الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 215/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 215/الكتب

بتاريخ: 16 - 08 - 1937


سيرة السيد عمر مكرم

تأليف الأستاذ محمد فريد أبو حديد

للأستاذ أحمد أمين

ما كان لي - ولست متخصصاً في تاريخ مصر - أن أقدم للقراء كتاباً في تاريخ مصر الحديث.

واغرب من هذا أن أقدم كتاباً في تاريخ مصر الحديث للأستاذ محمد فريد أبو حديد، وهو الذي وقف حياته على دراسة التاريخ، وبخاصة تاريخ مصر، فترجم (فتح العرب لمصر) تأليف الأستاذ بتلر، وهو الكتاب الفخم الضخم، لقي في ترجمته العناء المضني، وأخرجه للقراء كأنه مؤلف عربي؛ فذكر الأصول بنصها الأصلي، وترجم الإنجليزية، فلولا ما وضع على الغلاف من أنه ترجمة ما شك القارئ أنه عربي الأصل، عربي الأسلوب، عربي التفكير.

وأخرج (ابنة المملوك)، وهي رواية تمثل عصر المماليك في مصر تصويراً دقيقاً، سلسل حوادثها تسلسلاً بديعاً، وصاغها في أسلوب شيق، ورونق أنيق.

ثم له الفصول الضافية، والمقالات الكثيرة في تاريخ مصر، وأحداث مصر، وبطولة مصر.

ما كان لي بعد هذا كله أن أقدم كتاب (السيد عمر مكرم) للقراء، وكان يكفي أن يقال إنه كتاب

في تاريخ مصر للأستاذ محمد فريد أبو حديد، ليثق القارئ به، ويقومه أحسن تقويم.

ولكن أتاح لي القدر أن أقرأ الكتاب قبل نشره وطبعه، فراقني فيه - بجانب ناحيته التاريخية - ناحيته الأدبية؛ فقد استطاع مؤلفه أن يصوغه صياغة لذيذة شائقة؟ يقرؤه القارئ فكأنه يقرا رواية ممتعة لا كتاباً علميا دقيقاً، مع أنه كتاب علمي دقيق أيضاً:

على أن في عالم التأليف روايات شائقة، بنيت على أحداث تاريخية ثابتة، ولكن عيبها أنها قيمة من ناحية الأدب، وليست بقيمة من ناحية التاريخ، فلا يعرف القارئ أي الحوادث ثابت تاريخياً وأيها من نسج الخيال، أما هذا الكتاب فقيم من ناحيتيه الأدبية والتاريخية معاً، فليس فيه من الوقائع ما هو نسج الخيال؛ ومع ذلك استطاع المؤلف بمهارته أن يسبغ عليه متعة الرواية وإن لم يكن رواية.

اشهد لقد بدأت قراءته وفي عزمي أن أفرغ منه بعد أسبوع على أقل تقدير، وأن أخصص له كل يوم بعض الوقت ولأعمالي الأخرى بعضه؛ ولكني ما بدأت به حتى أنساني عملي، وأنساني وقتي؛ واستمررت في قراءته بلذة وشغف حتى أنهيته شاكراً غاضباً؛ فأما الشكر فلأنه هيأ لي ساعات سعيدة لذيذة صرفتها في قراءته، وأما الغضب فلأنه اختلس مني زمني، من غير جرم يستوجب الحد.

ومزية أخرى واضحة في الكتاب تظهر لكل قارئ، وهو أن المؤلف عنى أكثر ما عنى - لا بالملوك والأمراء كما فعل أكثر مؤرخينا - بل بالشعب وحركاته ونفسيته وحياته الاجتماعية وآماله الوطنية. واتخاذُه السيد عمر مكرم محوراً لكتابه أكبر دليل على هذا؛ فهو ليس ملكاً ولا أميراً، ولكنه أحد أفراد الشعب، وعظيم من عظمائهم، يشعر بشعورهم، ويأمل آمالهم، ويقصده الشعب في حوائجهم، ويرجعون إليه في خطوبهم. فاتخذه المؤلف نواة نسج حولها تاريخ مصر في هذا العصر وخاصة تاريخ الشعب وتطوراته ونظراته وآماله وآلامه.

وكان حب (فريد) لمصر، وعصبيته لكل ما هو مصري، وحسن تقديره للشعب المصري سبباً في بعض الأحيان أن يلوّن بعض الأحداث لوناً زاهياً جميلاً براقاً يعجب الأديب والشاعر والسياسي، ولست أدري إلى أي حد يعجب المؤرخ الجاف المتزمت. ولكن نحن - على كل حال - أحوج ما نكون إلى الإكثار من الكتابة في تاريخ مصر في عصورها المختلفة، ومن جوانب الرأي المختلفة؛ فكل هذا يخدم مصر ويخدم الحق ويخدم التاريخ ويخدم السياسة.

وأخيراً أهنئ أخي (فريداً) بنجاحه في هذا الكتاب، وتوفيق الله له، وأجدني مغتبطاً سعيداً بتقديمه للقراء، وأرجو أن يجدوا فيه من الفائدة واللذة ما وجدت.

أحمد أمين