الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 215/نقد كتاب إحياء النحو

مجلة الرسالة/العدد 215/نقد كتاب إحياء النحو

مجلة الرسالة - العدد 215
نقد كتاب إحياء النحو
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 16 - 08 - 1937


تأليف الأستاذ إبراهيم مصطفى

للأستاذ أحمد أحمد بدوي

- 2 -

لا أحسب المؤلف يؤمن بذلك، ولكنه (كما قلت) قد اضطر إليه اضطراراً؛ لتسلم له فكرته، فإنني إذا قلت: لا تلميذ في فصلي راسب، أريد أن أتحدث عن كل تلميذ في فصلي، وأن اثبت له انه غير راسب؛ فتلميذ مسند إليه، ومتحدث عنه، لا ريب في ذلك، وإنما سوغنا حذف خبر لا النافية للجنس في كثير استعمالها؛ لأن الخبر وجود عام، والعرب (إذا كان الخبر وجوداً عاماً) حذفوه، لأنه مفهوم من الكلام. ألا تراهم يفعلون ذلك بعد لولا؛ فيقولون: لولا محمد لهلك علي، فيحذفون خبر (محمد) والأصل لولا محمد موجود لهلك علي؟ ولا أخال المؤلف يشك في أن محمداً مسند إليه، محذوف الخبر، كما حذف خبر لا من غير أن يؤثر في اسمها، بل هو باقي على حاله، مسنداً إليه، ولا أخالني في حاجة إلى تذكير المؤلف بأن العرب يلتزمون حذف متعلق (الجار والمجرور) إذا كان وجوداً عاماً.

ومن ذلك تمحلات الأستاذ لنصب مفعولي (ظن)، وإذا كنت أقتنع بأن اسم لا لم يعد مسنداً إليه، فإنني كذلك لا أستطيع أن اقتنع بأن المفعول الأول لظن لم يعد مسنداً إليه، فانك إذا قلت: ظننت أخاك حاضراً، لم ترد - بلا شك - أن تخبر السامع بأنك ظننت ظناً ما، ولكنك تريد أن تخبره بأنك قد القي في روعك ظن حضور الأخ، فأنت إذاً تقصد إلى أن تتحدث عن الأخ بأنك قد ظننت حضوره؛ وأما ما أحتاجه بأنه يجوز حذفهما إذ لم يعودا مسنداً غليه ومسنداً، فمردود بأن المبتدأ الذي هو مسند إليه بالإجماع يجوز حذفه إذا دل عليه دليل، وكذلك مفعولا ظن يجوز حذفهما إذا دل عليهما الدليل، وليس ثمة استعمال عربي ترى فيه مفعولي ظن محذوفين لغير دليل، بل لا يمكن فهم هذه الألفاظ إلا وهي متعلقة بمفعوليها، ويطول بي القول إذا أتيت بهذه التراكيب التي توهم المؤلف فيها حذف المفعولين لغير دليل، وبينت له أن دليل المفعولين قائم في الجملة يلمسه السامع بأقل انتباه.

ومن ذلك أننا نجد الاسم الذي نريد التحدث عنه منصوباً في باب الاستثناء، ألا ترى أ حين تقول: نجح التلاميذ إلا سعيداً تريد أن تخبر عن سعيد بأنه لم ينجح، وتقصد ذلك قصداً، ومع ذلك نجد سعيداً (وهو متحدث عنه) منصوباً أبداً، لا نستطيع رفعه.

رابعاً: لأنه لم يجعل الفتحة علامة إعراب، جعل نصب جمع المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم محمولا على الجر وتابعاً له؛ لأن العرب يعنون بالدلالة على الجر ويغفلون النصب، وتلك علّة تنهدم من أساسها، فلو أن العرب كانوا يغفلون النصب حقاً لما جعلوا له علامة تميزه في المفرد، ولحملوا النصب على الجر في المفردات أيضاً، وذلك ظاهر البطلان؛ على أن المؤلف وقف أمام المثنى ولم يستطع شيئاً، فقال: ولكن باب التثنية في العربية غريب، وأرجو أن يدلني الأستاذ المؤلف على موطن غرابته ومواضعها، فإنني لا أعرف فيه وجه غرابة إلا أنه استعصى على أن يسير مع فكرة المؤلف، وما كان أغناه عن هذه الفروض التي ليس لها اطراد.

اختصار أبواب النحو

أبواب النحو حول سبعين باباً، أراد المؤلف أن يختصرها، فلم يستطع أكثر من أن يضم ثلاثة أبواب هي المبتدأ والفاعل ونائب الفاعل تحت عنوان واحد هو المسند إليه. وان يستغني عن بعض التوابع وان يدمج الباقي بعضه في بعض، وسوف نناقش رأيه في هدوء لنرى أنه حتى في هذه الأبواب القليلة لا يستطيع ضمها ولا اختصارها.

أولاً: لأن المبتدأ له معنى ليس للفاعل في كثير من التراكيب، فنحو: هذا محمد، وعلي أخوك، لا نجد المبتدأ في الجملة يتصل أي اتصال بمعنى الفاعل أو نائبه.

ثانياً: لأن المبتدأ له أحكام يختص بها دون الفاعل، من حيث وجوب أن يكون معرفة إلا إذا سوغ الابتداء بالنكرة مسوغ، وليس كذلك الفاعل؛ ومن حيث علاقته بالخبر، الذي يجب أن يتأخر عنه احياناً، وأن يتقدم عليه أحياناً، والذي يقع حينا مفرداً، وحيناً جملة، أو شبهها، وليس للفاعل حظ من ذلك، ولا أريد أن أدخل في تفصيل هذا المجمل، فيتعب القارئ، أو يمل.

ثالثاً: لأن نائب الفاعل له أحكام ليست للفاعل، ألا تراه يقع جارا ومجروراً، والفاعل لا يكون كذلك؟ وإذا كان ظرفاً أو مصدراً وجب أن يكون مختصاً، ولا يشترط ذلك في الفاعل، إلى غير ما ذكرت من الأحكام؛ هذا إلى أن باب نائب الفاعل، يقصد فيه إلى غرض آخر، هو بيان صورة الفعل عندما يسند إليه

فأنت من هذا لا ترى أن ضمّ هذه الأبواب تحت عنوان المسند إليه يؤدي في النهاية إلى بيان أنواعه: من مبتدأ، وفاعل، ونائب فاعل، وإلى ذكر أحكام كل نوع على حدة؛ لا مفر من ذلك ولا مهرب. أما في علم المعاني حيث تتفق كلها في الأحكام التي يتناولها هذا العلم من تقديم وتأخير وذكر وحذف وإثبات ونفي. . . الخ فقد وضعت كلها تحت عنوان واحد هو (باب المسند إليه).

هذا شأن المؤلف في باب المسند إليه، وقد رأيت أن فكرته لا تسير إلى غايتها، بل تنتهي إلى ما أراد الهرب منه. أما شأنه في باب التوابع فأعجب وأغرب؛ ويجب أولا أن أسجل هنا ظاهرتين على المؤلف: أولاهما انه لم يتعرض إلا لتحليل الجمل البسيطة الأولية، أما الأساليب القوية الصعبة، التي من أغراض علم النحو فهمها وإدراك مغازيها، فلم يتعرض لها المؤلف، وأحسب أن كتب النحو لم توضع لتوضيح مثل قام محمد وعلي. وثانيتهما أن المؤلف يغالي كثيراً في قيمة العامل حتى ليتوهم قارئ مؤلفه أن كتب النحو لم تشرح في التوابع إلا العامل فيها وذلك وهم. فمن يقرأ هذه الكتب ير أن ذكر العامل لم يأت إلا عرضاً، أما القصد والغرض فبيان علاقة التابع بالمتبوع وذكر مميزات كل صيغة، وما تتضمنه من معنى وشرح قيمة كل أسلوب.

وسآخذ الآن في مناقشة بعض ما جاء به من الآراء:

أولاً: قال الأستاذ: (إن باب العطف ليس له إعراب خاص، وليس جديراً أن يعد من التوابع، ولا أن يفرد باب لدرسه) فهل قال أحد إن للعطف إعراباً خاصاً، غير إعراب متبوعه؟ ولكن هل اتحادهما في الإعراب يمنع من أن يفرد للعطف باب لدرسه؟ يكفي أن ترجع إلى كتب النحو لترى أن ما ذكر في باب العطف جدير بأن يكون له باب يخصّه؛ فهناك حروف العطف المختلفة. ولكل منها معنى خاص بها، تكفل ببيانه علم النحو، وباختلاف معاني هذه الكلمات تختلف علاقتها بما قبلها وبما بعدها، وكذلك لكل حرف منها شرط لوجوده في الجملة حتى يكون استعماله صحيحاً (وهذا كله عكس ما توهم المؤلف من أن كتب النحو لم تدرس هذه الأدوات إلا من ناحية بيان أثرها في الأعراب) ثم هناك غير ذلك عطف على ظاهر، وعطف على ضمير مرفوع أو منصوب، أو مجرور، ولكل ذلك حدود وشروط، لا تكون الجملة صحيحة إلا بمراعاتها فأين تذكر هذه الحدود وتلك الشروط إلا في باب خاص بها؟ ومن الغريب أن المؤلف يدعو في أول كتابه إلى دراسة علاقة الكلمة بالكلمة، والجملة بالجملة، وأحسب أن باب العطف الذي يريد حذفه - تتجلى به هذه العلاقة تمام الجلاء، وفضلا عن هذا كيف يفهم طلاب اللغة العربية: الصغار والكبار، هذه الحروف وكيف يعربونها ويعربون ما بعدها؟ أنقول لهم: إن هذه الحروف حروف تشريك، وأن ما بعدها شريك ما قبلها، كما يفهم من حديث المؤلف، هذه الحروف منها ما يفيد التشريك في اللفظ والمعنى ومنها ما يفيد التشريك في اللفظ دون المعنى، كما هو مفصل في كتب النحو، على أنه (إذا كان هذا كل ما يريده) ليس هناك كبير غناء في وضع لفظ مكان لفظ. ولا سيما إن كان اللفظان مترادفين، فظهر لك من هذا وجوب أن يكون للعطف باب خاص بأحكامه.

ثانياً: جعل المؤلف البدل والتوكيد باباً واحداً، وذلك إن دل فإنما يدل على أن صاحب الكتاب يريد أن يتناسى الفوارق المعنوية بين البابين، والتي يوضحها ويبينها الاستعمال؛ فبينما نرى في باب البدل أن المقصود بالحكم هو البدل، نرى في باب التوكيد عكس ذلك إذ أن المؤكد هو المعنى بالحديث المقصود منه وإنما جيء بالتوكيد ليثبته وليقوى معناه، ولأضرب مثلاً يبين ما أردت:

تقول قرأت الكتاب بعضه، فالمقصود من الجملة هو البدل (بعضه) لأنك لم تقرأ الكتاب كله؛ وتقول: قابلت الوزير نفسه، والمقصود من الجملة هو الوزير ولم تأت كلمة (نفسه) إلا لتؤكد أنك قابلته، ولم تقابل (سكرتيره) مثلاً، وأحسب هذا فرقاً معنوياً واضحاً يكفي لأن يجعل لكل منهما باباً خاصاً به، هذا إلى أن للتوكيد ألفاظاً لا يتعداها، ولا يكون بغيرها، أما البدل فمتحلل من هذه القيود وغير خاضع لها.

أحمد أحمد بدوي