأعمال الجزارة فيقتل لهم الخنازير بوقذها في جباهها في جرأة وسرعة. . وبينا يرى الناس منه ذلك يعجبون العجب كله إذ يرونه يمد يد المساعدة إلى الضعفاء والبؤساء. لقي وهو في طريقه مع رفيق له رجلاً قد ألقاه جواده في الطريق وقد ذهبت الخمر بلبه، فمازال به يوقظه وهو لا يستيقظ ولا يفيق، فتبرم صديقه، فرد عليه أنه لا يستطيع أن يترك هذا الرجل على الرغم من سكره فريسة للبرد وحمله على ظهره إلى كنه؛ وأقام إلى جانبه ردحاً من الليل. وسمعه الناس يعلن عطفه على الهنود الحمر قائلاً إنهم أصحاب تلك الأرض وإنهم أخرجوا من ديارهم وأنهم لذلك جديرون بالرحمة والعطف!. ولم يقف به عطفه عند الإنسان، بل لقد أظهر غير مرة الرأفة بالحيوان، فوقف ذات يوم ينقذ كلباً وقع في الثلج وقد ناله في ذلك من التعب ما ناله. ورأى بعض خلانه يلعبون بسلحفاة أوقدوا على ظهرها ناراً فعنفهم وذهب من فوره فكتب موضوعاً في الرفق بالحيوان وقرأه على من صادفهم من جيرانه!

ومما يعرف من ميوله يومئذ ميله إلى المحاماة، ولعل مرد ذلك إلى حدبه على المستضعفين. عرف هذه المهنة حين قصد ذات يوم إلى جلسة قضائية في بلد قريب ليتفرج، وقد أعجب بدفاع أحد المحامين ودفعه إعجابه إلى أن يتقدم إلى ذلك المحامي مهنئاً، فاقتحمته عين المحامي المدل بنفسه وازدراه وهو يرى من هيئته ورث ثيابه ما يرى، ولم يدر أنه كان يزدري من سيكون يوماً رئيس الولايات المتحدة! ومنذ ذلك اليوم تاقت نفسه إلى معرفة القانون عله يستطيع أن يخطب ويدافع فينصر المظلومين، فلقد صار ذلك العمل محبباً إلى نفسه.

ولكن أنى له المال الذي يهيئ له سبل الدراسة والظهور في المجتمعات؟ أنى له المال وهو لا يكاد يراه. هاهو ذا يصنع قارباً بيديه ويحمل فيه بعض حاصلات إقليمه ليبيعها في سوق قريبة ولكنه يبيعها بثمن زهيد؛ بيد أنه حدث أن حمل في تلك الرحلة بعض الناس في قاربه من شاطئ النهر إلى حيث أدركوا قارباً بخارياً في عرض النهر، وما كان أعظم دهشته حين مد إليه أحدهم يده بقطعتين من الفضة كانتا تساويان ريالاً، وما كان أعظم فرحه بذلك. أشار إلى ذلك الحادث يوماً وهو في منصب الرياسة يخاطب صديقه ستيوارت فقال: (إني لم أكد أصدق عيني. ربما رأيت ذلك يا صديقي أمراً تافهاً، أما أنا فإني أعتبره أهم حادث في حياتي. لقد كان من العسير عليّ أن أصدق أني - وأنا ذلك الفتى الفقير - قد كسبت ريالاً في أقل من يوم؟ لقد اتسعت الدنيا في ناظريّ وبدت لي أكثر جمالاً؛ وازداد أملي وثقتي بنفسي منذ تلك اللحظة).

(يتبع)

الخفيف