مجلة الرسالة/العدد 188/وطني في عرس الحرية
→ من روائع أدب الغرب | مجلة الرسالة - العدد 188 وطني في عرس الحرية [[مؤلف:|]] |
حول رأيين في ← |
بتاريخ: 08 - 02 - 1937 |
للأستاذ عبد المنعم خلاف
عرش الشمس، عليه صباح مشرق، كله أضواء وأنداء وأغاريد وطوالع سعدٍ، واستهلال مجد
يَرِفُّ فوقه علم هو النمو والخصب والعلا وإقبال الأيام، رفيف القلوب حوله والأجفان فيه
وعلى العرش ملك يومئ الزمن باسمه إلى تاريخ وقف، وتاريخ أقبل. . . . وبشبابه إلى ربيع مخضر يلف بنت النيل بطيلسانه وريعانه فتنبت الورد والشوك. والغصن والرمح، للجمال والقوة. فهو ملك وكلمة من كلمات الغيب ألهمها (فؤاد) فوضعها فيما وضع من أعلام المجد
وأمة صهرت الفتن جوهرها نصف قرن، فخرج صافياً غير مدخول ولا زائف، قد (تكتل) وتجمعت ذراته، وتضائلت خلاياه، ونشطت عضلاته، ونهض في مركزه بين مشرق الشمس ومغربها صلب العاتق كالأهرام، رشيقا كالنيل، رهيبا كالصحراء، ينتظر أن يحمله الزمن رسالته الحديثة
وشعب يبدو كخلية النحل، يعمل في رأي مجتمع، ونشوة بعذوبة الوحدة بعد مرارة الفرقة، وحيرة الادلاج والسري خمسين سنة في مجهل السياسة، وقد ترك على الطريق جثثاً صرعى ونفوساً هلكى، فلما عسعس الليل وملّ الحادي وحار الدليل، أسعفه القدر بانفلاق الإصباح وإقبال النور والهدى إلى الغاية
وتاريخ يمسك قلمه القديم الذي كتب به أولى صحائف الحضارة والعلم ليكتب صحيفة جديدة نرجو ألا ينقضي مداها ولا يأفل سناها
وأرواح حائمة من الأبوة الأمجاد تصلي في ملكوت السموات أن يحمي رحمن العالم أرض الذرية ووصلة الشرق بالغرب.
وشيوخ محنكون يضعون الأساس ويخلقون الجو الجديد للروح والجسم، بالقلم والسيف، للمجد والحق.
وشباب ملتهب الفؤاد مسعر الروح، يريد أن يقيم البناء بنجوم السماء. . لا يدري ماذا يقدم من مطالب الوطنية ورغائب الحياة الجديدة، فما يولد يوم إلا ومعه إلهام منه يتنزل على العقول بمعنى من معاني توكيد الاستقلال والتأهيل لاستكماله، لأنه يشعر بالعظيمة التي ألقيت على كاهله في عصر الانتقال وتغير مجرى التاريخ، وإليه مآل الحوادث وقرار النتائج
ذلكم هو وطني من بعد. . أبي وأبوكم الرحيم أيها المصريون! تشيع منه في عيني صورة حاضرة على غيابه، مجلوة على احتجابه، طائفة في المُصبح والمُمسي، والخلوة والجلوة
وقد شاء الله أن تعود الحرية النائية إلى ربوعه وأنا عنه بعيد، فلم أشهد مواكبها وعرسها على الجباه والشفاه، ونشوتها في الأرواح والأشباح، وأملأ فراغي من فرح الحياة بها كما ملأته من الأسى عليها وهي حمراء دامية. . واضحك للبلسم كما بكيت للدم!
ولي ولع برؤية الجماهير ورصدها، وللجماعة في أعصابي سحر. . . عجيب يجدد إيماني بقوة الذرة إلى الذرة. إلى الصحراء، وبالقطرة إلى القطرة. . . إلى الدأماء، وبالإنسان إلى الإنسان. . إلى الدولة. فكانت مناي أن أرى الشباب الذي طالما خر إلى الأرض شهيداً يخر للأذقان ساجداً تحت رجفة من هتاف الزعيم (اسجدوا. . اسجدوا لله شكرا)
طلع الفجر يا بني أبي! وانفجر الضوء، فاغسلوا قلوبكم بنوره، ونقوا ضمائركم بطهوره، وأشيعوا معانيه في صدوركم، وسلطوه على أوكار الظلام والضعف والجهل، واقتلوا به الحشرات المخربة الدنيئة. . . ثم أجمعوا أمركم لسفر طويل في طريق وعر مملوء بالإشراك والتعاسيف والمتاهات والزحام والسعالي والغيلان. . وجثث الأمم الوانية الخطى، الخرقاء التدبير، المتخاذلة القوى، المفرقة الهوى. . . طريق المجد!!
وقبل السير قفوا وتلفتوا إلى الخلف، وسرحوا الأبصار في معالمه، وتذكروا أغلاط الماضي واستوحوا هداه وعبره، فإن ذلك أحرى أن يطرد معه السير على الجادة دون انحراف إلى بنيات الطريق
بغداد
عبد المنعم خلاف