مجلة الرسالة/العدد 215/البريد الأدبي
→ القصص | مجلة الرسالة - العدد 215 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 16 - 08 - 1937 |
تعطف ملكي كريم
حضرة المحترم الأستاذ أحمد حسن الزيات مدير مجلة الرسالة رفعت إلى الأنظار العلية الملكية النسخة التي قدمتموها إلى حضرة صاحب الجلالة مولانا الملك المعظم من العدد الذي أصدرتموه
من مجلتكم فنالت حسن القبول والتقدير وإني أتشرف بإبلاغ ذلك إلى حضرتكم مع شكر جلالته السامي.
وتقبلوا وافر الاحترام
تحريراً في 6أغسطسسنة 1937
كبير الأمناء
سعيد ذو الفقار
اللغة العربية والألفاظ الدخيلة
لاشك أن اللغة العربية تجوز في عصرنا طوراً من الإحياء والتجديد، ولا شك أن مصر هي التي تحمل لواء هذه النهضة المباركة؛ بيد أن هذه النهضة تتكشف أحياناً عن مظاهر ضعف تدعو إلى الأسف؛ فبينما نجد لغة الصحافة والأدب تبلغ مستوى رفيعاً، إذا لغة المصالح الحكومية والمحررات الرسمية بوجه عام لا تزال على جانب عظيم من الركاكة والضعف، هذا إلى كثير من الألفاظ الأجنبية الدخيلة تستعمل في الدوائر الحكومية والعسكرية؛ وهذه الألفاظ الدخيلة، وهي تركية في معظمها، هي من آثار عصر مضى، ويجب أن تمحى اليوم لاعتبارات قومية وأدبية ظاهرة المغزى؛ واللغة العربية ليست قاصرة عن أن تؤدى بديلا لهذه الألفاظ الأجنبية التي أضحت في الدوائر الرسمية كالطفيليات الضارة. ولقد رأت تركيا الكمالية من قبل أعوام أن تطهر اللغة التركية من جميع الألفاظ الأجنبية التي تسربت إليها، ومن المعروف أن العربية كانت تمثل في التركية بنسبة عالية ولكن زعماء تركيا الكمالية الذين يضطر مون بغضاً لكل ما يمت إلى الإسلام واللغة العربية بصلة، لم يجدوا بديلاً في التركية لتلك الثروة العربية التي أطلقت ألسنتهم قروناً، بل عمدوا إلى اللغات الأوربية يشتقون منها ويستعيرون. ومن حق العربية على نفسها وعلى أبنائها أن ترد إلى التركية بضاعتها المزجاة من الألفاظ العتيقة؛ واللغة العربية ليست في حاجة إليها، وليست عاجزة عن أن تقدم مكانها البديل؛ أليس مما يبعث إلى الخجل والأسى أن نسمع حتى اليوم كلمات (حقانية، وباشكاتب، وحكيمباشي) وأمثالها تدون في محرراتنا الرسمية، وأن تكون اصطلاحات الجيش المصري إلى اليوم كلها تركية؟ ولقد سبقت العراق مصر في التحرر من هذه الآثار البالية، واستحدثت لنفسها في الدواوين وفي الجيش ألفاظاً واصطلاحات عربية. وضربت بذلك مثلاً رفيعاً يحتذى، فعلى مصر التي تتصدر لزعامة الآداب العربية أن تحرر نفسها من هذه البقية العتيقة من العصر البائد، وأن تطهر لغتها ومحرراتها من هذه الألفاظ الدخيلة، وأن تكون في ذلك قدوة حسنة لجميع أبناء العربية في مختلف الأقطار.
مؤلف جديد في تاريخ العرب
صدر أخيراً مؤلف جديد بالإنكليزية عن تاريخ العرب والإسلام عنوانه (تاريخ العرب) بقلم الدكتور فيليب حتي أستاذ الآداب السامية بجامعة برنستون الأمريكية، والأستاذ حتي شرقي تفقه في الجامعات الأمريكية وعرف بتضلعه في لغات الشرق وآدابه، وكتابه عن العرب مؤلف جامع يقع في نحو ثمانمائة صفحة، ويشتمل على تاريخ الأمة العربية منذ فجر التاريخ إلى سقوط دولة السلاطين في مصر وسقوط مصر في يد الترك العثمانيين في سنة 1517م، وانتقال زعامة الإسلام من الأمة العربية إلى الأمة العثمانية. ويمتاز كتاب الدكتور حتي بطابعه العلمي، ومع ذلك فإن هذا الطابع لم يحل دون حسن العرض وطلاوة الأسلوب. وتمتاز الفصول الأولى من الكتاب، وهي التي تتعلق بأصل الأمة العربية وحضارتها الأولى من الحميرية والنبطية والسبأية، بكثير من الدقة والوضوح، وربما كانت في الواقع أقيم فصول الكتاب وأكثرها طرافة لأن البحث في أصول العرب والحضارة العربية قبل الإسلام ما يزال من الموضوعات الغامضة على البحث الحديث. ومع أنه يصعب على المؤرخ عادة أن يبسط هذه النواحي المشعبة لتأريخ العرب والإسلام في مجلد واحد، فإن المؤلف استطاع أن يلم بهذه النواحي إلماماً حسناً، وأن يقص تاريخ الخلافة في عصورها وعواصمها المختلفة، وتاريخ الأسر والدول الإسلامية المختلفة شاملة على إيجازها.
وقد كان المرجع الموجز في تأريخ الإسلام والعرب بالإنكليزية حتى اليوم كتاب المرحوم السيد أمير علي (مختصر تاريخ العرب) ولا يزال إلى يومنا من أقيم المراجع الجامعية في بابه. وكتاب الدكتور حتي من هذا الطراز. فهو أيضاً يمكن أن يعتبر من المراجع الجامعية الموجزة في هذا الباب. بيد أن كتاب السيد أمير علي يمتاز بميزة لم تتوفر في أي مؤلف آخر صدر بالإنكليزية في عصرنا عن تاريخ العرب؛ ذلك انه كتب بقلم مسلم يفهم روح الإسلام الصحيح، ويستطيع أن يدرك كثيراً من أسراره التشريعية والأخلاقية والاجتماعية، وإدراك روح الإسلام الصحيح شرط أساسي لكتابة تاريخ الإسلام بروح الفهم والإنصاف. وهذه الخلة قلما تتوفر للكتاب غير المسلمين.
مسارح العراء
كانت مسارح العراء في العصر القديم من أهم ظواهر الثقافة الفنية والرياضية، وكان لها شأن كبير في الحياة الاجتماعية في أثينه ورومه؛ والآن تعمل بعض الأمم العظيمة الحديثة على إحياء مسرح العراء القديم ليتسع لعشرات الألوف من النظارة بين الخضرة والهواء الطلق بدلا من المسارح الضيقة المغلقة التي لا تتسع إلا لفريق من الخاصة والتي يتاح كثيراً لأفراد الشعب زيارتها والتمتع بما يعرض فيها من المظاهر الفنية الساحرة. وقد سبقت ألمانيا البلاد الأخرى في هذا المضمار، فأنشأت مسارح عظيمة في العراء في أجمل المواقع والبقاع، ويبلغ عددها اليوم نحو مائتين وخمسين مسرحاً يؤمها نحو مليوني متفرج؛ وهذه المسارح على خمسة أصناف: مسارح الميادين العامة، مسارح القصور، مسارح الطبيعة، مسارح الحدائق، والمناظر الهندسية الضخمة؛ وقد انتخبت عدة من القصور التاريخية والغابات الشهيرة بجمالها لإنشاء هذه المسارح، ومنها ما يتسع لأكثر من عشرة آلاف متفرج دفعة واحدة.
وقد أقامت ألمانيا هذا الصيف معرضاً دولياً لمسارح العراء في مدينة فرانكفورت، وهو أعظم مظاهرة فنية من نوعه؛ وبه مناظر لتطورات المسرح والتمثيل منذ فجر التاريخ إلى يومنا؛ ومن الأمم المشتركة فيه فرنسا وهولنده وسويسرا وإيطاليا واليابان والصين، وكل منها تعرض مناظر مسرحها القومي، ولاسيما المناظر التي اشتهرت في التاريخ؛ من ذلك مناظر قدمتها فرنسا ترجع إلى القرن السادس عشر، وأخرى قدمتها سويسرا وإيطاليا وهي جميعاً تدل على روعة المسرح وازدهاره في عصر الإحياء؛ وفي هذه المجموعة الغريبة من المناظر الفنية يشعر الإنسان
بالدور العظيم الذي يؤديه المسرح في نشر الثقافة الفنية والأخلاقية في مختلف المجتمعات التي تتذوقه وتغذي مشاعرها منه. وسيبقى هذا المعرض الفني العظيم قائماً حتى شهر سبتمبر.
الروح الأوربي
ظهر أخيراً بالفرنسية كتاب عنوانه (الروح الأوربي) ' بقلم مسيو ديمون فلدن وفيه يعالج الكاتب مشكلة أوربية جديدة هي فقد ما يسميه هو (بالروح الأوربي). وقد كان جان جاك روسو يقول في القرن الثامن عشر إنه لم يبق في أوربا فرنسيون وألمان وأسبان وإنكليز. وإنما هنالك أوربيون فقط، ويرجع ذلك في رأيه إلى أن أحداً من هؤلاء لم يتلق تربية قومية خاصة. ورأي المؤرخ الفرنسي البير سوريل أن ذلك يرجع إلى نفوذ اليسوعيين لأنهم هم الذين يتولون شئون التربية في معظم أنحاء أوربا، ولكن أوربا اليوم قد تغيرت تغيراً عظيماً وأصبح (الروح الأوربي) القديم أثراً بعد عين. ذلك لأن النزعة القومية العميقة قد طغت بعد الحرب على أوربا طغياناً شديداً واتخذت لوناً محلياً يقرب إلى التعصب وقد كانت الفاشستية أول من وضع بذرة هذا التعصب القومي العميق، ثم جاءت الوطنية الاشتراكية (الهتلرية) في ألمانيا فأذكت هذه الحركة ودعمتها بفكرة الجنس أو الدم؛ وطغت هذه الموجة القومية العمياء على معظم المجتمعات الأوربية؛ وحتى فرنسا التي عرفت بنظرياتها الحرة الواسعة رأت نفسها مضطرة إزاء هذا التيار أن تنهج نفس المنهج، وأن تأخذ بهذه النزعة القومية الجديدة. والآن ينهار الروح الأوربي القديم انهياراً تاماً، ويندر أن يتفاهم رجال السياسة الأوربية على خطة أو جهة موحدة، لأن النزعات والمصالح القومية تمزق الدول والمجتمعات. هذه هي المسألة التي يعالجها الكاتب في كتابه بمنطق حسن وأسلوب جذاب.